الشارع المغاربي: تتالت مؤخرا تصريحات مفزعة حول الوضع الاقتصادي والمالي في تونس صادرة عن عدة جهات غربية أمريكية-أوروبية بصفة مُكثفة وبنفس المصطلحات التي تتمحور حول احتمال انهيار ”الاقتصاد التونسي” إذا لم يتم التوقيع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط صدور ما سُمّي ”قانون الحوكمة” في الشركات العمومية التونسية زيادة على ضرورة الضغط على الأجور في القطاع العمومي ورفع الدعم».
وهي مطالب ترافقها جملة من مطالب أخرى اقترحها الاتحاد الأوروبي من ذلك التوقيع على مشروع «منطقة التبادل الحر الشامل والمعمق»، والتي تضغط هذه الأطراف الغربية لتحقيقها منذ سنة 2013 تاريخ حصول صندوق النقد الدولي على تفويض من حكومة الترويكا للتدخل الثالث في تاريخ تونس، في الشأن الاقتصادي التونسي بعد التدخل الأول سنة 1964 والتدخل الثاني سنة 1986 في إطار ”برنامج الإصلاحات الهيكلية”.
ما يلفت الانتباه أن صيحات الفزع كانت تترافق مع إعلان نوايا الاستعداد ”لتغطية حاجيات تونس الإضافية من التمويلات” إذا ما امتثلت الدولة التونسية لشروط صندوق النقد المذكورة سابقا بتكرار وبدون ملل مستعملة سياسة ”العصا والجزرة” بطريقة لا تخلو من خدش لكرامة وسيادة تونس وشعبها.
صيحات الفزع هذه دشنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ثم تلاها تدخل رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي أوفدت وزير خارجية بلادها إلى تونس مباشرة بعد تصريحاتها. واختُتمت مُؤخرا بتدخلات الرئيس الفرنسي التي سوق لها بسرعة السفير الفرنسي في تونس عبر تصريحه الأخير لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، كانت جميعها تترافق مع إعلان نوايا الاستعداد ”لتغطية حاجيات تونس الإضافية من التمويلات” إذا ما امتثلت الدولة التونسية لشروط صندوق النقد المذكورة سابقا بتكرار» مستعملة سياسة «العصا والجزرة».
رئيسة الحكومة الإيطالية التجأت إلى فزاعة تفاقم الهجرة السرية في حالة انهيار الاقتصاد التونسي ووعدت بتقديم وديعة لدى صندوق النقد الدولي لتسهيل عملية التوقيع على اتفاق مع تونس. طبعا مع الإبقاء على نفس شروط التعاقد مع المؤسسة المالية العالمية. كما عرض وزير الخارجية الإيطالي تقديم مبلغ 100 مليون يورو بعنوان تسهيلات مالية لخزينة الدولة التونسية.
كما سارع السفير الفرنسي بالإعلان عن ان بلاده ”مُستعدّة لتغطية حاجيات تونس الإضافية من التمويلات بعنوان سنتي 2023 و2024 وأن تمويلات بقيمة 250 مليون أورو متوفرة حاليا في انتظار صرفها لتغطية الفجوة في ميزانية البلاد.
كما أعلن ”عن استعداد بلاده أيضا، لتحفيز المُموّلين الدوليين بهدف دعم تونس ومساعدتها على سداد حاجياتها من التمويلات الإضافية .” يعني حقيقة تصريحات لا تُصدق لأنها توحي وكأن هذه الدول المُموّلة لديها قابلية لتنفيذ الضغوط الأوروبية؟
وقد أكد أيضا بطريقة تبعث للاستغراب، أن هذه الأطراف الأوروبية -الامريكية تعلم أن ”الوضعية الاقتصادية وميزانية تونس مُعرّضة إلى تعقيدات جمة في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وكأن الموضوع غير معلوم منذ عدة سنوات؟
كما أضاف السفير الفرنسي كلاما خطيرا مصرحا ”نحن مُقتنعون بعدم وجود خطة بديلة لذلك” . وهو تصريح يحيلنا إلى ما صرح به سابقا وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي بأنه ”لا يملك بديل على تدخل صندوق النقد لدولي في تونس”.
من هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل: هل أن هذا الوضع ”المنهار” للاقتصاد التونسي لم يكن معلوما لده الجهات المتكشفة على كل شاردة وواردة في البلاد منذ عقود وليس منذ سنوات والحال ان أدواتها الفعالة والمتداخلة في كل مفاصل المؤسسات والإدارات الوطنية مثل )جي زاد-GIZ الألمانية) ”والوكالة الفرنسية للتنمية ”وتوأمة المركزي الفرنسي والبنك المركزي الإيطالي من جهة مع البنك المركزي التونسي ناهيك عن تواجد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللصيق تعتبر غير مطلعة على تفاصيل الاقتصاد التونسي؟
وأخيرا تصريح السفير الفرنسي كشف بوضوح أن الطرف الأوروبي معني بالدرجة الأولى بمآل المؤسسات العمومية الوطنية وهو في الانتظار بشغف صدور الامر الرئاسي المتعلق بقانون حوكمة (بمعنى قانون تسهيل التفويت والخصخصة) لهذه المؤسسات حيث أكد أن المجلس الوزاري برئاسة رئيسة الحكومة صادق عليه ولكنه لم يتم التوقيع عليه من طرف رئيس الجمهورية».
بالطبع الاتحاد الأوروبي على بينة وعلى علم بانهيار الاقتصاد التونسي وهو الذي قام باستدراج إلى هذه الهاوية عبر اتفاق شراكة غير متكافئ وعبر الضغط منذ ثلاثة عقود لعدم الاعتراف بحق الدولة التونسية في تطبيق قوانين الحماية التي تكفلها المنظمة العالمية للتجارة والقانون الأساسي لصندوق النقد الدولي وكذلك الفصل 35 من اتفاق الشراكة الموقع سنة 1995 .
ارتباك الطرف الأمريكي-الاوروبي نتيجة التغيرات الاستراتيجية المتعلقة بنهاية هيمنة القطب الأحادي
لا شك أن توقيع الاتفاق بين إيران والسعودية في بيكين برعاية الصين مثل حدثا عالميا محوريا في العلاقات الدولية نحو تكريس وضح حد للهيمنة الأحادية التي استفردت الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي أدخل ارتباكا كبيرا داخل المحور الامريكي-الأوروبي حيث أصبح يسارع في لملمة ما يمكن أن يستقطبه في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق تبدو تونس البلد الرخو بحكم انهياره الاقتصادي وبحكم تواجد أرضية سياسية واقتصادية وإعلامية سانحة للضغط من أجل السيطرة على كل ما توفره من امتيازات متعددة استراتيجيا وعمليا. خاصة بالرجوع إلى ما يتعلق بصفة تونس شريك غير رسمي في الحلف الأطلسي الذي تم توقيعه بقرار أحادي من طرف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وهو اتفاق احادي الطرف يمنح الحلف الأطلسي كل التسهيلات للتدخل في المنطقة خاصة فيما يخص تطويق الجزائر بعد التطبيع الذي وقعه المغرب مع الكيان الغاصب. وهو ما جعل الرئيس الجزائري يعلن ان تونس تتعرض إلى مؤامرة وانه مستعد للوقوف إلى جانبها.
وهو بالمناسبة ما يدفع إليه الحلف الأمريكي-الأوروبي لدفع تونس نحو التطبيع خاصة في الوضع الحالي الذي باتت تتراجع فيه حالات التطبيع التي بان فشلها بعد الاتفاق السعودي الإيراني في ظل تقارب حثيث مع الجمهورية السورية.
في هذا الباب ما أعلن عليه رئيس الجمهورية عن نية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا اعتبره الطرف الأمريكي-الأوروبي خطوة نجو تعزيز العلاقة مع المحور الجديد. خاصة اثر تصريح السفير الصيني في تونس الذي أكد أن الصين ترفض التدخل في الشؤون الداخلية التونسية. وهو ما يفسر الارتباك الذي دفع بتنسيق تصريحات تهديد بانهيار الاقتصاد التونسي.
هذا الموقف الذي بدأ يتبلور يتطلب خطوات جريئة تتعلق بضرورة المطالبة بفتح ملف تداعيات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي كثرت فيه الوعود ولم تصل على التنفيذ إلى اليوم وهو يعتبر عنصر ضغط مهم لوضع حد لهيمنة الطرف الأوروبي على القرارات الوطنية. كذلك موضوع المطالبة بإلغاء قنون البنك المركزي الصادر سنة 2016 والمطالبة بتسعير الدينار التونسي على نفس المنوال الذي فرضه المغرب عبر تسعير الدرهم بطريقة ملتصقة لليورو لضمان عدم انهيار الاقتصاد الوطني المغربي جراء انهيار العملة الوطنية مثلما ما شهدته تونس اثر انهيار قيمة الدينار.
*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 مارس 2023