الشارع المغاربي: فسّر رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في حواره مع “الشارع المغاربي” المخاطر الي سيفتحها مشروع الاتفاق الجديد بين تونس والاتحاد الأوروبي في علاقة بملف الهجرة غير النظامية. بن رمضان يصف الاتفاق بالانتكاسة وبأنه سيحول تونس الى حصن لمنع وصول المهاجرين الى أوروبا ويؤكد انه سابقة مقارنة حتى بالدول الضعيفة.
ما هي المعطيات المتوفرة للمنتدى بالنسبة لمشروع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي في النقطة المتعلقة بالهجرة غير النظامية ؟
الصورة ضبابية لان كل مصادر المعطيات أوروبية كالعادة وبقدر ما حاول القادة الأوروبيون التواصل بمختلف الطرق حول هذا الملف والنقاشات الدائرة بخصوصه مع الجانب التونسي سواء عبر الندوات أو اللقاءات الصحفية او عبر منصاتهم ومحاملهم الخاصة بقدر ما نجد في المقابل صمتا مطبقا من قبل السلطات التونسية.. للاسف في تونس ليس لنا أي مصدر رسمي باستثناء البلاغ الوارد على صفحة رئاسة الجمهورية وهذا البلاغ لا يحمل الإجابات عن عديد التساؤلات التي تخامرنا بالنظر الى صيغته العامة.. الواضح ان هناك شيئا ما بصدد التحضير حتى نهاية شهر جوان لانه لم يتم توقيع نهائي.. النقاشات لا تزال جارية ومع ذلك استشعرنا الخطر في البلاغ الاول المشترك.
ما هي مكامن الخطر؟
لنا قناعة بأن الموضوع الرئيسي بين تونس والاتحاد الاوروبي هو ملف الهجرة غير النظامية وبأن كل المواضيع الأخرى مجرد عناوين فرعية وهي في نهاية الأمر بمثابة عملية لاضفاء نوع من التجميل على هذا الاتفاق ربما لاخفاء تداعياته غير الإنسانية من خلال التنصيص على المسائل الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية في علاقة بالطاقات البديلة او المتجددة وبالتبادل العلمي وغيرها من العناوين الأخرى التي وضعت فقط لتُشتّت الراي العام عن الأهم وتقديم الاتفاق على أنه لا يقتصر فقط على ملف الهجرة غير النظامية لكننا نعرف ان هذا الملف هو الأساس في النقاشات ولاحظنا ان القادة الاوروبيين يتحدثون وكأنهم حققوا انتصارا كبيرا في تونس.. انتصار جاء بعد أيام قليلة من المصادقة على الاتفاق الجديد المتعلق بالهجرة في أوروبا وكأنهم تمكنوا في ظرف أيام معدودة من تحقيق ما اتفقوا عليه .. وذلك حصل في تونس التي تمثّل دولة مهمة جدا وتحولت خلال السنوات الأخيرة الى لاعب رئيسي في السياسات الهجرية الأوروبية.. اذن بالنسبة اليهم وكأن مقارباتهم وسياساتهم وخاصة وعودهم لناخبيهم تحققت من خلال عملهم على إيجاد اتفاقيات مع دول الجنوب تضع هذه الدول في دور الحارس عبر إعادة القبول.
ما هو الجديد المطروح اليوم ؟
الطرف التونسي لم تكن له كالعادة بدائل ومطالب محدّدة ..هذا الاتفاق الجديد سيحل فقط ازمة أوروبية تتعلّق بالهجرة ويكرّس النظرة الى تونس على أنها مجرّد نقطة حدودية متقدمة للاتحاد الأوروبي على حدوده الجنوبية وعلى أنها تحتاج فقط الى المعدات والى بعض المساعدات بعناوين مختلفة.. تونس في نظرهم ليست دولة لها مواطنين كاملي الحقوق من حقهم التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع مواطنو ورعايا الاتحاد الأوروبي وهنا نتحدث أساسا عن مسألة حق التنقل وهو حق أساسي لم يكن للاسف مطروحا بتاتا عند المفاوض التونسي الذي قبل ايضا بخرق كل الالتزامات سواء الأوروبية او التونسية المتعلقة خاصة بمسألة الترحيل القسري الجماعي للمهاجرين التونسيين وهي مسألة لا تزال متواصلة وبالتالي هذه الاتفاقية ستعطي مشروعية لعمليات الترحيل القسري التي تتم من إيطاليا وألمانيا وفرنسا نحو تونس وستفتح هذه الاتفاقية وهذا هو الجديد لكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الباب للقيام بمثل تلك العمليات مع تونس تحت هذا الغطاء.
كيف سيتم ذلك ؟
الواضح ان الدول الأوروبية تقوم منذ سنوات بما نسميه في المنتدى رحلات خفية تنطلق من مطارات أوروبية كانت تتوجه في البداية إلى مطار النفيضة وحُوّلت الآن الى مطار طبرقة وهي رحلات غير معلنة ولا نجد لها اثرا في جدول ولا في حركة الطيران بالمطارات وتقوم هذه الرحلات على ترحيل المهاجرين غير النظاميين التونسيين بطريقة جماعية وتعسفية دون ادنى احترام للإجراءات القانونية.. وكان هذا محور إدانة من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في شهر مارس المنقضي والتي ادانت الحكومة الإيطالية وكنا نعتقد ان نظيرتها التونسية ستستند على هذا القرار على الأقل لإيقاف عمليات الترحيل القسري وقتيا بحجة وجود ادانة لهذه العمليات في 3 او 4 نقاط. ويفترض أن تكون إيطاليا قد راجعت هذه النقاط قبل استئناف مسارات التعاون لكن للأسف الحكومة التونسية ذهبت الى أبعد من ذلك لانه عندما نتحدث عن التسجيل وإعادة القبول فذلك يعني طرح عملية واسعة قد تشمل حتى المهاجرين من غير الجنسية التونسية ممن ثبت مرورهم بالأراضي التونسية وهو ما رفضته تونس سنة 2014 ثم سنة 2017.
ماذا كان مطروحا من بداية النقاشات سنة 2014 وتم تمريره اليوم… تركيز مراكز إيواء مقابل 11 أورو عن كل مهاجر غير نظامي يتم ترحيله الى دول العبور؟
هناك عديد الاقتراحات… الاتحاد الأوروبي يحاول في كل مرة تمرير اقتراحات جديدة لدول الجنوب عاما بعد عام.. سنة 2014 طرح الاتحاد الأوروبي ما سماه اتفاقية إعادة القبول والتي تقوم على موافقة دول الجنوب على استعادة كل المهاجرين الذين ثبت مرورهم عبر هذه الأراضي.. والمعلوم ان هويات اغلبهم مجهولة لكن هناك البصمات التي تمكن من اثبات ان كان المهاجر قد مرّ مثلا عبر تونس… من الممكن عدم التعرّف على الجنسية لكن هذا المهاجر معروف بالبصمات المسجّلة في البيانات التونسية وهذا يعني إعادة القبول في الدولة التي تمثّل نقطة العبور. آنذاك رُفض هذا الاقتراح لانه يمثل انتهاكا خطيرا سيحول تونس الى وعاء لغير المرغوب فيهم.. رُفض هذا الإقتراح من قبل كل الدول التي انسحبت من المفاوضات بضغط أيضا من المجتمع المدني .. سنة 2017 طُرح اقتراح ثان ارتكز أساسا على مسألة منصّة إنزال عُرضت في قمة شرم الشيخ ورفضه الرئيس التونسي آنذاك الباجي قائد السبسي.. اليوم سنة 2023 يبدو ان تونس قبلت الاقتراحين او العرضين على حد سواء لكن بتسميات مختلفة.
كيف عاد هذا العرض .. هل كانت هناك تحضيرات بخصوصه أم أن الأوضاع في تونس سهلت تمريره ؟
الاتحاد الأوروبي هيّأ منذ سنوات لهذا العرض عن طريق البرامج المختلفة التي موّلها في تونس.. قدّم لتونس مجموعة من الوسائل والتقنيات والبرمجيات التي تمكن من تسجيل كل المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في عرض البحر او على الحدود مع ليبيا.. هذه البرمجيات عند الديوانة التونسية او عند حرس الحدود التونسي وتقوم على اخذ البصمات… تساءلنا في المنتدى منذ بداية تطبيقها عن مصير المعطيات البيومترية التي يتم تجميعها وكان الاتحاد الأوروبي يحضّر لمثل هذه الاتفاقيات.. يعني غدا أي شخص مهما كانت جنسيته دخل تونس مثلا عام 2016 من معبر من المعابر الحدودية مع ليبيا او تم اعتراضه في البحر ثم تواجد بعدها في إيطاليا فان السلطات هناك ستعلم عن طريق البصمة انه مر من تونس وسيتم بموجب هذا الاتفاق ترحيله الى تونس.
ما هي الإشكاليات التي تطرحها عملية إعادة القبول ؟
نحن لا نقبل الطريقة التي تتم معاملة التونسيين بها فما بالك بغير التونسيين.. لماذا ؟ لأن عملية ترحيلهم مخالفة لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية.. الترحيل هو عملية فردية لا يمكن ان تتحول الى عملية جماعية.. اصبح الترحيل يتم اليوم على أساس الهوية .. السلطات التونسية لا تزال متمادية في القبول به.. صحيح أن هذه العمليات انطلقت منذ سنة 2011 ومنحت كامتياز مثلا لألمانيا سنة 2015 ومنحه قيس سعيد لفرنسا منذ نهاية 2020 بعد عملية نيس الارهابية.. نحن اليوم دخلنا في مسار خطير..
لماذا تمت تسمية الاتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي بمذكرة تفاهم حول حزمة شراكة شاملة ولم يُسمّ اتفاقية شراكة ؟
التسمية مهمة وتُستعمل بشكل مطرد في السنوات الأخيرة لان الاتفاقية تمر عبر البرلمان للمصادقة عليها .. هذه التسمية لا تلزم احالتها على البرلمانات لتجنب المعارضة البرلمانية في أوروبا والتي ضغطت لتمريرها ومناقشتها.. وتستعمل أيضا كطريقة لتجنب اطلاع الرأي العام على كل تفاصيلها… هذا مناسب للجانب الأوروبي الذي له برلمانات قوية ومعارضة وازنة ومجتمع مدني اقوى وصحافة استقصائية اوثق وهو ايضا مناسب للجانب التونسي الذي يساعده الامر كثيرا لأنه بهذه الصيغة لا يدخل تحت قانون النفاذ للمعلومة وبالتالي لا نجد الا العناوين العامة دون ان نكون على اطلاع على المعطيات التفصيلية التي نكتشفها على أرض الواقع وهذا خطير وهو جزء من مسار حجب المعلومة عن المواطنين والمواطنات.
أليس في تقديم حزمة اقتصادية ومالية بعض المعقولية كمقاربة تقوم على التنمية والمساهمة في استقرار اقتصادي ومالي لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية ؟
الأسباب الحقيقية للهجرة غير النظامية و”الحرقة” مرتبطة أساسا بالوضعية الاقتصادية والسياسية والمناخية لعديد الدول وتشكل عوامل دافعة لـ “الحرقة” وهي عوامل مرتبطة في النهاية بسياسات الاتحاد الأوروبي الذي أغلق كل مسارات التنقل الآمن للمواطنين… البديل الذي يُقترح الى حد الآن هو بديل غير متكامل.. الاتحاد الأوروبي الذي يتحدّث عن مقاربات حامية لحقوق الانسان هو اكبر منتهك لحقوق الإنسان في البحر.. معدات الانقاذ التي يريد الاتحاد الأوروبي منحها لتونس مثلما سمّاها هو هي في الحقيقة معدات للمنع والأولى بها الاتحاد الأوروبي… فليتحمل مسؤوليته في البحر الأبيض المتوسط .. فكيف للاتحاد الأوروبي الرافض للإنقاذ ان يطرح على نفسه اليوم تقديم معدات إنقاذ لتونس ؟.. ثم على المستوى الاقتصادي، أولا الاتحاد الأوروبي يمنح تونس منذ سنوات حزمة مساعدات في هذا الاتجاه دون ان يكون لها تأثير حقيقي على واقعنا.. لم يكن هناك أي تقييم حول جدوى هذه المساعدات… كلها كانت عديمة الجدوى والوحيدة ذات الجدوى هي البرامج ذات الطابع الأمني.. من المفارقات ان البرامج ذات الطابع الأمني هي التي كان لها جدوى ونجاعة ونلاحظ مردوديتها بطريقة أسرع.. ثانيا ما هي الضمانات بخصوص التزام الاتحاد الأوروبي بها ونحن نعلم انه خرق الاتفاقية التي أبرمها مع تركيا في عديد المناسبات وتركيا من جهتها قامت بتعليقها في عديد المناسبات ايضا ؟ هذا يعني انه ليس هناك ضمانات سيتم تنفيذها… ثالثا هذا الاقتراح لا يعالج اصل المشكل لأن اصل المشكل لا يرتبط بتونس لأن من أسباب أزمة الهجرة تقييد كل طرق الهجرة الآمنة .. الاتحاد الأوروبي يقوم منذ سنوات بوضع الحواجز لمنع الوصول الى اراضيه.. المسارات التي يضعها الاتحاد الأوروبي والامريكان مثل دفعنا لقبول شروط صندوق النقد الدولي هي مسارات ستعمق في اغلبها العوامل الدافعة للهجرة.
هل نعيش سيناريو تركيا في ملف الهجرة مع الاتحاد الأوروبي ؟
تركيا وضعت حقوق المهاجرين السوريين على المحك .. وتركيا كانت لها القدرة اقتصاديا على استيعاب 3 ملايين سوري… تركيا طرحت مسألة حرية تنقل مواطنيها في فضاء “شنعن” لكن نحن من حيث المبدإ نقول انه لا يمكن مجاراة منطق الاتحاد الأوروبي الذي يتمثل في تحويل المهاجرين الى سلعة تباع وتشترى.. يمكن ان تكون لنا علاقات تعاون عادلة مع الاتحاد الأوروبي دون المتاجرة بحقوق وكرامة المهاجرين سواء كانوا تونسيين أو غيرهم.. نحن نطالب بتصحيح مسار العلاقات.
هل موقف رئيس الجمهورية واضح ؟
رئيس الجمهورية يناقض نفسه بين المُعلن والواقعي… رئيس الجمهورية مثلا يكرّر ان تونس لن تلعب دور حارس اوروبا…. نحن نلعب هذا الدور منذ سنوات.
لو تحدثّنا بالأرقام… كيف ذلك ؟
منعت السلطات التونسية منذ بداية العام حتى نهاية شهر ماي المنقضي 27400 مهاجر غير نظامي… والسنة الفارطة منعنا 38500 مهاجر من الوصول الى السواحل الأوروبية… تم منذ وصول قيس سعيد الى السلطة منع 71 الف مهاجر غير نظامي.
هذا رقم قياسي ؟
هذا يمثل اكثر من 70 في المائة من مجموع المهاجرين غير النظاميين الذين منعتهم تونس من وصول ايطاليا منذ الثورة .. اذن في عامين تقريبا وتحديدا منذ 25 جويلية 2021 تم منع اكثر من 70 في المئة من جملة الذين مُنعوا في 10 سنوات كاملة.
اذا كانت تونس تلعب وفق قولكم دور الحارس.. ما هو الدور الذي ستلعبه ان تم التوصل الى اتفاق نهائي مع الاتحاد الاوروبي ؟
السجّان .. دور السجّان الذي يحوّل تونس الى حصن.. أوروبا هي حصن لمنع دخول المهاجرين وقيس سعيد سيحول تونس الى حصن لمنع خروج المهاجرين نحو أوروبا.
هل سيواصل قيس سعيد حسب رأيك في هذا الاتفاق بعد الجدل الواسع الذي اثاره البيان المشترك الصادر بين تونس والاتحاد الاوروبي يوم أول امس الاحد ؟
نعلم ان قيس سعيد لا يتراجع .. هو لن يتراجع رغم خطورة المسألة.. والواضح انه سيواصل في هذا المسار.. بالنسبة إليه هذا الاتفاق يمثّل مسارا بديلا وهو يسوّقه كنجاح على أساسا عدم الخضوع للضغوطات الأوروبية لكنه عمليا وواقعيا خضوع وهذه سابقة مقارنة بدول المنطقة… تونس أصبحت في السنوات الأخيرة وخاصة منذ 25 جويلية عنصر الأساس في المقاربة الاوروبية الأمنية في المتوسط.. تونس أصبحت حجر الزاوية في السياسات الهجرية الأوروبية التقليدية لأنها اكثر دولة تتعاون في مسألة ضبط الحدود وفي مسألة التعرّف على هويات المهاجرين واكثر دولة تتعاون في الترحيل القسري للمهاجرين وبالتالي ستصبح أكثر دولة تتعاون في إعادة قبول المهاجرين.
هل يمكن أن تتسبب هذه الاتفاقية في أزمات مع دول ؟
ليس للمغرب والجزائر نفس نوعية الاتفاقات التي نرى تونس بصدد القيام بها… يختلف الامر مع الدول التي بها استقرار سياسي بل إن حتى دول جنوب الصحراء والدول الضعيفة لم تخضع لهذه الشروط مثل مالي والنيجر وغينيا التي تنطلق منها تدفقات من المهاجرين .. هذه الدول ليس لها اتفاقيات اعادة قبول ولا تتعامل بنفس الطريقة التي تتعامل بها تونس في مسألة الترحيل القسري. التونسي تحوّل في أوروبا الى مطلوب أمنيا أو مطلوب منه اقامة قانونية او يتم ترحيله.. اصبح هناك مثل هذا الفرز . ما حصل مع قيس سعيد انتكاسة خطيرة تنضاف الى مسار علاقات غير عادلة مع أوروبا. كنا نعتقد ان المفاوضات ستكون فرصة لتصحيح المسار لكنها للاسف ستضيف انتكاسة اكبر لانتكاسات سابقة في مسار علاقتنا بأوروبا.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 13 جوان 2023