الشارع المغاربي: للمرة العاشرة على التوالي تتم مراجعة التصنيف الإئتماني أو الترقيم السيادي لتونس إلى الأسفل. ولكننا لم نستوعب مع ذلك الرسالة للمرة العاشرة على التوالي.
تصنيف تونس أصبح caa2 مع توجه سلبي.
caa2 هي الدرجة الثامنة عشر من أصل عشرين درجة على سلم وكالة موديز.
التوجه السلبي يعني أنه في غياب إصلاحات عميقة في ظرف وجيز تكون المراجعة القادمة نحو الأسفل. والدرجة الموالية هي درجة التخلف الفعلي عن تسديد الدين الخارجي أو بعبارة أخرى الإفلاس المعلن. وما يسبق الإفلاس المعلن هو الإفلاس غير المعلن. وهنا وجب التذكير بأن الدولة التونسية تخلفت فعلا عن تسديد كل مستحقات الدين الداخلي بالدينار وبالعملات الأجنبية لسنة 2022. كل مستحقات الدين الداخلي تمت إعادة جدولتها إلى تواريخ استحقاقات قادمة يصل البعض منها إلى سنة 2033.
من ضمن 111 دولة مصنفة من طرف وكالة موديز تأتي تونس في المرتبة 100.
تخفيض التصنيف يشمل أيضا البنك المركزي التونسي
تخفيض التصنيف الائتماني التونسي إلى caa2 مع توجه سلبي شمل أيضا البنك المركزي التونسي. هذا يعني أن ثقة الأوساط المالية الدولية في البنك المركزي وفي سياسته النقدية أصبحت متدنية جدّا.
إمكانية التعثر في تسديد الدين الخارجي واردة جدا
التصنيف الحالي لتونس من طرف وكالة موديز هو بمثابة تحذير للدّول الأخرى والأسواق المالية الدولية والمؤسسات المالية والمستثمرين والمؤسسات الاقتصادية المزودة لتونس بأن بلادنا مرشحة للتعثر في تسديد ديونها اذ أنها أصبحت “بلدا ذا مخاطر عالية جدّا”.
التصنيف الائتماني
التصنيف الائتماني أو الترقيم السيادي هو تقييم لقدرة البلد المعني على تسديد ديونه الخارجية وهذا التصنيف يتم على أساس عدد من الاعتبارات والمؤشرات. وفي هذا السياق وجب التذكير بأن الوضع السياسي يحظى بـ 50 ٪ من الوزن الإجمالي للتقييم. والـ 50 ٪ المتبقية تأخذ بعين الاعتبار المؤشرات الاقتصادية والمالية الأساسية مثل نسبة النمو الاقتصادي ونسبة البطالة ونسبة التضخم المالي ومستوى عجز ميزانية الدولة وعجز ميزان الدفوعات الجارية ومستوى الدين العمومي والدين الخارجي مقارنة بحجم الناتج الداخلي الإجمالي ومستوى احتياطي العملات الأجنبية. كما يأخذ بعين الاعتبار قدرة الدولة على تعبئة القروض والموارد المالية الخارجية. وهنا تثار مسألة علاقة تونس بصندوق النقد الدولي.
تونس وصندوق النقد الدولي
توصّلت تونس يوم 15 أكتوبر 2022 الى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي قصد الحصول على قرض جديد بـ 1,9 مليار دولار يصرف على ثمانية أقساط على مدى أربع سنوات. المحادثات التقنية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي دامت أكثر من 18 شهرا. تونس تفاوضت مع صندوق النقد الدولي من موقع ضعف نظرا للوضع السياسي فيها ونظرا للمؤشرات السيئة جدا. تونس تفاوضت بمصداقية مهتزّة جدا بسبب فشل برنامجي 2013 و2016 وعدم التزامها بتعهداتها بالقيام بالإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية والتي تأخرت جدّا.
صندوق النقد الدولي أدرج ملف تونس في جدول أعماله لجلسة 19 ديسمبر 2022 للنظر في إمكانية صرف القسط الأول من القرض (حوالي 240 مليون دولار). ولكن تم سحب ملف تونس من جدول الأعمال قبل موعد الجلسة وصادف تاريخ ذلك السحب تواجد رئيس الجمهورية التونسية في واشنطن بمناسبة انعقاد القمة الأمريكية الافريقية.
هذا السحب لا يعني مثلما قال البعض أنه تأجيل للنظر في ملف تونس خلال الأيام الأولى من شهر جانفي 2023. هذا طبعا غلط ومغالطة. ملف تونس تم رفضه من طرف صندوق النقد الدولي لأسباب عدة منها الشكلي مثل عدم تقديم ميزانية الدولة 2023 لصندوق النقد الدولي في الموعد أي قبل نهاية شهر نوفمبر 2022 وعدم توقيع رئيس الجمهورية على الميزانية. وهناك أسباب موضوعية منها عدم توقيع رئيس الجمهورية على رسالة النوايا (letter of intention) والتي تعني موافقة رئيس الجمهورية على برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به الحكومة. ومن بين أهم الأسباب الموضوعية عدم تمكن تونس من حشد الدعم اللازم والموارد الخارجية اللازمة لتمويل ميزانية 2023 ولتمويل برنامج الإصلاحات التي تعهدت بها الحكومة التونسية والتي توصلت على أساسها الى الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي.
صندوق النقد الدولي يعتبر أن لا فائدة من تقديم القرض إلى تونس إن لم تكن هناك جهات مانحة أخرى على المستوى الثنائي أو على مستوى المؤسسات المالية الدولية الأخرى مستعدة للمساهمة في تمويل ميزانية 2023 وبرنامج الإصلاحات.
وجب القول هنا أنه لم تكن للسلط التونسية بمعنى الحكومات المتتالية منذ 2011 والبنك المركزي التونسي سياسات وخيارات جيدة وأنها لم تتصرف لا بالحكمة اللازمة ولا بالوطنية اللازمة قصد تجنيب تونس هذه الأوضاع الخطيرة. وجب القول أيضا أن التصنيف الجديد لتونس من قبل وكالة موديز يعني بوضوح أن وصول تونس إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي أصبح صعب المنال :
الوصول بل أصول مستحيل.
ماذا يجب أن ننتظر الآن؟ :
علينا أن ننتظر :
- عدم قدرة الدولة على تغطية نفقاتها العادية والمبرمجة في ميزانية 2023.
- عدم قدرة الدولة على تسديد ديونها الداخلية والخارجية.
- تراجعا حادا في احتياطي العملات الأجنبية.
- مزيدا من الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة.
- تفاقم مستويات الدين العمومي والدين الخارجي.
- مزيدا من التضخم المالي.
- أزمات أكثر حدّة في تزويد السوق بالمحروقات والمواد الغذائية الأساسية.
- مزيدا من الصعوبات للبنوك التونسية في تسوية عمليات التجارة الخارجية وخاصة منها عمليات التوريد.
- مزيدا من هجرة الكفاءات و”الحرقة”.
التعثر في تسديد مستحقات الدين الخارجي يحيلنا مباشرة إلى اجتماع رئيسة الحكومة التونسية الأسبوع الفارط في تونس بالسيد ايمانويل مولان Emmanuel Moulin رئيس الخزينة الفرنسية ونادي باريس. لماذا جاء استقبال مماثل عشية الإعلان عن التصنيف الجديد لتونس من قبل وكالة موديز؟ ما هي المواضيع التي كانت على جدول أعمال الاجتماع المذكور؟ عماذا تم الاتفاق ولماذا لم يحضر اجتماع مماثل لا وزيرة المالية ولا وزير الاقتصاد والتخطيط ولا محافظ البنك المركزي؟ أي لا أحد من الثالوث الذي تحوّل في مناسبتين إلى واشنطن للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
هل تستعد الحكومة إلى إعلان تعليق تسديد مستحقات الدين الخارجي؟ ماذا يحدث بالضبط؟ أليس الشعب التونسي بأكمله معنيا بما يُعَدّ ويُطْبخ له؟.
إن كان ولا بدّ
إذا اقتنعنا بأن لا مفر من التعثر في تسديد مستحقات الدين الخارجي وبأن لا مفر من الدخول في دوامة إعادة جدولة الدين الخارجي فلماذا لا نعد العدّة لذلك من الآن؟ لماذا ننتظر الدقائق الأخيرة حتى نقوم بما يجب القيام به في أوضاع متشنجة ومرتبكة؟ إذا كان لا بد من إعادة جدولة الدين الخارجي فيجب ألاّ يغيب العقل حتى في الشدائد وفي الأزمات أو بالأحرى خاصة في الشدائد والأزمات. أليس حريا بنا أن نستعد من الآن بـ :
- إعداد أهداف واستراتيجية التفاوض مع الدائنين بأصنافهم.
- إعداد فريق التفاوض.
- إعداد خارطة طريق كاملة وشاملة لعملية التفاوض.
كل ذلك قصد تحسين شروط التفاوض وتخفيف وقع نتيجة التفاوض على تونس وعلى المواطن التونسي.
الوصول بلا أصول مستحيل.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 31 جانفي 2023