الشارع المغاربي-محمد الجلالي: تتمة للتحقيق الصادر بصحيفة “الشارع المغاربي” بتاريخ 5 سبتمبر الجاري يتطرق مقال اليوم الثلاثاء الى عدد من التجاوزات التي صاحبت أكثر من صفقة كانت قد ابرمتها الشركة الوطنية لتوزيع البترول )عجيل( خلال فترة إشراف الرئيس المدير العام السابق نبيل صميدة.
صفقات شهدت تفنّنا في مخالفة القانون والتلاعب بالإجراءات بما تسبّب في حصول أضرار بليغة للمنشأة العمومية وكلفها خسائر قد يصعب حصرها.
نقلة تعسفيّة ومحضر مُفتعل
في 2 جوان 2016 أسندت”عجيل” الى شركة فرنسية صفقة تركيز معدات جديدة لتعبئة قوارير الغاز بمستودع رادس مقابل 15 مليون دينار.
وبرّرت الشركة جدوى انجاز المشروع برغبتها في تقليص حجم الساعات الإضافية بالمستودع وتلبية الطلبات المتزايدة على قوارير الغاز المنزلي.
الصفقة التي تم انجازها في أفريل 2018 سجّلت تحفظات جوهرية عليها دوّنها رئيس المستودع بحسب تأكيد موظف بوزارة الصناعة.
الموظف الذي فضل عدم الكشف عن هويته أفاد بأن إدارة “عجيل” لجأت الى التخلي عن محضر الاستلام الوقتي بعد ان دوّن رئيس مستودع الغاز برادس تحفظات واحترازات جوهرية وتعويضها بمحضر استلام وقتي ثان.
وتمثلت توصيات رئيس المستودع في اصلاح وتشغيل بعض المعدات الاساسية بوحدة التعبئة وخصوصا ما يرتبط منها بالسلامة والتي تتطلّب عرضها على الاختبارات للتأكد من طاقتها الإنتاجية الى جانب تسليم قطع الغيار الضرورية والكافية لنشاط سنتين بعد الاعلان على الاستلام الوقتي حسب نفس المصدر.
وذكر المصدر ان إدارة الشركة استبقت باشراف مدير مركزي سابق عملية تغيير محضر الاستلام الوقتي بآخر مفتعل بنُقلة رئيس المستودع وتعويضه بموظف اخر كان قد غض الطرف عن مختلف الاخلالات مع تغيير فريق العمل المشرف على تنفيذ المشروع وسحب الإشراف عليه من إدارة المشاريع رغم أن الصفقة كانت في مرحلة متقدمة من الانجاز آنذاك أي مرحلة اجراء الاختبارات والإعداد للاستلام الوقتي.
وأضاف “مع قدوم رئيس مستودع جديد تمت الاختبارات المتعلقة بجدوى المضخات والإعلان على الاستلام الوقتي اعتمادا على محضر استلام ثان تم بمقتضاه إلغاء الوثيقة الأصلية التي تحمل تحفظات جوهرية دون تشغيل جهاز مراقبة التسرّب وجهاز غلق القوارير” مشددا على ان المحضر المفتعل حمل نفس تاريخ المحضر الأصلي وتضمن امضاء رئيس المستودع الجديد رغم انه لم يتم تعيينه بعد خلفا لرئيس المستودع المعفى.
وتؤكد معطيات استقتها أسبوعية “الشارع المغاربي” من مصادر قريبة من الملف أن إدارة نبيل صميدة سعت جاهدة لتفادي معارضة بعض الموظفين النزهاء على غرار ما حدث في ملف اعفاء مقاول فرنسي من خطايا تأخير بعد اشرافه على انجاز خزان للغاز بقابس وأنها عمدت الى تغيير الفريق المشرف على مشروع غاز رادس.
مساعي الإدارة العامة باءت بالفشل في اخلاء ذمة الشركة الخاصة من خطايا التأخير بعد إصرار المهندس المشرف على مراقبة المشروع على اعداد مذكرة تقرّ بتأخير الشركة الفرنسية وتسليمها الى إدارة العقود بالمؤسسة العمومية وفق تأكيد مصدر بوزارة الصناعة.
المصدر لاحظ أيضا ان دخول المشروع طور الاستغلال بعد الإعلان عن الاستلام الوقتي للاشغال لم يؤد الى تطور الإنتاج ولم يصاحبه انخفاض ملموس في عدد الساعات الإضافية.
وتابع “اللافت ان طاقة انتاج وحدة التعبئة الجديدة والتي كلفت “عجيل” 15 مليون دينار عرفت انخفاضا بما لا يقل عن 50 %”.
اخلالات ونفقات اضافية
في ملف آخر تجاهلت إدارة نبيل صميدة اقتراح مدير سابق للصيانة والإصلاحات الكبرى صلب المؤسسة التريث قبل تمكين شركة لها سوابق في الإخلالات من صفقة شراء مضخات وقود لمحطات تزود بالمحروقات.
المدير طالب الادارة العامة بتعميق البحث في المسائل الفنية التي سيتضمنها كراس الشروط قبل الإعلان عن طلب العروض مع تقييم نتائج تجارب المؤسسة العمومية سابقا مع الشركة الخاصة حسب معطيات حصلت عليها الصحيفة.
يُذكر ان وكلاء محطات تزوّد بالمحروقات كانوا قد اشتكوا في السابق من وجود عيوب في تصنيع مضخات وفّرتها الشركة الخاصة باعتبار انها تمس من جودة وأداء المعدات.
وسبق لهيئة مكافحة الفساد ان تكفّلت بالبحث في الإجراءات التي تعلقت بإسناد الصفقة بعد الاشتباه في وجود شبهة توجيها نحو هذه الشركة الخاصة بالذات.
وتفيد المعطيات بأن إدارة المؤسسة العمومية مارست ضغوطا على وكلاء محطات بيع الوقود للاعتراف بجودة المضخات التي وفّرتها الشركة الخاصة وبأن إدارة المؤسسة ركّزت مضخات عائمة بخزانات محطات الوقود للتغطية على العيوب المكتشفة بعد تركيب المضخات الجديدة بما كلف “عجيل” نفقات إضافية كان يفترض اخذها بعين الاعتبار خلال انجاز الصفقة.
إجراءات غير شفافة
بعد إعلان إدارة “عجيل” في 2018 عن طلب عروض لانجاز مقر جديد للمؤسسة والتخلي عن مصاريف كراء مقرها المقدرة بمليون دينار في السنة وإنفاق ما لا يقل عن 300 ألف دينار على الدراسات وانهاء كراء مكاتب بمؤسسة عمومية أخرى بسعر زهيد أشار مصدر قريب من المؤسسة الى ان رئيس مديرها العام نبيل صميدة ألغى طلب العروض قبل عرض الملف على انظار لجنة الصفقات ومجلس الإدارة رغم تهاطل عديد العروض والتي كانت أسعارها المقترحة قريبة من الميزانية المرصودة.
المصدر ذكر أيضا أن إدارة “عجيل” لم تنه في المقابل عقد الكراء المرتفع ولم تبرم عقدا آخر كانت قيمته تعادل نصف قيمة العقد الأول ولم تعمل بتوصيات لجنة السلامة التي أقرت ان المبنى المستأجر غير مطابق لمعايير السلامة.
نفس المصدر استغرب من عدم إيلاء بناية تابعة للمؤسسة في ضاحية “الشرقية” العناية الضرورية لافتا الى ان ذلك العقار تحول الى “خراب” مثله مثل عقار آخر ببن عروس
وذكّر بأن المؤسسة برمجت في ميزانياتها المتتالية على امتداد 5 سنوات بناء مقر جديد وبأن الميزانية بلغت سنة 2018 قرابة 12 مليون دينار مشيرا الى أن المشروع كان يُعرض في اجتماعات مجلس الإدارة كواحد من اهم مشاريع المؤسسة.
وفي ملف آخر يتعلّق بتهيئة محطة وقود بالطريق السيارة تونس – مجاز الباب أعلنت إدارة المؤسسة ان الصفقة غير مثمرة. وبعد انتهاء صلاحية العروض والضمانات المالية
ومرور قرابة 18 شهرا على اعتبار طلب العروض غير مثمر -مثلما نُشر على الموقع الرسمي للصفقات العمومية- قررت المؤسسة اسناد الصفقة الى شركتين مع العلم ان قانون الصفقات العمومية، ينص على ضرورة تحيين العرض والرجوع الى لجنة الصفقات بعد انقضاء 4 اشهر على تقديم العرض المالي.
موظف بوزارة الصناعة اعتبر ان ما تم هو ابرام صفقة بالتفاوض المباشر مشيرا الى أن ذلك يمس بمبادئ المنافسة وحرية المشاركة في الطلب العمومي والمساواة بين العارضين وشفافية الإجراءات ونزاهتها في الصفقات العمومية.
كما اتهم الموظّف أطرافا صلب إدارة المؤسسة بتوجيه الصفقات وتجزئتها على خلاف القوانين والتراتيب المنظمة للصفقات العمومية.
المصدر ذكر ان رئيسة مصلحة كانت توجه اغلب أذون التزود المتعلقة بالدراسات إلى مكتب مهندس معماري سبق لها العمل معه قبل انتدابها بـ ”عجيل” لافتا الى ان هذا المكتب لم يشتغل مع المؤسسة الا في المناسبات التي أشرفت فيها رئيسة المصلحة عن اذون التزود والى ان ليس له أية تجربة في دراسات إحداث وتهيئة محطات وقود.
معلومات متقاطعة تؤكد أن توجيه الصفقات لم يقتصر على الدراسات والأشغال وانه شمل أيضا كل ما تقوم به رئيسة المصلحة في ما يتعلق بالصفقات مبينا انها وجّهت استشارة عمومية لاقتناء آلات ومعدات لغسل السيارات بإحدى محطات الوقود الى شركة خاصة.
وأوضح ان صاحب الشركة المتمتعة بالاستشارة كشف ان رئيسة المصلحة طلبت منه تقديم عرض مالي لا يتجاوز 100 ألف دينار حتى لا يتم اللجوء الى فتح طلب عروض وانه كان يمكن تفادي التحفظات التي تم تسجيلها من طرف الفريق التقني لو تجاوز السقف المالي التي تم الاتفاق عليه مع رئيسة المصلحة.
يذكر أن أغلب التجاوزات التي عرفتها مؤسسة “عجيل” خلال فترة اشراف نبيل صميدة أو غيره من المسؤولين كانت موضوع رقابة من محكمة المحاسبات التي سبق لها ان رصدت في تقريرها السنوي الصادر سنة 2014 شبهات فساد عديدة مع تراخي عمل مختلف الإدارات المتعاقبة على تحميل المسؤوليات الشيء الذي فاقم الاخلالات وكرس سياسة الإفلات من العقاب.
يذكر ان أسبوعية ”الشارع المغاربي” ارسلت منذ أكثر من أسبوع بريدا الكترونيا الى مؤسسة ”عجيل” لاستفسارها عما تم اقراره من اجراءات تصب في خانة تحميل المسؤولية ولم تحصل على أية اجابة الى حدود كتابة هذا المقال.
وبعد مرور نحو سنتين على تعيين خالد بتين على رأسها لم تتمكن شركة “عجيل” من التخلص من سياسات ومخططات تم رسمها من قبل مسؤولين يشتبه في ضلوعهم في عديد الجرائم المالية والإدارية بما يتطلب سياسات مضادة لقطع اذرع اخطبوط متعدد الاذرع داخل المؤسسة وخارجها.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 19 سبتمبر 2023