الشارع المغاربي: واضح أنّ رئيسة الحزب الدستوري الحر الأستاذة عبير موسي ماضية في تقديم نفسها كبديل وحيد (أوحد؟) للرئيس قيس سعيّد في رئاسيّات مُفترضة في خريف 2024 وفي ظلّ غياب بدائل أخرى تحتكم على ماكينات قادرة على التحرّك بسرعة ونجاعة. واضح كذلك أنّ عبير موسي تواصل محاولة الاستفراد بالإرث البورڨيبي وطبعا كانت الذّكرى67 لسنّ مجلّة الأحوال الشخصيّة عنوانا لعيد المرأة يُحتفل به يوم 13 أوت وفرصة ثمينة لتنظيم “إحتفال” كبير ألقت خلاله رئيسة الحزب خطابا دام ساعات خيطه الرّابط عيد المرأة ووضع النّساء حاليّا في تونس وطبعا تعهّدات المُرشّحة المفترضة لأيّ موعد إنتخابي…
على مدى ساعات الخطاب، توجّهت بالنّقد لرئيس الدّولة ووزاءه وخاصّة وبالمناسبة، وزيرات المرأة وشؤون الأسرة وفي معرض حديثها عن دور الوزارة المعنيّة في التصدّي للعنف المسلّط على النّساء قالت ما معناه أنّ الوزيرة تكتفي في كلّ مناسبة بالإعلان عن فتح مقرّات لإيواء المُعنّفات من النّساء وكأنّها تقدّم تطمينات بأنّ للمعنّفات وزارة تأويهنّ و…فقط!
الأستاذة عبير موسي لم تذهب إلى أبعد من ذلك في هذا الموضوع وركّزت على حقوق الفلّاحات باعتبارهن ضامنات لغذائنا وهنا أيضا توقّفت حدود اهتمامها وتعهّداتها عند مسألتين:النّقل والأجر! مسألتان هامّتان لكن لا يمكن تناسي نسبة النّساء المالكات للأراضي الفلاحيّة المتدنّية جدّا بسبب غياب المساواة في الميراث بين النساء والرّجال…
هذا “النّسيان المتعمَّد” ينبع في الحقيقة من إرادة تحاشي الخوض في مسألة المساواة في الميراث فتتّخذ بذلك موسي موقعا “وسطا” بين الرّفض الصّريح لقيس سعيّد ومطالب الحركة النّسويّة المناضلة من أجل الاعتراف للنّساء بحقّهنّ في المساواة التامّة التي تشمل أيضا الميراث…
لكنها خصّصت في المقابل حيّزا من خطابها للأستاذة بشرى بالحاج حميدة قدّمت له بتلك الجملة الإعتراضيّة الشّهيرة “رغم خلافاتي معها الخ…” وهي في الحقيقة “تُفسِدُ” ذاك التّصريح بالمساندة،جملة فسّرتها موسي بـ “ضحالة” تقرير اللّجنة المعروفة بإختصار “كوليب” (لجنة الحريات الفرديّة والمساواة) والتي ترأستها الأستاذة بشرى بالحاج حميدة حتّى أنّها باتت تُعرف باسمها وبالتّركيز على إنتمائها السّابق لحزب الرّئيس الرّاحل الباجي قائد السّبسي ودخوله في التّوافق مع حزب حركة النّهضة وخيانة أصوات المليون إمرأة “ذكّرت” عبير موسي بكلّ ذلك لتعبّر عن تضامنها مع بشرى بلحاج حميدة وهاجمت مباشرة النّسويّات اللّواتي لم يُساندن الاستاذة بالحاج حميدة التي وقع الزجّ باسمها في ما يعرف بقضيّة التّآمر على أمن الدّولة.
وختمت ذاك الجزء من خطابها المطوّل بنظرتها لما يجب أن تكون عليه المحاكمة حيث أكّدت على ضرورة التّفريق بين من خان أصوات ناخباته وناخبيه ومن كان “خوانجي”! يعني الأستاذة رئيسة الحزب الدّستوري الحرّ لا تناقش مبدأ ضرورة التّخلّي عن تتبّع معارضي ومعارضات السّلطة بل تريد تفصيلات فيها وأشارت بكلتا يديها الى أن هناك اختلافا بين النّهضويين وسواهم .
لا يمكن تناول أيّ تحرّك أو خطاب بمعزل عن إطاره الزّمني حتّى وإن جاء كما هو الحال في إطار إحياء ذكرى ما. كما أنه يمكن لأيّة خطيبة أو خطيب مهما كانت براعته أن يعلن موقفا “مبدئيّا” وينجح تماما في إخفاء “هويّتها/ه” السّياسيّة. فبالنّسبة لرئيسة الحزب الدّستوري الحرّ وإن أرادت الظّهور في جلباب الدّيمقراطيّة والانفتاح فإنّ لبّ خطابها وطريقة توجّهها حتّى لجمهورها الماثل أمامها خصوصا الصفّ الأوّل يشيان برؤيتها لمفهوم القيادة. فهي تتوجّه إليهم بالحركة والسؤال عمّا تريد تأكيده وتؤكّد لنفسها بنفسها أنّهم/هنّ جميعا يعلمون أنّها تنفّذ ما تقول… المسألة إذن ليست إحياء لذكرى تعتزّ بها التّونسيّات من مختلف المشارب الفكريّة وتناضل التقدّميّات منهنّ بالمزيد بل هي مناسبة للقول أنّها هي الرّقم الصّعب الوحيد في البلاد(رغم تدنّي نِسب نوايا التّصويت لفائدتها في مختلف نتائج سبر الآراء المنشورة) ولقيس سعيّد،وإن بصورة غير مباشرة،أنا المعارضة الصّحيحة،تعالى نتفاهم!
عبير موسي تتّخذ إذن من إحياء 13 أوت مناسبة للقول “يا نساء تونس أنا مرشّحتكنّ ولن أكون مثلما كان الأمر مع الرّئيس الرّاحل الباجي قائد السّبسي،رحمه الله، سأجد حلولا لتأجير ونقل عاملات الفلاحة وللنّاخبين الرّجال لن أمسّ بما تتمتّعن به من مكتسبات النظام الأبوي فلا حديث عن الميراث ولا عن رئاسة مشتركة للعائلة ولا حتّى اعتراف بالدّور الإجتماعي لربّات البيوت كعمل مضنٍ يستحقّ التّثمين”.
رئيسة الحزب الدستوري الحرّ وفي معرض سعيها للسّلطة والإستعداد لإنتخابات مفترضة تريد أن توسّع قاعدة مسانداتها ومسانديها،فبعد أن بنت مشروعيّة وجودها السّياسي كالوريثة الشّرعيّة للزّعيم الرّاحل الحبيب بورڨيبة وتمكّنت تقريبا من إزاحة طيف واسع من الدساترة،هاهي الآن تتوسّع في دائرة النّضال النّسوي بمساندة،رغم تحفّضاتها كما قالت،الأستاذة المناضلة النّسويّة بشرى بالحاج حميدة بمحاولة التّعتيم على كلّ المسانَدات لبشرى بالحاج حميدة والإيهام بأنّها السّياسيّة الوحيدة التي ترفع الصّوت المساند…النّسويّات الحقوقيّات ندّدن بتعرّض عبير موسي للعنف تحت قبّة البرلمان ومنهنّ بشرى بالحاج حميدة ولم تقلن”رغم إختلافنا معها”بل دافعن عنها بصورة مبدئيّة كإمرأة وكسياسيّة لكن السيّدة عبير موسي لم تبلغ هذه”الأناقة”في الموقف فأفسدته بقائمة مآخذها على الإنتماء الحزبي السّابق لبشرى بلحاج حميدة وفترة حكم المرحوم الباجي قائد السّبسي…
يبدو أنّ رئيسة الحزب الدّستوري الحرّ تستعد بكلّ جديّة للرّئاسيّات القادمة لذا تذكّر بإنتسابها للزّعيم الرّاحل الحبيب بورڨيبة وهاهي تبدأ خطابها بالترحّم على روح الرّاحلة جليلة حفصيّة وتساند بشرى بلحاج حميدة في منفاها أو غربتها والأهم تحاول أن تستحوذ على رمزيّة إسم كإسم بشرى بلحاج حميدة بعد”عزله”عن حاضنته الطّبيعيّة:جمعيّة النّساء الدّيمقراطيّات وترمي التّهم على كلّ من رفض العمل معها .
- نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 22 اوت 2023