الشارع المغاربي – صاحب‭ ‬الفخامة‭ ‬ووزيرات‭ ‬السّمع‭ ‬والطّاعة /بقلم:عيسى جابلي -كاتب تونسي)

صاحب‭ ‬الفخامة‭ ‬ووزيرات‭ ‬السّمع‭ ‬والطّاعة /بقلم:عيسى جابلي -كاتب تونسي)

قسم الأخبار

27 يوليو، 2023

الشارع المغاربي: لم‭ ‬يمرّ‭ ‬أحد‭ ‬بوزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافية‭ ‬ويرتكب‭ ‬هذا‭ ‬الكمّ‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬ويحافظ‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬منصبه‭ ‬سوى‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬الحاليّة‭. ‬فيبدو‭ ‬أنّها‭ ‬تتمتّع‭ ‬بحماية‭ ‬رئاسيّة‭ ‬منيعة‭ ‬ضدّ‭ ‬كلّ‭ ‬الصّدمات‭ ‬وضدّ‭ ‬كلّ‭ ‬ضجّة‭ ‬تثار‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بسبب‭ ‬فضيحة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬مشكل‭ ‬طارئ‭. ‬فمنذ‭ ‬تعيينها‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬وزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬أحاطت‭ ‬نفسها‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬كعادة‭ ‬كلّ‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬السّعيدة،‭ ‬الّذين‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬منفردين‭ ‬بل‭ ‬يبدؤون‭ ‬أوّلا‭ ‬بالتخلّص‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يستطيعون‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬سابقين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬زمرةً‭ ‬للوزير‭ ‬السّابق،‭ ‬ليفسحوا‭ ‬المجال‭ ‬لزمرتهم‭ ‬الخاصّة‭ ‬كي‭ ‬تضرب‭ ‬عروقها‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الوزارة،‭ ‬والويل‭ ‬كلّ‭ ‬الويل‭ ‬لأيّ‭ “‬مكلّف‭” ‬بمهمّة‭ ‬يخربش‭ ‬على‭ ‬فايسبوك‭ ‬تدوينة‭ ‬تلمّح‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬إجراء‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬يبدي‭ ‬رأياً‭ ‬حتّى‭ ‬في‭ ‬حانة‭ ‬من‭ ‬حانات‭ ‬تونس‭ ‬العاصمة‭ ‬أو‭ ‬مقاهيها،‭ ‬فللوزيرة‭ ‬عيون‭ ‬لا‭ ‬تنام‭ ‬وآذان‭ ‬تلتقط‭ ‬كلّ‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة‭.‬

كانت‭ ‬آخر‭ ‬ضحيّة‭ ‬من‭ ‬ضحايا‭ ‬الوزيرة‭ ‬الحالية‭ ‬مديرة‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬رجاء‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬الّتي‭ ‬شهدت‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬حركيّة‭ ‬كبيرة‭ ‬تمظهرت‭ ‬خاصّة‭ ‬في‭ ‬أنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬من‭ ‬ندوات‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬علميّة‭ ‬وشراكات‭ ‬مثمرة‭. ‬باختصار،‭ ‬كانت‭ ‬رجاء‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬تحمل‭ ‬مشروعاً‭ ‬واضحاً‭ ‬للنهوض‭ ‬بعمل‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنية‭ ‬والرقيّ‭ ‬بها‭. ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬مشروع‭ ‬رقمنة‭ ‬الأرشيف‭ ‬وتحقيق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وجمع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬الخاصة‭ ‬الّتي‭ ‬أهديت‭ ‬للمكتبة‭ ‬الوطنية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ممّن‭ ‬يصمت‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬نقديّ،‭ ‬فدأبت‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬تدوينات‭ ‬تبدي‭ ‬فيها‭ ‬موقفها‭ ‬ممّا‭ ‬يستجدّ‭ ‬ببرّ‭ ‬تونس‭ ‬تلميحاً‭ ‬وتصريحاً،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬الأمر‭ ‬أقضّ‭ ‬مضجع‭ ‬الزّعيم،‭ ‬أو‭ ‬إنّ‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬خافت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فصمتت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬فترة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬النّار‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬رجاء‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬بإقالتها‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬المكتبة‭ ‬الوطنيّة‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬أي‭ ‬سبب،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬القتل‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭ ‬الّتي‭ ‬يمارسها‭ ‬كلّ‭ ‬المسؤولين‭ ‬التونسيّين‭. ‬ولطالما‭ ‬انتقدت‭ ‬هذه‭ ‬الطّريقة‭ ‬البائسة‭ ‬والمتخلّفة،‭ ‬الّتي‭ ‬لا‭ ‬تعبّر‭ ‬إلاّ‭ ‬عن‭ ‬احتقار‭ ‬المثقّفين‭ ‬التّونسيّين‭. ‬فها‭ ‬أنا‭ ‬أتحدّى‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬تعلّل‭ ‬إقالة‭ ‬رجاء‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬وتذكر‭ ‬لنا‭ ‬سبباً‭ ‬واحداً‭ ‬تستحقّ‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬العزل‭. ‬لن‭ ‬تفعل‭ ‬طبعاً‭ ‬لأنّ‭ ‬الإقالة‭ ‬جاءت‭ ‬خوفاً‭ ‬على‭ ‬سيّدنا‭ ‬صلّى‭ ‬اللّه‭ ‬عليه‭ ‬وسلّم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تزعزعه‭ ‬تدوينات‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭ ‬أو‭ ‬تضلّل‭ ‬أتباع‭ ‬دينه،‭ ‬لذلك‭ ‬سارعت‭ ‬إلى‭ ‬عزلها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬أنّها‭ ‬حرّرتها‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬الإدارة‭ ‬وأطلقت‭ ‬جناحيها‭ ‬مجدّداً‭.‬

منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬انتقدتُّ‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬سياسة‭ ‬التّعيينات‭ ‬في‭ ‬الوزارات،‭ ‬وأكّدت‭ ‬أنّها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬شرط‭ ‬الولاء‭ ‬للزّعيم‭ ‬أمدّ‭ ‬اللّه‭ ‬أنفاسه‭ ‬ووطّدَ‭ ‬زعامته‭ ‬في‭ ‬مشارق‭ ‬الأرض‭ ‬ومغاربها‭. ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الولاءُ‭ ‬المساندةَ‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الوزير‭ ‬مستعدّا‭ ‬ليكون‭ ‬عصا‭ ‬الزّعيم‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ينطق‭ ‬بما‭ ‬ينطق‭ ‬به‭ ‬وينفّذ‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬نقاش‭. ‬والواقع‭ ‬أنّ‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬الّتي‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬إلاّ‭ ‬نادراً‭ ‬تمثّل‭ ‬أنموذج‭ ‬المرأة‭ ‬المطأطئة‭ ‬الرّأس،‭ ‬أي‭ ‬التّلميذة‭ ‬المثاليّة‭ ‬والبنت‭ ‬المطيعة،‭ ‬تجلس‭ ‬أمام‭ ‬مكتب‭ ‬فخامته‭ ‬وتسمع‭ ‬خطبته‭ ‬وتطأطئ‭ ‬رأسها‭ ‬بالتّأييد،‭ ‬مقتدية‭ ‬برئيسة‭ ‬الحكومة‭. ‬أمّا‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافيّ‭ ‬تحمله‭ ‬الوزيرة‭ ‬وتقنع‭ ‬به‭ ‬وتفرضه‭ ‬على‭ “‬الدّولة‭” ‬فهذا‭ ‬حلم‭ ‬مؤجّل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية،‭ ‬ويكفينا‭ ‬اليوم‭ ‬التّصفيق‭ ‬والتأييد‭ ‬والطّأطأة‭ ‬والصّمت‭ ‬والمباركة‭ ‬وسائلَ‭ ‬ناجعةً‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬كرسيّ‭ ‬الوزارة‭ ‬الوثير‭ ‬في‭ “‬هذه‭ ‬اللّحظة‭ ‬الاستثنائيّة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التّاريخ‭ ‬الّتي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬بلادنا‭”‬،‭ ‬ويكفينا‭ ‬الإيمان‭ ‬بنظريّة‭ “‬المؤامرة‭ ‬الّتي‭ ‬يشنّها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأشرار‭ ‬في‭ ‬الدّاخل‭ ‬والخارج‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المبعبعون‭ ‬باسم‭ ‬الزّعيم‭. ‬فقد‭ ‬استمعت‭ ‬إلى‭ ‬أحدهم‭ ‬منذ‭ ‬أيّام‭ ‬يعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أن‭ “‬الزّبوبيّات‭” ‬التي‭ ‬تلفّظ‭ ‬بها‭ ‬فكاهي‭ ‬فرنسيّ‭ ‬في‭ “‬ليلة‭ ‬الضحك‭” ‬على‭ ‬الذّقون‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬قرطاج‭ ‬إنّما‭ ‬هي‭ ‬مؤامرة‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬ذلك‭ ‬بكلّ‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬النّفس‭.‬

إنّه‭ ‬زمن‭ ‬النّباح‭ ‬باسم‭ ‬الزّعيم‭ ‬ولا‭ ‬قول‭ ‬غير‭ ‬قوله،‭ ‬ولا‭ ‬فكرة‭ ‬غير‭ ‬فكرته‭ ‬ولا‭ ‬تفسير‭ ‬غير‭ ‬تفسيره‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ “‬اللّحظة‭ ‬التّاريخيّة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخخخ‭” ‬تقتضي‭ ‬السّمع‭ ‬والطّاعة‭ ‬لا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مشاريع‭. ‬ثمّ‭ ‬ما‭ ‬رتبة‭ ‬الثّقافة‭ ‬والمشاريع‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬أولويّات‭ ‬الزّعيم‭ ‬اليوم؟‭ ‬هل‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافيّ‭ ‬وفخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬يلهث‭ ‬خلف‭ ‬الخبز‭ ‬والزّيت‭ ‬والسّكّر‭ ‬والحليب؟‭ ‬أيّ‭ ‬كفر‭ ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقترفه‭ ‬أحدهم‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافيّ؟؟‭ ‬وأي‭ ‬حماقة‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬ثقافيّ‭ ‬بديل‭ ‬لثقافة‭ ‬الولائم‭ ‬والـ‭”‬زّرد‭”‬؟‭ ‬إنّ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬بالتأكيد‭ ‬الإقالة‭ ‬في‭ ‬كلمتين‭ ‬باردتين‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬منظوريها‭ ‬الّذين‭ ‬اشتمّت‭ ‬عليهم‭ ‬رائحة‭ ‬العصيان‭ ‬لأوامرها‭ ‬أو‭ ‬أوامر‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬وتوجّهاته‭ ‬الحكيمة‭: “‬قرّرت‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬إعفاء‭ ‬فلان‭ ‬الفلاني‭ ‬من‭ ‬مهامّه‭”‬،‭ ‬وهي‭ ‬الجملة‭ ‬الباردة‭ ‬نفسها‭ ‬الّتي‭ ‬سيُنهي‭ ‬بها‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬مهامَّ‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬عندما‭ ‬يصله‭ ‬عنها‭ ‬ملفّ‭ ‬من‭ ‬مفسّريه‭ ‬يثبت‭ ‬خروجها‭ ‬عن‭ ‬مقولة‭ “‬الشّعب‭ ‬يريد‭”‬،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الوزيرة‭ ‬منتشية‭ ‬اليوم‭ ‬بإطلاق‭ ‬الرّصاص‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المثقّفين‭. ‬وفي‭ ‬الأثناء‭ ‬تلهث‭ ‬خلف‭ ‬رضا‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬مؤيّدة‭ ‬إيّاه‭ ‬في‭ ‬عشقه‭ ‬الخطّ‭ ‬العربيّ،‭ ‬وتقترح‭ ‬عليه‭ ‬تخصيص‭ ‬مركز‭ ‬عالمي‭ ‬للخطّ‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬بجانب‭ ‬مبنى‭ ‬مدينة‭ ‬الثقافة،‭ ‬أمّا‭ ‬التّفكير‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬للمعارض‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬ذاته‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬ذهنها‭ ‬لأنّ‭ ‬الكتاب‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭. ‬ألم‭ ‬تذبَّ‭ ‬عنه‭ ‬الكتبَ‭ ‬خلال‭ ‬المعرض‭ ‬الفارط،‭ ‬وتمنع‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬العناوين‭ ‬الّتي‭ ‬بدا‭ ‬أنّها‭ ‬تنتقده‭ ‬في‭ ‬سابقة‭ ‬لم‭ ‬تقوَ‭ ‬عليها‭ ‬حركة‭ ‬النّهضة‭ ‬لمّا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الحكم؟‭ ‬بلى‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك،‭ ‬و‭”‬بهذلت‭” ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الكتّاب‭ ‬لأنّهم‭ ‬تحدّثوا‭ ‬عن‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم،‭ ‬وسيظلّ‭ ‬العار‭ ‬يلاحق‭ ‬وزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬يبعثون،‭ ‬وسنتذكّر‭ ‬السيّدة‭ ‬الوزيرة‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬عمر‭ ‬بأنّها‭ ‬الّتي‭ ‬منعت‭ ‬كتباً‭ ‬فكريّة‭ ‬بعد‭ ‬الثّورة‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسيّة،‭ ‬وما‭ ‬همّ‭ ‬لو‭ ‬حصل‭ ‬وانتقدناها‭ ‬أو‭ ‬عيّرناها‭ ‬بمانعة‭ ‬الكتب‭ ‬مثلاً؟‭ ‬يكفي‭ ‬أنّها‭ ‬تحظى‭ ‬لدى‭ ‬الزّعيم‭ ‬بمكانة‭ ‬عظيمة‭ ‬منعته‭ ‬من‭ ‬إقالتها‭ ‬رغم‭ ‬أنّها‭ ‬ذبحت‭ ‬عديد‭ ‬المثقّفين‭ ‬وشرّدتهم‭ ‬عن‭ ‬عائلاتهم‭ ‬وحرمتهم‭ ‬من‭ ‬رواتبهم‭ ‬في‭ ‬مجزرة‭ ‬مجالس‭ ‬التّأديب‭ ‬مؤخّراً‭ ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬أغلب‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬وفخامة‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬جويلية،‭ ‬ولكنّ‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬السّيّدة‭ ‬الوزيرة‭ ‬من‭ ‬إهدار‭ ‬دمائهم‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭ ‬إرضاء‭ ‬لفخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬الّذي‭ ‬تقبّلها‭ ‬قبولاً‭ ‬حسناً‭ ‬بعد‭ ‬فضيحة‭ “‬ليلة‭ ‬الضّحك‭” ‬على‭ ‬الذّقون‭ ‬في‭ ‬قرطاج،‭ ‬فسارعت‭ ‬إلى‭ ‬الاجتماع‭ ‬ببعض‭ ‬مديري‭ ‬المهرجانات‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمر‭. ‬وبذلك‭ ‬تمّ‭ ‬إصلاح‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافيّ‭ ‬والرّقيّ‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬مصافَّ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬التّاريخ‭ ‬وارتفعت‭ ‬بمشروعها‭ ‬الثّقافيّ‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬شاهقاً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭.‬

ولو‭ ‬أرادت‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬النّصيحة‭ ‬لاقترحت‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬أوّل‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬المثقّفين‭ ‬بمجرّد‭ ‬الرّد‭ ‬على‭ ‬بريد‭ ‬إلكترونيّ‭ ‬يصل‭ ‬الوزارة‭. ‬لقد‭ ‬راسلت‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بالبريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬فتلقيت‭ ‬ردودا‭ ‬إلاّ‭ ‬وزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭. ‬فمنذ‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬مثلاً‭ ‬نشرت‭ ‬وزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافيّة‭ ‬إعلاناً‭ ‬عن‭ ‬عزمها‭ ‬تأسيس‭ ‬منصّة‭ ‬للكتاب‭ ‬التّونسي‭ ‬يكون‭ ‬هدفه‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بالكتّاب‭ ‬التّونسيّين،‭ ‬واشترطت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المترشّحون‭ ‬للتعاقد‭ ‬مع‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المؤلّفات‭ ‬الأدبية‭. ‬وبحكم‭ ‬اطّلاعي‭ ‬الواسع‭ ‬على‭ ‬السّاحة‭ ‬الأدبيّة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وحماسي‭ ‬للتّعريف‭ ‬بالكتّاب‭ ‬وكتبهم،‭ ‬وإيماني‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬منصة‭ ‬رسميّة‭ ‬تعرّف‭ ‬بأدبائنا‭ ‬وأديباتنا‭ ‬مثلما‭ ‬تفعل‭ ‬الدّول‭ ‬المحترمة،‭ ‬قدّمت‭ ‬مطلباً‭ ‬تضمّن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬طلبوه‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬وسيرة‭ ‬وغيرها‭ ‬وتقدّمت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الآجال،‭ ‬وظللت‭ ‬أنتظر‭ ‬ردّاً‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬العام‭ ‬الأوّل‭ ‬مرّ،‭ ‬ومرّ‭ ‬عام‭ ‬ثانٍ‭ ‬ولا‭ ‬ردّ‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬لا‭ ‬بالقبول‭ ‬ولا‭ ‬بالاعتذار،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يكلّفوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬حتّى‭ ‬مجرّد‭ ‬إرسال‭ ‬تأكيد‭ ‬استلام‭ ‬بكلمتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: “‬تلقّينا‭ ‬مطلبكم‭. ‬شكرا‭”. ‬غير‭ ‬أنّني‭ ‬تفاجأت‭ ‬منذ‭ ‬أيّام‭ ‬بوزارة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثّقافية‭ ‬تنشر‭ ‬بلاغاً‭ ‬هذا‭ ‬نصّه‭: “‬في‭ ‬إطار‭ ‬تأثيث‭ ‬محتوى‭ “‬بوابة‭ ‬الكتاب‭ ‬التّونسي‭” ‬وهو‭ ‬مشروع‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التعريف‭ ‬بالكاتب‭ ‬والكتاب‭ ‬وبحركة‭ ‬النّشر‭ ‬عامة‭ ‬بالبلاد‭ ‬التونسية‭ ‬تدعو‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬الكتّابَ‭ ‬والشّعراء‭ ‬التونسيين‭ ‬غير‭ ‬المنخرطين‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسيين‭ ‬والراغبين‭ ‬في‭ ‬التعريف‭ ‬بمسيرتهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬وإصداراتهم‭ ‬أن‭ ‬يتقدّموا‭ ‬بملفات‭ ‬في‭ ‬الغرض‭ ‬تتضمن‭ ‬الوثائق‭ ‬التالية‭: ‬مطلباً‭ ‬كتابيا‭ ‬باسم‭ ‬السيدة‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬وسيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬مفصلة‭ ‬وصورة‭ ‬شمسية‭ ‬حديثة‭ ‬إلخ‭..”.‬

لمّا‭ ‬قرأت‭ ‬البلاغ‭ ‬ذهلت‭. ‬فقد‭ ‬تكوّنت‭ “‬بوابة‭ ‬الكتاب‭ ‬التونسي‭” ‬الّتي‭ ‬لا‭ ‬أثر‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن،‭ ‬وتم‭ ‬انتداب‭ ‬متعاقدين‭ ‬لتأثيث‭ ‬محتواها،‭ ‬وتشكلت‭ ‬هيأة‭ ‬الإشراف‭ ‬عليها‭ ‬وبدأت‭ ‬العمل‭. ‬كيف‭ ‬تمّ‭ ‬ذلك؟‭ ‬متى؟‭ ‬ما‭ ‬المقاييس‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬في‭ ‬انتدابهم؟‭ ‬هل‭ ‬أجروا‭ ‬مناظرة‭ ‬أو‭ ‬اختباراً؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭. ‬فالأمور‭ ‬في‭ “‬البلاد‭ ‬التونسيّة‭” ‬تسير‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬وفق‭ ‬قاعدة‭ ‬السمع‭ ‬والطاعة‭ ‬ومبدأ‭ “‬هذا‭ ‬متاعنا‭ ‬وهذاكا‭ ‬لا‭”. ‬أمّا‭ “‬الشّفافيّة‭” ‬و‭”‬النّزاهة‭” ‬فستُقدّم‭ ‬في‭ ‬أطباقٍ‭ ‬من‭ ‬البلاغة‭ ‬المتكلّسة‭ ‬للمغبونين‭ ‬والحمقى‭ ‬ممّن‭ ‬تعوّدوا‭ ‬السّمع‭ ‬والطّاعة‭ ‬فحسب‭. ‬ثمّ‭ ‬ما‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬البذيئة‭ ‬في‭ ‬تأثيث‭ ‬هذه‭ ‬المنصة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تولد‭ ‬بعد؟‭ ‬يعني‭ ‬ستكتفي‭ ‬اللجنة‭ ‬المشرفة‭ ‬بتلقّي‭ ‬السيَر‭ ‬ورقنها‭ ‬وتنزيلها‭ ‬على‭ ‬موقع؟‭ ‬أي‭ ‬عبث‭ ‬هذا‭ ‬يهان‭ ‬فيه‭ ‬الكتاب‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة؟‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمن‭ ‬نحن؟

لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬سوى‭ ‬مثال‭ ‬بسيط‭ ‬جدّا‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الوزارات‭ ‬ولن‭ ‬ندخل‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الصفقات‭ ‬والتعيينات‭ ‬والولاء‭ ‬والبراء‭ ‬لأنّها‭ ‬مسائل‭ ‬تتجاوزنا،‭ ‬وبما‭ ‬أنّنا‭ ‬لسنا‭ ‬من‭ ‬القرشيّين‭ ‬الخلّص‭ ‬الصابرين‭ ‬المرابطين‭ ‬فلن‭ ‬يسمعنا‭ ‬فخامة‭ ‬الزّعيم‭ ‬ولن‭ ‬يلقي‭ ‬بالاً‭ ‬لما‭ ‬نقول‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬خطورته،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تقدّم‭ ‬فينا‭ ‬وزيرة‭ ‬الشّؤون‭ ‬الثقافية‭ ‬نازلة‭ ‬في‭ ‬المس‭ ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬موظف‭ ‬عمومي‭ ‬والتشويش‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬العام‭ ‬والسكر‭ ‬والعربدة‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬ثقب‭ ‬الأوزون‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬فكل‭ ‬تلك‭ ‬التهم‭ ‬جاهزة‭ ‬لكل‭ ‬كلمة‭ ‬تُكتب‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬تدوينة‭ ‬ينتظرها‭ ‬الفصل‭ ‬الفضيحة‭ (‬الفصل‭ ‬54‭) ‬الّذي‭ ‬يطلّ‭ ‬على‭ ‬رقابنا‭ ‬من‭ ‬علوّ‭ ‬شاهق‭ ‬وساحق‭.‬

قالها‭ ‬الشابي‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ “‬لقد‭ ‬يئست‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التونسية‭” ‬وسأكرّرها‭ ‬اليوم‭ ‬خلفه‭ ‬فربما‭ ‬سمع‭ ‬صداها،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يؤذّن‭ ‬فينا‭ ‬مؤّذن‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬يخبرنا‭ ‬بأنّ‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬عشناه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬كابوس‭ ‬قاتم‭.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 25 جويلية 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING