الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: يُؤكد المجلس الوطني لمعايير الحسابات العموميّة في الموقع الرسمي لوزارة المالية أن البلاد التونسيّة، انخرطت خلال السّنوات الأخيرة، في مسار إصلاح منظومة الماليّة العموميّة الذي شمل محاورها الأساسيّة الثلاث وهي الميزانيّة والقدرة على الأداء والحسابات العموميّة، وذلك سعيا إلى تكريس مبادئ الحوكمة الرّشيدة والشفافية والمساءلة بما يلبي حاجيات مختلف المستعملين للمعلومة المالية من نواب الشعب ومقرضين ومواطنين.
غير أن العكس هو ما حصل بالنظر الى حجب السلط المالية عدة تقارير تهم دافعي الضريبة سيما في خصوص التداين – اذ لم يصدر أي تقرير مفصل في هذا الإطار منذ 2011 – وتخص كذلك وبالأساس تفصيل موارد الدولة ونفقاتها حسب المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال وهي المعايير التي حددتها اللجنة الدولية لمعايير المحاسبة (IASB International Accounting Standards Bord) يجعل من تأكيد مجلس معايير الحسابات العمومية التونسي مجرد خطاب فاقد لأي محتوى فعلي.
وعلى هذا المستوى، لا تتوفر اليوم للمواطن والمهتمين بالشأن الاقتصادي الوطني ووسائل الاعلام الا بعض المعطيات الإحصائية المشتتة على 50 هيكلا احصائيا والتي لا تنشر عموما الا بتأخير شهور في أحسن الحالات ولسنوات في اسوئها علما أن بعض المعطيات الإحصائية والمالية المهمة لا تنشر في العديد من الحالات، اطلاقا. كما انه من المثير للانتباه أن كل التقارير التي تنشرها وزارة المالية، على وجه التحديد، على موقعها هي بالعربية عوض نشرها على الأقل بالتوازي مع لغة اجنبية أخرى ليتمكن خبراء المؤسسات الدولية والمتعاملين الأجانب مع تونس من فهم فحوى تقارير الوزارة…
وفي ذات السياق، ورغم تغير حاصل بند “خدمة الدين الخارجي المتراكمة” يوم 20 أفريل الفارط بنحو 815.9 مليون دينار حسب معطيات أصدرها البنك المركزي، اذ انتقل حاصل البند من 1901.9 الى 2717.8 مليون دينار وهو ما يعني تسديد قرض خارجي بالقيمة المذكورة ، فان السلط المالية والنقدية لم تقدم أي توضيح، على هذا الصعيد، رغم أهمية المبلغ. وتغيب بشكل خاص عن موقعي وزارة المالية والبنك المركزي أية بيانات معيارية في صيغة الجرد المحاسبي حول القروض التي تتم تعبئتها ومآل انفاقها واقساط تسديد الديون وشروطها واجالها.
يذكر انه وفقا لبيانات أصدرتها مؤخرا وزارة المالية في صيغة عامة ودون تفاصيل وفقا لمقتضيات قانون المالية2021 ، فانه على السلطات التونسية تسديد 8.4 مليار دينار ديون خارجية وذلك بزيادة نسبتها 43% هذا العام مقارنة بسنة 2020 منها 6.5 مليار دينار أصل دين و1.8 مليار دينار فوائض ليبلغ حجم الدين العمومي نهاية هذه السنة 109.2 مليار دينار وهو أعلى مستوى له منذ نصف قرن.
في جانب آخر، تبرز معطيات البنك المركزي بداية تراجع حاد للمدخرات من العملة الأجنبية التي بلغت قيمتها اليوم 28 أفريل الجاري 21.1 مليار دينار أي ما يعادل 481 يوم توريد – بعد أن كانت تغطي بفعل تعبئة قروض خارجية كبيرة خصص جلّها للإنفاق العام واغراض اخرى – 160 يوم توريد وذلك يوم 24 ديسمبر الفارط. ومن المنتظر أن يشهد الدينار، في هذا السياق، تراجعا كبيرا لقيمته في المدى القريب سيما انه فقد منذ بداية العام 5.36% من سعر صرفه امام الأورو ومن المرتقب أن يكون انخفاض الدينار كذلك حادا ومستمرا أمام أبرز عملات التداين الخارجي على غرار الدولار(24.8%) واليان الياباني (10.6%).