الشارع المغاربي – معاذ الغنوشي: من رجل الظلّ والمال والكواليس إلى ملاحق قضائيا/ بقلم:كوثر زنطور

معاذ الغنوشي: من رجل الظلّ والمال والكواليس إلى ملاحق قضائيا/ بقلم:كوثر زنطور

قسم الأخبار

4 نوفمبر، 2022

الشارع المغاربي: خرج معاذ الغنوشي النجل الاكبر لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من دائرة الظل المحبذة بالنسبة اليه والآمنة بالنسبة لوالده. “معاذ” اسم متداول اليوم في ابحاث ما لا يقل عن 4 قضايا دون ان يتم الاستماع الى اقواله في أي منها باعتباره متواجد في الخارج منذ اكثر من عام ونصف بما جعله في وضع “الفار من العدالة” ومُدرجا في التفتيش .

منذ اسبوع وتحديدا يوم  20 اكتوبر 2022 اعلنت وزارة الداخلية ان النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بالقصرين اذنت لوحداتها بالاحتفاظ بـ4 اشخاص من اجل ” تكوين وفاق قصد الاعتداء على امن الدولة الداخلي المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض واثارة الهرج والشغب بالتراب التونسي” لافتة الى انه تم ايضا ادراج ابن رئيس حزب سياسي بالتفتيش قبل انيتبين سريعا بعد ساعات قليلة من صدور بلاغ الداخلية ان الامر يتعلق بابن رئيس حركة النهضة ” معاذ”.

قبلها بأسابيع ظهر اسم ”  معاذ” في الابحاث المتعلقة بقضية ” جمعية نماء تونس” وتم ادراجه بالتفتيش وقال مصدر قضائي انه في ” حالة فرار” والحال سيان بالنسبة لقضية ” انستالينغو”. كما ذكر اسم ” معاذ” في الابحاث المتعلقة بتمويل عدد من وسائل الاعلام التي كان قد احالها محمد عبو على القضاء عندما كان وزيرا للوظيفة العمومية ومكافحة الفساد في حكومة الياس الفخفاخ. الاستاذ سامي الطريفي عضو هيئة الدفاع عن رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي اكد لـ” الشارع المغاربي” انه لم يتم الاستماع الى ابن رئيس الحركة في أي من القضايا المتداولة اعلاميا ورجح انه لم يتم توجيه أي استدعاء رسمي للمعني بالامر للمثول امام القضاء نافيا عنه  صفة ” الفار من العدالة”.

من هو ” معاذ” ؟

حرص ” معاذ” على الابتعاد التام عن تصدر المشهد بأي شكل من الاشكال داخل الحزب وخارجه رغم انه متواجد باستمرار في قلب العملية السياسية منذ عودة والده ابان الثورة الى تونس قادما من مقر اقامة العائلة في لندن. الابن الاكبر لرئيس حركة النهضة لازم والده منذ سنة 2011 كمرافق دائم مكلف بـ” اجندة مواعيده”  دون ان يكون له دور سياسي واضح.  شخصية سياسية كانت تشغل منصبا رسميا في فترة الترويكا وتقول انها كانت من بين “القلة التي يلتقيها معاذ” اكدت لـ”الشارع المغاربي” انه لم يمكن لابن الغنوشي أي دور سياسي مع بداية دخول النهضة للسلطة وهي فترة قال ان ” البنات الثلاث  للشيخ ” كُنّ خلالها الاقرب والاكثر نفوذا سياسيا لاسيما مع موقع الصهر انذاك رفيق عبد السلام.

لا احد ينكر دور ابناء الغنوشي في عدة مجالات ذات علاقة بالاب خاصة منها المالي والسياسي. في الجانب المالي تتعدد الروايات حول ثروات الابناء والبنات والاصهار وانتفاعهم بسنوات المهجر ثم بسنوات السلطة. خلال العشرية الاخيرة كانت لـ”معاذ” صفة لخصها مصدر لـ”الشارع المغاربي” بـ “رجل الكاش” مستندا في ذلك الى ان اغلب المعاملات المالية او كلها كانت تتم عبر “معاذ”. يبدو ان مثل هذه الشهادات جعلت “معاذ” محل شبهة، وفق ما جاء على لسان الوزير السابق محمد عبو مثلا عند الاستماع اليه مؤخرا في القضية التي كان قد احالها في اعقاب مهامه الوزارية وتتعلق بشبهات فساد في ملف تمويل 4 قنوات تلفزية هي “حنبعل”و”تي  ان ان” و”المتوسط” و”الزيتونة” .

داخل النهضة ، لـ “معاذ” علاقات  “معقولة” بأغلب القيادات التي يتداول انه لم يكن لها أي اشكال في وجوده الدائم بمقر الحركة في مكتب محاذ لمكتب والده بالطابق الخامس من مقرها المركزي بـ”مونبليزير” وسط العاصمة. نجح الاب والابن في تحييد الجانب العائلي عن الحزبي وتجلى ذلك في عدم وجود أية تشكيات من الابن داخل “النهضة”. تحييد تم عبر اختصار دور الابن على المسائل البروتوكولية اللوجستية والمالية وينضاف الى ذلك “تعففه عن المناصب” وغياب أية طموحات لديه تجعله محل نفور داخل الحركة وايضا الدائرة الضيقة القوية التي كانت تحيط بالغنوشي في السنوات الخمس الاولى من العشرية السابقة خاصة للثنائي لطفي زيتون ورفيق عبد السلام اللذين كانا خاصرة ” الشيخ” واهم رجالاته.

يقول مصدر لـ” الشارع المغاربي” ان نقطة التحول بالنسبة لمعاذ كانت استقالة زبير الشهودي من رئاسة مكتب الغنوشي وان ذلك فرض مساحة اكبر للابن مع قدوم فوزي كمون الرئيس الجديد للمكتب وايضا مع انطلاق “مرحلة التوافق” بين الحركة ونداء تونس والتي تقول قيادات من النهضة انها كانت علاقة تحالف بين العائلتين غيبت فيها هياكل الحزب وباتت قراراته الاستراتيجية ترسم بين عائلتي “قائد السبسي والغنوشي” . مع ذلك كان معاذ بعيدا عن الاضواء حريصا على الابتعاد عن عدسات التصوير وعن اللقاءات المفتوحة ولا يكاد يشاهد رغم انه الحاضر الدائم الذي لا يغيب البتة تقريبا عن أي نشاط يقوم به الاب.

 اصبح  “معاذ” مع مرور الوقت رجل الكواليس واحد الممرات الاكيدة للوصول لرئيس حركة النهضة وصانع “مبادرات” التسويات والصلح ومقرّب وجهات النظر والمؤثر عبر “لوبيينغ” داخل الحزب وخارجه. احد القيادات البارزة في النهضة يقول لـ”الشارع المغاربي ” ان “دور معاذ كان ايجابيا في اغلب الازمات التي مرت بها الحركة ”  مستدركا بالتشديد على ان ” ذلك ما كان متداولا في الحزب أين حرص معاذ على تجنب الصدامات ولم يكن يوما في مواجهة على الاقل علنية مع أي طرف من اطراف النزاع داخل الحركة سواء في فترة الترويكا او التوافق او الحكم مع الشاهد ثم الفخفاخ والمشيشي وصولا الى رئيس الجمهورية قيس سعيد” .

عن الجانب المالي، يقول المصدر انه من “الملفات السرية وغير معلومة التفاصيل الا عند قلة قليلة” مرجحا ان “يكون معاذ بالاكيد هو صاحب مفتاح الخزنة ان وجدت فعلا”. ولا يعد هذا القيادي الاستثناء داخل حزبه في خطابه المتحفظ عند الحديث عن الملف المالي .  “الكل استنفع ولا احد استنفع” على حد قول عضو سابق في المكتب التنفيذي للحركة اكد ان راتب كل عضو كان في حدود 5 آلاف دينار شهريا وان ” دائرة الغنوشي كانت حريصة على ايجاد حلول مالية وتشغيلية واستثمارية لكل المقربين من حاشية رئيس الحزب”  كاشفا  عن تدخلات على اعلى مستوى تتم لـ “ضمان استقرار مالي معقول للموالين” .

هذا الملف طرح بقوة ايضا إبان سجال الرسائل المسربة بين الغنوشي وما سمي بـ”مجموعة الـ100″ الرافضة للتمديد في عهدته على رأس الحركة والتي كانت قد دعته لـ ” ضمان انتقال قيادي” في المؤتمر11 الذي لم يكتب له الانعقاد حتى اليوم . نجحت المجموعة في احراج الغنوشي بفتح هذا الملف مع علمها انه سيشكل في المستقبل القريب معضلة بالنسبة اليها ان غادر الغنوشي رئاسة الحركة وهو المشرف على تمويلها. ويقول رئيس حزب من اصدقاء الغنوشي لـ” الشارع المغاربي” ان قيادات من الحركة من مجموعة الـ100 طلبت من رئيسها توضيحات حول ملف التمويل وانها دعته الى الالتزام  بعدم غلق “الفانة” عند انتهاء عهدته. وذهب بعضهم – يضيف المصدر – الى حد دعوته الى تنظيم جولة “مع الممولين الخفيين”  بما يمكن من ضمان ايفاء الحركة بالتزاماتها المالية في حال خروجه من موقعه على رأسها وهذه الالتزامات لا تقل عن الـ300 الف دينار شهريا.

قضايا

المتداول ان معاذ غادر البلاد قبل 25 جويلية 2021 باشهر قليلة وتزامنت المغادرة ” مع تنامي التساؤلات حول “ثروة الغنوشي” والملف المالي للنهضة ومع صراع متحدم داخل اجنحة السلطة. في رواية اخرى، تؤكد المعطيات ان الخروج يأتيلاسباب عائلية وعلى ضوء تقلص دور الابن منذ دخول والده مجلس نواب الشعب وانتخابه رئيسا له. امر جعل الابن امام وجوب الاختيار بين مواصلة مرافقة الاب وذلك يعني الدخول من الباب الكبير الى ساحة المشاحنات السياسية والمواجهات في برلمان بلا اغلبية مريحة للغنوشي تقابلها معارضة قوية تقودها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي او الابتعاد القسري الذي كان الافضل في الوضع المتحرك لكرسي الاب المهدد في كل مرة بسحب الثقة منه.

ابتعد “معاذ” فعلا مقارنة بالسنوات الاربع الاخيرة لكنه كان في المقابل عنصرا من عناصر “التشبيك السياسي الهامة” وحتى المحددة. احد المشاركين في مفاوضات تشكيل حكومة الجمني ثم الفخفاخ اكد لـ”الشارع المغاربي ان “معاذ كان مشاركا محوريا في كل الطبخات السياسية التي عرفها المشهد في تلك الفترة” وان “القرارات الهامة المحالة على مصادقة مجلس شورى الحركة كانت ترتب عند معاذ وبتنسيق منه ” وانه اصبح للابن دور سياسي مركزي لا يمكن لاحد انكاره” وان مواقفه باتت معلومة على غرار دفاعه عن ” التحالف مع المنظومة السابقة” في اشارة الى التجمعيين من جهة وما يعرف بمجموعة وزراء بن علي التي كاد احد افرادها ان يصبح رئيسا للحكومة (رضا بن مصباح) من جهة اخرى.

تحوّل معاذ مع ابتعاد لطفي زيتون بسبب اختلافاته مع الغنوشي وخروج رفيق عبد السلام عن الانضباط العائلي والتنظيمي غير المشروطين الى رجل الثقة تقريبا الوحيد لدى رئيس الحركة.  شهادات عديدة من داخل النهضة وخارجها تشير الى ان الثنائي(الأب والابن)مخزن اسرار” وان “بعض الملفات الحارقة تدار بينهما دون سواهما” خاصة مع تتالي الازمات السياسية وتحولها الى صراع مع رئيس الجمهورية. اليوم يغيب ” معاذ” عن ” الاب”  وهو في فترة سياسية مفصلية اخرجت حزبه من الحكم ووضعته موضع ” المخلوع” من البرلمان ومجمد الاموال والممنوع من السفر بقرار قضائي والمهدد بالايقاف باعتبار انه يتم الاستماع اليه في حالة تقديم على الاقل في قضية التسفير الى بؤر التوتر التي تم استنطاقه خلالها لساعات.

يبدو  ان معاذ الغنوشي حاليا في سويسرا اين تقيم عائلة زوجته ابنة احد كبار قيادات تنظيم الاخوان، “علي غالب محمود همت” صاحب الجنسية السورية والذي كان ملف تمكينه وابنته من زواج سفر تونسي احد اولى الملفات التي تمت اثارتها ضد معاذ اثر اجراءات 25 جويلية وكانت سببا في احالة نور الدين البحيري على الاقامة الجبرية قبل ان يتم رفعها دون تقديم اية توضيحات لا حول القضية ولا حول اسباب الاحالة او رفع اجراء الاقامة الجبرية.

تنظر النهضة الى القضايا المثارة والتي ذكر فيها معاذ او راشد الغنوشي او غيرهما من القيادات النهضوية كاستهداف سياسي ممن تمسيهم بـ “سلطة الانقلاب”.  قضايا ثقيلة وخطيرة تتعلق بتبييض اموال وشبهات ارهابية  انضافت اليها مؤخرا قضية تكوين وفاق قصد الاعتداء على امن الدولة الداخلي. من الصعب ان يعود “معاذ” مع هذه القضايا المثارة الى تونس وهو في موقعه بأوروبا بين سويسرا وانقلترا  ” سفيرا لوالده” ومتابعا لملفاته مع اصحاب القرار ومتحصنا بجنسيته البريطانية وبشبكة علاقات واسعة يعود الفضل فيها الى الاب وخاصة الى والد الزوجة الذي لا يستبعد ان يكون من كبار مساندي الحركة ورئيسها في ما يسمونه بـ” المحنة” التي تمر بها بسبب “انقلاب 25 جويلية” ويقول مقرب من “معاذ”  انه مع ”  خروج آمن لوالده من السلطة وحتى من تونس”.

نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ 1 نوفمبر 2022


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING