الشارع المغاربي: 1/ دليل الأستاذ وليس دليل المعلّم :عكفْنَا على قراءة مقدّمة ومضامين كتاب)دليل المعلّم في اللّغة العربية السّنة السادسة من التعليم الأساسي رمزه 501603 ، )ولاحظنا أنّ وزراة التّربية لم تستبدل بَعْدُ كلمة معلّم بكلمة أستاذ، ويتأكّد تغيير عنوان الكتاب )دليل الأستاذ في اللغة العربية السّنة السّادسة من التعليم الأساسي) . ومبلغ العلم أنّ كلّ العاملين في التعليم الابتدائي أساتذة وِفْقَ المسارين المهني والعلمي ،ومنهم من عوّل على جهده الشّخصي وشمّر عن ساعد الجدّ وتحصّل على الماجستير والدكتوراه. وتكرّرالخطأ جهويًّا أيضا في حركة النّـُقل) الصّفة: مدرّس( والمذكّرات الشخصية)إمضاء المدرّس) مرّة تُكتب عبارة مدرّس ومرّات عبارة معلّم في الوسائل البيداغوجية مثل هذه الكتب التي تصدر عن المركز الوطني البيداغوجي. ورغم أنّ جُهد هذا المقال يَنْصَرِفُ إلى نصوص ومضامين الكتاب، إلاّ أنّ تذمّر أساتذة التعليم الابتدائي من هذه الأخطاء قد خلق أحيانا نوعا من الإنزعاج توجّب التّنبيه إليه . فثمّة أستاذ تعليم ابتدائي وليس معلّما ولا مدرّسا، وتوجّب إصلاح الوثائق والمطبوعات. ولا يمنع ذلك من التّنويه بوجود رغبة إصلاحية حقيقيّة مبثوثة في (دليل المعلّم في اللّغة العربية)،و نتلمّس النّفس التنويري في معاني الكفايات، وفي دلائل أخرى ربّما نتناولها بالدّرس تباعا في أوقات لاحقة كلّما لانت لنا فرصة.و سنحاول أن نبيّن ملامح النّفس الإصلاحي في المناهج والنّصوص .
2/ دلالة العنوان .. مقدّمة الكتاب.. تقويمٌ وليس تقييمًا : للعنوان علامة دالّة تؤدّي وظيفة تعيينيّة، ومِن داخل العنوان يمكننا أن ندرك كثيرا من الفاعليّة والأسس التعبيريّة والمفاهيم التنظيريّة التي تأسّس عليها هذا الكتاب ، فالدّليل يحمل في مضمونه جهازا نظريا يتضمّن : نظام الوحدات والمقاربة بالكفايات في مجال اللغة العربية وفيه شرح لأنواع الكفايات وكفايات مواد اللغة العربية، ولأهم المفاهيم النّظرية.لا شكّ إنّ ابتداء تأليف هذا النّوع من الكُتب جاء بعد جهود المرحوم محمّد الشرفي الإصلاحيّة داخل سياق اجتماعي ثقافي كوني،جهود حاول فيها نقل التّعليم التونسي من التّلقين إلى التفكير،ويبدو المنزع العقلاني التّنويري واضح متجذّر في الهوية وفي القيم الكونية ، فهل ستكشف قصدية العنوان)دليل المعلّم في اللغة العربية( عن نفس مقاصد القسم التنظيري والكفايات والنّصوص؟ وهل ستكشفُ عن تأسيس لكفايات تونسيّة بخصوصيّات تنظيريّة ومصادر ومراجع تونسيّة ؟ أم أنّ دواعي التّأليف رَجْعُ صدى لتأثّر بالمدرسة الفرنسية ليس فيه بادرة استثمار ولا إبداع بيداغوجيّ؟. وردت المقدّمة موجزة وموغلة في التعريفات والمفاهيم والتّدقيق الاصطلاحي، والشرح والتّوضيح ، أتت على كلّ مضامين الكتاب، فهي تفسّر المقام التواصلي وتعرّف المقام، كما تشرح مفاهيم: القرائن المحدّدة للوظائف والقرائن المعنوية ، والمقطع السردي وأركانه ومكوّناته وتحيل على مراجع مهمّة(أهمّ نظريات اكتساب اللّغة ووجوه تطبيقاتها على تعليم اللغة العربية/ الهادي بوحوش أطروحة دكتوراه، *بنية النّص السّردي من منظور النّقد الأدبي / حميد لحمداني 1993). ويبدو أنّ المؤلّفين أرادوا الإشارة إلى خضوع نصوص القراءة لمنطق البرامج الرّسمية والكفايات ، كما تقصّدوا إبراز ما بذلوه من جهدٍ علميّ وعناء لإتمام ذلك، فاستهلوا الكلام قائلين:»هذا دليل وضعناه لمعلّمي السّنة السّادسة مكمّلا «. وجعلوه دليلاً وأرادوه مرجعًا لأستاذ الابتدائي. إنّ هذا التّأليف يكشف عن اهتمام الوزارة بالأستاذ ويدلّ على رغبة في الارتقاء بمعارفه وتجويدها ومؤازرة العمل التربوي اليومي داخل قاعات التدريس، والسعي لتوفير كلّ الظروف المساهمة في إنجاح الدّرس، فقد تمّ تخصيص جزء مهمّ في الكتاب للجانب العملي ويتعلّق بتوزيع الكفايات والأهداف المميّزة على الوحدات مع مجموعة من مذكّرات لتنشيط الدّروس وجزء للتّقويم، وهنا نشير إلى خطأ لغوي في المصدر من فعل قَوَّمَ ورد في الصفحات:(خطأ/تقييم القراءة صفحة89التصويب:تقويم القراءة ـ خطأ/تقييم الإنتاج الكتابي صفحة 108 التصويب:تقويم الإنتاج الكتابي ـ خطأ/تقييم استعمال قواعد اللغة صفحة 115 التصويب: تقويم استعمال قواعد اللغة .( ورغم ذلك وفي تقديرنا أنّ توفير دليل مرجعي لا يكفي لمساعدة أستاذ التعليم الابتدائي على تذليل الصعوبات المعرفية ولا على اكتساب مهارة الإبداع المعرفي والخلق الإشكالي،ولا يرشّد إلى أهمّية التّعلم وتطوير ثقافته البيداغوجية والمعرفية عموما. كتاب توجيهي إلزاميٌّ وإن حاول المؤلّفون في مقدّمتهم أن يقنعوا أستاذ الابتدائي بحرّيته في توزيع المحتويات على حدّ قولهم ” لأنّه الأكثر دراية بواقع قسمه وبنسق تعلّم منظوريه وبمكتسبات منظوريه .”
3/ تكوين أستاذ التعليم الابتدائي .. ضمانة لتعليم ناجح :إنّ ما نؤكّد عليه انطلاقا من قراءتنا المتأنّية لهذا الدّليل التعليمي هو ضرورة إيلاء تكوين أساتذة التعليم الابتدائي، أهمّية أولى.والشّروع في إلزامية التّكوين المستمرّ عبر قنوات مركز التكوين المستمر بباردو وتعميمها في المراكز الجهوية، وإتاحة فرصة مواصلة التّعلم لكلّ أستاذ راغب في ذلك، وتشجيع جميع الأساتذة على التسجيل في التكوين وسَنِّ حوافز أدبية وإحكام توزيع ساعات التدريس بما يسهّل للأستاذ التوفيق بين التدريس والتّعلّم. وأمر الإصلاح لا يقوم له قائم طالما المعوّقات الماديّة واللوجستية والبيداغوجية مازالت حيّة تسعى تساير خطى أستاذ التعليم الابتدائي وتشكّل له ألوانا من المعضلات ، تحول دون الارتقاء بالكفاءة العلمية لهذا الإطار التربوي الفاعل والمهمّ في تكوين وتربية وإعداد الأجيال .فيُمكن إثراء هذه المحاولة الورقية المرجعية) دليل المعلّم( بحلقات تكوين أثناء العُطل )الصّيف،الرّبيع) ، فتكون فرصة للتكوين والتّرشيد والإحاطة البيداغوجيّة تبثّ الأمل فيه وتفتحُ له آفاقا أرحب في عمله وفي مناحي الحياة . وتثري زاده المعرفي في علاقة بمهنته ورسالته التربوية، إنّ أستاذ التعليم الابتدائي هو الأقدر والأقرب إلى تنشئة الطّفولة التونسية تنشئة سليمة، وكلّما كان وضع الأستاذ مريحا وملائما وهنا لا نتحدّث عن جنّة الخلد ولا عن نعيم الأغنياء ، ولكنّنا نقصد بالقول ، كلّما كان الأستاذ محترما في ظروف عمله وظروف تعلّمه إلاّ وكان عطاؤه أكبر وأقوى وأعمق ، إذ التربية لا تقتصير على التّعليم ولكنّها تتجاوزه إلى التّربية النّفسية والاجتماعية والفكرية والأخلاقية ، فأستاذ الابتدائي هو الذي سيترك في عقل وروح التّلميذ أثرا لا ينمّحي
4/ أستاذ التعليم الابتدائي مهندس الطفولة التونسيّة: كلّنا مدينون لمعلّمينا الذين اشتغلوا زمن السبعينات والثمانينات في ظروف جدّ هادئة وطيّبة، ثمّ تداولت الأيّام والسنون، وتغيّرت المفاهيم واختلفت النُظم والترتيبات، فمعلّم الأمس العاقل الأريب هو أستاذ اليوم الحكيم، إلاّ أنّ الرّسالة قد ثَقُلت موازينها وعظـُمت أكثر من ذي قبل، فمعلّم الأمس هو مصدر المعرفة والتّربية لا ينازعه فيها أحدٌ وهو الطبيب النّفساني والمرشد الاجتماعي والمنظّر للتّعليم وله سلطة الأب وأكثر، لأنّه رمز النخبة المثقّفة بل هو رأس هذه النّخبة. بينما اليوم تراجع دور الأستاذ في عالم يقدّس المال والبراغماتية وينبذ القيم ، فتضاءلت رمزية رجل التّربية باعتباره رمز للقيم والأخلاق والعلم ، وأصبح مجرّد موظّف تربوي مجرّد من كاريزمائيته الحقيقيّة وهيبته العلمية والأدبيّة، وتدخّلت أطراف أخرى غريبة عن رسالة التربية والتّعليم ، أتاحت لها ظروف حياة المجتمع العصرية التسلّل والتموقع ،فتعدّدت مصادر التربية أو الفاعلة في التربية، أطراف عجيبة خلقتها العولمة وصنعتها ظروف التمدّن والاقتداء بالغرب المتقدّم ، فأصبحت تكنولوجيا الاتّصال والإعلاميّة والعالم الافتراضي والهاتف النّقال والمواقع الإلكترونية مصادر للإزعاج والتعويق أحيانا، إذا استعملها الأطفال في اللهو واللعب والعبث وإضاعة الوقت والمشاكسات، وقد تؤدّي أحيانا إلى الخمول والتّفسخ الأخلاقي والجنوح وتقليد الآخر الغريب بفكره ومعتقده وقيمه، وقد تؤول إلى توحّد التّلميذ وانبتاته من الأسرة والمجتمع فيهجر الحياة المجموعتية، ويميلُ إلى العنف أوالتّزمّت أوالأنانية ،ولا نُنكرما لهذه الوسائل من توظيف إيجابي يفيد الإنسان، ولكننّا نتحدّث عن تأثّر سلبيّ بهذه الأطراف، وهي أطراف قلّصت دور أستاذ التعليم الابتدائي، وتغوّلت على الحدود الأخلاقية والضوابط المجتمعيّة،وحاولت أن تتدخّل في الدور التربوي وتُربكه في إطار دعم الحرّيات والتّحرر وحقوق الإنسان التي أسيء فهمها في الأوساط الشعبيّة.
5/ الإصلاح .. تركيز إلزامية التكوين :و نقترح فتح مراكز جهويّة أو إقليميّة وبرمجة حلقات تكوينية تعاضد دروس الأساتذة الذين يواصلون تعلّمهم داخل نظام مركز التكوين المستمرّ بباردو، وتعاضد من استكملوا تكوينهم ونالوا حظّا من علوم التربية.وننصحُ بالتخطيط لتكوين الأساتذة في وحدات تعليميّة تتعلّق بالحياة والتنشيط الثقافي والعمل الجمعياتي ووحدات تتعلّق بهندسة الزّمن، ووحدات تكوينيّة في علم النّفس التربوي والآداب والفنون والفلسفة ، كلّها تساعد على الارتقاء بمعارف الأستاذ وتعود بالفائدة على التّلاميذ فتكون الدّروس مجوّدة وشاملة.
6/خاتمة القول مبتدأ الإصلاح : فشل خبراء التربية الذين استخدمتهم وزارة التربية لضبط الكفايات واختيار البرامج والنصوص وبناء المفاهيم والأهداف والمعايير، في بناء كفايات تونسيّة بخصوصيات ثقافية واجتماعية، ولذلك تعثّرت كلّ تجارب الإصلاح التربوي السّابقة منذ بدايتها، ولعلّ من بين أسباب التّعثر اكتفاء وزارة التربية سابقا بفئة قليلة ومحدودة من متفقدي التعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والثانوي وتشريكهم في محاولات الإصلاح وإقصاء الآخرين ومنهم من هو قادر على صياغة مخطّط إصلاح تربوي بخصوصيات تونسية وفق المقاييس البيداغوجية والعلمية، وتأسيس إصلاح عميق ومتين يستجيب لانتظارات المجتمع.و في تقديرنا أنّ إنجاز إصلاح تربوي الآن وبناء كفايات تونسيّة هو تحقيق لاستقلال تربوي ثقّافي . ولا جرم أنّ أمر إصلاح حال أستاذ التعليم الابتدائي هو جوهرالإصلاح التّربوي وضمان الأمن التربوي للمجتمع، وكلّ الشعوب التي ارتقت وتقدّمت اعتمدت على نظام تربوي متين متجذّر في الهوية محترمٍ للإنسان: )الأستاذ .. التّلميذ .( ولقد أصاب من اعتبر إصلاح التعليم في تونس أساس إصلاح أوضاع المجتمع، ودَرْكُ هذه الغاية بالعقول المستنيرة. ويقترن التعليم بالأدب والأخلاق والمنطق، ولذلك يستوجب مشروع الإصلاح التثبّت وتّخيّر الحكماء المكلّفين بالغربلة وضبط المضامين والبرامج وهندسة الزّمن المدرسي. وإنّ أخطر الأدوار في الإصلاح للعارفين العاملين الأكياس،لأنّه بناء الإنسان التونسي الناشئ .والإصلاح أمانة وبلاء عظيم ولا يُستطاع إليه سبيلا إلاّ بالأعوان والنّاصحين والخبراء والعلماء ورجال التّربية، صفوة القوم ولا يخلو إنسان من معايب ، ومن كانت عيوبه لا تضرّ ورأيه ينفع وعلمه يُفيد فهو أهل للتّشريك في بناء نظام تربويّ جديد يتلاءم مع تشوّفات المجتمع، ويهيئ لتنشئة جيل قادرعلى مواجهة التّحدّيات القادمة بآليات متطوّرة وفكر وقّادٍ وروح متشبّعة بالوطنية والهويّة، طامحة إلى الرّقي والتألّق. وما ذلك بعزيز على أخيارنا ولا على شعبنا الذي خاض ملاحم واجتاز الصّعاب، شرط أن تلتزم وزارة التربية بالكفّ عن مَنْح رُخَصٍ المدارس الخصوصيّة، والاعتناء أكثر ببنية المدرسة العمومية وإرجاع هيبتها والمساهمة في تجويد مردوديتها التربوية، والحال أنّ واقع التعليم أمسى سوقا تجارية داخل المدارس الخاصّة وتنافسا على تحصيل أرفع نسبة من المرابيح وجلب أكبر عدد من التلاميذ واستقطاب الكفاءات بعد الإحالة على شرف المهنة.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 17 اكتوبر 2023