الشارع المغاربي: الفوضى التي عرفها المسار الانتخابي تنطبق على المشهد في الأوساط المساندة والداعمة لرئيس الجمهورية قيس سعيد التي فشلت في تنسيق عملية تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر بما ينذر بحملة انتخابية “قيسية-قيسية” قد تتحوّل إلى مسرح لتصفية الحسابات.
تنتهي يوم 22 نوفمبر 2022 فترة البت في الطعون في الترشحات للانتخابات التشريعية وستتضح مع الاعلان عن القائمة النهائية للمترشحين (في نفس اليوم حسب الروزنامة الانتخابية) وحساسياتهم السياسية التي ستكون اجمالا مساندة لرئيس الجمهورية ولمسار 25 جويلية باعتبار ان كل مكونات المعارضة اعلنت عن مقاطعتها هذا االاستحقاق. معطيات متقاطعة تشير الى ان الحملة الانتخابية ستكون باردة لغياب المنافسة والى أنها قد تكون في المقابل بمثابة عملية تصفية حسابات بين المجموعات او الشقوق المحيطة بقيس سعيد .
4 مجموعات
وتؤكد عدة شهادات متقاطعة ان مساندين لقيس سعيد وناشطين سابقين في حملته الانتخابية سيتنافسون في كل الدوائر. ويمكن تقسيمهم الى 4 مجموعات: المجموعة الاولى من ناشطين في “حملته التفسيرية” أو ” أبناء المشروع” والمجموعة الثانية تمثل الناشطين في مبادرة “لينتصر الشعب” والمجموعة الثالثة تضم “مقربين من عائلة الرئيس ومن وزراء ” واخيرا مجموعة الاحزاب والافراد المتحفظة على مشروع “البناء القاعدي” والداعمة لمسار 25 جويلية ولرئيس الجمهورية على غرار أحزاب حركة الشعب وتونس الى الامام والتحالف من اجل تونس.
بالنسبة للمجموعة الاولى كشف مصدر ممن يسمى بـ”الناشطين السابقين في الحملة التفسيرية لقيس سعيد” لـ” الشارع المغاربي” ان 10 أشخاص فقط من هذه المجموعة قدموا ترشحاتهم للانتخابات التشريعية قال انهم “رفضوا الانخراط في أي من التنظيمات او المبادرات التي تشكلت بشكل رسمي او غير رسمي” لإعداد الترشحات وانهم فضلوا خوضها كأفراد والتعويل على انفسهم. المصدر نفى ان تكون شروط الترشح وراء عزوف الشباب الذي كان ناشطا بقوة خلال الحملة الرئاسية لقيس سعيد لسنة 2019 مبينا ان “تطورات ما بعد 25 جويلية والانحراف نحو قرارات فوقية من قبل عدد من المحسوبين على هذا المسار” فرضت على “عدد من المتطوعين السابقين في الحملة” اتخاذ مسافة شدد على انها تعني “البقاء على الثوابت”.
اما المجموعة او “لينتصر الشعب” التي اعلن عن تأسيسها يوم 11 اكتوبر 2022 في بيان موقع من 25 شخصية منهم العميد السابق للمحامين ابراهيم بودربالة، فيقول النقابي محمد علي البوغديري لـ”الشارع المغاربي ان “عدد المترشحين عنها تجاوز الـ100” في جل الدوائر الانتخابية منوها بمن اسماهم بالكفاءات النوعية المترشحة التي قال انها تضم دكاترة واطارات عليا. غابت الدقة في تصريح البوغديري حول عدد المترشحين عن المبادرة وهو نفس الامر بالنسبة لمكونات المجموعة الثالثة التي يتحدث عنها كمجموعة نافذة تتحرك دون غطاء رسمي ووفرت لمرشحيها تسهيلات تمكنها من الترشح عبر تسخير ولاة ومعتمدين ورؤساء بلديات. قائمة المترشحين تضم حسب ما يتناقل بين “ابناء المشروع” “مرشحين سابقين لمناصب وعدوا بتعيينات في اجهزة الدولة” ووُجد ” في استحقاق 17 ديسمبر بوابة لتحقيقها كآلية تشغيل .
واخيرا ، نجد المترشحين بوجوه مكشوفة وهم مكونات المجموعة الرابعة التي يمكن تمييزها عن بقية المجموعات بموقفها الرافض لـ البناء القاعدي” وتضم اساسا احزابا وشخصيات داعمة لرئيس الجمهورية ولمسار 25 جويلية. لم يقدم أي من الاحزاب المعنية قائمة مرشحين ويبدو ان فشلا في تلبية شروط الترشح وتقديم مرشحيها في اكثر عدد من الدوائر وراء عدم اعلانها عن مرشحيها وهم في حدود 4 و7 وعلى اقصى تقدير 14.
ومن المنتظر ان تشهد كل الدوائر الانتخابية (باستثناء 17 دائرة غير معنية بالانتخابية 7 لغياب مترشحين و10 بعد الفوز الالي للمترشحين بفضل فصل في القانون الانتخابي يمنح لمترشح وحيد في دائرة انتخابية الفوز آليا) منافسة ليس فقط بين مرشحي المجموعات الاربع بل وبين مرشحين من نفس المجموعة (باستثناء المجموعة الرابعة) لغياب التنسيق من جهة ولعدم وجود الية قرار داخلها من جهة اخرى.
هنا يؤكد المرشح عن دائرة جرجيس احمد شفطر في تصريح لـ “الشارع المغاربي” وجود مترشحين من مبادرة “لينتصر الشعب” سيتنافسون في نفس الدائرة كاشفا ان الحسم في مساندة مرشح على حساب اخر بنفس الدائرة سيخضع الى ” قوانين الدعم” وانه سيتم تجديد “اسس الدعوة لانتخاب مرشح بعينه “. وبيّن شفطر ان” تعدد الترشحات من نفس المشروع في نفس الدوائر لن يطرح اشكالا”.
مع ذلك يطرح اشكال آخر، حسب شفطر ، قال إنه يتعلق بـ “مجموعات اخرى تريد الدخول الى عصر جديد لكن بالامتيازات القديمة” ذاكرا بالتحديد حركة الشعب وحركة تونس الى الامام. الحزبان اللذان اشار اليهما شفطر هما ما تبقى تقريبا من الاحزاب المساندة لمسار 25 جويلية ولرئيس الجمهورية. امر لا ينفيه المتحدث الذي اشار الى ان هناك نقطة اختلاف جوهرية في قراءة المسار بين مجموعة “لينتصر الشعب” والمجموعة الثانية شدد على انها تتعلق بالتصور للمسألة الديمقراطية الاول يقوم على الذهاب الى ديمقراطية محلية مباشرة والثاني يقوم على ديمقراطية نيابية في اوسع الدوائر.
وقال شفطر ان مبادرة “لينتصر الشعب” هي اللبنة الاولى من “التشكل في كتلة تاريخية ” تركز على 15 نقطة ابرز انها “تتعلق بالحريات وبمنوال التنمية والسياسات الخارجية” وان “المترشحين التقوا حولها للدخول الى عصر جديد بفكر جديد وليس من اجل اية امتيازات” مذكرا بان هذه المجموعة ليست بحركة سياسية متحزبة . ويقترح شفطر او ” كبير المفسرين” مثلما اصبح يلقب بأن يترك الباب مفتوحا للمنافسة امام كل المترشحين على ان يتم بعد الانتخابات تشكيل “الكتلة التاريخية” من قبل من سينجح في الوصول الى البرلمان.
تصفية حسابات
الانقسام في محيط رئيس الجمهورية لم يعد خافيا على احد منذ “الصراع” على منصب رئيس الحكومة قبل تكليف نجلاء بودن بهذه المهمة واتضح ابان ازمة اقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة ثم مع التسريبات المنسوبة اليها ومؤخرا عبر الصفحات الفايسبوكية التي كانت مسرحا لتصفية حسابات بين ” شقوق المشروع”. هذا الانقسام تجلى ايضا في الترشحات للانتخابات التشريعية التي ستنظم لأول مرة في تاريخ تونس بنظام اقتراع على الافراد سيترشحون “فرادى” لكنهم مدعومون بمجموعات تبحث عن التموقع في البرلمان القادم.
وان كانت عملية الترشيحات بالشكل الذي تمت به وبما شاب المسار الانتخابي من شوائب وانحرافات تؤسس لبرلمان “قيسي ” بامتياز سيغيب عنه أي نفس معارض، فان ذلك لا يعني ان البرلمان القادم سيكون برلمانا ” منسجما” ولا يعني ايضا ان الحملة الانتخابية ستتم في كنف الهدوء في ظل مقاطعة المعارضة. فمن المنتظر ان تكون الحملة بمثابة ” تصفية حسابات” بين “الاخوة الاعداء” حسب ما اكدت لـ”الشارع المغاربي” مصادر موثوق بها قالت ان مؤشرات ذلك عديدة منها تفاصيل “تجميع التزكيات” وتسهيل الترشحات من قبل “النافذين في السلطة”.
هذا الملف طرحه رئيس الجمهورية قيس سعيد لوزير الداخلية توفيق شرف الدين في اللقاءات التي جمعتهما خلال فترة تقديم الترشحات لانتخابات 17 ديسمبر ونقل فيها سعيد لوزيره ” تشكيات تلقاها من عدة جهات” حول “التزكيات” وهذه التشكيات من “داخل المشروع”. والمعلوم ان التعديلات التي تم ادخالها على القانون الانتخابي تفرض تقديم 400 تزكية كشرط من شروط الترشح الا انها تحوّلت الى شرط تعجيزي وكادت ان تسقط في تعديل جديد كان سعيد يعتزم اقراره وفسّر ذلك بتلاعب في التزكيات وبمال فاسد لتجميعها لكنه تراجع في الاخير عن ادخال أي تعديل جديد على قانون انتخابي كاد ان يكون فضيحة تضاهي فضيحة “الاخطاء التي طرأت على الدستور” وتؤدي الى سحبه واعادة نشر نسخة جديدة منه خلال الحملة.
انتخابات على المقاس مطعون في نتائجها قبل حتى اجرائها وستنظم وسط مقاطعة واسعة من المعارضة وتحفظ كبير من جزء من الداعمين وتململ داخل من تبقوا من المقربين سيخضونها في غياب برامج ومشاريع انتخابية وفي حملة ستكون لـ “نشر الغسيل” و “فضح ما شاب تقديم الترشيحات” ولتصفية الوافدين الجدد ممن التحقوا بالركب بعد 25 جويلية.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 8 نوفمبر 2022