الشارع المغاربي-بقلم : الأستاذ الصغير الزكراوي: صخب ومغالطات، عن جهل أو عن روية، لازمت قراءة نتائج الاستفتاء على الدستور يوم 25 جويلية 2022. فالدستور، لمن صوت، بنعم أولا، ولم يقرأه، هو عقد اجتماعي يضبط شروط العيش المشترك لعقود من الزمن. بمعنى أكثر دقة، الدستور هو وثيقة مكتوبة تنظم السلط داخل الدولة وتحمي الحريات وتضمن الحقوق.
ولما كان الأمر على هذه الأهمية، فإن لا يجوز مطلقا مقارنة نتائج التصويت على الدستور بنتائج الانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو البلدية. فلكل انتخابات فلسفة خاصة تحكمها. فعلى سبيل المثال، تختزل الانتخابات الرئاسية في اختيار شخص من بين مجموعة من المترشحين على أساس برامج انتخابية. وتجري هذه الانتخابات بصورة دورية غالبا ما تكون لعهدة مدتها خمس سنوات. بينما تهدف الانتخابات التشريعية إلى انتخاب نواب في البرلمان تنحصر مهمتهم في صياغة القوانيين ومراقبة السلطة التنفيذية، في حين تفضي الانتخابات البلدية إلى اختيار نواب يهتمون بإدارة الشأن المحلي.
في إطار التذكير بأعداد الذين انتخبوا من حكموا البلاد سواء من خلال مؤسسة رئاسة الجمهورية أو عبر مجلس النواب / نشير إلى أنه إثر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 حكمت الترويكا البلاد ب 2137160 صوتا ، وانتخب الملجلس الوطني التأسيسي المنصف املرزوقي رئيسا مؤقتا وهو النائب الفائز بأفضل البقايا أي بحوالي 7000 صوت.
ودائما في إطار التذكير بنسب المشاركة، نشير إلى أنه وخلال سنة 2014 شارك في الانتخابات الترشيعية 3579256 وفي الانتخابات الرئاسية 3189382 وفي سنة 2019 شارك في الترشيعية 2946628 وفي الرئاسية 3465184.
أما في انتخابات سنة 2014، فقد اعتلى الباجي قائد السبسي كرسي الرئاسة بـ 1731529 صوتا وسيطرأ نداء تونس وحركة النهضة على مجلس النواب بعد التوافق بين الشيخين.
في خصوص الائتلاف الذي سيطر على مجلس نواب الشعب إثر انتخابات 2019، بلغت كتلة التحالف 1446787 موزعة بين 551132 نهضة و 416.004 لقلب تونس و 169651 لائتلاف الكرامة.
خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وهي آخر انتخابات رئاسية والتي على أساسها بني بعض المحللين قراءاتهم، فاز الرئيس سعيد ب: 2777931 صوتا أي بنسبة مرتفعة بلغت 72.29 %. هذه الأرقام والنسب لا يمكن الاعتداد بها عندما يتعلق الأمر بعرض مشروع دستور جديد على الاستفتاء.
ذلك أن الاستفتاء على مشروع دستور جديد، أينما ومتى التأم، فهو حدث نادر تصاحبه رهانات وتحديات ترمي إلى تجاوز واقع متأزم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فالدستور بوصفه القانون الأساسي الأسمى يتسم بداهة بالعلوية والديمومة.
في تونس، يرمي الاستفتاء على مشروع الدستور إلى تأسيس “جمهورية جديدة” تقوم على فكر جديد وبآليات مبتكرة. فهو “تأسيس” يتجاوز تونس ليقدم حلولا للإنسانية جمعاء.
هذا ما يبشر به “فلاسفة الأنوار الجدد” من مفسرين ومريدين محيطين بالرئيس.
وقد شارك في الاقتراع 2830450 من جسم انتخابي قدر ب 9278541 أي بنسبة مشاركة بلغت 30.5%. صوت أغلب المشاركين، أي 2607884 بما يبلغ 94.60 % بنعم على مشروع الدستور، و148723 أي 5.48 %، صوتوا بلا.
في هذا الاستفتاء التأسيسي، تبدو نسبة المشاركة ضعيفة لا تضفي مشروعية على مسار الرئيس. أكثر من ذلك، فالرقم الذي جلب الانتباه والذي يجب أن يعتد به هو نسبة العزوف من لامبالين ومقاطعين.
ويبدو أن النسبة الأكبر والأهم، هي نسبة اللامبالاة. واللامبالاة كما يراها البعض هي الدرجة القصوى من اليأس من جدوى كل فعل سياسي يهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في حياة الناس ومعاشهم اليومي.
وخلافا لما قد يفهم من الوهلة الأولى، لا تعني اللامبالاة الرضا والاستكانة والرضوخ للأمر الواقع ومنطق المرور بقوة، بل هي هدوء يسبق العاصفة. إنها تلك اللحظة التي تجمع فيها الأنفاس في انتظار اللحظة الحاسمة.
ففي “التأسيس الجديد الشاهق في العلو التاريخي”، لا يجب أن تقل نسبة المنخرطين في العقد الاجتماعي الجديد عن 70% من الجسم الانتخابي.
للتذكير فقط، وعلى سبيل الاستئناس بالأرقام في التجارب الدستورية المقارنة رغم اختلاف السياقات التاريخية:
– في فرنسا، دستور الجمهورية الخامسة المؤرخ في 4 أكتوبر 1958 تم التصويت عليه بنسبة مشاركة ناهزت 79 % من الجسم الانتخابي،
– في إسبانيا، الدستور الاسباني لسنة 1978 تمت المصادقة عليه باستفتاء بلغت نسبة المشاركة فيه 67.1 % من مجمل الجسم الانتخابي،
– في المملكة المتحدة، استفتاء Brexit ، نسبة المشاركة تجاوزت 70 %.
– في إيطاليا، حاول Matteo Renzi تعديل الدستور واقترح حذف مجلس الشيوخ il senato الغرفة الثانية من البرلمان الإيطالي، لم يحظ الاستفتاء بالقبول وبلغت نسبة المشاركة 65 %.
وكان من الأسلم في تونس أن يتم تحديد عتبة لاعتماد الاستفتاء على غرار ماهو معتمد في بعض التجارب الدستورية المقارنة حتى لا يعتمد الدستور بمن حضر من المشاركين.
إن المتأمل في ملابسات الاستفتاء على مشروع الدستور، يلاحظ أن هذا الاستفتاء لم يشذ عن الاستفتاءات التي تجري في بلدان العالم الثالث، والتي غالبا ما تنقلب إلى استفتاء سياسي، قيصري، أي استفتاء على الشخص وليس على نص دستور كتبه الرئيس قيس سعيد بنفسه ولنفسه.
في المحصلة. لن يحسم هذا الاستفتاء الجدل حول مسار قيس سعيد الذي يظل مسارا آحاديا، انفراديا، لا يلزم إلا صاحبه ولا يحظى سوى بنسبة مقبولية ضعيفة استغلتها أطراف خارجية تتابع الوضع في تونس عن كثب لتطالب رئيس الجمهورية بحوار جدي يشمل الجميع ولا يستثني أي طرف.
ويظل السؤال الحارق قائم: كل هذا، من أجل هذا؟
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 9 اوت 2022