الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: فيما ترددت الاناشيد “الثورية” والخطب الحماسية والرنانة في عدد مهم من مناطق البلاد احتفاء بذكرى اندلاع شرارة “الثورة” بعد ختم تسع سنوات من الهزائم الاقتصادية والاجتماعية النكراء وتردي ملايين التونسيين في غياهب الفقر والجوع، قام يوم امس الثلاثاء 17 ديسمبر 2018 كل من وزير المالية ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي بالنيابة رضا شلغوم و”ياسين فال” المديرة العامة المساعدة لمكتب شمال إفريقيا للبنك الإفريقي للتنمية بالتوقيع على اتفاقيتي قرض ضخم للغاية تحت تسمية “خط تمويل” مع الافصاح هذه المرة على خلاف العادة بان نسبة فائدته تقترب من الصفر (0.34%) وبأن مدة سداد مريحة للغاية وتناهز 20 سنة.
ويبدو الامر على هذا الاساس وكأنه هبة لا غير ويتفرع القرض الى قسمين الاول قيمته 138 مليون أورو أي ما يعادل 440 مليون دينار وموضوعه هلامي باعتبار انه سيُرصد لدعم مسار الشركة التونسية للكهرباء والغاز في ما يتعلق بمشاريعها الرائدة في مجالات البنية التحتية والطاقات المتجددة رغم معاناتها من أزمة مالية غير مسبوقة في تاريخها ناتجة عن تراكم الخسائر والديون غير المستخلصة. وفي هذا الاطار يصل العجز المتراكم للمؤسسة الى 1900 مليون دينار وتناهز مستحقات الشركة لدى حرفائها 1460 مليون دينار الى جانب انه من المرتقب ختم السنة الحالية بنقص في الخزينة بحوالي 5000 مليون دينار (دون احتساب الدعم) وذلك استنادا الى البيانات الاحصائية الصادرة عن الشركة.
أما القسم الثاني من القرض فيقدر بـ 100 مليون أورو أي قرابة 320 مليون دينار وافادت السلط التونسية انه سيُخصص لفائدة بنك الإسكان لدعم وتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، علما ان هذه الشركات هي بصدد الاحتضار وليس ادل على ذلم اكثر من غلق بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتعويضه لإخفاء افلاسه ببنك جديد هو “بنك الجهات” في ظل ما تعيش الجهات في البلاد من اهمال تنموي شامل وذلك بعد الحصول على قرض ألماني بنحو 100 مليون اورو أي ما يساوي 320 مليون دينار.
وتجدر الاشارة الى انه وسعيا لإنقاذ بنك الاسكان من الافلاس لاستهلاكه امواله الذاتية، تمت المصادقة في اوت 2015 على رسملته – على غرار سائر البنوك العمومية – بمعنى ضخ الدولة اموالا في خزائنه في شكل راس مال بقيمة 110 ملايين دينار علما ان حاجاته التمويلية للاستمرار في النشاط كانت تناهز آنذاك 200 مليون دينار.
كما قرّر بنك الإسكان في سبتمبر 2017 الترفيع في رأسماله بقيمة 68 مليون دينار بهدف تعزيز الموارد الذاتية وتحسين تصنيفه الائتماني وخصوصا المطابقة مع المقتضيات القانونية وتجاوز المشاكل المتواصلة لضعف راس المال. ورغم افصاح البنك المستمر عن مؤشراته “الايجابية” وتحقيقه “ارباحا” كبرى، فإن كشوفاته المالية تظهر ان رصيد خزينته من السيولة، في جوان 2019 ،كان سلبيا بواقع (- 709 ملايين دينار). ومهما يكن من امر فإن مسيرة الثوريين تتواصل فوق اكوام الخراب غير عابئين بشيء لان الشعب يريد وهو يريد الثورة…للثورة بعيدا على ما يبدو عن أية جودة للحياة وفق تخمينات طيف واسع من هؤلاء الثوريين الذين تلخص مطلبهم الوحيد يوم امس في مواصلة المسيرة وجعل يوم 17 ديسمبر عيدا وطنيا لثورة عارمة…حتى النصر.