الشارع المغاربي – ما‭ ‬أراه‭ ‬ضرورة‭ ‬عاجلة‭ ‬لتونس: ‬بقلم‭.د ‬رفيق‭ ‬بوجدارية

ما‭ ‬أراه‭ ‬ضرورة‭ ‬عاجلة‭ ‬لتونس: ‬بقلم‭.د ‬رفيق‭ ‬بوجدارية

قسم الأخبار

31 مارس، 2022

الشارع المغاربي: أخرجت الضوضاء البرلمانية وفوضى التمكين الانتقال الديمقراطي من مساره الطبيعي ليتحول برعاية حركة النهضة وبحرصها الموصول إلى تعويض حزب لآخر على رأس السلطة المركزية وفي عمق الدولة…

لكن الخطر الداهم الحقيقي اليوم أصبح الوضعية الاقتصادية التي تتخبط فيها تونس ونغرق فيها جميعا كل يوم أكثر فأكثر …إن المخاطر باتت أخطارا بفعل التركة الثقيلة للحكومات المتعاقبة منذ 2011.  تتلخص هذه الاخطار  في ثلاثة كوارث: 

فأما الكارثة الاولى فهي مديونية قياسية تبلغ 100م.د لم تعد لنا  القدرة عليها فأصبحنا منهكين بإرجاع خدمة الدين دون أصله…

اما الكارثة الثانية، فلم يعد الاقتصاد التونسي منتجا للثروة وبالتالي  أصبح  عاجزا عن تمويل الميزانية الذي أضحى  يتم عبر مديونية تكبر  كل سنة ليصبح صندوق النقد الدولي الممول الأهم  للميزانية وبالتالي الوصي عليها..

 وأما الكارثة الثالثة، فهي الاقتصاد الموازي وعجز الميزان التجاري وهما بالإضافة إلى التهرب الجبائي  أكبر ثالوث  لتدمير الدولة .

هذه الاخطار أدت بنا إلى حالة من الوهن أصبحت بفعله تونس مهددة في قوتها وفي سلمها  وفي ديمومتها.

إن مسار 25 جويلية ، الذي “أراد إنقاذ تونس  من مخالب خطر داهم”  وذلك  بتفعيل “قصوي” للفصل 80 من الدستور لم يتطرق للقضايا الاقتصادية والمالية بالرغم من خطورتها بل اختزل الأزمة في الملف السياسي حتى اصبح هذا الاختزال السياسي بحكم طول المدة وغياب التواصل مشكلا جديدا مطروحا أمام التونسيين لما تسبب فيه من ضبابية واهتزاز للثقة في مشروع الإصلاح المعلن: البناء القاعدي او التصعيد من القاعدة على حساب المنظمات الوسيطة !.!

  فالمرسوم الرئاسي عدد 117  للتنظيم المؤقت للسلطات بات مصدرا للتخوفات حتى  لدى من انخرط في مسار 25 جويلية.. فما نراه اليوم هو تراجع للثقة   وازدياد في منسوب المخاوف على المستقبل .

الخوف من تغيير نظام البلاد السياسي من نظام مؤسساتي إلى نظام  اللجان المحلية وفي تجارب شبيهة لبلدان شقيقة وقعت مصادرة حق الاختلاف وإضعاف روح المدنية اي المواطنة في كل مكوناتها والحاقها بمشروع المحليات  لكي يصبح كل من يخرج عليه خائنا لا فائدة منه. والخوف أن يعوض  التخوين  التكفير  فبعد أن كان” المعارض” كافرا بدين الله يصبح  في حكم اللجان المحلية خائنا للوطن …

ثم الخوف من انهيار اقتصادي  يؤدي إلى  فقدان المواد الأساسية من الأسواق من   غذاء ودواء، ومن جهة أخرى الى التقليص في المرتبات وجرايات التقاعد أو إيقافها والى تعطّل المرافق العمومية من صحة ونقل وتعليم مثلما حدث في اليونان إبان إفلاسها  .

  الخوف من الفوضى والاحتجاجات الإجتماعية العنيفة  ومن  مزيد من الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي ليولد مزيدا من العنف الذي يرافق عادة  الغرق في أوحال الإفلاس مثلما جرى في المكسيك  .

إن الترقيم السيادي الجديد لاقتصاد تونس 3 س مع أفق سلبية لم يكن مفاجأة  للمتابعين بل كان بكل أسف منتظرا ليس لغياب نتائج الإصلاح بل لغياب أول خطوة للإصلاح الا وهي الاستماع لاهل الفكر والاختصاص في تونس.

 إن الكفاءات الكبيرة من جهة واستراتيجيات إصلاح كل الميادين من جهة أخرى لا تنقص في دولة  تعودت على إقصاء كفاءاتها منذ عهد بعيد وخاصة منذ 2011. ورغم ذلك فإن مطالب الحوار لم تتوقف من جانب كل القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل زادت بعد تأزم الأوضاع.

ففي تونس نملك تقليدا دستوريا متأصلا منذ عهد الأمان يجعلنا نتشبث بخيط الشرعية في كل المنعطفات التاريخية الكبيرة التي عشناها. فمن البديهي والمنطقي أن يكون إطلاق الحوار وتنظيمه من لدن رئاسة الجمهورية احتراما في شرعيته وفي الفصل 117 نفسه. بل كيف لها أي رئاسة الجمهورية  أن تستغني عن  هذا الحوار وهو الكفيل وحده برسم برنامج للإنقاذ وإلتزام كل الأطراف به في فرعيه السياسي والاقتصادي والتزام المنظمات الاجتماعية  بقرارات لن تكون دون تأثير على الطبقات الشعبية الفقيرة.  فحماية  الضعفاء والدفاع على  القطاع العام يستوجبان صياغة جماعية للتعريف بالدور الجديد للدولة والتأكيد على  الالتزام بالعدالة الجبائية وبمقاومة التهرب الجبائي .

 يضع هذا الحوار أيضا  إصلاحات القطاع البنكي العمومي لتصويب تدخلاته  لدعم الاقتصاد في توجهات إستراتيجية لخلق الثروة والرفع من التشغيلية في إقتصاد يرتكز على المعرفة ويعطي للجهات دورا أساسيا.

 ويعمل الحوار على إعادة ثقة التونسيين في مستقبلهم فوق أرضهم قبل إعادة ثقة   الحلفاء الاقتصاديين الخارجيين في تونس وخاصة صندوق النقد الدولي حتى يعوّض تمويل التنمية تمويل كتلة الأجور المنتفخة.

الحوار سوف يسطر الإصلاحات الدستورية التي يتطلبها نظام الحكم وذلك من توازن بين سلطة تنفيذية برأس واحد وسلطة تشريعية منتخبة عبر قانون انتخابي يوفر الشفافية والنجاعة وسلطة قضائية مستقلة نزيهة وناجزة لا سلطان عليها سوى القانون والضمير ومراقبة الشعب المنتظم في هياكل مدنية ومنظمات سياسية ويكون  الحكم والفاروق بين كل هؤلاء محكمة دستورية تكون ضمير الأمة في تعلقها بالقانون والحرية والديمقراطية….

 هذا ما أراه  اليوم لتونس، وهو ضرورة قصوى يمليها الواجب الوطني  للحفاظ على السلم والسيادة  لدولة تحتفل بذكرى استقلالها.

الاستقلال الذي فرضته تضحيات الزعماء وآلاف التونسيين من رجال ونساء مكننا من بناء دولة وطنية اجتماعية هي في أمس الحاجة اليوم إلى إنقاذ يرقى في  مجهوده إلى تحرير ثان للبلاد . ولن يكتب النجاح لهذا العمل إلا إذا كان مدخله وطريقه هو تجميع القوى الوطنية والاجتماعية  التونسية حول وثيقة الإنقاذ  لمنع الرجوع بالبلاد إلى دائرة الاستبداد بالحكم والتقدم بها نحو بناء جمهورية ديمقراطية تقوم على الحرية والعدل وتكرس التضامن والمساواة في الحظوظ.

لانه لا ينقذ تونس الا التونسيون أنفسهم ولانه لا يكون الإنقاذ الا جماعيا وبأياد تؤمن بالاصلاح داخل مربع الجمهورية ولانه لا يمكننا  مواصلة السير نحو مأزق تاريخي فليس لنا من خيار سوى أن نفتح جميعا باب أمل جديد .

عاشت تونس…تحيا الجمهورية.

نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 مارس 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING