الشارع المغاربي: تشهد أسعار جل المواد الاستهلاك سيما في الفترة الأخيرة ارتفاعا قياسيا لم تنفع معه أية محاولة لكبح جماحه في ظل معاناة ملايين الاسر والمواطنين من تراجع قدرتهم الشرائية التي انهارت بنسبة تفوق 80 بالمائة والصعوبات الكبرى التي يجدونها للحصول على لقمة العيش بعد ان خوت ثلاجاتهم وغدا الجوع يؤثر في شرائح واسعة منهم.
ولئن اتسم الاقتصاد التونسي منذ سنوات طوال بانه اقتصاد ندرة مما يمثل تربة خصبة للمضاربة والاحتكار والترجيح في المجال السعري، فان الدولة وتحديدا وزارة التجارة كانت تتدخل باستمرار عبر الية التسعير لتعديل السوق وإيقاف نزيف احتكار المواد الحساسة عند ارتفاع اسعارها ارتفاعا مشطا وهو ما لم يتم اللجوء اليه منذ مدة خصوصا في الفترة الأخيرة رغم وجود ترسانة من التشريعات التي تمكن الوزارة من ذلك ترسيخا للدور التعديلي للدولة.
وللإشارة وفي سياق ابراز كارثة ارتفاع الاسعار التي تعرفها البلاد فان معطيات التزويد بالخضر والغلال والاسماك في سوق الجملة بتونس الذي يضمن تموين نحو 40 بالمائة من سكان البلاد في ولايات تونس الكبرى والوطن القبلي والشمال الشرقي، تفيد بان نسبة ارتفاع أسعار الخضر تراوحت في 15 اوت الجاري بين 17 و91 بالمائة في حين قدرت الزيادة في اسعار الغلال بما بين 4 و29 بالمائة وقفزت أسعار الأسماك لتعادل زيادة بما بين 10 و99 بالمائة مقابل تراجع نسب التزويد بلغ في خصوص بعض المنتوجات 115 بالمائة للغلال و 814 بالمائة للأسماك مما يعني ان اهم مسلك للتوزيع في تونس وهو سوق الجملة ببئر القصعة خارج السيطرة بالكامل عن وزارة التجارة في مجالي التموين والتسعير…
ويجدر التذكير بان الأمر عدد 1996 لسنة 1991 المؤرخ في 23 ديسمبر 1991 المتعلق بالمواد والمنتوجات والخدمات المستثناة من نظام حرية الأسعار وطرق تأطيرها والذي تم تنقيحه بعدد من الأوامر الأخرى، حدد ثلاث قائمات لهذه المواد والمنتوجات والخدمات هي قائمة المنتوجات والخدمات الخاضعة لنظام المصادقة الإدارية للأسعار في كل المراحل وقائمة المنتوجات الخاضعة لنظام المصادقة الإدارية للأسعار في مرحلة الإنتاج وقائمة المنتوجات الخاضعة لنظام المصادقة الذاتية للأسعار في مرحلة التوزيع.
وإضافة إلى هذه الاستثناءات خوّل المشرع (الفصل الرابع من قانون المنافسة والأسعار) للوزير المكلف بالتجارة إمكانية اللجوء إلى تحديد أسعار المواد والخدمات المتمتعة بحرية الأسعار ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وذلك لمقاومة الزيادات المشطة في الأسعار. ولا يوجد في الواقع أي تفسير لعدم تفعيل الوزارة هذا الفصل الذي ينص بوضوح على انه وفي صورة الزيادات المجحفة في الأسعار بمعنى تجاوز الهوامش الربحية الحدود القانونية القصوى، يمكن لوزير التجارة ان يضبط أسعارا قصوى للمواد الحساسة بشكل خاص حماية للمستهلك ولقطاعات الإنتاج، من ناحية وضمانا لوجود منافسة قانونية بالأسواق من ناحية أخرى. ولكن يبدو ان لوزارة التجارة، رغم هذا الظرف الدقيق المتسم بشطط الأسعار رايا اخر بخصوص عدم تفعيل الية التسعير…
ويعتبر العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي الوطني ان مسألة التخفيض في الأسعار معقّدة سيما في ما يهم موادا عديدة تصنف حرة على مستوى هوامش الربح وأسعار الترويج لدى المستهلك. كما يؤكدون على انه يوجد استسهال من قبل عدد من الجمعيات التي تدافع عن المستهلك او أطراف نقابية او سياسية في التعامل مع المسالة، خصوصا ان التضخم السعري ناتج عن تراكم أخطاء كبيرة ارتكبت لعقود طوال وتفاقمت خلال السنوات العشر الأخيرة.وقد نتج عن هذه الاخطاء الدخول في دوامة الزيادة في الأجور والأسعار دون مقابل انتاجي وهبوط قيمة الدينار مما يتطلب إصلاح المجال الاقتصادي، بحكم وجود ارتفاع مهول في تكاليف الإنتاج بجل القطاعات والازدياد القياسي لكتلة الأجور بالتوازي مع الزيادات العشوائية في أسعار المواد المدعمة التي تتم من حين الى اخر خارج مخطط واضح لترشيد الدعم. ووفقا للعديد من الاقتصاديين لا تكفي مجابهة المحتكرين والمضاربين لخفض الأسعار.