الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: أصدر مؤخرا مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، وهو مركز يستند إلى الخبراء في الشؤون الإقليمية لتوفير تحليلات حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تواجه بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دراسة تحت عنوان “الوجه الخفي للتجارة غير الرسمية العابرة للحدود في تونس بعد عام 2011″.
وارتكزت محاور التحليل الرئيسية للدراسة على مدى عمق التغيرات في مجال المبادلات الخارجية للبلاد بما يعكس التوجه المتنامي والتدريجي للتجارة التونسية بعيدًا عن أوروبا، وصعود تركيا والصين كشريكين تجاريين أساسيين لتونس من خلال شبكات التجارة غير الرسمية وتكثيف الاعتماد على المجال البحري على حساب المبادلات البرية بمختلف اشكالها.
وابرزت الدراسة انه رغم المقاربة الأمنية المشددة التي اعتُمِدت عند الحدود البرية لتونس، تستمر التجارة غير الرسمية (الموازية) عبر الحدود في الازدهار.
وابرزت انه مقابل اغلاق الممرات البرية تستمر التجارة الموازية على قدم وساق في الممرات البحرية. وحسب مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط تُعزى ديناميكية الممرات البحرية التونسية إلى حد كبير إلى ظهور صغار روّاد الأعمال والدخلاء غير المحظيين الذين يعملون بطريقة غير رسمية من خلال الشبكات التجارية التي تربط بين الموانئ التونسية والآسيوية. واعتمدت بعض الشركات الراسخة أيضًا استراتيجيات غير رسمية للالتفاف على الحواجز والقيود التجارية التي تعترض التجارة الثنائية بين تركيا وتونس.
وتم التأكيد على ان فترة الحكومات التي تشكّلت في تونس بعد 2011 شهدت ارتفاعًا مطردًا في أنشطة التجارة غير الرسمية عبر الممرات البحرية. وشكّل تشديد الإجراءات الأمنية عنصرًا حاسمًا في إعادة تنظيم الشبكات التجارية غير الرسمية. وبات التجار التونسيون الذين كانوا يستوردون السلع المنتجة في الصين أو تركيا عبر الطرق البرية من ليبيا يعتمدون بدلًا من ذلك على الشبكات البحرية والموانئ التونسية. وجرت الاشارة، في هذا الإطار، إلى أن الكثير من هؤلاء عبارة عن جهات غير رسمية والى ان بعض الشركات العاملة في الاقتصاد الرسمي كانت مستعدة لتبني استراتيجيات اقتصادية غير رسمية بهدف خفض تكاليفها، وتجاوز القيود المفروضة على التجارة بين تونس وتركيا منذ عام 2018، والالتفاف على الأنظمة وخفض الضرائب المفروضة على السلع الصينية المستوردة.
وتنطوي عملية إضفاء طابع غير رسمي على التجارة على عدد من العمليات. ففيما يرتفع حجم الواردات عبر الموانئ التونسية، تزداد أيضًا العمليات غير القانونية المرتبطة بها من بينها ارتفاع حجم المدفوعات خارج القنوات البنكية الرسمية، عبر تحويلات نقدية غير مشروعة. ويضمن القائمون بعمليات تحويل الأموال غير الرسميين تحويل الأموال بين تونس والموردين في تركيا ودبي ودول آسيوية، مما يسمح للتجار التونسيين بدفع ثمن وارداتهم من تركيا وآسيا مباشرة بالدينار التونسي وتجنّب التعامل بالعملات الاجنبية. ويدعم، وفقا لدراسة المركز البحثي قيام شركات ورواد أعمال في القطاع الرسمي بتبنّي أو اعتماد ممارسات غير رسمية بحجة انه لا ينبغي النظر إلى الاقتصاد الرسمي على أنه يلغي الاقتصاد غير الرسمي أو العكس.
وخلصت الدراسة اجمالا الى ان إضفاء طابع غير رسمي على القطاع الرسمي في تونس يعكس باطّراد مدى تشرذم النخب الاقتصادية في البلاد. واشارت الدراسة الى انه على عكس النخب الاقتصادية الراسخة التي تجمعها علاقات بأوروبا وتعمل في قطاع التصدير، تركّز النخب الناشئة في البلاد على دوائر التجارة والاستيراد التي ترتبط بشكل متزايد بالموردين الآسيويين والأتراك، واختارت الاعتماد على الاستراتيجيات غير الرسمية.
وتضيف الدراسة ” هذا التشرذم في أوساط النخب السياسية والاقتصادية قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في سياق حرب تجارية بين الدول واستخدام التجارة غير الرسمية كأداة جيوسياسية في المنافسة الدائرة على المغرب العربي بين تركيا والدول الأوروبية. ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان ما حدث في القرن التاسع عشر، حين سعت القوى الاستعمارية إلى السيطرة على أسواق شمال أفريقيا، واستخدم البريطانيون موقعهم الاستعماري في مالطا كنقطة تهريب لنقل البضائع البريطانية إلى تونس غصبًا عن إرادة الحكومة الاستعمارية الفرنسية”.
ووفقا لمركز مالكوم كير- كارنيغي ” يكشف صعود الصين وتركيا كشريكين تجاريين رئيسيين لتونس، والدور الناشط الذي تلعبه هاتين الشبكتين في التجارة غير الرسمية العابرة للحدود الوطنية عن حدوث تحول استراتيجي تدريجي وطفيف في العلاقات التجارية التونسية. فتونس وشمال أفريقيا عمومًا يشهدان بروز شركاء تجاريين جدد من خارج الشبكات التجارية الأوروبية التاريخية في المنطقة. ورغم اعتماد تونس على الاستثمار والتمويل الخارجي من أوروبا تبدو متلكئة في المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة العميقة والشاملة التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. وقد أعرب كثيرون في منظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية عن شكوكهم حيال توسيع علاقات تونس مع السوق الأوروبي الموحّد. علاوةً على ذلك، تهدف الحركات الشعبوية الناشئة حديثًا، والتي دخلت المشهد خلال الانتخابات التونسية في عام 2019، إلى إعادة التأكيد على السيادة الوطنية وتعزيزها والحدّ من اعتمادها السياسي والاقتصادي على أوروبا”.