الشارع المغاربي: فسّرت روضة القرافي الرئيسة السابقة لجمعية القضاة التونسيين تداعيات تواصل تعطّل صدور الحركة القضائية على سير العمل في المحاكم وشددت في حوارها مع أسبوعية “الشارع المغاربي” على الرفض المبدئي لسياسة سدّ الشغورات عبر إصدار مذكرات عمل قالت إنها من أخطر الآليات التي تضرب استقلالية القضاء داعية المجلس الأعلى المؤقت للقضاء لتوضيح موقفه منها.
ماهي آخر التطورات في المشهد القضائي مع ما يُتداول عن سد جل الشغورات بمذكرات عمل ؟
لم يعلن المجلس الأعلى المؤقت للقضاء عن اي جديد في علاقة بالحركة القضائية وحتى مذكرات العمل الصادرة عن وزيرة العمل والتي تم تنفيذها بالتحاق بعض القضاة بالخطط الشاغرة بقيت دون تأكيد انه تم تسديد كل الخطط الشاغرة في غياب اي بلاغ رسمي بخصوص ذلك. ما نعلمه في هذا الاتجاه يتم عن طريق المحاكم وعن طريق زملائنا بمباشرة هذا القاضي أو ذاك في خطة وكيل عام أو وكيل الجمهورية والمحكمة المعنية لم تعلمنا أيضا بسد شغورات… ببساطة ليس لنا أي تأكيد.
يعني لا وجود لأية معطيات رسمية بخصوص سد الشغورات ؟
ما لنا من معلومات مستقاة من المحاكم تفيد بأنه تم سد بعض الشغورات في عدد من المراكز الشاغرة منذ الاعفاءات ( عزل 57 قاضيا ) وانه تمت التسمية بمذكرات عمل صادرة عن وزيرة العدل هذا حسب تأكيد القضاة من داخل المحاكم لكن ليس لنا تأكيد بأنه تم تسديد الشغورات في 57 خطة.
التسميات بمذكرات عمل هل تعتبرونها آلية مقبولة ؟
موقف المجلس الوطني لجمعية القضاة التونسيين واضحا في هذا الاتجاه عبر رفض آلية تسمية القضاة بمذكرة العمل لأنها أولا آلية تعود الى المجلس الاعلى للقضاء لما قبل الثورة المحدث استنادا الى القانون 67 وثانيا لانها من اخطر الآليات التي تمس من استقلالية القضاء… هي شُرعت وسُنت في قانون 67 حتى يتمكن وزير العدل من نقل أي قاض خلال السنة القضائية لم يكن راضيا على ادائه ومذكرة العمل استعملت وتُستعمل لهذه الأغراض في الأنظمة التي لم تكرّس استقلال القضاء… رفضنا هذه الآلية مبدئي باعتبار أنها من اكبر الآليات مساسا باستقلال القضاء والتي تم استعمالها قبل الثورة لنقلة قضاة خلال السنة القضائية لا يكون هناك رضاء على أدائهم هذا على مستوى المبادئ العامة لاستقلال القضاء ثم حتى من داخل القوانين القائمة على غرار المرسوم عدد 11 الذي تم من خلاله تركيز المجلس الأعلى المؤقت للقضاء… هذا المرسوم منح المجلس صلاحية اقتراح الحركة القضائية وتسديد الشغورات تم من قبل المجلس الاعلى المؤقت بمناسبة اعداده الحركة القضائية 2022/2023 ووجّهت في 3 نسخ (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة العدل) ولكنها لم تصدر يعني أننا لم نعد نفهم كيف تتم تسمية القضاة هل من مجلس احدث (المجلس الاعلى المؤقت للقضاء) ام بالعودة الى قوانين نُسخت (قانون 67).
ما هو موقف المجلس المؤقت للقضاء ؟
لنا معلومة واحدة بخصوص هذا الموضوع تتمثّل في ان التسميات عبر مذكرات العمل لم تُعرض عكس ما تم تداوله على مجلس القضاء العدلي بمناسبة عقد اول جلسة والتي خُصّصت للنظر في قضايا رفع الحصانة عن 16 قاضيا.
ماذا يعني ذلك ؟
بالنسبة لنا يبدو ان القول بعرضها على مجلس القضاء العدلي لن يكون هو الخيار.
يعني المجلس تحوّل بشكل واضح الى مجلس صوري… هل تطالبون بتوضيحات في هذا الاتجاه ؟
طبعا… طبعا.. وهذا ما توجّه به المجلس الوطني للجمعية (جمعية القضاة) ومن الضروري ان يخرج المجلس المؤقت ويوضّح ويصرّح لأن المسألة تهم صلاحياته التي تُمس بإصدار تسميات بمذكّرات عمل ووزارة العدل معنية من جهتها أيضا.. الموضوع يتعلق بتسمية قضاة في مناصب عليا وتسمية قاض تحكمها قوانين وتستوجب الإعلام بها ..يجب إعلام القضاة ومختلف المتعاملين مع المحاكم بصفة قانونية من يتولى الوظائف القضائية ..
من جائز القول أننا تقريبا في حالة فوضى ؟
ايه ايه.. التسميات في الوظائف العليا او الـ 7 كبار لا تتم بمذكرات عمل .. الأمر يتعلق بـ الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيل الدولة العام ووكيل عام استئناف تونس والرئيس الأول لمحكمة استئناف تونس والمتفقد العام ووكيل الدولة العام ومدير المصالح العدلية ورئيس المحكمة العقارية.. بالنسبة للسبعة الكبار لا تتم التسمية بمذكرات عمل لا في قانون 67 ولا في المرسوم 11.. التسميات تتم بالترشيح من قبل المجلس الاعلى المؤقت للقضاء يعني هناك خرق لقانون 67 وللمرسوم 11.. التسميات تمت في هذه الخطط بمذكرات عمل في اطار سد الشغورات ..المتفقدة العامة بوزارة العدل عُيّنت بمذكرة عمل والوكيل العام لاستئناف تونس عُيّن بمذكرة عمل والرئيس الاول لمحكمة استئناف تونس عُين بمذكرة عمل هذا حسب الاخبار المتداولة.
هذا زاد في تعقيد الأمور ؟
نحن في جمعية القضاة بوصلتنا واضحة وهي الدفاع عن استقلال القضاء حتى لا نخطىء في الطريق مثلما كنا قبل الثورة وبعدها.. مواقفنا واضحة في اطار دورنا الرقابي على تعامل السلطة التنفيذية او التشريعية مع استقلال القضاء في مختلف الفترات وفي نفس الدور طبق نفس البوصلة.. الآن كذلك في هذه المرحلة نتخذ المواقف التي يجب اتخاذها دفاعا عن استقلالية القضاء طبقا للمعايير الدولية.. حصل تراجع عن كل ضمانات استقلالية القضاء من الناحية الدستورية من تحويلنا من سلطة الى وظيفة ومن مجلس منتخب الى مجلس مُعيّن وهيكليا بحل المجلس الأعلى للقضاء ثم أصبحت لرئيس الجمهورية صلاحية عزل القضاة بصفة مباشرة وعادت وزيرة العدل تسمي بمذكرات عمل بصفة مباشرة .. هناك تراجعات كبيرة على مستوى استقلالية القضاء وهذا لن يؤدي الا إلى تراجع دور وأداء القضاء .. ما هو المطلوب من القضاء ؟ المطلوب هو حماية الحقوق والحريات وحتى يلعب دوره كاملا لا يمكن ان يكون في تبعية ومُرهب ومُضعف من قبل السلطة التنفيذية .. هو اليوم مرهب وتابع.
ما هو المطلوب بشكل عاجل للتصحيح ؟
العاجل هو إرساء آليات لحماية القضاة في هذه الفترة بعد ان انتُزعت منهم كل ضمانات الاستقلالية واصحبوا يوميا مهددين بالعزل المباشر مثلما حدث مع قاضي التحقيق 23 بعد اتخاذه قرارا بإبقاء مظنون فيه في حالة سراح في قضية كان قد تحدّث عنها رئيس الجمهورية.. أوقف عن العمل في ظرف 3 ايام بقرار من رئيس الجمهورية ومطلوب عزله من قبل المجلس الاعلى المؤقت للقضاء.
ما هي القضية ؟
قضية كاتب عام نقابة العدلية .. بعد قرار قاضي التحقيق 23 ابقاءه بحالة سراح اوقف عن العمل واغلق مكتبه.
هل لكم معطيات حول سير التحقيقات في محكمة نابل اثر الجدل الواسع الذي أثاره قرار اصدار بطاقتي ايداع بالسجن في حق طالبين بسبب أغنية ؟
موضوع غامض.. لا نعرف من المسؤول عن الإخلالات التي عرفتها القضية وكيف صدر قرار الاحتفاظ الأول ثم كيف قررت النيابة الإيداع والإحالة على المجلس الجناحي للمحكمة بعد اسبوع .. المفروض ان تتم الاحالة في يومها ..سمعنا بفتح تحقيق من قبل التفقدية العامة مثلما تحركت أجهزة التفقد التابعة لوزارة الداخلية.. المفروض ان يتم الاعلام بنتائج التحقيق لحجم الخلل الذي مس بصفة خطيرة من حرية طالبين… المفروض ان يتم البحث وتقييم الأداء في المحكمة ونعرف من المسؤول ..في نابل هناك رئيسة المحكمة ورئيسة اولى ورئيس الدائرة الذي اصدر الحكم وهناك القاضي الذي اصدر الاذن بالاحتفاظ ثم القاضي الذي اصدر بطاقة الإيداع، يعني عندما يتم الإعلان عن إجراء تحقيق فذلك يتم مع المشرفين على المحكمة .. هل كانت رئيسة المحكمة على علم؟ رئيس الدائرة .. قضاة النيابة ..؟ يتم تقييم الاداء .. لكن ماذا حدث في المقابل ؟ نجد ان عددا كبيرا من الترقيات تم في دائرة نابل.. الرئيسة الاولى لمحكمة نابل أصبحت المتفقدة العامة ورئيسة محكمة نابل اصبحت الرئيسة الأولى للاستئناف وقاضية اصبحت وكيلة جمهورية بمنوبة ويقال ان رئيس الدائرة تحصل ايضا على ترقية ..الترقيات تمت قبل صدور نتائج التحقيق وتحميل المسؤوليات … السؤال كيف سنُصلح من حال القضاء ونطوُر اداءه ونتجنب تكرار الأخطاء ؟ هل سنتجنب بترقيات دون صدور نتائج تحقيق تكرار الأخطاء ؟
هل أثّر عدم صدور الحركة القضائية على أداء القضاة ؟
عدم اصدار الحركة القضائية يمس من سير العمل في المحاكم.. وعدد كبير من القضاة الـ57 الذين تم اعفاؤهم مشرفون على المحاكم وهم الوكلاء العامين ووكلاء الجمهورية ورؤساء المحاكم ويؤثر تغيّب أصحاب هذه الخطط على سير العمل بالمحاكم ..مثلا حادثة نابل (ايقاف شابين بسبب أغنية) كشفت عن عدة اشكالات في توزيع العمل .. ماذا قال المحامون ؟ هناك خلل تم الكشف عنه في مرجع نظر نابل يتمثل في أن الملفات تحال الى القضاة الشبان وليس هناك رؤساء لتأطيرهم .. اذا كان نفس الحال ينطبق على بقية المحاكم بغياب التأطير فستكون النتيحة حصول إخلالات وكل هذا ينعكس على حقوق الجميع.. ولنا ان نعود لما حدث مؤخرا مع الايداعات والاحتفاظات… لماذا توزع القضايا على القضاة الاقل درجة ولا تحال إلى رؤساء الدوائر ؟ لماذا يتم توزيع العمل بهذا الشكل ؟…. لماذا يُكلّف القضاة الاقل درجة والاقل خبرة والاقل سنا بالقضايا؟ هذا ايضا من تداعيات تعطل صدور الحركة القضائية.
هل وجّهتم توصيات للقضاة المكلفين بما يُسمّى بالقضايا السياسية ؟
نحن نتوجه في باب مسؤولياتنا ليس للقضاة المكلّفين بالقضايا السياسية وإنما لكل القضاة بأن يتم النظر في مختلف الملفات باستقلالية تامة حتى لو انتُزعت منهم ضمانات الاستقلالية وان تكون بوصلتهم إقامة العدل دون الخضوع لأي املاء ولأي تهديد .. نطالب السلطة التنفيذية وكل من هو مسؤول في البلاد على القضاء بإعادة بناء مقومات استقلالية القضاء ..القاضي يبُتّ كل يوم في القضايا من مختلف الأنواع .. في مثل هذه الوضعيات على كل القضاة ان يقوموا بواجبهم بما يُملي عليهم القانون وضميرهم ودون الخضوع لأي املاء ولا أي تهديد.
كيف ترون الجدل القائم حول غياب رواية رسمية بخصوص قضايا التآمر على أمن الدولة؟
الاعلام القضائي يدخل ضمن واجب ادارة المحاكم وهذا الواجب عند النيابة العمومية.. النيابة مدعوّة مثلما يحدث في الدول الديمقراطية وفي دولة القانون ومثلما وُجد في تونس منذ سنين للخروج للرأي العام .. الاعلام القضائي منظم باأمر وعلى ذلك الاساس هناك ناطقين رسميين وهم موجودون إلى حد الآن .. الخروج يتم في نطاق الحيادية التامة لإنارة الرأي العام وفق المقاييس التي تتطلبها المعلومة .. النيابة مطالبة بالخروج لطمأنة الرأي العام على حسن سير القضاء في هذه الملفات.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 6 جوان 2023