الشارع المغاربي: كيف تعاملت السلطات التونسيّة والجزائريّة مع الزلزال المروّع الذي ضرب، مساء الجمعة الماضي، أنحاء عدّة من المغرب الشقيق؟ وكيف كان ردّ فعل السلطات المغربيّة إزاء ذلك؟ الأمر يحمل في طيّاته دلالات عميقة…
فور نزول نبأ زلزال المغرب الصاعق، صباح يوم السبت الماضي، كان من الطبيعي صحفيّا وإنسانيّا البحث في المصادر الرسميّة التونسيّة ثمّ الجزائريّة عن كيفيّة التفاعل الرسمي لسلطات البلدين حيال هذا المصاب الجلل الذي ألمّ بالشعب المغربي. فكانت الحيرة بادئ الأمر بسبب عدم وجود أيّ أثر لمواقف أو إجراءات عاجلة تعبيرًا عن تضامن البلدين التّام مع الأشقّاء المغاربة في أحلك ما يمرّون به من أوقات عصيبة، لا سيما أنّ دولا أخرى بعيدة كانت قد سارعت حينها بالإعلان عن مواساتها واعتزامها تقديم مساعدات إنسانيّة فوريّة لدعم جهود إغاثة المنكوبين. وبمرور بعض الوقت، زالت الحيرة بتحرّك البلدين، فقد أعلنت تونس عن توجيه مساعدات عاجلة ومستشفى ميداني بالتنسيق مع السلطات المغربيّة، فضلا عن إرسال فرق من الحماية المدنيّة والهلال الأحمر التونسي للإسهام في عمليّات الإغاثة والإحاطة بالمصابين جرّاء الزلزال العنيف… ومن جهتها، أعلنت الجزائر عن استعدادها التّام لتقديم المساعدات الإنسانيّة ووضع كافّة الإمكانيّات الماديّة والبشريّة تضامنا مع الشعب المغربي، كما قرّرت فتح مجالها الجويّ أمام الرحلات لنقل المساعدات الإنسانيّة والجرحى…
لا شكّ طبعا في أنّ هذه المواقف المتعاطفة مع الأشقاء المغاربة وما صاحبها من استعداد لإرسال مساعدات لشدّ أزرهم هي مواقف وإجراءات منتظرة وضروريّة بلا مِنّة ولا رياء، وذلك بالنظر إلى ما خلّفه الزلزال الكارثي من دمار رهيب تسبّب أصلا في حذف قرى بأكملها من الخريطة، وخصوصا هول المأساة التي أدّت إلى وفاة ما يزيد عن 2500 شخص وإصابة عدد مماثل تقريبًا.
ومع ذلك، ترتسم أمامنا ملاحظات تغوص في ما وراء هذه العناوين:
- بالنسبة إلى تونس جاء تفاعلها متأخّرا نسبيّا مثلما أشرنا ضمنيّا في البداية. وهو ما يعود في تقديرنا، لا إلى حسابات سياسيّة وإنّما إلى قصور إداري وعجز فادح على مستوى ما يُعرف باتّصال الأزمة (Crisis communication)، جرّاء البيروقراطيّة التي تجعل “المسؤولين” في حالة انتظار دائم لقرار أعلى هرم السلطة. ولا أدلّ على ذلك من أنّ مرونة اتّخاذ القرار دفعت أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي مثلا إلى استباق السلطات التونسيّة في تقديم التعازي والمواساة. ثمّ المبادرة بعد يوم واحد من الزلزال بالسفر إلى المغرب في زيارة تضامنيّة. وكان بالإمكان مثلا أن تُنسّق تونس بشأن سفر وزير الشؤون الاجتماعيّة أو وزير الصحّة العموميّة على رأس الوفد التونسي. وهي مبادرة لا نتوقّع أن تمانعها السلطات المغربيّة، وربّما كانت ستُشكّل فرصة لإزالة الغيوم التي تُخيّم على العلاقات الثنائيّة، والتأكيد عمليّا على استقلاليّة السياسة الخارجيّة التونسيّة.
- قد لا يُعدّ موقف الجزائر متأخّرا نسبيّا بالنظر إلى قطع علاقاته الدبلوماسيّة مع المغرب منذ فترة. ولكنّ البيان الرسمي الجزائري لئن عبّر عن التضامن المنتظر فإنّه كشف أيضا حدّة الأزمة بين النظامين، فقد ربطت الجزائر استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانيّة إلى الشعب المغربي بطلب المملكة المغربية منها ذلك. وكما كان منتظرا، فقد تجاهلت السلطات المغربيّة العرض الجزائري لأنّه قد يجعل المغرب في منظورها في مقام أضعف دبلوماسيّا من جاره الشرقي الذي يُشاركه التاريخ والجغرافيا، لكنّه يُعادي وحدته الترابيّة سياسيّا وعسكريّا ويرفض تطبيعه الرسمي مع الكيان الصهيوني دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب المغربي…
- الموقف المغربي من التعاطف الدولي والمساعدات الإنسانيّة اتّسم للأسف بمنتهى المكابرة والتنكّر للعديد من الدول التي عرضت المساعدة بشكل صادق. فبعد اجتماع الأزمة الذي عقده الملك المغربي محمد السادس بشكل متأخّر نظرًا إلى وجوده في فرنسا في زيارة علاجيّة غير معلنة، وفق ما كشفته وسائل إعلام فرنسيّة، أعلنت السلطات المغربيّة بأنّها قرّرت الاستجابة لأربعة عروض مساعدة فقط، كانت قدّمتها كلّ من إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة (بريطانيا) والإمارات. ورغم تأكيدها في بيانها على ترحيب المملكة “بكلّ المبادرات التضامنيّة من مختلف مناطق العالم”، فقد أوضحت السلطات المغربيّة أنّها “أجرت تقييما دقيقا للاحتياجات في الميدان”، وعلى أساسه تمّ قبول عروض الدول الأربع المذكورة. النصّ الحرفي للبيان المغربي يعني عمليّا أنّه لم تُقبل المساعدات التي عرضتها تونس، فما بالك بالجزائر!…
- كانت وزارة الداخليّة التونسيّة قد أعلنت أنّها خصّصت فرقا من الحماية المدنيّة تتكوّن من 60 مختصّا في الإنقاذ و6 أطبّاء و4 أنياب مصحوبة بأجهزة رصد حراريّة متطوّرة وطائرة مسيّرة للكشف عن الضحايا تحت الأنقاض… ويُفترض أن تكون هذه الفرق قد تحوّلت إلى المغرب، لكن لا وجود لأيّة متابعة أو معلومة بهذا الشأن، خاصّة في ظلّ التصريحات المغربيّة الرسميّة التي حدّدت الدول الداعمة لها، واستبعدت تونس ضمنيا منها… وهي سابقة تعكس حسابات سياسيّة لا معنى لها دبلوماسيّا، وخاصّة في مثل هذه الظروف التي تعصف بالآلاف من الشعب المغربي…
- منتهى القول إنّ تضامن التونسيّين والجزائريّين مع الشعب المغربي في مأساته المروّعة مسألة لا شكّ ولا اختلاف فيها. كما أنّ الموقف الرسمي للبلدين كان مشرّفا ومتوازنا عموما، لكنّ ذلك لا يُخفي أنّ مغرب الشعوب لا يزال وهمًا بعيدَ المنال حتّى في زمن الكوارث جرّاء مكابرة أنظمة المنطقة وحساباتها الضيّقة، دون أدنى اكتراث بمصالح شعوبها وانتظاراتها…
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 12 سبتمبر 2023