الشارع المغاربي: إبراهيم بوغانمي: في خطوة مريعة قام عدد من أهالي المحمدية من ولاية بن عروس بهدم جزء من الحنايا الرومانية التي تعبر المعتمدية معتقدين انها تمثل جزءا من مشاكلهم على مستوى البنية التحتية. والأغرب ان المكتب المحلي لحركة النهضة كان قد طالب السلطات الرسمية بهدم الحنايا “لما تمثله من خطر على حياة المتساكنين”.
وتعود بنا هذه الحادثة إلى بداية الألفية عندما أقدمت جماعة طالبان على هدم المعالم الأثرية والتاريخية في أفغانستان التي ينتمي اغلبها إلى عمق تاريخي يعود إلى أكثر من ألفيْ عام معتبرة أن وجود “التماثيل” مخالف للشريعة الإسلامية وأنها تُضعف من إيمان الأفغان الأمر الذي أثار حفيظة جل الساسة والمثقفين في العالم والمنظمات والهيئات الدولية. غير أن زعيم الجماعة الملا عمر آنذاك لم يأبه لأصوات الاستنكار والاستهجان.
وخلال السنوات الخمس الأخيرة تكرر المشهد مع داعش قي العراق ثم في سوريا عندما نسف وشوّه مئات الآلاف من القطع الأثرية التي تعود لحقبات تاريخية تروي جانبا مهما من حياة الإنسان وحضارته وتسرد فصولا من انتصاراته على البيئة، بصرف النطر عن كونه آشوريّا أم يزيديّ ام كرديّا أم سومريّا أم فينيقيّا.. ولم يملك العالم وقتها سوى الاستنكار والاحتجاج اللفظي بينما استبشر الملّا عمر بهدم متحف الموصل بالعراق واعتبره “نصرا على الوثنية”، وخطوة على طريق “إقامة دولة الخلافة”. وهكذا كشفت تصريحات الملا عمر هذه عام 2013 وجود خيط ناظم ورابط إيديولوجي بين هدم آثار أفغانستان وبين هدم آثار العراق وآثار سوريا مؤخرا.
لعل هؤلاء يعتقدون ان استبدال هوية بهوية أحرى بديلة يتم عبر طمس ملامح الهوية الأولى. فتهميش الشخصية الوطنية لاستبدالها بشخصية “إسلامية” يمرّ من طريق واحدة ألا وهي طمس التاريخ الذي تؤسس عليه الأجيال المتلاحقة معاركها المستقبلية ضد الفقر والجهل والتخلف، وهذا ما يأباه الرجعيون.
ربما نبالغ إن قلنا إن هدم جانب من الحنايا الرومانية في المحمدية بتونس هو امتداد لفكر الملا عمر المتشدد ولكن الحادثة، إن مرّت مرور الكرام، تؤسس على مهل لفكر غريب عنا يطمح لإرساء نمط مجتمعي مغاير ومُوغل في الرجعية والتخلف. والذي يبعث على الريبة أكثر هو مطالبة مسؤول محلي تابع لحركة النهضة بهدم الحنايا، وجميعنا يعلم رغبة النهضة بُعيْد الثورة في فرض نمط مجتمعي إسلامي قبل أن تعلن قيامها بمراجعات فكرية جعلها تعدل عن الرغبة في تغيير المجتمع أو ربما أجّلت المشروع لوقت مناسب.
إنْ كان التصرف معزولا ولا يمثل الخط الفكري والإيديولوجي لحركة النهضة فعلى الحركة أن تصدر بيانا توضح فيه موقفها وتشحب فيه الاعتداء على ثروات التونسيين الثقافية والتاريخية. ودون ذلك سيعتبر التونسيون ان النهضة منخرطة في مشروع طالبان وفي استراتيجية داعش وهذا ما لا نتمنى في هذا الظرف الدقيق الذي تمرّ به بلادنا..