الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: تواترت، في المدة الأخيرة، وبنسق غير مسبوق الإضرابات العشوائية وتحركات الأعوان بشركة “نقل تونس” في سياق مطالبات مستمرة بالزيادة في الأجور ومنح المردودية وإدماج أبناء الموظفين بانتدابهم صلبها وتحسين ظروف العمل وهي مطالب يتبناها نحو 20 هيكلا نقابيا تمثل أسلاكها الناشطة في الشبكة وقطاع الاستغلال وكذلك الهياكل الفنية والإدارية.
وقد أثرت هذه الوضعية على نوعية الخدمة بهذا المرفق العمومي الحيوي خصوصا انه يتم باستمرار اتخاذ حرفائه كرهائن بحكم أن الإضرابات تجري عموما بشكل مفاجئ مما يؤدي إلى إيقاف نقل الركاب دون سابق إعلام. وتشير آخر الحسابات المالية المحينة والصادرة عن شركة “نقل تونس” إلى أنّها تشهد عجزا ماليّا يناهز 800 مليون دينار مما يعني أنها قد استهلكت أموالها الذاتية أربع مرات وهي التي تقدر بنحو 200 مليون دينار علما أن دعم الدولة السنوي لقطاع النقل برمته لا يتجاوز 500 مليون دينار .
ومن هذا المنطلق وحسب مقتضيات مجلة الشركات التجارية فانه من المفروض إعلان الشركة في حالة إفلاس باعتبار عجزها وانعدام ملاءتها المالية. ويعود العجز المالي الضخم أساسا حسب المعطيات المحاسبية للشركة إلى الترفيع المستمرّ في الأجور والأعباء المتصلة بها وغياب الزيادة في تعريفات التذاكر والاشتراكات إضافة إلى استفحال ظاهرة عدم خلاص حوالي 40% من المسافرين معاليم النقل وارتفاع مستحقات المزوّدين المحلّيين والأجانب لدى الشركة بما يقارب 15 مليون دينار.
وتواصل “نقل تونس” نشاطها، بالأساس، عن طريق القروض البنكية التي يوفرها احد البنوك العمومية الكبرى والدعم الذي تمنحه لها الدولة وهو الأمر الذي لا يسمح لها بصرف الرواتب والمنح والامتيازات ومكافآت الساعات الإضافية، حسب نسق طلبات الأعوان المتزايدة، بحكم الضعف الحاد لمداخيل الشركة والتي لا تمكن لوحدها من سداد هذه الأعباء. هذا وتؤكد شركة “نقل تونس” على أنه سيتم إحالة 700 شخص على التقاعد المبكر في إطار إستراتيجية إصلاح وهيكلة الشركة الذي سيشمل عددا من الأعوان الذين هم في حالة عدم مباشرة لوجودهم في عطل مرضية نتيجة العجز، علما أنه يوجد 140 عونا آخرين لا يقومون بأي نشاط مهني حقيقي ولكنهم موجودون فيها بسبب عدم توفر مهمة واضحة يقومون بها حسب تقييم الشركة.
وفي سياق متصل ما فتئ العديد من متابعي شؤون النقل العمومي في البلاد، يؤكدون على مقاطعة العديد من المسافرين الشركة خصوصا في السنوات الأخيرة وتوجّههم إلى القطاع الخاصّ، وذلك أساسا جرّاء الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة بما يؤدي الى اضطرابات متكرّرة ومستمرة في مواعيد الرّحلات. وطالبت نقابات الشركة مؤخرا بإسناد منحة الإلزام للإطارات الفنية وكذلك تمكينهم من الساعات الإضافية وبتنظير الشهائد العلمية للأعوان بمختلف رتبهم وخططهم وإعادة تصنيفهم، وكذلك تمكين الطرف النقابي بشكل دوري من الخطط والبرامج المحيّنة لإعادة هيكلة الشركة.
يذكر أن شركة “نقل تونس” تؤمن يوميا 8381 سفرة بالخطوط العادية و833 سفرة خاصة بالتلاميذ والطلبة فيما يبلغ عدد السفرات الخاصة بالخطوط التعاقدية 202 سفرة. كما وضعت على ذمة الشبكة الحديدية 134 عربة ضمن الأسطول لتأمين 1164 سفرة يومية إلى جانب الاستعداد عبر قرض خارجي لتدعيم خط ” تي جي ام” بـ 15 عربة جديدة لتأمين 66 سفرة يومية .
وأواخر نوفمبر المنقضي نظم منتدى خير الدين ،وهو مجمع بحثي وأكاديمي مستقل، ندوة حول ديناميكية النقل في تونس العاصمة ليتضح من خلال كافة المداخلات تقريبا أن الوضعية مزرية، بعد ان بلغت مرحلة متقدمة من التعكر، في هذا المجال وعلى نحو خاص، بما يهدد استمرارية مرفق النقل العمومي فيها ويُهدد بعدم لعب دوره التاريخي وحتى تلاشيه تدريجيا، بمختلف وسائطه. وتم التطرق باستفاضة إلى الوضعية المالية لمؤسسة “نقل تونس” و التي تم وصفها بالخانقة وكذلك إلى الإشكاليات التي تحول دون استكمال انجاز مشروع شبكة النقل الحديدي السريع على النحو الأمثل وطبقا للأهداف المحددة. مع الإشارة إلى أن معدات المترو الخفيف قد استهلكت بالكامل واستنزفت طاقاتها التشغيلية، كما وقع التوضيح بأنه و من جملة 1200 حافلة توجد 500 حافلة خارج الخدمة نهائيا.