الشارع المغاربي – أرقام‭ ‬وأفلام‭ ‬لحسن‭ ‬الزرقوني‭ ‬الهُمام‭...‬/ بقلم صالح مصباح

أرقام‭ ‬وأفلام‭ ‬لحسن‭ ‬الزرقوني‭ ‬الهُمام‭…‬/ بقلم صالح مصباح

قسم الأخبار

16 فبراير، 2023

الشارع المغاربي:

1/ ‬في‭ ‬مؤسّسات‭ ‬سبرِ‭ ‬الآراء‭:‬

الأصل‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬هو‭ ‬تحصيل‭ ‬المعرفة‭ ‬باستنطاق‭ ‬الجماعات‭ ‬والشعوب‭ ‬وسبر‭ ‬آرائها‭ ‬ومواقفها‭ ‬وخياراتها‭. ‬والمعرفة‭ ‬الحاصلة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬معرفة‭ ‬محايدة‭ ‬حياد‭ ‬السبل‭ ‬إليها‭ ‬وحياد‭ ‬ألأرقام‭ ‬المستخلصة‭.‬فعَمَلُ‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬وَجهِهِ‭ ‬السليم‭ ‬عمل‭ ‬وصفيّ‭ ‬علميّ‭ ‬خالص،‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬من‭ ‬تُرضِيهم‭ ‬الأرقام‭ ‬المُحصّلة‭ ‬ومَن‭ ‬لا‭ ‬ترضيهم‭.‬

ولمّا‭ ‬كان‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬والنوايا‭ ‬والمواقف‭ ‬محمولا‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬والعِلمية،‭ ‬وضعت‭ ‬له‭ ‬الدولُ‭ ‬التي‭ ‬تُجِلُّ‭ ‬المعرفةَ‭ ‬ضوابطَ‭ ‬قانونية‭ ‬تنظّم‭ ‬أعمال‭ ‬المؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬به‭. ‬وإنّ‭ ‬الدافع‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬التقنين‭ ‬هو‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصف‭ ‬عملياتُ‭ ‬السبر‭ ‬والإستبيان‭ ‬الوعيَ‭ ‬والمزاج‭ ‬والرأي‭ ‬والموقف‭ ‬داخل‭ ‬الشعوب‭ ‬المجموعات‭. ‬وتكون‭ ‬الحصيلةُ‭ ‬معرفةً‭ ‬يتلقّاها‭ ‬مَن‭ ‬يشغله‭ ‬أمرُها‭ ‬فيستأنسَ‭ ‬بها‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يشغله‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬ضبط‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭ ‬بقانون‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬الإنحراف‭ ‬عن‭ ‬تحصيل‭ ‬الحقيقة‭ ‬الواقعة‭ ‬إلى‭”‬الحقيقة‭” ‬الزائفة،‭ ‬فينقلبَ‭ ‬عملُ‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬عن‭ ‬استبيان‭ ‬الوعي‭ ‬إلى‭ ‬توجيهه‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬الجادة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬توصلت‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المزاج‭ ‬العام‭ ‬التلقائي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تُعلِي‭ ‬الأرقامُ‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والخيارات‭ ‬والأطراف،‭ ‬ويميل‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تميل‭ ‬الأغلبية‭. ‬

وفي‭ ‬زمن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التونسية‭ ‬الرثة‭ ‬العرجاء،‭ ‬أو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأحادية،‭ ‬ظهرت‭ ‬مؤسّسات‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬ظهورا‭ ‬فوضويا‭ ‬منفلتا،‭ ‬طليقا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ضبط‭ ‬قانوني‭. ‬وظهرت‭ ‬أعمالها‭ ‬موصولةً‭ ‬بذلك‭. ‬فهي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تصف‭ ‬حاصلا‭ ‬واقعا‭ ‬وإنما‭ ‬تسقط‭ ‬حاصلا‭ ‬من‭ ‬عندها‭. ‬وقد‭ ‬يعترض‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬المعترضون،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬دليل،‭ ‬ولأن‭ ‬بعض‭ ‬أعمال‭ ‬سبر‭ ‬الآراء‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنوايا‭ ‬التصويت‭ ‬مثلا‭ ‬قد‭ ‬أثبتَت‭ ‬قربَها‭ ‬من‭ ‬الحقيقة‭ ‬النتائجُ‭ ‬الإنتخابية،‭ ‬ولأنّ‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬يلائم‭ ‬أفقَ‭ ‬التوقع‭ ‬لدى‭ ‬العموم‭. ‬لكنّ‭ ‬الردّ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الإعتراضات‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬الأرقام‭ ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬تنزيلها‭ ‬وفي‭ ‬انتقائية‭ ‬الشأن‭ ‬المشتقة‭ ‬منه‭. ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬لعبة‭ ‬الورقوني‭ ‬بالأرقام‭.‬

2/ ‬الزرقوني‭ ‬أرقام‭: ‬

تبدو‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬وجيهةً‭ ‬عاكسةً‭ ‬المزاج‭ ‬الشعبي‭ ‬العام‭ ‬كلّما‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬الإستبيان‭ ‬لا‭ ‬نفع‭ ‬فيه‭ ‬بصفة‭ ‬مباشرة‭ ‬لأية‭ ‬جهة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬مالية‭ ‬ولا‭ ‬ضرر‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬سبر‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬مقادير‭ ‬الأمل‭ ‬واليأس،‭ ‬والسعادة‭ ‬والتعاسة،‭ ‬ومدى‭ ‬سلامة‭ ‬الإتجاه‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬فيه‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬إلخ‭..    ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬المواضيع‭ ‬يُظهر‭ ‬الزرقوني‭ ‬منطوقَ‭ ‬الأرقام‭ ‬إظهارا‭ ‬صحيحا،‭ ‬ملائما‭ ‬لأفق‭ ‬التوقع‭ ‬لدى‭ ‬العموم،‭ ‬سواء‭ ‬بمعيار‭ ‬الخبرة‭ ‬أو‭ ‬بمعيار‭ ‬الحدس‭. ‬

وتصحّ‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوتي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالشأن‭ ‬الإنتخابي‭ ‬ونوايا‭ ‬التصويت‭ ‬ومقادير‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬محددة‭ ‬سلفا‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬سبر‭ ‬نوايا‭ ‬الإنتخاب‭ ‬مباشرة‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬التصويت‭ ‬وأثناءه‭. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬تكون‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأنها‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬محك‭ ‬الإختبار‭.‬‭ ‬وبهذه‭ ‬الوجاهة‭ ‬في‭ ‬أرقامه‭ ‬وتلك،‭ ‬تُحظى‭ ‬مؤسسته‭ ‬بالثقة‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يمارس‭ ‬لعبته‭. ‬ففي‭ ‬المراحل‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬الإنتخاب،‭ ‬تسبق‭ ‬إليها‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭  ‬بخدمة‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬بريد‭. ‬وإن‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تُعلي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أرقامُ‭ ‬الزرقوني‭ ‬هي‭ ‬دوما‭ ‬الجهة‭ ‬الماسك‭ ‬للسلطة‭ ‬أو‭ ‬الحائزة‭ ‬على‭ ‬المال‭. ‬وبهذه‭ ‬المناصرة‭ ‬التي‭ ‬ليس‭ ‬بعدها‭ ‬اختبار‭ ‬مباشر‭ ‬يضعها‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬يخدم‭ ‬الزرقوني‭ ‬الجهة‭ ‬الحاكمة‭ ‬أو‭ ‬الثرية‭ ‬بأرقامه‭ ‬التي‭ ‬يوجّه‭ ‬بها‭ ‬لفائدتها‭ ‬الرأيَ‭ ‬العام‭ ‬والوعيَ‭ ‬الجمعي‭. ‬فطيلة‭ ‬حكم‭ “‬التوافق‭” ‬بين‭ ‬الإخوان‭ ‬والنداء،‭ ‬بُعيد‭ ‬انتخابات‭ ‬2014،‭ ‬كانت‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬تداول‭ ‬بينهما‭ ‬تشريعيا‭ ‬على‭ ‬المرتبتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬مداولةً‭ ‬ترضي‭ ‬الجميع‭ ‬ولا‭ ‬تغضب‭ ‬الجميع‭. ‬وعلى‭ ‬أيام‭ ‬الشاهد‭ ‬رئيسا‭ ‬للحكومة،‭ ‬كانت‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬تضعه‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬الرئاسي‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭. ‬ولمّا‭ ‬ظهر‭ ‬نبيل‭ ‬القروي‭ ‬منافسا،‭ ‬صار‭ ‬الزرقوني‭ ‬يداولهما‭ ‬على‭ ‬الصدارة‭. ‬

وفي‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬انتخابات‭ ‬2018‭ ‬البلدية‭ ‬التي‭ ‬ارتدى‭ ‬يوسف‭ ‬الشاهد،‭ ‬أثناء‭ ‬إعداد‭ ‬قائماتها‭ ‬الزّيّ‭”‬الندائيّ‭”‬،‭ ‬أصرّت‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬النداء‭ ‬والإخوان‭ ‬مراوحة‭ ‬بين‭ ‬المرتبتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬ولم‭ ‬تضع‭  “‬للمستقلين‭” ‬شأنا‭ ‬يذكر‭. ‬وأفصخت‭ ‬لاحقا‭ ‬النتائج‭ ‬التشريعية‭ ‬والرئاسية‭ ‬والبلدية‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬أفادت‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬واكتسح‭ ‬المستقلة‭ ‬المنافسة‭ . ‬وبهذه‭ ‬اللعبة‭ ‬يخدم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الملائم‭ ‬من‭ ‬يخدم،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬مواعيد‭ ‬الإختبار‭. ‬و‭ ‬بِحَقٍّ‭ ‬يُراد‭ ‬به‭ ‬باطل‭ ‬حين‭ ‬تَذرُو‭ ‬رياحُ‭ ‬النتائج‭ ‬لاحقا‭ ‬أرقامه،‭ ‬يتعلل،‭ ‬فعليا‭ ‬أو‭ ‬ضمنيا،‭ ‬بأن‭ ‬لِلحظةالإقتراع‭ ‬مستجدات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أثناء‭ ‬لحظة‭ ‬الإستبيان‭.‬

3/ ‬الزرقوني‭ ‬أفلام‭:‬

بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬صارت‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬أذرُعُ‭ ‬السلطة‭ ‬ورقاب‭ ‬الدولة‭. ‬ولم‭ ‬يتأخر‭ ‬الزرقوني‭ ‬عن‭ ‬خدمته‭ ‬بأرقام‭ ‬خيالية‭ ‬كالأفلام،‭ ‬سواء‭ ‬بصفة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ “‬استنقاص‭” ‬خصومه‭.‬

أ‭/‬ قيس‭ ‬سعيد‭:‬

من‭ ‬فترة‭ ‬25جويلية‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022،‭ ‬موعد‭ ‬الدّور‭ ‬الأول‭ ‬من‭”‬الإنتخابات‭ ‬التشريعية‭” ‬التي‭ ‬أعرض‭ ‬عنها‭ ‬العمومُ،‭ ‬استمر‭ ‬سعيد‭ ‬حائزا‭ ‬في‭ ‬شاشة‭ ‬الزرقوني‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬80‭% ‬و90‭% ‬من‭ ‬مقادير‭ ‬الثقة‭ ‬ونوايا‭ ‬التصويت‭. ‬ولما‭ ‬تراكمت‭ ‬في‭ ‬الأثناء‭ ‬أخطاؤه،‭ ‬تدحرجت‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬60‭%. ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬يرافقها‭ ‬في‭ ‬السّبر‭ ‬نفسه‭ ‬ما‭ ‬بيانه‭ ‬أن‭ ‬84‭% ‬حكموا‭ ‬على‭ ‬الوضع،‭ ‬المسؤول‭ ‬عنه‭ ‬سعيد‭ ‬وحده،‭ ‬بأنه‭ ‬سيء‭ ‬وسيء‭ ‬جدا‭. ‬وحكم‭ ‬61‭% ‬بكون‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬الخاطئ،‭ ‬مقابل‭  ‬12‭,‬1‭% ‬حكموا‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬بكونه‭ ‬مرضيا‭. ‬فلئن‭ ‬لم‭ ‬يقدر‭ ‬الزربوني‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يغطّيَ‭ ‬الإحباط‭ ‬العام‭ ‬بغربال‭ ‬أرقامه،‭ ‬فقد‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬ينتشل‭ ‬منه‭ ‬سعيد‭.‬فكيف‭ ‬يُحظى‭ ‬سعيد‭ ‬بثقة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭%‬،‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬أجمع‭ ‬على‭ ‬سُوئِه‭ ‬84‭%!!. ‬فمنطوق‭ ‬الأرقام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬هو‭ ‬منطوق‭ ‬أفلام‭ ‬مركبة‭.‬

وفي‭ ‬سبر‭ ‬فيفري‭ ‬2023‭ ‬قالت‭ ‬أرقام‭ ‬الزرقوني‭ ‬إن‭ ‬نوايا‭ ‬التصويت‭ ‬لصالح‭ ‬سعيد‭ ‬هي‭ ‬بنسبة‭ ‬49‭,‬9‭%‬،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السّبر‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬انتخابات‭ ‬تختزل‭ ‬سعيد‭ ‬ومساره‭ ‬أعرض‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬الداعي‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مشروعه‭ ‬نحو‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬الناخبين‭. ‬والملاحظة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬تلامس‭ ‬النصف،‭ ‬إنما‭ ‬يوحي‭ ‬بها‭ ‬الزرقوني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ماسك‭ ‬السلطة‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬الفوز‭ ‬بالرئاسة‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬الأول‭. ‬وزاد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإيهام‭ ‬بأن‭ ‬جعل‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الموالين‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬هوة‭ ‬شاسعة‭.‬فنسبهم‭ ‬تباعا‭ ‬10‭,‬3‭%‬و‭ ‬5‭,‬9‭% ‬و4‭,‬6‭%.‬

ب‭/‬عبير‭ ‬موسي‭: ‬

بعد‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬عن‭ ‬صفة‭ ‬الخصم‭ ‬الصلب‭ ‬للإخوان‭. ‬وصارت‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬نفسه‭ ‬خصما‭ ‬صلبا‭ ‬لسعيد،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬الخصم‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬له‭ ‬الثّقلَ‭ ‬السياسيَّ‭ ‬المُضادَّ‭. ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يناصر‭ ‬الزرقوني‭ ‬بِسِنِمَا‭ ‬أرقامه‭ ‬الحاكمَ‭ ‬سعيد‭ ‬وأن‭ ‬يخاصم‭ ‬به‭ ‬مَن‭ ‬يخاصمه‭. ‬ففي‭ ‬سبر‭ ‬ماي‭ ‬2022‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قالت‭ ‬أفلام‭ ‬الزرقوني‭ ‬إنّ‭ ‬نوايا‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬التشريعية‭  ‬لفائدة‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬هي‭ ‬بنسبة‭ ‬29‭,‬9‭% ‬ولفائدة‭ ‬حزب‭”‬قيس‭ ‬سعيد‭”‬بنسبة‭ ‬26‭,‬2‭%‬،‭ ‬ولفائدة‭” ‬النهضة‭” ‬بنسبة‭ ‬8‭,‬7‭% ‬ولفائدة‭ ‬حركة‭ ‬الشعب‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭,‬9‭%. ‬وها‭ ‬هنا‭ ‬يظهر‭ ‬تلاعبُ‭ ‬الزرقوني‭ ‬بشاشة‭ ‬الأرقام‭. ‬فهو‭ ‬يعلم‭ ‬ألّا‭ ‬أحد‭ ‬يصدّق‭ ‬أرقامَه‭ ‬لو‭ ‬لَم‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭ ‬الحزب‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭. ‬لكن‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬عادة‭ ‬خدمة‭ ‬ذي‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬المال،‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحاصر‭ ‬الرقمَ‭ ‬الذي‭ ‬لفائدة‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬برقم‭ ‬مجاور‭ ‬له‭ ‬لفائدة‭ “‬حزب‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭” ‬وبرقم‭ ‬هزيل‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬الرئاسية‭ ‬يخص‭ ‬رئيسة‭ ‬الدستوري‭ ‬الحر‭ ‬لا‭ ‬يتعدى9‭,‬8‭%. ‬فبذلك‭”‬عادلت‭” ‬شاشة‭ ‬الزرقوني‭ ‬برقمَيْ‭ ‬سعيد‭ ‬الأول‭ ‬و‭”‬حزبه‭” ‬الثاني‭ ‬رقمَيْ‭ ‬عبير‭ ‬الثانية‭ ‬وحزبها‭ ‬الأول‭. ‬وأخل‭ ‬في‭”‬التعديل‭”‬بفارق‭ ‬طفيف‭ ‬لصالح‭ ‬حزب‭ ‬عبير‭ ‬مقابل‭”‬حزب‭” ‬سعيد،‭ ‬وبفارق‭ ‬عريض‭ ‬لصالح‭ ‬سعيد‭ ‬مقابل‭ ‬عبير‭. ‬وزاد‭ ‬في‭ “‬التضييق‭”‬على‭ ‬حزب‭ ‬عبير‭ ‬بأن‭ ‬جعل‭ ‬نسبته‭ ‬وهي‭ ‬29‭,‬9‭% ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نسبة‭”‬حزب‭ ‬سعيد‭” ‬وحليفه‭”‬حركة‭ ‬الشعب‭”‬مجتمعَين‭ ‬بما‭ ‬مجموعه1‭,‬31‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ “‬حزب‭ ‬سعيد‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬استنساخ‭” ‬لحزب‭ ‬نبيل‭ ‬قروي‭”‬،‭ ‬لا‭ ‬جود‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬العينات‭ ‬المُفتَرَضُ‭ ‬استجوابُها‭. ‬إنما‭ ‬إدراج‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬كخيال‭ ‬الظل‭ ‬قد‭ ‬استحضره‭ ‬السؤال‭ ‬الموجّه‭ ‬توجيها‭ ‬مدروسا‭ ‬متعمدا‭.‬

و‭ ‬قد‭ ‬يبرّر‭ ‬الزرقوتي‭ ‬أفلامه‭ ‬بأنّ‭ ‬المزاج‭ ‬الإنتخابي‭ ‬الرئاسي‭ ‬في‭ ‬العُرف‭ ‬التونسي‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬المزاج‭ ‬الإنتخابي‭ ‬التشريعي‭. ‬وإذا‭ ‬سلمنا‭ ‬بهذا‭ ‬التبرير‭ ‬على‭ ‬مضض،‭ ‬فلماذا‭ ‬يختلف‭ ‬هذا‭ ‬المزاج‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬عبير‭ ‬موسي‭ ‬وحزبها،‭ ‬على‭ ‬عسر‭ ‬الفصل‭ ‬بينهما،‭ ‬ولا‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬سعيد‭ ‬و‭”‬حزبه‭”!!!. ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬أفلام‭!.‬

وأوغل‭ ‬الزرقوني‭ ‬بأفلامه‭ ‬في‭ ‬سبر‭ ‬فيفري‭ ‬الحالي‭. ‬تقول‭ ‬شاشته‭ ‬إن‭ ‬نوايا‭ ‬التصويت‭ ‬الرئاسية‭ ‬هي‭ ‬لصالح‭ ‬سعيد‭ ‬بنسبة‭ ‬49‭,‬9‭ ‬والصافي‭ ‬سعيد‭ ‬بنسبة10‭,‬3‭% ‬وكادوريم‭ ‬بنسبة5‭,‬9‭% ‬وعبير‭ ‬موسي‭ ‬بنسبة4‭,‬6‭%. ‬فهذه‭ ‬الأرقام‭ ‬جعلتنا‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬تونس‭ ‬وبين‭ ‬شعبها‭ ‬،‭ ‬رغم‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬تغارهما‭ ‬قط‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1980‭. ‬فهذا‭ ‬الجدول‭ ‬هو‭ ‬أولا‭ ‬خدمة‭ ‬الزرقوني‭ ‬المعتادة‭ ‬لمن‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬الحكم‭. ‬فقد‭ ‬نزل‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأرقام‭ ‬العليا‭ ‬السابقة‭ ‬لعلمه‭ ‬ألا‭ ‬أحد‭ ‬يصدّقه‭ ‬فيها‭. ‬لكنه‭ ‬حباه‭ ‬سعيد‭ ‬فعاند‭ ‬الحقائق‭ ‬عنادا‭ ‬ساذجا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭.‬لأن‭ ‬49‭%  ‬لصالح‭ ‬سعيد‭ ‬ينسخها‭ ‬نحو90‭%  ‬من‭ ‬المعرضين‭ ‬عن‭ ‬مشروعه‭ ‬الإنتخابي‭. ‬وحباه‭ ‬أيضا‭ ‬بمزيتَين‭. ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬الفجوة‭ ‬العريضة‭ ‬التي‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬مُلاحقِيه‭ ‬الذين،‭ ‬باستثتاء‭ ‬عبير‭ ‬موسي،‭ ‬من‭ ‬الهوامش‭. ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬وضع‭ ‬منافِسته‭ ‬الفعلية‭ ‬الوحيدة‭ ‬،عبير،‭ ‬بعد‭ ‬الهامِشِيَين‭ ‬الذَين‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لنا‭ ‬مع‭ ‬شخصيهما‭. ‬فهل‭ ‬يقبَل‭ ‬مَن‭ ‬يملك‭ ‬عشر‭ ‬عقل‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬هذا‭ ‬المُغنّي‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬قبله‭ ‬على‭ ‬عبير‭ ‬موسي؟‭! . ‬فهل‭ ‬سلم‭ ‬التونسيون‭ ‬باحتمال‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬مَرقصا‭!!!‬

* نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 14 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING