الشارع المغاربي: منذ أن أمسكت حركة النهضة بالسلطة عملت على الاستيلاء على الشأن الديني في البلاد بمختلف مؤسّساته، وقد انصبّ اهتمامها بالأساس على وزارة الشؤون الدينيّة لأنّها الجهة التي تتحكّم في ما يفوق 5000 مسجد وجامع والحاضرة في كامل أرجاء الوطن مع ما يعني ذلك من وفرة في المعلومات التي تُنقل إليها عبر منظوريها من الأيمة والمؤذّنين وغيرهم.
ولأنّ هيكل الوزارة صغير وعدد موظفيها قليل غير قادر على استيعاب منظوريها الكثّر، سنّت لها قانونا أساسيّا نشر سنة 2013 جعل منها هيكلا إداريّا ضخما نجد به أقساما ومصالح وإدارات وإدارات فرعية وإدارات عامة وإدارات جهوية ومكاتب وخلايا وتفقدية ومتفقّدين وغيرها دون أن تكون المهام المناطة بعهدتها تتطلب كلّ هذا التوسع والتمدّد المبالغ فيه.
ومنذ أن نُحّي الوزير النهضوي نور الدين بن حسن الخادمي إلى حدّ الآن لم تعرف هذه الوزارة إلا وزراء نهضويّين باستثناء الشيخ عثمان بطيخ رحمه الله الذي لم يبق فيها إلا فترة قصيرة. وقد عمل كلّ الوزراء الذين تداولوا على الوزارة باستثناء الشيخ بطيخ على التمكين للنهضة داخل الوزارة بالإشراف على كلّ صغيرة وكبيرة من ناحية واستبعاد كلّ نفس يمكن أن يعترض على السياسة المنتهجة من ناحية أخرى.
ويذكر الجميع أن النهضة عارضت تنحية الجوادي من إمامة جامع سيدي اللّخمي بصفاقس وجنّدت منظوريها الذين منعوا أداء صلاة الجمعة لمدة تفوق الشهرين في مخالفة صريحة للشرع فضلا عن مسيرات الجبيبات والكشيطات التي نظمتها في صفاقس للإبقاء على الجوادي وهو ما دفع بالحزام الحاكم إلى تنحية الشيخ بطيخ.
ما حدث لم يكن إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد المخفي تحت الماء ممثّلا في استغلال النهضة المساجد والجوامع. ووعيا منها بخطورة ما حدث ويحدث سعت القوى المدنيّة إلى شنّ حملات بهدف تحييد أماكن العبادة والنأي بها عن العمل السياسي، إلا أنّ السلطة لم تتعامل منذ سنة 2011 إلى حدّ الساعة مع هذا الملف إلا بالإغفال، وأحيانا تشيع أنّها نحّت إماما أو مؤذّنا وكفى الله المؤمنين شرّ القتال، والحال أنّ من يتحكم في الجوامع إلى حدّ الساعة ويسيّرها هم المنتسبون للإسلام السياسي بمختلف تشكيلاته.
ففي الفترة الأخيرة بلغنا أن المدعوّ المختار الجبالي ما زال يؤمّ الناس إلى حدّ الآن في جامع عمر بن الخطاب بحيّ ابن سينا بينما كان من المفروض أن يتمّ عزله وتنحيته ومنعه من الخطابة للشبهات الجدية التي تحوم حول مساندته الإرهاب والتطرف وهو ما سنأتي عليه في ما يلي. إلا أن حكم 25 جويلية ووزيره للشؤون الدينيّة مصرّان على إبقائه، وللعلم فإنّ الجبالي هذا من أكثر المتطرّفين يبسا وتكلّسا فهو:
1)خطيب أنصار الشريعة وأحد أيمتهم حيث اختاروه للخطابة في مؤتمرهم الذي عقدوه في مدينة القيروان سنة 2012 صحبة عدد كبير من المتطرّفين من بينهم رضا بلحاج الناطق الرسمي باسم حزب التحرير.
2)الداعية إلى تسفير شبابنا إلى سوريا للقتل والذبح تحت مسمّى الجهاد. ففي برنامج تلفزي سأله المقدّم لماذا لم يرسل أبناءه إلى سوريا قال: “لم تسمح الظروف بذلك”. كما اتّهمه مواطن في شريط آخر بالوقوف وراء تسفير ابنه إلى سوريا. وتقول رئيسة مركز الشرطة في رادس في نفس الشريط إنّ لديها ملفا كاملا عنه وأنه في كلّ مرّة يتم إيقافه تأتي الأوامر بإطلاق سراحه وإهمال الموضوع.
3) سنة 2012 استقبل المختار الجبالي المدعو عبد الله المحيسني واستضافه في الجامع الذي وضعته وزارة الشؤون الدينية على ذمته ليؤم فيه المؤمنين. والمحيسني هذا هو القاضي الشرعي للتنظيم الإرهابي “داعش” الذي يحكم بين الفصائل المختلفة في سوريا مثل تنظيم الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة وأحرار الشام، فهو إذن الحَكَم بين عتاة الإرهاب والذبح.
4) سنة 2014 تحصّل المختار الجبالي على شهادة الدكتورا مثل الصحبي عتيق وعماد الحمامي وغيرهما من النهضويّين الذين تحصلوا على هذه الشهادة من جامعة الزيتونة في ظرف سنة أو سنتين. وللعلم فإنّ المشرف على أطروحة الجبالي هو نور الدين الخادمي إمام التسفير وإمام جامع الفتح الذي منه انطلق الهجوم على السفارة الأمريكيّة. أمّا اللجنة التي ناقشت أطروحته فقد تكوّنت من هشام قريسة مدير الجامعة وأحد أعوان النهضة فيها وقد اشتهر بإصدار البيانات المساندة لها والمعارضة لخصومها ومحمد بوزغيبة مرشح حركة النهضة للمحكمة الدستوريّة وبرهان النفاتي القادم من الجزائر بعد الدراسة فيها وربّما في جامعة الدواعش بقسنطينة.
هذا الشخص بما يحمل من علاقات بالإرهابيّين والمتطرّفين ما زال يؤمّ الناس في الجامع والغريب أنّه نشر هذه الأيام صورته وهو بصدد دمغجة أطفال صغار جمعهم حوله في الجامع ولا ندري بأية مناسبة كان ذلك؟ ولا ما كان يقول لهم؟ ولا الغرض من نشر الصورة؟.
لمّا قلنا منذ مدّة إنّ حكم 25 جويلية ليس إلا امتدادا لحكم النهضة لم نجانب الصواب والأدلة على ذلك تتتالى آخرها: المختار الجبالي خطيب أنصار الشريعة وتحت أنظار صديقه وزير الشؤون الدينيّة وبحماية منه يدمغج أطفالنا تمهيدا لتسفيرهم إلى المحارق أو تفجيرهم بالأحزمة الناسفة في الأسواق وتجمّعات التوانسة.
ملاحظة: يمكن العودة إلى الشريطين التاليين الخاصّين بالمختار الجبالي ورابطهما كالتالي:
* https://www.youtube.com/watch?v=DZKTQt1vD7E
*https://www.youtube.com/watch?v=cZvLDdfNKyo
*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 29 اوت 2023