الشارع المغاربي-محمد الجلالي: تشهد احدى شركات طارق الشريف رجل الاعمال ورئيس كونفدرالية المؤسسات )كوناكت( منذ أشهر أجواء مشحونة بلغت حد طرد نقابي وإيقاف ثان عن العمل ومغادرة قرابة 25 موظفا بين مستقيل ومطرود.
ملف توتّر مناخ العمل صلب الشركة المختصة في انتاج مواد أولية خاصة بصناعة الدهن اصبح من مشمولات تفقدية الشغل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وولاية بن عروس فيما لجأ عمال آخرون الى القضاء لرفع قضايا من أجل تعرضهم الى طرد تعسفي. في الاثناء يشن العمال انطلاقا من اليوم ثاني اضراب عن العمل للمطالبة بتوفير حقوق يعتبرونها مستحقة وللاحتجاج على ضرب الحق النقابي.
طرد تعسفي
يوم 17 أكتوبر الجاري اتخذت إدارة الشركة قرارا بطرد محمد بالضيافي عضو النقابة الأساسية للعمال نهائيا. وجاء في قرار الطرد الذي حصلت أسبوعية “الشارع المغاربي” على نسخة منه ان العامل متهم بالاصرار على اتهام إدارة الشركة بانتهاك حقوق العملة.
من جهته أوضح بالضيافي ان ما تعتبره الإدارة اتهاما لها بانتهاك حقوق العمال بدر عنه في اطار جلسة صلحية بين النقابة والإدارة بعد تراجع الشركة عن تمكين زملائه من حق مكتسب )منحة انتاج( وحرمانهم من منح أخرى.
وذكّر بأن المدير العام السابق كان يُمكّن العمال منها كاعتراف لهم بمجهوداتهم وتفانيهم في عملهم.
وقال “تعرضت لطرد تعسفي بعد مطالبتي ايضا بتمكين العمال من حقوق مسلوبة مثل منحة الخطر باعتبار اننا نتعامل مع مواد كيميائية مسرطنة وسامة وأخرى متفجرة”.
وأضاف انه منذ اندماج الشركة مع شركة أخرى سنة 2008 لم يتمكن كل العمال من الحصول على منحة الإنتاج الا في 2019 رغم تمتّع زملاء لهم بها منذ 2008.
وذكّر بأن المشكل انطلق منذ سنوات باعتبار ان الادارة تعاملت مع عمالها بمكيالين عبر تمكين شق منهم من منح وحرمان شق آخر منها.
وتطرق المتحدث الى علاقة الإدارة بالنقابة مبينا ان المدير العام رفض التعامل مع أعضائها وان اول لقاء جمعهم بمسؤولي الشركة كان في مقر تفقدية الشغل.
وتابع: “اللقاء لم يثمر شيئا بما ان الإدارة لم توافق على تمكين العمال من منحة الخطر ومنحة الخطّة الوظيفية ومنحة المسؤولية بما دفعنا الى شن اضراب اول ثم ثان”.
عامل اخر أكد ان إدارة الشركة كانت تفرض على العمال ساعات إضافية بشكل يومي وان العمال قرروا مؤخرا عدم الانصياع لها بعد تعنتها في حرمانهم من بعض المنح المستحقة.
وواصل العامل: “واجهت الادارة تمسكنا بحقوقنا المشروعة بحرماننا من راحة يومية بـ 45 دقيقة لتناول وجبة الفطور واجبارنا على تعويضها خلال يوم السبت حتى تكون خالصة الاجر مع العلم ان ذلك يعد مسا من حق مكتسب طيلة عقود”.
أزمة تسيير
موظفة مستقيلة مؤخرا من الشركة لاحظت من جانبها ان “المدير العام اتبع سياسة قائمة على التدخّل في كل تفاصيل العمل وتعطيل عملية الإنتاج وضرب العمال بعضهم ببعض والبحث عن كباش فداء لكل خطأ”.
وشددت على ان ذلك تسبب في مغادرة إطارات عليا من عدة اقسام مثل الاعلامية والمبيعات والتموين والبحوث والتطوير ومراقبة الجودة والإنتاج”.
وواصلت: “بفعل إصرار الإدارة العامة على هرسلة الموظفين إداريا ونفسيا تواترت الاستقالات وعمليات الطرد التعسفي في فترة وجيزة بل ان احدى الزميلات تعرضت الى ازمة نفسية حادة جراء الهرسلة الإدارية بما دفعها الى الخروج في عطلة مرضية منذ سنتين”.
واشارت الى ان الإدارة عملت على تنويع اساليب هرسلة الإطارات مرة عبر الضغط على المهندسين لتغيير نشاطهم من البحوث والتطوير الى قسم المبيعات والقسم التجاري وأخرى عبر تغيير تركيبة المنتوج دون العودة الى قسم البحوث والتطوير بما تسبب في تراجع جودة المادة المنتجة.
وختمت بالقول ان الضغط النفسي والتعرض لمواد كيميائية خطيرة على العمال قد يتسببان في كوارث صحية لا حصر لها متهمة تفقدية الشغل بعدم التحلي بالحياد عند لجوء عدد من العمال اليها.
مواد كيميائية خطيرة
اختصاص الشركة في انتاج مواد أولية للدهن يضع إطاراتها وعمالها في تماس يومي مع مواد كيميائية شديدة السمية مثل أسيتون وتولوين واسيد وامونياك وميثانول وصودا وكزيلان ووايت سبيريت وحمض بنزويك وتريقونوكس وحمض ماليك وستيرين وميثكريلات حسب تأكيد احد الموظفين.
وتفيد دراسات وتجارب مخبرية ان التعرض لهذه المواد الكيميائية يتسبب في عديد الامراض السرطانية والتنفسية والجلدية الخطيرة اضافة الى اصابات أخرى كالتهاب البشرة او الغثيان أو التسمم أوالاضطرابات.
كما تشير الدراسات الى ان استنشاق روائح بعض المواد الكيميائية المذكورة قد يؤدي الى تلف البشرة والعين والجهاز العصبي والقلب او حتى الاختناق الى درجة الموت.
المصدر لفت الى ان تعرض مئات العمال لمواد كيميائية متفاوتة الخطورة داخل معملي الشركة تسبب لهم في عديد الامراض مؤكدا إصابة ثلاثة عمال على الأقل بأمراض سرطانية.
واكد موظف اخر ان عديد العمال أصيبوا بامراض سرطانية وان الإدارة اكتفت بتغيير نشاطهم دون مساعدتهم ماليا.
وذكر ان زميلا له كان قد توفي خلال الأسبوع الماضي متّهما الشركة بعدم الوقوف معه خلال ازمته الصحية.
وقال ان طبيبه المباشر طلب منه التخلي عن العمل ليلا وعن الاشتغال في أماكن عالية مشددا على ان طبيب الشغل قرّر في المقابل ارجاعه الى سالف عمله.
ورجّح ان تكون الإدارة قد خبأت ملف المريض عن طبيب الشغل وان ذلك دفعه الى اتخاذ قرار ارجاعه الى سالف نشاطه.
محمد بالضيافي اكد بدوره انه أصبح يعاني من نقص في اللوحات الدموية مشددا على ان مشكل التعامل مع المواد الكيميائية انها تتسبب بعد مرور سنوات طويلة في امراض خطيرة بما قد يكون عائقا امام اثبات علاقتها بظروف العمل.
وقال ان التعامل اليومي مع المواد الكيميائية تسبب في امراض جلدية لعاملة نظافة وان ذلك دفعها الى تقديم استقالتها بعد ان رفضت الإدارة تكليفها بعمل آخر حتى لا تتعكر حالتها.
وأفاد بأن الإدارة عملت على نزع اغلب بطاقات الارشاد الملصقة على الحاويات والاكياس بعد تنصيص متفقدة الشغل خلال جلسة الولاية على ضرورة اجراء طبيب الشغل زيارة الى معملي الشركة للتثبت من مدى مطابقة ظروف العمل بالشركة لشروط حفظ الصحة والسلامة المهنية.
عامل آخر تحدث عن تعرّض عديد العمال لمخاطر جمة بسبب اجبارهم على النزول الى المفاعل (reacteur) المخصص لخلط المواد الكيميائية لتنظيفه متسائلا: هل تتم تهوئة المفاعلات لإزالة المواد الكيميائية الخطيرة؟ ولماذا يتم انزالهم أصلا عوض تنظيفها اعتمادا على سائل معد للغرض؟
”بعد مرور سنة على تعيينه أوقف المدير العام الحالي عمليات انتداب عمال المناولة وعمليات الترقية والأخطر من ذلك تكليف هؤلاء العمال باشغال لا تتماشى مع ما تم التنصيص عليه في عقود عملهم”. هكذا اكد موظف مستقيل من الشركة.
الموظف اتهم الشركة بالتحيّل على العمال المتعاقدين مع شركات مناولة باستغلالهم في اشغال أساسية عوض تكليفهم بأنشطة ثانوية وبتفادي ترسيمهم عبر تغيير عقودهم من شركة الى اخرى قبل أيام فقط من انقضاء المدة القانونية التي تخوّل ترسيمهم.
وذكر ان احدى شركات المناولة التي يتم التعامل معها على ملك ابن مدير بالمؤسسة لافتا الى وجود قرابة 20 عاملا ضمن منظومة المناولة والى أن من بينهم من تجاوزت مدة عمله الأربع سنوات دون ان يتمتع بالترسيم او بمرتبات ومنح تحفظ كرامته على غرار بقية العمال.
أسبوعية “الشارع المغاربي” سعت من جانبها الى استفسار إدارة الشركة عن مجمل التساؤلات التي تتعلق بهرسلة العمال وضرب الحق النقابي وتعريض الموظفين الى مخاطر صحية جدية واتصلت بطارق الشريف رئيس مجلس ادارتها فرفض التعليق على الامر بدعوى عدم المامه بما يجري صلب الشركة.
كما اتصلت الصحيفة بمدير عام الشركة واتفقت معه على موعد للقاء الا انه اتصل قبل حلوله بيوم لتأجيله بدعوى سفره الى الخارج. وبالتحري في الامر علمت الصحيفة من مصادر قريبة من الشركة انه تردد على الشركة طيلة الأيام الفارطة الشيء الذي ينفي سفره ويعني تهربه من المواجهة.
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 24 اكتوبر 2023