الشارع المغاربي – لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬قضى‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬سياسيا/ بقلم: صالح مصباح

لهذه‭ ‬الأسباب‭ ‬قضى‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬سياسيا/ بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

23 يونيو، 2023

الشارع المغاربي: من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يتحدّث‭ ‬المرء‭ ‬عن‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يسر‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬أو‭ ‬بمناسبة‭ ‬مثوله‭ ‬الأخير‭ ‬أمام‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬ملف‭” ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭”. ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬ذلك‭ ‬لأنّ‭ ‬الرجل‭ ‬يختزل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العقود‭ ‬الستة‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬التونسي‭. ‬من‭ ‬المؤسف‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬كلما‭ ‬راكم‭ ‬رصيدا‭ ‬من‭ ‬الإشعاع،‭ ‬بَدَّدَهُ‭ ‬في‭ ‬أوّل‭ ‬منعرج‭ ‬وبذّره‭ ‬تبذيرا‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬مرد‭ ‬ذلك‭ ‬لديه‭ ‬إلى‭ “‬تلازمية‭ ‬ثلاثية‭” ‬لا‭ ‬تنقطع‭ ‬عن‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬ذَينِك‭ ‬التّبديد‭ ‬والتّبذير‭. ‬هي‭ ‬أولا‭ ‬تعثّره‭ ‬في‭ ‬الإنتقال‭ ‬من‭ ‬النضالية‭ ‬إلى‭ ‬السياسة،‭ ‬وثانيا‭ ‬إدمانه‭ ‬إخوانَ‭ ‬النهضة‭ ‬رغم‭ ‬الأذى‭ ‬الذي‭ ‬أصابه‭ ‬منهم،‭ ‬وثالثا‭ ‬هاجس‭ ‬رئاسة‭ ‬الدولة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬السبل‭ ‬إليها‭.‬

أولا‭ : ‬من‭ ‬النضالية‭ ‬إلى‭ ‬السياسة

بعد‭ ‬سنة2011‭ ‬اندثرت‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعارض‭ ‬السلطة‭ ‬بموافقتها‭ ‬ووفق‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬ترسمها‭ ‬لها‭. ‬وسَلِم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المصير‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬و‭”‬حزبه‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التقدمي‭”. ‬فقد‭ ‬شفَع‭ ‬له‭ ‬كونُه‭ ‬كان‭ ‬معارضا‭ ‬فعليا‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬مّا،‭ ‬وأنّ‭ ‬له‭ ‬رصيدا‭ ‬مديدا‭ ‬من‭ ‬نضالية‭ ‬يفوق‭ ‬المعترفون‭ ‬له‭ ‬بها‭ ‬ناكريها‭ ‬عليه‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬الصخب‭ ‬الثورجي‭ ‬الأهوج‭ ‬بعيد‭ ‬جانفي‭ ‬2011،‭ ‬كان‭ ‬لنجيب‭ ‬الشابي‭ ‬موقفان‭ ‬لافتان‭ ‬بدّدَهما‭ ‬لاحقا،‭ ‬وهما‭ ‬رفضه‭ ‬حلّ‭ ‬حزب‭” ‬التجمع‭”‬،‭ ‬ومناداته‭ ‬بانتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬مبكرة‭ ‬في‭ ‬أجل‭ ‬أقصاه‭ ‬ستون‭ ‬يوما‭ ‬وفق‭ ‬دستور‭ ‬1959‭. ‬أما‭ ‬رفضه‭ ‬حل‭ “‬التجمع‭” ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬وقتئذ‭ ‬موقفا‭ ‬رصينا‭ ‬مدركا‭ ‬لتبعات‭ ‬الفراغ‭ ‬المترتب‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬التجمع،‭ ‬مثلما‭ ‬بدا‭ ‬موقفا‭ ‬نفعيا‭ ‬،‭ ‬لأنه‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬يستبطن‭ ‬أن‭ ‬يستفيد‭ ‬هو‭  ‬من‭ ‬الباقين‭ ‬فيه‭ ‬استفادة‭ ‬جائزة‭. ‬وأما‭ ‬مناداته‭ ‬بانتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬فكانت‭ ‬خيارا‭ ‬بنّاءً‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬سيُجنّب‭ ‬البلاد‭ ‬المتاهات‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬إليها‭ ‬،‭ ‬ولأن‭ ‬السياق‭ ‬كان‭ ‬سيمكّنه‭ ‬من‭ ‬الرئاسة‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬وحزبة‭ ‬عنوان‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬الأظهر‭.‬

لكن‭ ‬السذاجة‭ ‬السياسية‭ ‬اليسارية‭ ‬والمكر‭ ‬الإخواني‭ ‬فوّتا‭ ‬تلك‭ ‬الفرصة‭ ‬بدفع‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬انتخابات‭ ‬تأسيسية‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬استثمرها‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬الإستعداد‭ ‬لها‭ ‬واستثمرها‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬البلاد‭ ‬للإخوان‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وجد‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬نقلة‭ ‬من‭ ‬نضالية‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬وأحكامها‭ ‬إلى‭ ‬الممارسة‭  ‬السياسية‭ ‬العلنية‭ ‬المتاحة‭ ‬وأحكامها‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭. ‬وها‭ ‬هنا‭ ‬تعثّر‭ ‬الرجل،‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يدمج‭ ‬النضالية‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬دمجا‭ ‬فطنا‭ ‬يقيد‭ ‬الأهداف‭ ‬بالوسائل‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬قبوله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬المتحركة‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ليست‭ ‬مرحلة‭ ‬تنمية،‭ ‬معتقدا‭ ‬أنها‭ ‬منفذ‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬خزان‭ ‬الجهات‭ ‬الإنتخابي‭. ‬لكن‭ ‬قسما‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬خاب‭ ‬ظنهم‭ ‬فيه‭ ‬إذ‭ ‬رأوه‭ ‬ولوعا‭ ‬بالمنصب‭ ‬فحسب‭. ‬فقد‭ ‬تجاهل‭ ‬الشابي‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬انتمى‭ ‬إلى‭ ‬تشكيلها‭ ‬كانت‭ ‬وقتية،‭ ‬ولا‭ ‬خطة‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬برامج‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فهمه‭ ‬الإخوان‭ ‬ولم‭ ‬يفهمه‭ ‬الشابي،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يطل‭ ‬مكوثه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحكومة‭. ‬وتبعا‭ ‬لجملة‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬والمشهديات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موفقة،‭ ‬خسر‭ ‬حزبه‭ ‬إشعاعه،‭ ‬ولم‭ ‬يفز‭  ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يتوقع،‭ ‬وبما‭ ‬كان‭ ‬ممكنا،‭ ‬ولم‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬اتجاهه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يعارض‭ ‬حكومة‭ “‬الترويكا‭”‬معارضة‭ ‬لم‭ ‬يكيّفها‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الممارسة‭ ‬السياسية‭ ‬الحزبية‭ ‬الملائمة‭ ‬لتلك‭ ‬المرحلة،‭  ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬للإخوان‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وهو‭ ‬دور‭ ‬خسيس‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬كيف‭ ‬يصرّ‭ ‬الشابي‭ ‬على‭ ‬تناسيه‭ ‬رغم‭ ‬توالي‭ ‬ضرباتهم‭ ‬له‭.‬

ثانيا‭ : ‬إدمان‭ ‬الإخوان

رغم‭” ‬تقدمية‭” ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬التي‭ ‬يصرّ‭ ‬عليها‭ ‬في‭” ‬التجمع‭ ‬الديقراطي‭ ‬التقدمي‭” ‬ثم‭ ‬في‭ ‬في‭”‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭  ‬التقدمي‭” “‬فالحرب‭ ‬الجمهوري‭”‬،‭ ‬فإن‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬إدمان‭  ‬الإخوان‭ ‬والعمل‭ ‬معهم‭ ‬،‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استعملوه‭ ‬استعمالا‭ ‬انتهازيا‭ ‬لئيما‭. ‬فلما‭ ‬اشتد‭ ‬عليهم‭ ‬الخناق‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬عشرية‭ ‬التسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬اندس‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ “‬التجمع‭”‬و‭ ‬اندس‭ ‬بعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬تجيب‭ ‬الشابي‭ ‬الناشط‭ ‬بصفة‭ ‬قانونية‭. ‬ومثلما‭ ‬أخطأ‭ “‬التجمع‭” ‬في‭ ‬عدم‭ ‬استصفاء‭ ‬المنتسبين‭ ‬إليه‭ ‬ودفع‭ ‬الثمن،‭ ‬أخطأ‭ ‬الحزب‭ “‬الديمقراطيُّ‭ ‬التقدمي‭” ‬مُدمِنُ‭ ‬الولع‭ ‬بالإخوانية‭.‬و‭ ‬مِن‭ ‬الإخوان‭ ‬مَن‭ ‬حصّلوا‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الشابي‭ ‬مواقع‭ ‬متقدمة،‭ ‬ظهرت‭ ‬تبعاتها‭ ‬حين‭ ‬انفض‭ ‬عنه‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬تنظيمهم‭ ‬إثر‭ ‬2011،‭ ‬وحين‭ ‬بقي‭ ‬فيه‭ ‬بعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نفّذوا‭ ‬تجريفه‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬تنفيذا‭ ‬متكاملا‭ ‬مع‭ ‬ضربه‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

ومن‭ ‬إدمان‭ ‬الشابي‭ ‬للتنسيق‭ ‬مع‭ ‬الإخوان‭ ‬أن‭ ‬شاركهم‭ ‬،‭ ‬بمعية‭ ‬آخرين‭ ‬محسوبين‭ ‬على‭ ‬القيم‭  ‬التقدمية،‭ ‬جبهة‭ ‬18‭ ‬أكتوبر‭ ‬2005‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬قد‭ ‬أكسبت‭ ‬إخوان‭ ‬النهضة‭ ‬قناعا‭ ‬من‭ ‬الانفتاح‭ ‬للتيارات‭” ‬التقدمية‭ ‬والحداثية‭”. ‬وهو‭ ‬قناع‭ ‬سوّقوه‭ ‬للخارج‭ ‬تسويقا‭ ‬جنَوا‭ ‬حصاده‭ ‬في‭ ‬2011،‭ ‬وجنى‭ ‬شركاؤهم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجبهة،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬الشابي،‭ ‬ما‭ ‬جناه‭ ‬سنمّار‭. ‬

وبعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021،‭ ‬أبى‭ ‬الإخوان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يعاودوا‭ ‬لعبة‭ ‬استعمال‭ ‬الصنائع‭ ‬،‭ ‬وأبى‭ ‬إدمان‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يدفعه‭ ‬إليهم‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬المسمى‭”‬جبهة‭ ‬الخلاص‭”‬،‭ ‬وأن‭ ‬يحتلّ‭ ‬منه‭ ‬الصدارة،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الكل‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬حصادها‭ ‬المرجو‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬،‭ ‬إن‭ ‬كان،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬زاد‭ ‬الإخوان‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬انصهر‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬في‭ ‬الورع‭ ‬الإخواني،‭ ‬وصار‭ ‬يندّد‭ ‬بأعداء‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬نجباء‭ ‬الله‭ ‬وآياته‭ ‬تنديدا‭ ‬جدد‭ ‬به‭ ‬أحقّيته‭ ‬بكنية‭”‬نجيب‭ ‬الله‭” ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أُطلِقَت‭ ‬عليه‭.‬

ثالثا‭: ‬ هاجس‭ ‬الرئاسة

لو‭ ‬تتبعنا‭ ‬أغلب‭ ‬الخيارات‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬دأب‭ ‬عليها‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي،‭ ‬لَرَجُح‭ ‬أن‭ ‬محرّكها‭ ‬الأول‭ ‬لديه‭ ‬هو‭ ‬هاجس‭ ‬تحصيل‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭. ‬وهذا‭ ‬الهاجس‭ ‬من‭ ‬حقة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصل،‭ ‬لاسيما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬ممّن‭ ‬فازوا‭ ‬بها‭. ‬

لكن‭ ‬الرصيد‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬الشابي‭ ‬لنفسه‭ ‬ويحب‭ ‬أن‭ ‬بحافظ‭ ‬عليه،‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يتمسك‭ ‬بهذا‭ ‬الطموح‭ ‬تمسكا‭ ‬لا‭ ‬ينشغل‭ ‬بالسبل‭ ‬المفضية‭ ‬إليه‭ ‬ولا‭ ‬بالشركاء‭ ‬فيها‭ ‬إليه‭. ‬وقد‭ ‬تخلّقت‭ ‬له‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬بعيد‭ ‬جانفي‭ ‬2011‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬غايته‭ ‬سوءُ‭ ‬إدارته‭ ‬السياسية‭ ‬للمرحلة‭ ‬،‭ ‬وسذاجةُ‭ ‬اليسار‭ ‬أو‭ ‬بغضاؤه،‭ ‬والمكر‭ ‬الإخواني‭.‬

ودفعه‭ ‬الهاجس‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬معاندة‭ ‬الوهن‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬حزبة‭ ‬وأصاب‭ ‬شعبية‭ ‬شخصه‭ ‬فترشح‭ ‬لرئاسية‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬فنال‭ ‬نسبة‭ ‬مخجلة،‭ ‬وتلقى‭ ‬حزبه‭ ‬في‭ ‬تشريعيتها‭ ‬خيبة‭ ‬مدوية‭.‬

كان‭ ‬على‭ ‬نجيب‭ ‬الشابي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬مسلكه‭ ‬السياسي‭ ‬تغييرا‭ ‬جذريا‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يكتفي‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬منه‭. ‬لكنه‭ ‬اندفع‭ ‬بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬إلى‭”‬جبهة‭ ‬الخلاص‭” ‬التي‭ ‬يحركها‭ ‬الإخوان،‭ ‬آملا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مطيته‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭. ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الإخوان‭ ‬صارفا‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬أشاعوها‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وعن‭ ‬الأذى‭ ‬الذي‭ ‬ألحقوه‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬نفسة،‭ ‬وعن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التنظيم‭ ‬عنكبوت‭ ‬يلتهم‭ ‬من‭ ‬يزاوجه‭.‬

ولما‭ ‬شاع‭ ‬مرض‭ ‬سعيد‭ ‬الحقيقي‭ ‬أو‭ ‬المزعوم،‭ ‬انساق‭ ‬الشابي‭ ‬مع‭ ‬خطبة‭ ‬العنوشي‭ ‬التي‭ ‬رسم‭ ‬بها‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬سعيد،‭ ‬وصار‭ ‬يلقي‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬يضمّن‭ ‬فيها‭ ‬تلميحا‭ ‬أنه‭ ‬الرئيس‭ ‬القادم‭ ‬بآلية‭”‬الحوار‭ ‬والتوافق‭”‬بعبارته‭. ‬فقد‭ ‬انقض‭ ‬على‭ ‬الوهم‭ ‬انقضاضا‭ ‬متسرعا‭ ‬سمجا‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬للشابي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬ملف‭ “‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭” ‬المبهم‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬وهذا‭ ‬المرجح،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬ضيق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬مجال‭ ‬الحركة‭ ‬السياسية‭ ‬وأحاطها‭ ‬بمطامح‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ “‬جبهة‭ ‬الخلاص‭” ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬هاجس‭ ‬استرجاع‭ ‬الحكم‭ ‬المباشر‭. ‬فقد‭ ‬تمسك‭ ‬بمعجمهم‭ ‬وآليات‭ ‬تفكيرهم‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‭. ‬وليس‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬غفلته‭ ‬عمّا‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬سعيد‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬صفقات‭ ‬محتملة‭ ‬يجريها‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ “‬الغرف‭ ‬المظلمة‭” ‬بعبارته‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتهم‭ ‬بها‭ ‬غيره‭ ‬لبقي‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُحاك‭ ‬أو‭ ‬يُدبّر‭ ‬مجهولا‭.  ‬وتونس‭ ‬تتحول‭ ‬الى‭ ‬وِجهة‭ ‬أوروبا‭ ‬الرسمية‭ ‬ووِجهة‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشعبية‭ ‬وصفاقس‭  ‬الى‭ “‬باماكو‭” ‬الجديدة‭ ‬،‭ ‬ينشغل‭ ‬نحيب‭ ‬الشابي‭ ‬بأعداء‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬وليس‭ ‬بأعداء‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬الغرب‭  ‬وفيها‭.‬

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 20 جوان 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING