الشارع المغاربي – بعد مثول الجنرال رشيد عمار أمام المحكمة: الكلّ يُكَذّب الكلّ والحقيقة لا يعلمها إلاّ الله

بعد مثول الجنرال رشيد عمار أمام المحكمة: الكلّ يُكَذّب الكلّ والحقيقة لا يعلمها إلاّ الله

قسم الأخبار

8 يناير، 2022

الشارع المغاربي-العربي الوسلاتي: ماذا حدث يوم 14 جانفي 2011؟ سؤال وجودي يُخامر أذهان كل الشعب التونسي الذي عاش وعايش الثورة التونسية بكل تفاصيلها وتموجاتها وانحرافاتها وكان شاهدا على كلّ عناوينها الرئيسية والفرعية دون أن يكوّن للأسف فكرة حقيقيّة عمّا حدث بالضبط في ذلك اليوم الفارق في تاريخ تونس. ويمكن الاعتراف صراحة ودون زيف أو خجل أنّنا الى اليوم لا نعرف جميعا أو لنقل غالبيتنا -باستثناء أولئك الذين رابطوا في غرف الداخلية المظلمة- ما الذي حدث بالضبط ومن قاد خيوط الثورة أو الانقلاب المزعوم.

ذلك السؤال الحارق والمارق على قانون الثورات المتعاقبة في ما سمّي بمشروع الربيع العربي عاد مؤخرا وبقوّة الى واجهة الأحداث ليحتلّ كبرى العناوين بعد مثول الجنرال رشيد عمار يوم أمس أمام دائرة العدالة الانتقالية بصفته شاهدا في أحداث ثورة «الحرية والكرامة» بتاريخ 13 جانفي 2011 التي أدت إلى استشهاد مجموعة من التونسيين في شوارع العاصمة وإصابة آخرين بسبب طلقات نارية من طرف اطراف امنية موجودة على عين المكان اثناء تظاهر المواطنين.

شهادة للتاريخ أو هكذا أرادها البعض على أمل أن ينجلي الغموض الذي رافق ساعات السقوط الأخير وامتد لأكثر من عشر سنوات. سؤال يملك الجنرال جوابا شافيا وضافيا له لكنه مع ذلك مازال يرابط مكانه في مربّع الغموض والمجهول. الجنرال كان حاضرا ليدلي بدلوه في الموضوع إذ مثل أمام أنظار المحكمة وأدّى اليمين القانونية على ألا يقول إلا الحق. وفي شهادته التي تعتبر سابقة في تاريخ تونس على الأقّل في عهدها الجديد أكد الجنرال عمار أنه بتاريخ يوم 13 جانفي كان يشغل خطة رئيس اركان جيش البر وأنه كان موجودا في قاعة عمليات القوات المسلحة ملاحظا انه كانت لديه قوات جيش منتشرة في كامل انحاء الجمهورية التونسية بما قدره 150 موقعا بهدف حماية هذه المواقع التي تعود لمواقع حساسة للمؤسسات الإدارية والقضائية والمالية والصناعية عامة او خاصة مؤكدا أن وزارة الداخلية هي التي تحدد التمركز بهذه المواقع.

الجنرال أوضح انه بتاريخ 13 جانفي علِم ككافة التونسيين والتونسيات بسقوط ضحايا في صفوف المدنيين اثناء التظاهر مؤكدا في هذا الصدد انه لم يتمّ استهداف اية نقطة او موقع من المواقع المؤمنة من طرف وحدات الجيش من طرف المتظاهرين. مشددا على ان وحدات الجيش المنتشرة بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة قامت بتأمين مقر وزارة الداخلية وسفارة فرنسا والكاتيدرائية والمغازات الكبرى والمؤسسات المالية.

الجنرال نفى تحوّله بتاريخ 13 جانفي الى مقر وزارة الداخلية او تنظيم اي اجتماع مع قيادات الوزارة رغم اضطلاعه منذ 2002 تاريخ تعيينه رئيس اركان جيش البر بخطة منسق بين وزارتي الداخلية والدفاع الوطني في كلّ ما يتعلّق بالأحداث الكبرى بالبلاد. وجدّد تمسكه بعدم مغادرته مقر وزارة الدفاع الوطني بتاريخ 13 جانفي 2011 اضافة الى عدم تنسيقه يومها لا مع وزير الداخلية ولا مع غيره من القيادات الأمنية للوزارة وعدم تدخله في خروج او تمركز العناصر الامنية مشدّدا على أنه لم يشرف سوى على وحدات الجيش وبالتحديد جيش البر. وقال انه بتاريخ 10 جانفي 2011 اصدر برقية الى الجيش الوطني يأمر فيها بعدم استعمال السلاح ضد المتظاهرين بعد تأكده من أنّ الاحتجاجات التي صارت في البلاد احتجاجات سلمية غايتها المطالبة بمزيد الحرية والعدالة.

وبخصوص تصريح وزير الداخلية الأسبق أحمد فريعة والذي كشف انه تلقى بتاريخ 13 جانفي 2011 اتصالا هاتفيا من الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي يطلب منه التنسيق مع الجنرال رشيد عمار وترك الأمور الأمنية بيده وإدارة وزارة الداخلية منذ تاريخ 14 جانفي – سؤال الذي ورد عن رئيسة الجلسة – فنّد الجنرال هذه الرواية برمتها وأكد انه التقى فريعة لأوّل مرة في مكتبه بوزارة الداخلية يوم 14 جانفي على الساعة الرابعة الا ربع تقريبا وذلك بتكليف من وزير الدفاع حينها رضا قريرة وأنه طلب منه حينها تأمين مقر وزارة الخارجية بسبب الفراغ الامني الذي شهدته الخارجية.

يضيف الجنرال في شهادته ان فريعة لم يتّخذ قرارا ولم يعط تعليمات كتابية في خصوص إيقاف اطلاق النار على المتظاهرين الاّ بعد سؤاله عن ذلك وبأن الأخير طلب من مدير ديوانه تحرير منشور في الغرض مشيرا الى ان هذا المنشور لم يصدر سوى يوم 15 جانفي 2011. في المقابل أوضح أنه اصدر برقية بتاريخ 10 جانفي تقضي بمنع اطلاق النار على المدنيين واصفا تلك البرقية بالخطيرة في حد ذاتها وبانه يتحمل الى اليوم مسؤوليتها رغم الانتقادات الموجه إليه بما في ذلك من قيادات عسكرية. كما نفى وجود خلية ازمة يوم 13 جانفي قائلا انه لا علم له بهذه الخلية وأنه لم يكن طرفا فيها مؤكدا انه تحوّل الى مقر وزارة الداخلية ايام 9 و 10 و11 و14 جانفي 2011 وانه لم يتنقل اليها يوم 13 جانفي. مذكّرا بأن تنقله الى مقر وزارة الداخلية لم يكن في اطار خلية الازمة التي لا علم له بها وانما في اطار التنسيق معها حول حماية المواقع الحساسة.

في السياق ذاته يعتبر العنصر الأهمّ في شهادة الجنرال التاريخية ذلك المتعلّق بتأكيده ان وزير الدفاع الوطني الاسبق رضا قريرة طلب منه إيقاف مدير عام أمن رئيس الدولة علي السرياطي لاعتزامه القيام بانقلاب وانه طُلب منه أيضا إطلاق النار على الطرابلسية في المطار مبرزا أنه لم يمتثل لذلك.

جلسة الشهادة التي يمكن أن تعيد فتح عديد الملفات المسكوت عنها انتهت بعد أن قرّرت رئيسة الدائرة تأجيل القضية إلى تاريخ 14 فيفري القادم لدعوة شهود اخرين. من جانبه عبّر الجنرال رشيد عمار عن استعداده لتقديم أقواله وشهادته متى طلب منه ذلك. ولكن نهاية الجلسة لا تعني بالمرّة نهاية الجدل القائم والسائد بخصوص حقيقة ما حدث يوم 13 جانفي وما تلاه. فحتى شهادة الجنرال التي تعتبر رسمية لم تخل هي الأخرى من روائح النفي والتكذيب ليبقى السؤال قائم الذات ويبقى التساؤل مشروعا بخصوص حقيقة ما حدث. فما قاله الجنرال مثلا بخصوص رواية اعتقال السرياطي والتحريض على إطلاق النار على الطرابلسية وقع تكذيبه من طرف قريرة نفسه في أكثر من مناسبة.

للإشارة فإنّ الشهادة الرسمية بالمحكمة لم تختلف كثيرا عن الشهادة الاعلامية التي مرّرها الجنرال نفسه خلال حضوره ذات يوم في قناة «الحوار التونسي» عندما كشف عن رفضه الامساك بالسلطة بطلب من محمد الغنوشي ووزيري الداخلية أحمد فريعة والدفاع رضا قريرة وهو الكلام الذي كذّبه الغنوشي والذي شدد في تصريح لإذاعة «موزاييك» على أن اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي المنعقد في ذلك الوقت لم يطرح مطلقا مطالبة الجيش بتسلّم السلطة وعلى أن لا أحد طلب من الجنرال رشيد عمار تولّى الجيش السلطة قبل أن تمسك بها حركة النهضة مضيفا أن ما جاء على لسان الجنرال “لا أساس له من الصحة ولا يمتّ للواقع بأيّة صلة». وقد ختم محمد الغنوشي مداخلته الاذاعية يومها بالتساؤل عن الخلفيات التي دفعت بالجنرال لتقديم معلومات خاطئة ومغلوطة ولمصلحة من ونحن بدورنا نتساءل الى متى تبقى حقيقة ما حدث يوم 13 جانفي في غياهب المجهول. فلكلّ وزير أو قائد عايش تلك الحقبة الملتهبة روايته الخاصة وكل جهة ترمي بالاتهام وتشير بالأصابع الى الجهة الأخرى ولا نعرف حقيقة من يملك الحقيقة ومن المسؤول الحقيقي عن الأرواح التي ذهبت سرابا منثورا.

الى اليوم ورغم مضيّ عقد كامل من الزمن لم يتضّح الخيط الأبيض من الأسود بخصوص الرواية الحقيقية لثورة 14 جانفي. والى اليوم مازالت دهاليز الداخلية والبعض من قادة الجيش يحتفظون بشيفرة الصندوق الأسود للثورة. فمتى تنجلي غمّة المغالطات والتعتيم والتزييف للتاريخ خاصة أنّ لا أحد مستفيد الى حدّ الآن من بقاء الحقيقة معلّقة بين سندان الخوف ومطرقة البهتان.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 جانفي 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING