الشارع المغاربي – في غياب البعد الاجتماعي للثورة التونسية/ بقلم مسعود الرمضاني

في غياب البعد الاجتماعي للثورة التونسية/ بقلم مسعود الرمضاني

10 يناير، 2019

الشارع المغاربي-بقلم مسعود رمضاني : في الاول كان اشعال البوعزيزي النار في جسده حدثا شبه عادي: يوم 17 ديسمبر 2010، يقدم شاب في ولاية مهمشة وفقيرة على الانتحار بسبب محاولة سلبه قوت يومهوانسداد الافق امامه.

لكن الاحتجاجات التي عمت بعد الحادثة المؤلمةاعطت ابعادا اخرى: الغضب الشعبي كان مؤشرا على فشل منوال تنمية غير عادل عمّق الفوارق الاجتماعية والجهوية وهمّش الشباب وبدأ يفتك بطبقة وسطى ظلت لعقود الضامن لسلم اجتماعية هشة.

لقد اكتشف العالم ومنهم اصدقاء النظام نفسه، ان “المعجزة الاقتصادية” كانت تخفي كوارث اجتماعية وان النمو لم يكن الا واجهة وان الاستقرار كان مبني على الخوف من بطش السلطة، الذي ما أن هزمه المتظاهرونبداخلهم، حتى بقيت الديكتاتورية دون سند حقيقي رغم الترسانة الامنية القويةالذي كانت تحيط بالنظام، وان القمع لم يكن الا وسيلة لبناء ما اسماه البنك الدولي بعد سقوط النظام، “اقتصاد المحسوبية” الذي لا يخرج عن محيط العائلة.

سقط النظام وبدأ الامل يدب في النفوس ان الاوضاع ستتغير وان ما بعد الثورة سوف يكون النقيض السياسي والاجتماعي لما قبلها وان تونس جديدة ستبنى بسواعد ابنائها وبقيادة حكيمة، بمواطنين متحررين من كل المعوقات السياسية والاقتصادية، ولاح امل بان “تونس أخرى ممكنة”، لا تونس الديمقراطية والحرية فحسب، بل تونس العدل والتوازن الجهوي والشغل والكرامة….

لكن لم يصمد الامل كثيرا امام تحديات الواقع، وفقد مثلث شعار الثورة “شغل، حرية ، كرامة” ضلعين، مما قد يهدد جديا مساريالحرية والانتقال الديمقراطي، فالمقصود بالكرامة لم يكن يعني الحرية فقط وتبديد الخوف ، بل يعني تطبيق العدالة الاجتماعية عبر انتفاء الحيف والظلم والتهميش و”الحقرة” .

علامات كثيرة تدل على انه مع تدهور الاوضاع الاجتماعية بعد ثماني سنوات من الثورة، من ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الاسعار وتفاقم الفوارق … بدأت بوادر اليأس تدب لدى الشباب، هجرة منظمة تستزف النخب التونسية، مما جعلنا نحتل المركز الثاني بعد سوريا في هجرة الادمغة، وغير منظمة تستنزف الشباب وحتى القٌصّرالذين هجروا مقاعد الدراسة قبل ركوبهم قوارب الموت، اذ حسب التقرير الاخير لمؤسسة كارنجي ، تبوأت تونس المرتبة الاولى بعد ان تجاوزت اريتريا في تصدير المهاجرين غير النظاميين ، في الوقت الذي تضاعفت خلاله نسب الانتحار والتطرف، حسب نفس التقرير…

ما لم تستوعبه نخبنا السياسية التي حكمت البلاد منذ الثورة الى حد الان هو ان مطالب الديمقراطية والتعددية والانتخابات الحرة وحرية الصحافة وصراعات الهوية والثقافة لا تعني الكثير للمواطن في المناطق الداخلية ، ما لم تكن مصحوبة بتحسن ملموس في وضعه الاجتماعي، ما لم يجد شغلا يحفظ كرامته واملا في المستقبل يشده الى هذا الوطن.

ولا يحمل المواطن مشاعر الاحباط فقط ، بل وكذلك الحسرة على ما يعتبره سرقة لأحلامه وتغييرا لمسار ثورته واستبعادا لأهدافها الحقيقية، فضحايا منوال التنمية اليوم يحملّون النخب السياسية مسؤولية اوضاعهم الاجتماعية المزرية لان هؤلاء بنوا جدارا سميكا بينهم وبين المواطنين: تصريحاتهم، مناكفاتهم ، خصامهم وحواراتهم العقيمة، هي ابعد ما تكون عن هموم المواطن اليومية…

وحتى العالم الغربي الذي كان معجبا في يوم ما بما حدث في تونس سنة 2011، بدأ يدرك محدودية النجاح السياسي وينتقد تراجعاته واخفاقاتهفي واقع الازمة الاقتصادية الحادة، فالثورة التونسية، مثل كل الثورات في التاريخ، لم تكن من اولوياتها الديمقراطية الا بمقدار وضع هذه الاخيرة الاطار المناسب للمسألة الاجتماعية ، وتمسكها بالعدالة في كل مستوياتها ومواجهتها لمظاهر الفساد والاثراء غير المشروع.

بقي أن نجاح الانتقال السياسي بسلاسته و بما فيه من انتخابات شفافة وتطور على مستوى الحريات وفسح المجال امام المجتمع المدني ، كل هذا يظل منقوصا وقابلا للارتداد ، ما لم نقرر هل سنواصل العمل “بالنصائح الخارجية” التي تعمل على ادارة الازمة الاقتصادية أكثر من المساعدة على حلها، أم سنضع اسس برنامج اقتصادي واجتماعي قوامه التوزيع العادل للتنمية وتعزيز العدالة الاجتماعية والاستثمار في الموارد البشرية وجعلها محور التطور، من خلال الرفع من مستوى التعليم والتكوين وتشجيع البحوث العلمية والابتكار، مع تطوير ادائنا الاداري، اذ يجب الاقتناع بانه لا يمكن ان يحدث اي تقدم الا بتطوير الادارة وعصرنتها وحمايتها من نخر البيروقراطية و تكثيف المحاسبة والمساءلة وعلوية القانون .

لكن قبل ذلك لابد ان تدرك نخبنا ان ديمقراطيتنا لازالت هشة وان اقتصادنا في اخطر مراحله وان اوضاعنا الاجتماعية صعبة وان المواطنين يعيشون حالة من الاحباط وان انقاذ الوطن لا يأتي عبر مزيد الصراعات بل بالبحث عن القاسم المشترك الذي يسعىالى امكانية انقاذه، قبل فوات الاوان.

صدر بأسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر يوم الثلاثاء 8 جانفي 2019.

 


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING