الشارع المغاربي – عبد المجيد الشرفي لـ"الشارع المغاربي": حضارتنا الاسلامية انتهت وعوّضتها أخرى نشأت في الغرب تسمّى "الحداثة"

عبد المجيد الشرفي لـ”الشارع المغاربي”: حضارتنا الاسلامية انتهت وعوّضتها أخرى نشأت في الغرب تسمّى “الحداثة”

قسم الأخبار

1 ديسمبر، 2023

الشارع المغاربي-حاورته عواطف البلدي: عقل‭ ‬مستنير‭ ‬يخوض‭ ‬معارك‭ ‬ثقافية‭. ‬مفكّر‭ ‬يشتغل‭ ‬بالبحوث‭ ‬الجدية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتحديث‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬بما‭ ‬يتناغم‭ ‬ومقتضيات‭ ‬الحداثة‭ ‬رافعا‭ ‬معاول‭ ‬النقد‭ ‬لتراث‭ ‬يمجدّه‭ ‬البعض‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬التقديس‭. ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮”‬البداهات‭ ‬الزائفة‮”الصادر‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬‮”‬دار‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬الحامي‭ ‬للنشر‮”‬‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬السبل‭ ‬الكفيلة‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬مسلم‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البداهات‭. ‬

‮”الشارع‭ ‬المغاربي‮”‬‭ ‬التقى‭ ‬رئيس‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬السابق‭ ‬الدكتور‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬الشرفي‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬كتابه‭ ‬‮”‬البداهات‭ ‬الزائفة‮”‬‭ ‬وعن‭ ‬موقفه‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬بغزة‭ ‬والراهن‭ ‬السياسي‭ ‬بتونس‭ ‬وعن‭ ‬حال‭ ‬الفكر‭ ‬والمفكرين‭.‬

أيّ‭ ‬البداهات‭ ‬أشد‭ ‬زيفا‭ ‬وأكثرها‭ ‬عنفا‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬الاسلامي؟

لا‭ ‬أظن‭ ‬انه‭  ‬ثمة‭ ‬بداهة‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬وحتى‭ ‬البداهات‭ ‬التي‭ ‬ذكرت‭ ‬هي‭ ‬نماذج‭ ‬وهناك‭ ‬غيرها‭. ‬المشكلة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمنظومة‭ ‬فكرية‭ ‬كاملة‭ ‬وهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬موروثة‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬عن‭ ‬فترات‭ ‬الانحطاط‭ ‬الحضاري‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬لها‭ ‬نفس‭ ‬الجذور‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ازدهار‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭. ‬لذلك‭ ‬ما‭ ‬نبهت‭ ‬اليه‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬ان‭ ‬نتجنب‭ ‬النظرة‭ ‬التقليدية‭ ‬الى‭ ‬الامور‭ ‬وان‭ ‬نكون‭ ‬دائما‭ ‬مستعدين‭ ‬لاعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ورثنا‭ .. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكتيّب‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬البداهات‭.. ‬طبعا‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬الكتاب‭ ‬وتعرفين‭ ‬ان‭ ‬به‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬البداهات‭ ‬لست‭ ‬اعرف‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬القارئ‭ ‬حولها‭ ‬ولكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ترتيب‭ ‬معين‭ ‬في‭ ‬الافضلية‭ ‬وفي‭ ‬الخطورة‭ ‬كلها‭ ..‬

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬سميتَها‭ ‬بداهة‭ ‬‮”‬الاسلام‭ ‬دين‭ ‬الدولة‮”‬‭ ‬تبدو‭ ‬ربما‭ ‬اكثر‭ ‬نقدا‭ ‬اليوم‭ ‬؟

الاسلام‭ ‬دين‭ ‬الدولة‭ ‬ظاهرة‭ ‬حديثة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الاسلام‭ ‬قبل‭ ‬ظهور‭ ‬الاخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬ولهذا‭ ‬ليست‭ ‬مثلا‭ ‬كتعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬ولا‭ ‬كتحريم‭ ‬الخمر‭ ‬ولا‭ ‬كالقضايا‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالارث‭ ‬الخ‭.. ‬ولهذه‭ ‬جذور‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬اعمق‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬الدين‭ ‬بالدولة‭ ‬مثلما‭ ‬بيّن‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭ ‬بوضوح‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الخلافة‭ ‬الاموية‭ ‬حيث‭ ‬اصبح‭ ‬الحكم‭ ‬ملكا‭ ‬دنيويا‭ ‬والمسلمون‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬اي‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعتبرون‭ ‬ان‭ ‬للخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬مثلا‭ ‬سلطة‭ ‬تشريعية‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬معترفا‭ ‬به‭ ‬لعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬مثلا‭ .‬

اعتمدت‭ ‬في‭ ‬دراساتك‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬والبنى‭ ‬الفكرية،‭ ‬المنهج‭ ‬التاريخي‭ ‬والسياقي‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬أربكت‭ ‬الثوابت‭ ‬والسواكن‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬من‭ ‬يدعون‭ ‬التجديد‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬هوس‭ ‬هووي‭. ‬وها‭ ‬أنت‭ ‬تواصل‭ ‬زعزعة‭ ‬البديهيات‭ ‬ووضعها‭ ‬موضع‭ ‬مساءلة‭. ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تتويجا‭ ‬لمسار‭ ‬نقدي‭ ‬كامل‭ ‬؟

لي‭ ‬احتراز‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتجديد‭ ‬انا‭ ‬لم‭ ‬ادع‭ ‬يوما‭ ‬إلى‭ ‬تجديد‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬لان‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قديم‭ ‬زمنيا‭ ‬تاريخيا‭ ‬ولكنه‭ ‬مازال‭ ‬صالحا‭ ‬وفيه‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬تركه‭. ‬أنا‭ ‬أتحدث‭ ‬دائما‭ ‬عن‭ ‬تحديث‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬متناغما‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقتضيات‭ ‬الإقرار‭ ‬بالحرية‭ .. ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬معترفا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬القديم‭ ‬لا‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬ولا‭ ‬عند‭ ‬غيرهم‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬الحداثة‭ ‬أي‭ ‬الظاهرة‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وأصبحت‭ ‬الآن‭ ‬كونية‭. ‬أنا‭ ‬الحّ‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬التحديث‭ ‬لأنني‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬عملية‭ ‬التحديث‭ ‬ضرورية‭ ‬وليس‭ ‬منها‭ ‬مفرّ‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬الذين‭ ‬انتشر‭ ‬بينهم‭ ‬هذا‭ ‬التحديث‭ ‬ليسوا‭ ‬دائما‭ ‬أوفياء‭ ‬للقيم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أساس‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭.. ‬هذا‭ ‬واضح‭ ‬اليوم‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬هذه‭ ‬المفارقة‭ ‬الكبرى‭ ‬بين‭ ‬بلاد‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬التي‭ ‬اشتعلت‭ ‬بها‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬اواخر‭ ‬القرن‭ ‬18‭ ‬وممارسة‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬قوة‭ ‬رأسمالية‭ ‬بالخصوص‭ ‬أصبحت‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬الخيارات‭ ‬السياسية‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دائما‭ ‬موجودا‭ ‬بهذه‭ ‬الحدة‭. ‬فالقوى‭ ‬المالية‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬لا‭ ‬بالحدود‭ ‬ولا‭ ‬بالأديان‭ ‬ولا‭ ‬باللغات‭ ‬وهي‭ ‬متضامنة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭.. ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬قوات‭ ‬الحلفاء‭ ‬ألقت‭ ‬القنابل‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬هتلر‭ ‬وكانت‭ ‬معامل‭ ‬كروب‭ ‬الشهيرة‭ ‬معامل‭ ‬للصناعة‭ ‬الحربية‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬هتلر‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فان‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تلق‭ ‬عليها‭ ‬قنبلة‭ ‬واحدة‭ ‬لأن‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الامريكي‭ ‬مساهم‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬كروب‭… ‬هذا‭ ‬انموذج‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬التضامن‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بين‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الذي‭ ‬يهمّش‭ ‬الحياة‭ ‬السياسة‭ ‬والفكرية‭ ‬ويصل‭ ‬به‭ ‬الامر‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعا‭ ‬البتة‭ ‬كأن‭ ‬يتم‭ ‬منع‭ ‬قنوات‭ ‬تلفزية‭ ‬معادية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬القنوات‭ ‬الروسية‭ ‬ممنوعة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬بلدان‭ ‬اوروبا‭ ‬الغربية‭ .. ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعا‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬اعتراف‭ ‬بقيمة‭ ‬الفرد‭ ‬وبأنه‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يميّز‭ ‬بنفسه‭ .. ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬اصبح‭ ‬يتحكم‭. ‬اذن‭ ‬بقطع‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬وفاء‭ ‬الذين‭ ‬أتوا‭ ‬بهذه‭ ‬القيم‭ ‬ولا‭ ‬يحترمونها‭ ‬نؤمن‭ ‬نحن‭ ‬بهذه‭ ‬القيم‭ ‬الحديثة‭. ‬وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬هذا‭ ‬الايمان‭ ‬بهذه‭ ‬القيم‭ ‬الحديثة‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لم‭ ‬يخنعوا‭ ‬ولم‭ ‬يقبلوا‭ ‬بالامر‭ ‬الواقع‭ ‬وكأنه‭ ‬قدر‭ ‬محتوم‭ ‬وإنما‭ ‬يناضلون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬الاساسية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الحرية‭ ‬لهذا‭ ‬قلت‭ ‬ان‭ ‬لي‭ ‬احترازا‭ ‬على‭ ‬التجديد‭ ‬وأفضل‭ ‬التحديث‭.. ‬

اذن‭ ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تتويجا‭ ‬لمسار‭ ‬نقدي‭ ‬كامل‭ ‬؟

تتويج‭.. ‬لا‭.. ‬انا‭ ‬عنونت‭ ‬الفصول‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مناسبات‭ ‬مختلفة‭ ‬بـ»لبنات‮»‬‭ ‬عمدا‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المساهمات‭ ‬النقدية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬نقدية‭ ‬تحليلية‭ ‬تاريخية‭ ‬الخ‭ ‬انما‭ ‬هي‭ ‬مساهمات‭ ‬متواضعة‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬التتويج‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭. ‬ويمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تتويج‭ ‬إذا‭ ‬تغير‭ ‬الفكر‭ ‬الاسلامي‭ ‬المعاصر‭ ‬انذاك‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬نتحدث‭ ‬عما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يتوّج‭ ‬هذه‭ ‬‮”‬اللبنات‮”‬‭ ‬او‭ ‬المحاولات‭ ‬او‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬أبذلها‭ ‬انا‭ ‬وغيري‭ ‬لتحديث‭ ‬الفكر‭ ‬الاسلامي‭…‬

هذه‭ ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬كتابك‭ ‬‮”‬البداهات‭ ‬الزائفة‮”‬‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصحبها‭ ‬جرأة‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬الراهن‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الشعبوية‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مزايدات‭. ‬أعتقد‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تركب‭ ‬مركب‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬انخراطا‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬دفاعي‭ ‬يستبطنون‭ ‬فيه‭ ‬مسايرة‭ ‬العامة‭ ‬تملقا‭ ‬ومسايرة‭. ‬ما‭ ‬رأيك؟

في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بينت‭ ‬في‭ ‬مداخلة‭ ‬بجامعة‭ ‬منوبة‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬اليهودي‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬الصهيونية‭ ‬وهذا‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيوني‭ ‬او‭ ‬هذه‭ ‬الايديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القديم‭ ‬عند‭ ‬اتباع‭ ‬الدين‭ ‬اليهودي‭ ‬وهي‭ ‬ايديولوجيا‭ ‬زيفت‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بالأرض‭ ‬وخاصة‭ ‬بأرض‭ ‬فلسطين‭ . ‬ثمة‭ ‬محاولات‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬وفي‭ ‬الغرب‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬القديم‭ ‬وأذكر‭ ‬محاولات‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬شلومو‭ ‬ساند‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬كتابين‭ ‬هامين‭ ‬هما‭ ‬‮”‬كيف‭ ‬اختُرِع‭ ‬الشعب‭ ‬اليهودي؟‮”‬‭ ‬و”كيف‭ ‬اختُرِعت‭ ‬أرض‭ ‬إسرائيل؟‮ ‬‭.” ‬إذن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬اختراع‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬أساس‭ ‬تاريخي‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬ثمة‭ ‬محاولات‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متداول‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬القديمة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬انا‭ ‬لا‭ ‬أحكم‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬صحيحة‭ ‬أو‭ ‬خاطئة‭ .. ‬وأذكر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أطروحة‭ ‬المؤرخ‭ ‬اللبناني‭ ‬كمال‭ ‬الصليبي‭ ‬‮”‬التوراة‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب‮”‬‭ ‬وهناك‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬للباحث‭ ‬العراقي‭ ‬الفاضل‭ ‬الربيعي‭ ‬الذي‭ ‬يحسن‭ ‬العبرية‭ ‬واللغات‭ ‬القديمة‭ ‬وقام‭ ‬ببحوث‭ ‬في‭ ‬اليمن‭. ‬كتب‭ ‬‮”‬اسرائيل‭ ‬المتخيَّلة‮”‬‭ ‬وعدة‭ ‬كتب‭ ‬اخرى‭ ‬لاعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الموضوع‭. ‬ولهذا‭ ‬الباحث‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬هاجس‭ ‬نقدي‭ ‬لا‭ ‬يسلّم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يقرأ‭ ‬فقط‭. ‬وأن‭ ‬ينطبق‭ ‬موقفه‭ ‬على‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬وعلى‭ ‬تراثه‭ ‬وتراث‭ ‬الاخرين‭ ‬بنفس‭ ‬الدرجة‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تفضيل‭ ‬السنة‭ ‬على‭ ‬الشيعة‭ ‬او‭ ‬الشيعة‭ ‬على‭ ‬الخوارج‭ ‬وما‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭…. ‬انا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بالنسبية‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الامور‭ ‬التي‭ ‬تنحدر‭ ‬الى‭ ‬نسبوية‭ ‬ولهذا‭ ‬فالموقف‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬انما‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬لهذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬وانا‭ ‬دافعت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المداخلة‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬اعرف‭ ‬ان‭ ‬كثيرين‭ ‬لا‭ ‬يشاطرونها‭ ‬ولكني‭ ‬اعتقد‭ ‬انها‭ ‬صحيحة‭ ‬وهي‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬اسباب‭ ‬تأييد‭ ‬الغرب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬ورثوا‭ ‬النظرة‭ ‬المسيحية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬ان‭ ‬اليهود‭ ‬قاتِلو‭ ‬الرب‭ .. ‬هم‭ ‬قتلوا‭ ‬اليسوع‭ ‬لذلك‭ ‬اطردهم‭ ‬المسيحيون‭ ‬من‭ ‬الاندلس‭ ‬وقاموا‭ ‬تجاههم‭ ‬بأعمال‭ ‬وحشية‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬او‭ ‬في‭ ‬اوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬بولونيا‭ ‬وبلاروسيا‭ ‬وغيرهما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ»البوغروم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تناوله‭ ‬الأدب‭ ‬التاريخي‭ ‬وهذه‭ ‬حقائق‭ ‬السبب‭ ‬فيها‭ ‬اذن‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬الكره‭ ‬لليهود‭. ‬ورغم‭ ‬ابتعاد‭ ‬الغربيين‭ ‬المحتكمين‭ ‬عن‭ ‬الايمان‭ ‬المسيحي‭ ‬التقليدي‭ ‬فإن‭ ‬لديهم‭ ‬رواسب‭ ‬في‭ ‬العقلية‭ ‬الغربية‭ ‬ولذلك‭ ‬فليذهب‭ ‬اليهود‭ ‬الى‭ ‬فلسطين‭ ‬او‭ ‬الى‭ ‬الجحيم‭ ‬المهم‭ ‬ألاّ‭ ‬يبقوا‭ ‬بيننا‭.. ‬هذه‭ ‬قراءتي‭ ‬لبعد‭ ‬من‭ ‬ابعاد‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬اليوم‭ ‬والى‭ ‬جانب‭ ‬القضايا‭ ‬الجغراسياسية‭ ‬ومصلحة‭ ‬بريطانيا‭ ‬اولا‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬ورثته‭ ‬بريطانيا‭ ‬وما‭ ‬ورثته‭ ‬عنها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.  ‬ولعلك‭ ‬سمعت‭ ‬بايدن‭ ‬يقول‭ ‬‮”‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬اسرائيل‭ ‬موجودة‭ ‬لأوجدناها‮”‬‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬وظيفتها‭ ‬بالاساس‭ ‬هي‭ ‬حماية‭ ‬مصالح‭ ‬امريكا‭ ‬مثلما‭ ‬يتصورها‭ ‬الامريكيون‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جدير‭ ‬بالاهتمام‭ ‬هو‭ ‬التغير‭ ‬الذي‭ ‬يحصل‭ ‬تحت‭ ‬اعيننا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الراي‭ ‬العام‭ ‬الغربي‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬باحتشام‭ ‬في‭ ‬المركبات‭ ‬الجامعية‭ ‬الامريكية‭ ‬وكان‭ ‬اليهود‭ ‬الصهاينة‭ ‬واتباعهم‭ ‬متخوفين‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الانحياز‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الايديولوجيا‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬المركبات‭ ‬الجامعية‭ ‬الامريكية‭ ‬في‭ ‬هافارد‭ ‬وغيرها‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬خرّيجي‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬هم‭ ‬ساسة‭ ‬الغد‭ .. ‬الان‭ ‬اصبحت‭ ‬اغلبية‭ ‬الشعب‭ ‬الامريكي‭ ‬حسب‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬مناصرة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬اقتحام‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬تقليديا‭ ‬يؤيد‭ ‬اسرائيل‭ ‬اكبر‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬والفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الجماهيري‭ ‬لأن‭ ‬الاعلام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬رؤوس‭ ‬الاموال‭ ‬اذن‭ ‬هو‭ ‬متضامن‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬متضامن‭ ‬ضد‭ ‬مصالح‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالجنوب‭ ‬اليوم‭.. ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬انا‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬وظيفتي‭ ‬ووظيفة‭ ‬زملائي‭ ‬ليس‭ ‬الصياح‭ ‬والانسياق‭ ‬وراء‭ ‬شعارات‭ ‬ايديولوجية‭ ‬وشعبوية‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬هذه‭ ‬الاحداث‭..‬

ما‭ ‬رأيك‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬للبعض‭ ‬‮”‬مستفزة‮”‬‭ ‬ولآخرين‭ ‬‮”‬صادمة‮”‬‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تصريح‭ ‬حمّادي‭ ‬الرديسي‭ ‬لأحدى‭ ‬الاذاعات‭ ‬الفرنسية؟‭ ‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حمادي‭ ‬الرديسي‭ ‬مظلوم‭ ‬لأنني‭ ‬اطلعت‭ ‬على‭ ‬استجوابه‭ ‬في‭ ‬نسخته‭ ‬الأصلية‭ ‬وليس‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬نسب‭ ‬إليه‭. ‬اعتقد‭ ‬ان‭ ‬موقف‭ ‬حمادي‭ ‬الرديسي‭ ‬كان‭ ‬متوازنا‭.. ‬ربما‭ ‬ضخّم‭ ‬أبعادا‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬مسألة‭ ‬القرب‭ ‬الجغرافي‭ ‬من‭ ‬سفارة‭ ‬فرنسا‭ ‬بتونس‭ .. ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬الاساس‭.. ‬انا‭ ‬لا‭ ‬اوافقه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬ولكنّي‭ ‬اعتقد‭ ‬انه‭ ‬ظُلِم‭ ‬في‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬عليه‭.. ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يؤيد‭ ‬البتة‭ ‬الموقف‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ولم‭ ‬يدعُ‭ ‬الى‭ ‬اعتباره‭ ‬متواطئا‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬الصهيوني‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الاساس‭..‬

وماذا‭ ‬عن‭ ‬مواقف‭ ‬الفة‭ ‬يوسف‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬للبعض‭ ‬مستفزة‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬‮”‬طوفان‭ ‬الاقصى”؟

لم‭ ‬اطلع‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬الفة‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولكن‭ ‬مبدئيا‭ ‬احترز‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬مما‭ ‬تقول‭ ‬وتكتب‭ ‬ألفة‭ ‬يوسف‭. ‬وكتابها‭ ‬‮”‬ناقصات‭ ‬عقل‭ ‬ودين‮”‬‭ ‬كاف‭ ‬في‭ ‬الاستدلال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬اساس‭ ‬عقلاني‭ ‬البتة‭.. ‬

وكتابها‭ ‬الأخير‭ ‬‮”‬حبيبات‭ ‬الله”؟

ربما‭ ‬هو‭ ‬حب‭ ‬الظهور‭ ‬الذي‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬ألفة‭ ‬بصفة‭ ‬لاشعورية‭ ‬فتستفز‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭.. ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬للفكر‭ ‬دائما‭ ‬تأثير‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬صلابة‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الفكرية‭.‬

وكيف‭ ‬تنظر‭ ‬لمسارها‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ولهذا‭ ‬الانغماس‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الروحاني؟

لا‭ ‬أستغربه‭ .. ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬انني‭ ‬اوافقها‭ ‬ولكن‭ ‬ارى‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬البراءة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يُسمح‭ ‬بها‭ ‬للباحث‭.. ‬لنكن‭ ‬متسامحين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬ألفة‭ ‬تلميذتي‭ ‬ولكنّي‭ ‬أؤمن‭ ‬بمسؤولية‭ ‬الباحث‭ ‬او‭ ‬الباحثة‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬يلقاه‭ ‬او‭ ‬تلقاه‭ ‬من‭ ‬زيد‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬عمرو‭. ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬الاول‭ ‬والاخير‭.. ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬دائما‭ ‬وابدا‭ ‬أؤكد‭ ‬لطلبتي‭ ‬على‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬وهم‭ ‬ليسوا‭ ‬مطالبين‭ ‬بأن‭ ‬يكرّروا‭ ‬ما‭ ‬قلت‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يساندوه‭.. ‬

على‭ ‬من‭ ‬تطمئن‭ ‬أكثر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬طلبتك‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمسارين‭ ‬الاكاديمي‭ ‬والبحثي؟

أنا‭ ‬أسجّل‭ ‬بكل‭ ‬ارتياح‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬طلبتي‭ ‬يمارسون‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭ ‬بنجاح‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬اختصاصه‭ .. ‬ما‭ ‬تكتبه‭ ‬ناجية‭ ‬الوريمي‭ ‬مثلا‭ ‬وليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬و‭ ‬منسجم‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬مواقفي‭ ‬وامتداد‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ . ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬المنصف‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الجليل‭ ‬ومحمد‭ ‬حمزة‭ ‬وحافظ‭ ‬قويعة‭ ‬وبسام‭ ‬الجمل‭ ‬ونايلة‭ ‬السليني‭ ‬وآمال‭ ‬قرامي‭ ‬الخ‭.. ‬كل‭ ‬في‭ ‬ميدانه‭ ‬يبذل‭ ‬جهودا‭ ‬محمودة‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬انه‭ ‬ينبغي‭ ‬ترتيبهم‭… ‬أذكّرك‭ ‬بما‭ ‬قلت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عندما‭ ‬طرحت‭ ‬عليّ‭ ‬سؤال‭ ‬التتويج‭.  ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬انها‭ ‬عملية‭ ‬طويلة‭ ‬الامد‭ ‬ليست‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشخص‭ ‬أو‭ ‬بأشخاص‭ ‬وإنما‭ ‬يتم‭ ‬تتويجها‭ ‬عندما‭ ‬تتغير‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وتغيير‭ ‬الذهنية‭ ‬المجتمعية‭ ‬أصعب‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬المادة‭. ‬تستطيع‭ ‬ان‭ ‬تبني‭ ‬بسرعة‭ ‬بناية‭ ‬شاهقة‭ ‬او‭ ‬جسرا‭ ‬او‭ ‬طريقا‭ ‬او‭ ‬معملا‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬ذهنيات‭ ‬مجتمعات‭ ‬كاملة‭ ‬فهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتا‭.. ‬

هل‭ ‬تعتقد‭ ‬وأنت‭ ‬الذي‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يديك‭ ‬جيل‭ ‬رفع‭ ‬معاول‭ ‬النقد‭ ‬لتراث‭ ‬يمجده‭ ‬البعض‭ ‬حد‭ ‬التقديس‭ ‬أن‭ ‬هزيمتنا‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬هزيمة‭ ‬حضارية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الإسلامي؟

لنكن‭ ‬واضحين‭ ‬حضارتنا‭ ‬الاسلامية‭ ‬انتهت‭ ‬تاريخيا‭ ‬وعوضتها‭ ‬حضارة‭ ‬اخرى‭ ‬تسمى‭ ‬‮”‬الحداثة‮”‬‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وأصبحت‭ ‬الان‭ ‬كونية‭.. ‬يتحدثون‭ ‬الان‭ ‬عن‭ ‬‮”‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‮”‬‭ ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بها‭. ‬الحضارة‭ ‬الاسلامية‭ ‬هي‭ ‬حضارة‭ ‬تاريخية‭ ‬انتهت‭ ‬بصفتها‭ ‬حضارة‭. ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬أنتجته‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬صالحا‭. ‬هي‭ ‬منجزات‭ ‬حضارية‭ ‬أثّرت‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬بعدها‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬استِفادة‭ ‬الحضارة‭ ‬الاسلامية‭ ‬من‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬سبقتها‭ ‬كالحضارات‭ ‬الاشورية‭ ‬والفرعونية‭ ‬واليونانية‭ ‬والرومانية‭ ‬الخ‭… ‬

طيّب‭ ‬كيف‭ ‬نسترد‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬الحضاري؟

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬واجبنا‭ ‬هو‭ ‬الاسهام‭ ‬الايجابي‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والتقنية‭ ‬وهذه‭ ‬الحضارة‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬جيدة‭ ‬ومفيدة‭ ‬للبشرية‭ ‬وانما‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬كله‭. ‬فإذا‭ ‬كنا‭ ‬نسهم‭ ‬فيه‭ ‬فإذّاك‭ ‬نستطيع‭ ‬ان‭ ‬نؤثر‭ ‬ولكننا‭ ‬الان‭ ‬على‭ ‬هامشها‭. ‬كانت‭ ‬للصين‭ ‬حضارة‭ ‬عريقة‭ ‬والان‭ ‬لم‭ ‬تسترد‭ ‬حضارتها‭ ‬القديمة‭ ‬وانما‭ ‬انخرطت‭ ‬في‭ ‬الحداثة‭ ‬منذ‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬واليوم‭ ‬اصبحت‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحداثة‭ ‬بطريقتها‭ ‬الخاصة‭ ‬لأنها‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭.  ‬أما‭ ‬اذا‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬فلن‭ ‬تستطيع‭.. ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬الذي‭ ‬يسجلها‭ ‬العرب؟‭ ‬كم‭ ‬عدد‭ ‬البراءات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يسجلها‭ ‬الصينيون‭ ‬قبل‭ ‬الثمانينات‭ ‬ويسجلونها‭ ‬اليوم؟‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭.. ‬الان‭ ‬رغم‭ ‬مقاطعة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لشركات‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة‭ ‬الصينية‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬تفوّقت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬النواحي‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الغربية‭.. ‬

‭ ‬قد‭ ‬يشكّل‭ ‬قولك‭ ‬بانتهاء‭ ‬الحضارة‭ ‬الاسلامية‭ ‬صدمة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬العرب‭…‬

ربّما‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬رأيي‭ ‬وألحّ‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اخرى‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة‭ ‬للحضارة‭ ‬الاسلامية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬عديمة‭ ‬التأثير‭. ‬السلبي‭ ‬والايجابي‭ ‬موجودان‭ ‬الى‭ ‬الى‭ ‬اليوم‭ ‬و”البداهات‭ ‬الزائفة‮”‬‭ ‬التي‭ ‬ذكرتُ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬لكن‭ ‬فيها‭ ‬أيضا‭ ‬منجزات‭ ‬مادية‭ ‬ومعنوية‭ ‬ستبقى‭ ‬خالدة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكرها‭ ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الحضارة‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬شامل‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عناصر‭ ‬بعضها‭ ‬مأخوذ‭ ‬مما‭ ‬قبلها‭ ‬وبعضها‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬هي‭ ‬وبعضها‭ ‬ما‭ ‬سيواصل‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬حضارة‭ ‬أخرى‭ ‬تأتي‭ ‬بعدها‭. ‬فعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬هي‭ ‬مجمل‭ ‬الانجازات‭ ‬الفكرية‭ ‬والمادية‭ ‬والمعنوية‭ ‬ولا‭ ‬نأخذ‭ ‬جانبا‭ ‬واحدا‭ ‬منها‭… ‬شخصيا‭ ‬أوافق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬انحطاط‭ ‬أخلاقي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحضارة‭ ‬المادية‭ ‬المعاصرة‭.‬

كان‭ ‬سؤالك‭ – ‬الهاجس‭  ‬والخيط‭ ‬الناظم‭ ‬لبحثك‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الإسلام‭)‬كتاب‭ ‬الإسلام‭ ‬والحداثة‭ ‬ص‭(‬12‭ ‬والكيفية‭ ‬التي‭ ‬يؤول‭ ‬بها‭ ‬المسلم‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬والنصوص‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬وطأة‭ ‬الحداثة‭ … ‬فما‭ ‬مدى‭ ‬تطور‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العقيدة‭ ‬والتفسير‭ ‬والحديث‭ ‬والفقه‭ ‬؟

الواقع‭ ‬المعيش‭ ‬يتطور‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬غير‭ ‬معترف‭ ‬به‭ ‬لكنه‭ ‬موجود‭ ‬وهي‭ ‬سنة‭ ‬الحياة‭. ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬وفي‭ ‬الممارسة‭ ‬اليومية‭ ‬بالمجتمع‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬مواظبين‭ ‬على‭ ‬صلاة‭ ‬الجمعة‭ ‬أصبحوا‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬الذهاب‭ ‬لأدائها‭ ‬نظرا‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬الخطب‭ ‬التي‭ ‬تلقى‭ ‬بالجوامع‭ .. ‬ثمة‭ ‬تطور‭ ‬ولكنه‭ ‬غير‭ ‬ملحوظ‭ ‬دائما‭ ‬وغير‭ ‬معترف‭ ‬به‭. ‬رسميا‭ ‬متى‭ ‬يظهر؟‭ ‬عندما‭ ‬يتكرّس‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬مثلا‭ ‬بمسألة‭ ‬الإرث‭.. ‬حين‭ ‬يصدر‭ ‬قانون‭ ‬يكرّس‭ ‬هذا‭ ‬التغيّر‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يلاحَظ‭ ‬ويصبح‭ ‬مُعترَف‭ ‬به‭ … ‬

ما‭ ‬هي‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬الحداثة‭ ‬على‭ ‬الضمير‭ ‬الإسلامي‭ ‬باعتباره‭ ‬شرطا‭ ‬لمخرجات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسلّمات‭ ‬ومواجهة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬؟‭ ‬

كل‭ ‬ما‭ ‬يغادر‭ ‬النظم‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬الناس‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الاسلام‭ ‬وفي‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الاديان‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬تاريخي‭ ‬سابق‭ ‬للحداثة‭. ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬قيم‭ ‬جديدة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يجد‭ ‬المؤمن‭ ‬بتلك‭ ‬الاديان‭ ‬مسلكا‭ ‬للتوفيق‭ ‬بين‭ ‬جوهر‭ ‬الدين‭ ‬والايمان‭ ‬الذي‭ ‬يعتقده‭ ‬ومقتضيات‭ ‬المجتمع‭ ‬الحديث‭.. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الصعوبة‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬إسلامية‭ ‬فقط‭ ‬وانما‭ ‬يهودية‭ ‬ومسيحية‭ ‬وبوذية‭ ‬وهي‭ ‬موجودة‭ ‬بالاديان‭ ‬التقليدية‭ ‬والكبرى‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ .. ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬اخر‭ ‬مخالف‭ ‬في‭ ‬تصوره‭ ‬للكون‭ ‬وفي‭ ‬نظرته‭ ‬الى‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬المعطيات‭ ‬المتوفرة‭ ‬لديه‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ … ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬بالذات‭ ‬قمت‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬بترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الدكتور‭ ‬رفيق‭ ‬بو‭ ‬خريص‭ ‬بعنوان‭ ‬‮”‬الحياة‭ ‬والديناميكا‭ ‬الحرارية”‮ ‬‭. ‬ترجمته‭ ‬لأن‭ ‬علماء‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬القديم‭ ‬كانوا‭ ‬يخصصون‭ ‬جزءا‭ ‬وافرا‭ ‬من‭ ‬مؤلفاتهم‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬‮”‬دقيق‭ ‬الكلام‮”‬‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬‮”‬جليل‭ ‬الكلام‮”‬‭ ‬الذي‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتوحيد‭ ‬والنبوّة‭ ‬ومسائل‭ ‬اخرى‭.. ‬بينما‭ ‬يتعلق”‬دقيق‭ ‬الكلام‮”‬‭ ‬بالحركة‭ ‬والسكون‭ ‬والقوانين‭ ‬الطبيعية‭ ‬وهم‭ ‬كانوا‭ ‬يوظفونه‭ ‬لفائدة‭ ‬جليل‭ ‬الكلام‭. ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬دقيق‭ ‬الكلام‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬وتجاوزها‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ . ‬تجاوزتها‭ ‬الديناميكا‭ ‬الحرارية‭ ‬والنظريات‭ ‬النسبية‭ ‬وكل‭ ‬النظريات‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭. ‬إذن‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭ ‬ايمانيا‭ ‬واعتقاديا؟‭ ‬وكتاب‭ ‬الطبيب‭ ‬رفيق‭ ‬بوخريص‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬هو‭ ‬دعوة‭ ‬الى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭. ‬

ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬النهايات،‭ ‬نهاية‭ ‬الحضارة‭ ‬ونهاية‭ ‬بعض‭ ‬الايديولوجيات‭… ‬هل‭ ‬انتهى‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬؟

الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬مرتبط‭ ‬بالسياسة‭ ‬الدولية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مرتبط‭  ‬بالأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬والآن‭ ‬سيبقى‭ ‬في‭ ‬تصوري‭ ‬ظاهرة‭ ‬هامشية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الاسلامية‭ ‬هامشية‭ ‬جدا‭ ‬ولا‭ ‬تمثل‭ ‬المجتمع‭.. ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يمثله‭ ‬الاسلام‭ ‬السياسي‭ ‬انتهى‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬معينة‭ ‬يحتل‭ ‬وسط‭ ‬الميدان‭… ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ … ‬هو‭ ‬ظاهرة‭ ‬هامشية‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الظواهر‭ ‬الهامشية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬يمينية‭ ‬او‭ ‬يسارية‭ . ‬فأيّ‭ ‬مجتمع‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬تقليدي‭ ‬يؤمن‭ ‬بضرورة‭ ‬التقليد‭ ‬ويحتاج‭  ‬أيضا‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬يكفر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬ويريد‭ ‬تجديد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ .. ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الاسلامية‭ ‬كلها‭ ‬ولا‭ ‬تحتل‭ ‬وسط‭ ‬الميدان‭ ‬الا‭ ‬بالقوة‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بإيران‭ . ‬

ثمة‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬الاسلام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬‮«‬مؤقتة‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬سجن‭ ‬الغنوشي‭ ‬فحسب؟

عندما‭ ‬وقف‭ ‬الغنوشي‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬ينتظر‭ ‬النصرة‭ ‬من‭ ‬اتباعه‭ ‬ولم‭ ‬يأتوا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬كافيا‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬الحركة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬تأثير‭ ‬ظاهري‭ ‬وليس‭ ‬عميقا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ .. ‬عبّرت‭ ‬عنه‭ ‬مظاهرات‭ ‬‮”‬اعتصام‭ ‬الرحيل‭ ‬بباردو‮”‬‭ ‬صيف‭ ‬2013‭ ‬والتعداد‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬الاقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬عندما‭ ‬رصت‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬تونسي‭ ‬كاف‭ ‬في‭ ‬اعتقادي‭. ‬اثر‭ ‬ذلك‭ ‬مباشرة‭ ‬حاولت‭ ‬النهضة‭ ‬ان‭ ‬تجيّش‭ ‬انصارها‭ ‬فسخّرت‭ ‬الحافلات‭ ‬وكل‭ ‬الوسائل‭ ‬للتجمع‭ ‬في‭ ‬القصبة‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الامكانات‭ ‬التي‭ ‬ضُخّت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يجتمع‭ ‬سوى‭ ‬50‭ ‬ألفا‭. ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الوزن‭ ‬الحقيقي‭ ‬للحركة‭. ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬قلت‭ ‬انها‭ ‬ستبقى‭ ‬هامشية‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬كذلك‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يضخّمها‭ ‬الاعلام‭ ‬والسياسة‭.. ‬لم‭ ‬أغير‭ ‬موقفي‭ ‬الان‭ ‬لأن‭ ‬الحركة‭ ‬مشلولة‭ ‬ولكني‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭..‬

كيف‭ ‬تنظر‭ ‬الى‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي‭ ‬بتونس؟

يتميّز‭ ‬بحكم‭ ‬فردي‭. ‬وقد‭ ‬عبّرت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬سابقا‭ ‬وقلت‭ ‬إن‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬يؤدي‭ ‬دائما‭ ‬الى‭ ‬مأزق‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭. ‬أخشى‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭. ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬زيد‭ ‬او‭ ‬عمرو‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬الذي‭ ‬يمارسه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬فقط‭. ‬ربما‭ ‬ينجح‭ ‬اليوم‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ينجح‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬او‭ ‬البعيد‭. ‬

انفجار؟‭! ‬كيف؟

لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يمكنه‭ ‬التكهّن‭ ‬بطريقة‭ ‬التغيير‭.. ‬ربما‭ ‬مثلما‭ ‬حصل‭ ‬بالغابون‭.. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الحكم‭ ‬الفردي‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬تضم‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭. ‬لنكن‭ ‬صرحاء‭: ‬ما‭ ‬هي‭ ‬تمثيلية‭ ‬البرلمان‭ ‬اليوم‭ ‬عندما‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬8‭ ‬أو‭ ‬10‭ ‬أو‭ ‬حتى‭‬‭% ‬20 ‬؟‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬تمثيلية‭. ‬وما‭ ‬قيمة‭ ‬دستور‭ ‬يصادق‭ ‬عليه‭ ‬‭%‬ 13‭ ‬؟‭ ‬هذه‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الامور‭ ‬البديهية‭ (…).  ‬

ونحن‭ ‬موجودان‭ ‬بفضاء‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬إجراء‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬دون‭ ‬سؤالك‭ ‬عن‭ ‬شؤون‭ ‬البيت‭ ‬وإدارتها‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬بعدك‭.. ‬ثمة‭ ‬لوم‭ ‬في‭ ‬كواليس‭ ‬المجْمَع‭ ‬لشخصك‭ ‬بسبب‭ ‬تشجيعك‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬مساندتك‭ ‬القوية‭ ‬لترشح‭ ‬رئيس‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬الحالي؟

الذين‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬المسألة‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬لأن‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬فاز‭ ‬طبقا‭ ‬لانتخابات‭.. ‬فعندما‭ ‬كنت‭ ‬رئيس‭ ‬البيت‭ ‬كنت‭ ‬محايدا‭ ‬ونظمت‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات‭ ‬ونتائجها‭ ‬افرزت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬شخص‭ ‬وإخفاق‭ ‬آخر‭.. ‬أين‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬هنا؟‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬جماعية‭ ‬وليست‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬وحدي‭.. ‬

يتحدثون‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬قضايا‭ ‬مرفوعة‭ ‬بالمحكمة‭ ‬وعن‭ ‬سوء‭ ‬تسيير‭ ‬إداري‭ ‬وعن‭ ‬غياب‭ ‬رؤية‭ ‬علمية‭ ‬وفكرية‭ ‬واضحة‭ ‬وعن‭ ‬مستوى‭ ‬ندوات‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بقيمة‭ ‬البيت‭ ‬وبتاريخه‭… ‬ما‭ ‬تعليقك؟

يوم‭ ‬أتممت‭ ‬مهمتي‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭ ‬قررت‭ ‬الا‭ ‬أتدخل‭ ‬في‭ ‬تسييرها‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬مسؤولية‭ ‬الرئيس‭ ‬ومسؤولية‭ ‬الهياكل‭ ‬العلمية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة‭. ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬موقف‭ ‬فإنني‭ ‬أعبر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الجلسة‭ ‬العامة‭.  ‬ولكن‭ ‬بالتجربة‭ ‬اعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ان‭ ‬التسيير‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭ . ‬والمسؤول‭ ‬دائما‭ ‬يكون‭ ‬عرضة‭ ‬للنقد‭. ‬وهذا‭ ‬النقد‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬احيانا‭ ‬صحيحا‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ .‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 28 نوفمبر 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING