الشارع المغاربي-كوثر زنطور: انطلقت المواجهة بين رئيس الجمهورية قيس سعيد والقضاة الذين دخلوا في اضراب منذ يوم امس الاثنين يتواصل لاسبوع قابل للتجديد رد عليه سعيد بالتلويح باللجوء الى التسخير والاقتطاع من الاجور فيما يسوق ” المتحدثون باسمه” إلى أن قائمة اخرى ستصدر قريبا لتنضاف للقائمة الاولى التي ضمت 57 قاضيا شملتهم قرارات عزل وُصُفت بالمذبحة .اكد اجتماع رئيس الجمهورية قيس سعيد بوزيرة العدل ليلى جفال يوم امس الاثنين انه لا ينوي التراجع قيد انملة عن قرارات العزل الصادرة عنه بامر رئاسي رغم هول الشهادات المتداولة سواء من قبل قضاة معنيين بالقرار أو ممن خبروهم وخبروا خصالهم ونددوا بما اعتبروه مظلمة تعرضوا لها . سعيد المتهم بالتعنت لا يتراجع مثلما كشفت ذلك الاحداث المتتالية منذ 25 جويلية وستكون المواجهة مع القضاة احد اهم المنعرجات في ما يسميه بمساره التصحيحي .
تطورات
صدرت قرارات العزل بالرائد الرسمي، وهي الثانية منذ الثورة، في ساعة متأخرة من يوم الجمعة المنقضي وسبقها تعديل في قانون المجلس المؤقت للقضاء وكلمة للرئيس سعيد في اجتماع مجلس الوزراء قدم فيها كشفا عن خلفياته واسبابه . قوبل القرار بصدمة وبترحيب من “انصار التطهير” من منطلق ان قضاة كانوا محل متابعة من الراي العام تصدروا القائمة وبعضهم يُشكل في حد ذاته منظومة قبر الملفات طيلة سنوات .
اهم المعنيين بالقرار هما الاسمان الاكثر اثارة للجدل الطيب راشد رئيس محكمة التعقيب سابقا والبشير العكرمي وكيل الجمهورية بمحكمة تونس السابق . الثنائي يعتبر الاشهر على الاطلاق بما جعل من مسار الاحالة والنظر في ملفيهما من قبل المجلس الاعلى للقضاء حدثا سياسيا واعلاميا بارزا وكان ايضا وخاصة بمثابة اعلان سقوط نهائي لهيبة القضاء بالنظر لما كشف الاول كالثاني في نزاعهما الشخصي الذي تحول الى معركة بين منظومتين من انحرافات خطيرة ومن شبهات فساد.
رغم ان علات القضاء كانت معلومة واليات الاصلاح كانت متوفرة ، فان سعيد فضل اعادة رسكلة اخطاء الماضي والعزل على طريقة نور الدين البحيري . مقربون من الرئيس وانصاره ومريدوه يرون ان ما اتاه سعيد هو اخر الحلول وانه جاء اثر انذارات وجهت للقضاة خلال الاشهر الاخيرة وانه وجد نفسه امام وجوبية اعتماد هذا الاجراء للانطلاق في المحاسبة بعد ان تبين صلابة ” المنظومة القضائية الفاسدة” ورفضها الانخراط في مسار ” الجمهورية الجديدة” لتشملها بالتالي عملية الفرز الرئاسية.
هذا الفرز ” القيسي” المقدس بالنسبة للبعض حتى وان داس على ابسط القواعد والمعايير الدنيا المعمول به في المسارات التأديبية ، وضعه أمام مواجهة مع قطاع كامل يعود للرئيس الفضل في توحيد تاريخي لصفوفه بعد ان شقتها الخلافات والاصطفافات الداخلية النقابية والسياسية والمصلحية وانتهت بتحالف بين مختلف الهياكل الممثلة للقطاع عبر اعلان تأسيس تنسيقية ستخوض المعركة مع سعيد الذي فاتته رسالة المجلس الاعلى المؤقت للقضاء الذي رفض ، حسب ما اكدت لـ”الشارع المغاربي” مصادر قريبة منه البت في ملفات العزل مما جعل سعيد يلتجأ الى تعديل قانونه ويمنح لنفسه صلاحيات العزل بـ”جرة قلم” .
الواضح اننا ازاء حملة انتخابية لسعيد انطلقت قبيل موعد الاستفتاء الحاسم والمصيري المقرر اجراؤه بعد اقل من شهرين بـ” تطهير القضاء” وحشد الجماهير الفايسبوكية من خلال التذكير بالملفات الثقيلة التي يقول عارفون بالحيثيات انها كانت واجهة تم استعمالها لتصفية قضاة ممن رفضوا تعليمات وزيرة العدل واخرون معلومة خلافاتهم معها ومع محسوبين على محيط قيس سعيد .
التطورات القادمة اعلن عنها القضاة الذين قد يخوضون اضرابا مفتوحا واعتصامات بمختلف المحاكم والدعوة لعدم الترشح لسد الشغورات مقابل تلويج بخصم من الاجور وتسخير وربما اصدار قائمتين اخريين الاولى تضم 50 اسما واخرى باكثر من 60 اسما حسب ما كشف عدد من القضاة خلال الاجتماع الطارئ الذي عقدته جمعية القضاة يوم السبت المنقضي وحضره اكثر من 1500 قاض. وهذه المعلومات تحدث عنها من جهته رابح الخرايفي وهو احد المحسوبين على سعيد.
جفال وشرف الدين
بينت الشهادات المقدمة من قبل عدد من القضاة الذين شملتهم قرارات العزل ان تفقدية وزارة العدل اكدت لهم انها لم ” تحل اي ملف لرئاسة الجمهورية” وان الاجراء الذي اعتمده سعيد في مسار ما يسميه بـ” تطهير القضاء” صدر عن جهات اخرى امنية على الارجح. فرضية اصبحت بمثابة المعلومة الثابتة عبر تسريب تقارير امنية تهم 17 قاضيا معزولا يمكن القول انه كان لها مفعول عكسي باعتبار ان التسريب شكل سقطة اخلاقية لمن يقف وراءه ومثل طعنة جديدة في قلب الدولة التي باتت وثائقها على قارعة الطريق بعد ان تمكن منها الهواة .
التسريبات كشفت اذن ان عملية العزل تمت بتنسيق بين وزيرة العدل ليلى جفال ووزير الداخلية توفيق شرف الدين ، رأسا الحربة في حكومة قيس سعيد واكثر الوزراء الذين يلتقيهم. وياتي هذا التنسيق بعد ان وجد شرف الدين نفسه في ورطة حقيقية مع التطورات التي عرفها قرار الاقامة الجبرية الصادر في حق نور الدين البحيري القيادي بحركة النهضة . القرار كان شرف الدين قد علله في ندوة صحفية بتاريخ 3 جانفي 2022 بشبهات ارهاب في ملفي منح جنسية تما خلال فترة تقلد البحيري وزارة العدل.
ألمح شرف الدين الى انه خُذل من وزارة العدل. وهنا تشير الكواليس الى ان ملف البحيري تسبب في زعزعة ثقة الرئيس في وزيره ” الاقرب” شرف الدين أو “الصدر الاعظم” مثلما يُلقب وهو الذي انتصر له سعيد في 3 مناسبات على الاقل اهمها اقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة. ملف البحيري شكل قناعة بالنسبة للنافذين في السلطة بضرورة التسريع في تطهير القضاء الذي لم يتجاوب بالشكل المطلوب مع رياح التغيير ولم يستوعب سقوط “رعاته السياسيين” فيما يشدد القضاة على ان ” الملفات الواردة عليهم فارغة” وعلى انهم ” ملتزمون بتطبيق القانون”.
انضافت الى ملف البحيري خيبات اخرى منها رفض احد القضاة تعليمات وردت عليه ، وفق ما اكد مصدر قريب منه ، عبر تلميحات مفادها اصدار قرارات بايقاف عدد من النواب تم اثارة دعوى ضدهم على خلفية حضورهم جلسة في البرلمان المحل عقدت بتاريخ 30 مارس 2022 صوت خلالها 116 نائبا” مجمدا” بانهاء فترة التدابير الاستثنائية والغاء كل المراسيم الصادرة عن قيس سعيد .
كل هذا حتم التحرك بما يمكن من الانطلاق في المحاسبة التي يحمل رئيس الجمهورية مسؤولية تعطيلها الى جهاز القضاء وفشلت عملية حل المجلس الاعلى للقضاء وتنصيب اخر بتعيينات مباشرة منه في ارساء ” قضاء نزيه” يبدو ان تعريفه وفق سعيد تحويل مجرد شبهة الى تهمة دامغة وقد يكون فاته ان الاشكال في الملفات وفي عدم اعتماد تلك الصادرة عن المؤسسات على غرار تقرير تفقدية وزارة العدل الشهير والذي كان وراء اقالة وزيرين للعدل الاول من قبل هشام المشيشي والثانية من قبل قيس سعيد.
السياسي والذاتي والموضوعي
كشف المحامي والناشط في المجتمع المدني والقاضي الاداري السابق احمد صواب في تصريح لـ”الشارع المغاربي” ان نهاية مرحلة التقاضي بالنسبة للقضاة المعنيين بقرارات العزل لن تقل عن 15 سنة موضحا ان المسار الجزائي لن يقل عن 5 سنوات في مختلف أطواره وان المرور الى المحكمة الادارية سيتطلب 10 سنوات ملاحظا ان ما أتاه سعيد لم يقم به لا بورقيبة ولا بن علي.
ما اكده صواب وصفه رئيس جمعية القضاة انس الحمادي بعملية الاعدام الاجتماعية والقانونية واعتبره عدد من القضاة في اجتماع يوم السبت مجزرة حقيقية لم يسبق لها مثيل في اعتى الدكتاتوريات ” تتطلب وحدة الصف” مهما كانت تهديدات ” السلطة القائمة” مستندين الى ان الاجراء طال قضاة محل تقدير واحترام واسع وضحايا تصفيات حسابات سياسية وشخصية.
ضاعت مرة اخرى فرصة اصلاح القضاء بسبب المنهجية التي اعتمدها قيس سعيد والتي يتداخل فيها الذاتي بالسياسي والموضوعي. فسعيد الذي لم يغفر للاعضاء السابقين المجلس الاعلى للقضاء النقلة التعسفية لحرمه القاضية اشراف اشبيل في صيف 2020 ، بيّن انه فشل في ادارة ملف المحاسبة وسقط في اتون الوصم والتشهير وتركيز محاكم التفتيش الشعبية وسمح لانصاره بهتك الاعراض وباستباحة اقذر الاساليب لكسب مشروعية لقراره وفاته انه قد يكون مكن ” الفاسدين” من طوق نجاة بعد تدخله المستمر في القضاء الذي سيتعزز ان حسمت لصالحه المواجهة الدائرة مع القضاة .
ما من شك ان عزل القضاة هي في نهاية المطاف ورقة سياسية انتخابية استعملها سعيد وهو على بعد امتار من موعد 25 جويلية 2022 ، وورقة ايضا قد تستعمل ضد اهم معارضيه اليوم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي صعد اللهجة مؤخرا رافضا المشاركة في ما سمي بالحوار الوطني . سيناريوهات تتناقل في الكواليس منها جلسة 9 جوان 2022 والتي قد تفتح الباب امام تنصيب قيادة نقابية جديدة بعد ابطال مخرجات المؤتمر الاستثنائي للمنظمة الشغيلة.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 جوان 2022