الشارع المغاربي – تطويع النظام الداخلي للبرلمان وإسقاط الحكومة.. " ائتلاف القُبة" يبُوح بأسراره

تطويع النظام الداخلي للبرلمان وإسقاط الحكومة.. ” ائتلاف القُبة” يبُوح بأسراره

قسم الأخبار

23 أبريل، 2020

الشارع المغاربي-منى المساكني: تعديل النظام الداخلي تحول الى مكون أساسي وقار في البلاغات الصادرة عن مختلف هياكل مجلس نوايب الشعب مع تواصل الخلافات العميقة بين مختلف الكتل ، ليشهد قبل انتهاء الدورة البرلمانية الاولى كل انواع الشتم وتبادل النواب الزملاء ابشع النعوت واخطر الاتهمات وتعددت القضايا المرفوعة من اكثر من جهة اثر احداث نقلتها التلفزات على الهواء مباشرة وبينت كيف تحول العمل البرلماني الى ما يشبه “الاقتتال البرلماني” .

ويأتي تعديل النظام الداخلي مع ظهور معطى يمكن حتى تسميته بـ”الثوابت البرلمانية” ، وهو الائتلاف حول رئيس المجلس راشد الغنوشي والائتلاف يتكون اساسا من النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وبعض النواب “الطيعين” مثلما بلقبون في المجلس ، هذا الائتلاف ظهر في اكثر من مناسبة ، ونذكر منها المصادقة في فضيحة لم يسبق لها مثيل من حيث الاجراءات والدوس على قواعد العمل البرلماني ، على تعديل “مقنع” للنظام الداخلي للمجلس يوما قبل المصادقة على التفويض لرئيس الحكومة ، لـ”حماية نفوذ السلطة التشريعية” وللابقاء على ” سلطان المجلس” ولافراغ التفويض من محتواه ، وظهر هذا التحالف خلال التصويت لقانون وزارة انور معروف ايضا على سبيل المثال.

مع بروز هذا التحالف، اصبح وزراء يتحدثون صراحة عن “مخططات” لاسقاط الحكومة ، البعض يقول انه الفيروس الذي يضرب كل حكومة ويتحول الى شماعة تعلق عليه أخطاءها ، وما أكثرها مع كل حكومة ، وهنا نذكر بتصريحات الياس الفخفاخ عند حديثه عن شبهة الفساد في ملف المليوني كمامة او رد وزيره الاقرب محمد عبو عند سؤاله ايضا عن نفس الملف في راديو ” نزاهة” ليجيب بأن الحكومة جاءت لتبقى وانها ستبقى بكل الطرق قبل ان يستدرك بالتشديد على انها قانونية ( الطرق) و على ان الحكومة مستعدة لمواجهة كل من يريد اسقاطها والاشارة طبعا كانت موجهة رأسا لائتلاف القُبة ( قبة البرلمان) الذي بدأ يبوح بأسراره .

فيوم امس كشف عياض اللومي رئيس لجنة المالية والنائب عن قلب تونس ، دون وعي ربما وهو المعروف بتصريحاته المتشنجة وغير الموفقة ، في رده على اتهامه من قبل رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بنعتها بنعوت لاأخلاقية ، انه ضحية حملة مستنكرا تجاوزها شخصه لتشمل حزبه الذي قال انه محل انتقادات بسبب مواقفه من النهضة ، مؤكدا دون ان يوجه له اي من الحاضرين في  بلاتو ” تونس اليوم” على قناة “الحوار التونسي” لا سؤال ولا استفسارا أنه من غير المستبعد تشارك قلب تونس والنهضة الحكم ، والمعلوم ان حكومة الفخفاخ لها ” يدوب” مثلما يقول المصريون شهرين على تسلم السلطة.

شهران فقط  مرا لكنهما كانا كافيين ، لتعميق التباين والمسافات بين مكونات ائتلاف الحكم “الرسمي” ، تحديدا التيار والنهضة ، فهل تعكس التصريحات او التصويت  ان الحزبين المذكورين متحالفان ؟ قطعا لا ، اذ ان مداولات البرلمان والمواقف من امهات القضايا التي تعيشها البلاد ، على غرار ملف التفويض في وقت سابق او ادارة ازمة كورونا او ملف سيارة ابنة وزير النقل انور معروف وغيرها ، تبين اننا ازاء ائتلاف في القصبة تعارضه النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بقوة في البرلمان وائتلاف اخر في المجلس يضم النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، يعارضه التيار الديمقراطي وحركة الشعب اساسا لخلفيات تتعلق بموازين قوى الحكم ، وتعارضه كتلة الدستوري الحر الكتلة الباحثة عن تزعم المعارضة وتعمل على افتكاكها من قلب تونس المتموقع في “منزلة بين المنزلتين “( الحكم والمعارضة)  .

المشهد اصبح واضحا اذن ، ائتلاف القصبة يعمل على تقليم أظافر السلطة التشريعية وعلى استفزازها وجعلها على هامش القرار السياسي الوطني مسنودة بدعم كبير من رئيس الجمهورية قيس سعيد ، وائتلاف في البرلمان يستعد للحكم ، نعم يستعد للحكم معولا على فشل الحكومة في ادارة أزمة تفشي كورونا وعلى حراك اجتماعي متوقع قد يعصف باحلام الفخفاخ وجماعته في البقاء 4 سنوات ، وأصبح من المعلوم ، استنادا الى وقائع وسوابق ،ان الوصول للحكم يتطلب تعبيد الطريق الذي يمر وجوبا عبر بوابة النظام الداخلي.

ويراد من التعديل المرتقب صرب عصفورين بحجر واحد ، حماية الكتل المعنية بالحكم من أية انشقاقات اخرى ، بعد استقالة 9 من نواب حزب قلب تونس وتشكيلهم كتلة جديدة يترأسها حاتم المليكي ، وائتلاف الكرامة الذي شهد استقالات مع بداية العمل البرلماني كادت ان تعصف به ، وسارع باحتوائها هذا من جهة ومن جهة اخرى  يهدف التعديل ايضا وهذا مهم بالنسبة للغنوشي ، لتكميم افواه المعارضة وخاصة أوصات طويلي اللسان منها وتحديدا عبير موسي التي باتت مقلقة ، للثلاثي النهضة وائتلاف الكرامة وحزب قلب تونس ايضا .

وشهدت مداولات لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية، تباينات وخلافات عميقة بين نوابها حول ” ملف السياحة البرلمانية” ويوم امس تمت المصادقة، بأغلبية الأعضاء الحاضرين، على اقتراح تعديل يتمثّل في منع أي عضو من أعضاء مجلس نواب الشعب، عند بداية المدة النيابية، من الإنتماء لكتلة نيابية غير الكتلة التي كوّنها الحزب أو الإئتلاف الانتخابي الذي ترشح تحت إسمه. وتم التصويت خلال الجلسة المنعقدة يوم امس على اقتراح ثان يتمثل في منع الأعضاء المستقيلين من كتل، من الانتماء إلى كتلة نيابية جديدة خلال كامل المدة النيابية، وأفضت عملية التصويت إلى موافقة 6 أعضاء ورفض 4 أعضاء مع احتفاظ عضوين بصوتيهما .

وكشف بلاغ صادر عن المجلس ان نقاشا وصفه بالمستفيض دار بين النواب حول كيفية قراءة هذه النتيجة وذلك بالرجوع إلى كيفية تأويل الفصل 82 من النظام الداخلي الذي ينص على أن “تتخذ اللجنة قراراتها بأغلبية الحاضرين من أعضائها، بالتصويت علنا، برفع الأيدي، ما لم يوجد نص مخالف لذلك،وإذا تساوت الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحا.وتباينت الآراء في هذا الاطار، “بين من يرى ضرورة توفر أغلبية الأعضاء الحاضرين أي 50 زائد واحد وذلك بهدف إضفاء أكثر ما يمكن من الشرعية على قرارات اللجنة وهو ما لم يتوفر في وضعية الحال، وبين مدافع عن عدم احتساب الأصوات المحتفظة مع الأصوات الرافضة وبالتالي توفر أغلبية موافقة على الاقتراح، مقارنة بتلك الرافضة لاعتماده”.

وطالب بعض النواب الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالتصويت، بفسح المجال لتمكينهم من ذلك لحل هذه الإشكالية داعين الى الاستئناس بما تم اعتماده في جلسة عامة سابقة ومراعاة للظروف الاستثنائية لعمل اللجنة وبعض الإشكاليات التقنية المرتبطة بالمشاركة في أعمالها، عبر وسائل التواصل عن بعد مقابل شق آخر يدافع عن الحسم في قراءة وتأويل الفصل 82، ليكون مرجعا لأعمال اللجنة في جميع عمليات التصويت اللاحقة وعمل المجلس عامة عند المصادقة على تأويل هذا الفصل. واقترح البعض ضرورة “العودة إلى فقه العمل البرلماني، للاستئناس بقرارات مماثلة لوضعية الحال”.

وفي ظل “تباين واختلاف الآراء حول قراءة الفصل 82، في علاقة بنتيجة التصويت التى اعترضت اللجنة خلال هذه الجلسة، ونظرا لأهمية إيجاد تأويل سليم يكون مرجعا لعمل اللجنة في جميع عمليات التصويت التي سيتم اعتمادها لاحقا، رُفعت الجلسة على أن تواصل النظر في تعديلات النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، في وقت لاحق، عبر وسائل التواصل عن بعد” ، اي دون الحسم بالنظر الى حساسية هذا الملف وخاصة تداعياته حتى على المشهد البرلماني برمته ، مشهد تغير خلال المجلس الـاسيسي ثم برلمان 2014 بسبب السياحة الحزبية  .

وكانت الجلسة التي عقدتها لجنة النظام الداخلي، يوم الجمعة الماضي، وتناولت شروط تكوين الكتل النيابية والانتماء إليها وما يترتب عن الاستقالة وتغيير الانتماء إلى كتلة جديدة، شهدت ايضا تباينا شديدا في المواقف والآراء، بين من يرفض قطعيا انتماء العضو المستقيل من كتلة، إلى كتلة جديدة وتبرير ذلك بالالتفاف على ثقة الناخب الذي صوّت للقائمة الحزبية ومن ورائها إلى برنامج سياسي معين، وبين من يعتبر منع النائب من حرية الانتقال من كتلة إلى أخرى، غير مبرر، باعتباره أصبح نائبا عن الشعب، يعبّر ويدافع عن مصالحه ولا يمكن فرض قيود على حق النائب في الاعتراض عن خط سير كتلة أو حزب ما.

بخلاف هذه النقطة فان نقطة اخرى مهمة بالنسبة لائتلاف ” الحكم المستقبلي” مثلما يرى في نفسه ، يتمثل في اجراء تعديل في النظام الداخلي في اتجاه منح مكتب رئاسة البرلمان صلاحية اتخاذ بعض الاجراءات لفرض سير عمل المجلس ،وطرج هذا الامر اول مرة اثر اعتصام نواب الدستوري الحر وما قيل وقتها من غياب اطر قانونية تفرض الحفاظ على السير الطبيعي للجلسة العامة وتقييمات  للنظام الداخلي اكدت وقتها ان سقف الاجراءات والآليات التي يتيحها باب حفظ النظام حاليا لرئيس المجلس لا يكفي للحفاظ على السير العادي للجلسات العامة .

هذه النقطة نعتبرها موسي استهدافا مباشرا لها ، وهي التي ترفض بأي شكل من الاشكال تعديل النظام الداخلي في ظرف استثنائي تعيش على وقعه البلاد ويتم فيه التصويت والنقاش  “عن بعد” وحذر حزبها اليوم الخميس 23 أفريل 2020، في بلاغ صادر عنه من إرساء “دكتاتورية التوافق من خلال تكتل الإئتلاف البرلماني لفرض توجهاته وقراراته وتمرير مشاريع القوانين وتنقيح النظام الداخلي طبق مصالحه السياسية الضيقة مقابل تهميش ممنهج للمعارضة الحقيقية وإخراس صوتها وتدجين دورها الرقابي في خرق واضح لمقتضيات الفصل 60 من الدستور”.

وإستنكر “التعسف المفضوح على حقوق نوابه أثناء ممارسة مهامهم البرلمانية على غرار قطع الكلمة عنهم دون وجه حق في عدة مناسبات خلال الجلسات العامة واجتماعات بعض اللجان ومنعهم من حقهم في نقاط النظام طبقا لمقتضيات النظام الداخلي والرفض الآلي لكل مطالب الكتلة وتظلماتها والاستحواذ على حقوقها في المسؤوليات المخصصة للمعارضة وفي الهياكل البرلمانية الخارجية وتوظيف مكتب المجلس لتصفية الحسابات السياسية ضدها”.

كل شيء يشير الى ان البرلمان سيكون مسرحا لمعارك حامية الوطيس بين “ائتلاف القبة”  النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس ، “جرحى حكومة الفخفخاخ” مثلما يلقبون رغم ان النهضة ممثلة فيها بـ7 وزراء ، ومعارضة برأسين الاولى تمثل ذراع الفخفاخ البرلماني وتضم التيار والشعب وبدرجة اقل تحيا تونس ، والثانية الدستوري الحر ، وقد يتسبب ذلك في تعطل عمل البرلمان والحسم يعني ” الحكم” في ظل سلطة قائمة تريد البقاء و”ائتلاف” يبحث عن خلافتها بتصيّد كل اخطائها ، ويقول البعض ان اشكاله الابرز انه كشف أوراقه مبكرا جدا وقد يخدمه في المقابل ارتجال حكومي غير مسبوق وضعف كبير لعدد هام من “وزراء الصدفة” والاخطر تنافس على ظل “الفخفاخ” بين 3 وزراء سنعود لهم بالتحليل ، يستعدون لخلافته علاوة على غياب اية رؤية مستقبلية ومنهجية عمل وبرنامج لادارة ازمة اجتماعية حادة لما بعد جائحة كورونا.

وتتزامن هذه الصراعات مع ازمة غير مسبوقة اقتصاديا واجتماعيا قد يتسبب وقعها في انهاء اضغاث أحلام الجميع حكومة ومعارضة .


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING