الشارع المغاربي – من عبر الانتخابات: سَقطة أحمد شفتر أم سَقطةُ قيس سعيّد؟ / بقلم صالح مصباح

من عبر الانتخابات: سَقطة أحمد شفتر أم سَقطةُ قيس سعيّد؟ / بقلم صالح مصباح

قسم الأخبار

9 فبراير، 2023

الشارع المغاربي: ‭ ‬بعد‭ ‬الإقبال‭ ‬الشعبي‭ ‬الهزيل‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الإنتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مَنَّى‭ ‬سعيّد‭ ‬النفسَ‭ ‬بإقبال‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬الدّور‭ ‬الثاني‭ ‬منها،‭ ‬لِيُحتَسَبَ‭ ‬الإقبالُ،‭ ‬حسب‭ ‬منطقه،‭ ‬بالصيغة‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬تُحتَسبُ‭ ‬نتيجةُ‭ ‬مباراة‭ ‬بعد‭ ‬شوطَيها‭. ‬و‭ ‬خاب‭ ‬التهديف‭ ‬في‭ ‬الشوط‭ ‬الثاني‭ ‬و‭ ‬جاء‭ ‬الحاصل‭ ‬كسابقه،‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬مساحة‭ ‬الملعب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خارت‭ ‬اللّياقة‭ ‬البدنية‭. ‬و نسي‭ ‬سعيد‭ ‬الشوط‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬الرقبي‭ ‬فتخيّر‭  ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬تعليلا‭ ‬آخر‭. ‬بيان‭ ‬التعليل‭ ‬أنّ‭ ‬الناخبين‭ ‬قد‭ ‬كرهوا‭ “‬عبثية‭” ‬البرلمان‭ ‬السابق‭ ‬فأعرضوا‭ ‬عن‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬اللاحق‭. ‬و‭ ‬إنّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التعليل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يَنفُق‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬مكابرةً‭ ‬و‭ ‬تجاهلا‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭.‬

1/ المكابرة

أما‭ ‬المكابرة‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬لم‭ ‬ينقطع‭ ‬عن‭ ‬ادعاء‭ ‬أن‭ ‬مساره‭ ‬هو‭ ‬نقيض‭” ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭”‬،‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬25‭ ‬جولية‭ ‬2021‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬البرلمان‭ ‬هو‭ ‬مركز‭ ‬الثقل‭. ‬و‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬ذاك‭ ‬البرلمانُ‭ “‬عبثيا‭”‬،‭ ‬بعبارة‭ ‬سعيد‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬بديله‭ ‬هو‭ ‬البرلمان‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬برلمان‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭. ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضائه‭ ‬إقبالا‭ ‬كثيفا‭. ‬فهو‭ ‬أولا‭ ‬البرلمان‭ ‬البديل‭ ‬الذي‭  ‬يُراد‭ ‬به‭ ‬نسخُ‭ ‬سابقه‭ “‬العبثي‭”. ‬و‭ ‬هو‭ ‬ثانيا‭ ‬برلمان‭ ‬سعيد‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬ترجمان‭ ‬لِمَا‭”‬يُريد‭ ‬الشعب‭”. ‬فكيف،‭ ‬لو‭ ‬صح‭ ‬الأمران،‭ ‬أن‭ ‬يُعرض‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬مُراده؟‭.‬

إن‭”‬الإنتخابات‭ ‬التشريعية‭” ‬الأخيرة‭ ‬ليست‭ ‬دورية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬استقرار‭. ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها،‭ ‬و‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬مسارٍ‭ ‬ذي‭ ‬مراحلَ‭ ‬محدّدةٍ‭ ‬و‭ ‬مفاهيمَ‭ ‬مخصوصةٍ‭. ‬و‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيمُ‭ ‬و‭ ‬تلك‭ ‬المراحل‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬سعيد‭ ‬احتسابا‭ ‬كاملا‭.‬فهي‭ ‬منه‭. ‬و‭ ‬هو‭ ‬قَد‭ ‬صار‭ ‬منها‭. ‬و‭ ‬البرلمان‭ ‬القادم‭ ‬هو‭ ‬بهذه‭ ‬الصيغة‭ ‬برلمانُه‭.‬و‭ ‬قانونُ‭ ‬انتخاب‭ ‬أعضائه‭ ‬قانونُه‭. ‬و‭ ‬الدستور‭ ‬المُتَّبَعُ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دستورُه‭. ‬لذلك‭ ‬فالإعراض‭ ‬الشعبي‭ ‬عن‭ ‬الإقتراع‭ ‬هو‭ ‬إعراض‭ ‬عن‭ ‬سعيد‭ ‬و‭ ‬عن‭ ‬مسارِه،‭ ‬بمراحلِه‭ ‬و‭ ‬مفاهيمه،‭ ‬و‭ ‬عن‭ ‬منهجه‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭.‬

إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬تفيد‭ ‬مكابرةُ‭ ‬سعيد‭ ‬احتمالين‭ ‬اثنين‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما‭. ‬الإحتمال‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬أن‭ ‬برلمانه‭ ‬بديل‭ ‬قويم‭ ‬عن‭”‬عبثية‭” ‬سابقه،‭ ‬مِمَّا‭ ‬أدّى‭ ‬أن‭ ‬يُعرض‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬الإقتراع‭ ‬لهذا‭ ‬البديل‭ ‬الرئاسي‭ ‬عقابا‭ ‬له‭ ‬مُسبقا‭ ‬بذنب‭ ‬سابقه‭. ‬و‭ ‬ما‭ ‬يترتّب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإحتمال‭ ‬أنّ‭ ‬سعيد‭ ‬،‭ ‬رئيسا،‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭. ‬و‭ ‬الإحتمال‭ ‬الثاني‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬قد‭ ‬ضاق‭ ‬ذرعا‭ ‬بالساسة‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬صدارتهم‭ ‬سعيد‭ ‬نفسه،‭ ‬باعتباره‭ ‬الجهة‭ ‬الرسمية‭ ‬الأولى‭ ‬و‭ ‬الوحيدة،‭ ‬و‭ ‬الطرف‭ ‬الوحيد‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬التدبير‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬اختَطّ‭ ‬مسارَه‭. ‬و‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬أيضا،‭ ‬يكون‭ ‬الإعراض‭ ‬الشعبي‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬سعيد‭ ‬الإنتخابي‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬غير‭ ‬واد‭ ‬الشعب‭. ‬و‭ ‬بهذا‭ ‬الإحتمال‭ ‬و‭ ‬ذاك،‭ ‬يكون‭ ‬الإقبال‭ ‬المخجل‭ ‬عن‭ ‬الإنتخابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬إفصاحا‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬سُّلّم‭ ‬الولاء‭ ‬الشعبي‭.‬

2/ المخاطر

أما‭ ‬مخاطر‭ ‬الإعراض‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬يكابر‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬محموله‭ ‬الدّلالي،‭ ‬فمنها‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬إنكار‭ ‬أنّ‭ ‬للأحزاب‭ ‬دورا‭ ‬فيه‭. ‬و‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تَلَوَّى‭ ‬فيه‭ ‬خطابُ‭ ‬مُريدِيه‭ ‬تَلَوِّيًا‭ ‬أرادوا‭ ‬به‭ ‬إظهار‭ ‬أنّ‭  ‬الإعراض‭ ‬الشعبي‭”‬عزوف‭” ‬و‭ ‬ليس‭”‬مقاطعة‭”‬،حتى‭ ‬كأنّ‭ ‬الدافع‭ ‬و‭ ‬النتيجةَ‭ ‬مختلفان‭ ‬اختلافا‭ ‬جوهريا‭. ‬فأين‭ ‬مكمن‭ ‬الخطر؟‭.‬

إن‭ ‬الخطر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ادّعاء‭ ‬أنّ‭ ‬الإعراض‭ ‬لا‭ ‬يعبرّ‭ ‬عن‭ ‬تدنّي‭ ‬شعبية‭ ‬سعيد‭. ‬إذ‭ ‬هو‭ ‬،‭ ‬بعبارة‭ ‬إحداهن،‭”‬المْعَلِّمْ‭”‬الأوحَد‭ ‬المُتعالي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحلقة‭ ‬الإنتخابية‭ ‬من‭ ‬مساره،‭ ‬أي‭ ‬المتعالي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الأمر‭ ‬تَعالِيًا‭ ‬طيفِيًّا‭ ‬لا‭ ‬يَبلُغه‭ ‬إلا‭ ‬المُطَّهَّرون‭. ‬و‭ ‬مَقصد‭ ‬هؤلاء‭ ‬المريدين‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬أنّ‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬يعاديها‭ ‬سعيد‭ ‬لا‭ ‬أنصار‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬لتَقدرَ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تُنَفّذ‭ ‬دعوةَ‭ ‬أحزابها‭ ‬إلى‭ ‬المقاطعة‭ ‬تنفيذا‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الإعراض‭ ‬عن‭ ‬صناديق‭ ‬الإقتراع‭.‬

وللخطر‭ ‬في‭ ‬لَيّ‭ ‬أعناق‭ ‬الحقيقة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬مظاهر‭ ‬أربعة‭. ‬أما‭ ‬المظهر‭ ‬الأول‭ ‬منه‭ ‬فهو‭ ‬تزييفُ‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبيّ‭ ‬العام‭ ‬و‭ ‬الترويج‭ ‬لما‭ ‬ليس‭ ‬منه‭. ‬و‭ ‬هو‭ ‬ترويج‭ ‬يتعمّد‭ ‬به‭ ‬عُمَّالُهُ‭ ‬تغطيةَ‭ ‬أنّ‭ ‬سعيد‭ ‬قد‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬فانفضّ‭ ‬عنه‭ ‬الشعبُ‭. ‬و‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التمويه‭ ‬يتأتّى‭ ‬مظهر‭ ‬الخطر‭ ‬أولا‭ ‬في‭ ‬تزيين‭ ‬الإخفاق‭ ‬تزينا‭ ‬قد‭ ‬يصدّقه‭ ‬سعيد‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬المَيّال‭ ‬إلى‭ ‬تصديقه،‭ ‬فيواصلَ‭ ‬رياضة‭ ‬العدو‭ ‬الريفي‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬المُحَبّبة‭ ‬إليه‭.‬

ويتأتى‭ ‬مظهر‭ ‬الخطر‭ ‬ثانيا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ذاك‭ ‬التمويهَ‭ ‬لا‭ ‬يَنفُق‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يكابد‭ ‬الإخفاق‭ ‬يوميا‭. ‬و‭ ‬إذْ‭ ‬لا‭ ‬ينفق‭ ‬عليه‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يفقد‭ ‬الثقة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬أولئك‭ ‬المريدين‭ ‬المكتسحين‭ ‬لمنابر‭ ‬الإعلام‭ ‬فحسب‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬إنما‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬النّخب‭ ‬و‭ ‬جملة‭ “‬السلطات‭ ‬الوسيطة‭”‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬قاطرة‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬البَنّاء‭. ‬و‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬يطغى‭ ‬لدى‭ ‬الشعب‭ ‬التّعميمُ‭ ‬الخطيرُ،‭ ‬فينفصلَ‭ ‬عن‭ ‬عموم‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬و‭ ‬الإعلامية‭ ‬و‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الفكر‭ ‬و‭ ‬الثقافة‭ ‬و‭ ‬الإبداع‭. ‬فلا‭ ‬جدوى‭ ‬لفكر‭ ‬و‭ ‬نحوه‭ ‬إذا‭ ‬أعرض‭ ‬عن‭ ‬أغلبه‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬بعضه‭ ‬عمومُ‭ ‬الشعب‭.‬

وأما‭ ‬مظهر‭ ‬الخطر‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭  ‬تجاهلُ‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬المزاجَ‭ ‬الإنتخابيَّ‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬سوءُ‭ ‬تقديره‭. ‬فلو‭ ‬استأنسنا‭ ‬بأرقام‭ ‬الإنتخابات‭ ‬السابقة،‭ ‬لحصّلنا‭ ‬أن‭ ‬معدّل‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الإقتراع‭ ‬يفوق‭ ‬40‭% ‬من‭ ‬الناخبين‭. ‬و‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬تقارب‭ ‬نصف‭ ‬المسجّلين‭ ‬هي‭ ‬الكتلة‭ ‬النشيطة‭ ‬انتخابيا‭ ‬على‭ ‬الجملة‭. ‬و‭ ‬لمّا‭ ‬اقترع‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمان‭ ‬سعيد‭ ‬رُبُعُهَا،‭ ‬فإن‭ ‬الأرباع‭ ‬الثلاثة‭  ‬الباقية‭ ‬هي‭ ‬الكتلة‭ ‬الناخبة‭ ‬المتحزبة،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حظوظ‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬منها‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬معلوم‭. ‬و‭ ‬بإنكار‭ ‬سعيد‭ ‬و‭ ‬مُريديه‭ ‬لهذا‭ ‬المعطى،‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أقرّ،‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الغفلة،‭ ‬أنه‭ ‬معنيّ‭ ‬شعبيا‭ ‬مِن‭ ‬رُبُعِ‭ ‬الكتلة‭ ‬الناخبة‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬المُسجَّلين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬0‭,‬8‭ ‬من‭ ‬عموم‭ ‬التونسيين‭. ‬و‭ ‬يُنذِرُ‭ ‬ذلك‭ ‬بوخيم‭ ‬العواقب‭. ‬فالماسك‭ ‬لرأس‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬بالمشروعية‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬الإستقرارَ،‭ ‬و‭ ‬إنما‭ ‬بقوة‭ ‬السلطة،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الاهتزاز‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الإنفجار‭.‬

وأما‭ ‬المظهر‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬فهو‭ ‬أنّ‭ ‬التّمويهَ‭ ‬ذاك‭ ‬يُروّج‭ ‬أنّ‭ ‬ثلاثةَ‭ ‬أرباع‭ ‬الكتلة‭ ‬الناخبة،‭ ‬أي‭ ‬المعنية‭ ‬بالسياسة‭ ‬و‭ ‬مواعيدها‭ ‬و‭ ‬مناسباتها،‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للتأطير‭ ‬الحزبي،‭ ‬وفق‭ ‬مكابرة‭ ‬سعيد‭ ‬الناكرة‭ ‬لأدوار‭ ‬الأحزاب‭. ‬و‭ ‬يكمن‭ ‬الخطر‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإدّعاء‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يَخرُجَ‭ ‬عن‭ ‬التأطير‭ ‬الحزبي،‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬تأطير‭ ‬مدني‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إخوانيا،‭ ‬ثلاثةُ‭ ‬أرباع‭ ‬الكتلة‭ ‬الشعبية‭ ‬النشيطة‭. ‬و‭ ‬إنّ‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخفافا‭ ‬غريبا‭ ‬بخطرِ‭ ‬فرضيةِ‭ ‬أنْ‭ ‬تخرج‭ ‬أغلبيةُ‭ ‬المواطنة‭ ‬النشيطة‭ ‬عن‭ ‬التأطير‭ ‬الحزبي‭. ‬إنها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬مواطنة‭ ‬غير‭ ‬محاطة‭ ‬بالتأطير‭  ‬مما‭ ‬يجعلها،‭ ‬بعبارة‭ “‬جورج‭ ‬بوردو‭”:” ‬مواطنةً‭ ‬غيرَ‭ ‬عقلانيةٍ،‭ ‬مُنفَلتةَ‭ ‬الوجدان‭ ‬انفلاتا‭ ‬يضع‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الكارثة‭”.‬

وأما‭ ‬المظهر‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬الخطر‭ ‬فهو‭  ‬ذريعةُ‭”‬العزوف‭ ‬الشعبي‭ ‬التلقائي‭” ‬الذي‭ ‬يصرّ‭ ‬عليه‭ ‬سعيد‭ ‬و‭ ‬مريدوه‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬العالق‭ ‬بهذا‭ ‬التذرّع‭ ‬إنما‭ ‬قد‭ ‬يُفضي‭ ‬السّعيُ‭ ‬الغبيُّ‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخه‭ ‬إلى‭ ‬ذِروةِ‭ ‬المخاطر‭ ‬المجتمعية‭. ‬فالشعب‭ ‬الذي‭ ‬ينصرف‭ ‬عن‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي‭ ‬الرسمي‭ ‬و‭ ‬الحزبي،‭ ‬كانصرافه‭ ‬عن‭ ‬الإنتخابات‭ ‬عزوفا‭ ‬و‭ ‬إحباطا،‭ ‬هو‭ ‬شعب‭ ‬قد‭ ‬تملّكه‭ ‬اليأس‭ ‬تملّكا‭. ‬و‭ ‬يقول‭ ‬التاريخ‭ ‬و‭ ‬المفاهيم‭ ‬السوسيولوجية‭: ‬لَن‭ ‬يعود‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬و‭ ‬إلى‭ ‬الساسة‭ ‬الحاكمين‭ ‬إلا‭ ‬بمعاول‭ ‬الغضب‭ ‬و‭ ‬العنف‭ ‬الطّليقَين‭ ‬مِن‭ ‬كل‭ ‬تَوجيهٍ‭ ‬و‭ ‬تأطير‭ . ‬و‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لقبول‭ ‬مظاهر‭ ‬الخطر‭ ‬تلك،‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬سقط‭ ‬في‭ ‬انتخاباته‭ ‬الأخيرة‭”‬شفطرُه‭” ‬الأول‭.‬

3/ “شفطتر” مُختصر السقوط

أين‭ ‬نضع،‭ ‬في‭ ‬نطاق‭” ‬الشعب‭ ‬يريد‭”‬،‭ ‬السقطات‭ ‬الإنتخابية‭ ‬للتهامي‭ ‬العمدولي‭ ‬و‭ ‬سرحان‭ ‬الناصري‭ ‬و‭ ‬خاصة‭ ‬أحمد‭ ‬شفتر،‭ ‬فضلا‭ ‬على‭ ‬آخرين؟‭. ‬فإذا‭ ‬صحّ‭ ‬أن‭ “‬عبثية‭” ‬البرلمان‭ ‬السابق‭ ‬قد‭ ‬أثنت‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬انتخاب‭ ‬أي‭ ‬برلمان،‭ ‬فإنّ‭ ‬ادّعاء‭ ‬سعيد‭ ‬امتثالَه‭ “‬لإرادة‭ ‬الشعب‭”‬يكون‭ ‬غير‭ ‬ذي‭ ‬معنى‭. ‬فهو‭ ‬يكرّس‭”‬إرادته‭ ‬البرلمانية‭” ‬النقيضة‭ ‬لإرادة‭ ‬الشعب‭. ‬أو‭ ‬هو‭ ‬متعال‭ ‬عليها‭.‬

وإذا‭ ‬صحّ،‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أخرى،‭ ‬تعليلُ‭ ‬سعيد‭ ‬لإعراض‭ ‬الشعب‭ ‬عن‭ ‬الإقتراع،‭ ‬فإنه‭ ‬بذلك‭ ‬ينأى‭ ‬بنفسه‭ ‬عن‭ ‬إعراض‭ ‬الشعب‭ ‬عنه‭. ‬و‭ ‬هو‭ ‬بذلك‭ ‬أيضا‭ ‬يضمّن‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬أنّ‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬صفّ‭ ‬شخصه‭ ‬دوما‭ ‬و‭ ‬إن‭ ‬أعرض‭ ‬عن‭ ‬الإقتراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البرلمان‭. ‬فلماذا‭ ‬اختار‭ ‬الناخبون‭ ‬القلائلُ‭ ‬مترشحين‭ ‬لا‭ ‬صلةَ‭ ‬لهم‭ ‬بسعيد‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يختاروا‭ ‬أغلبَ‭ ‬مَن‭ ‬لَهُم‭ ‬به‭ ‬صلة،‭ ‬و‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬صدارتهم‭ ‬أحمد‭ ‬شفتر؟‭.‬

لقد‭ ‬اختزل‭ ‬شفتر‭ ‬دائرة‭ “‬مفسري‭”‬طلاسم‭ ‬سعيد‭ . ‬فهو،‭ ‬مفسّرا‭ ‬أول،‭ ‬مركز‭ ‬هذه‭ ‬البدعة‭ ‬المشتقة‭ ‬من‭ ‬مراجع‭ ‬الغيب‭. ‬و‭ ‬هو‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬سعيد،‭ ‬و‭ ‬مُنظر‭ “‬منهاجه‭ ‬و‭ ‬مشروعه‭”‬،‭ ‬و‭ ‬المُلِم‭ ‬بأبعادهما،‭ ‬و‭ ‬المُطِلّ‭ ‬علينا‭ ‬بصورة‭ ‬مستنسخة‭ ‬منه‭. ‬لا‭ ‬بل‭ ‬جعل‭ ‬شفتر‭ ‬نفسه‭” ‬بديلا‭” ‬لسعيد،‭ ‬أي‭(‬doublure‭) ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التماهي‭. ‬و‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬يُفتَرَض‭ ‬أنّ‭ ‬ترشّحه‭ ‬منبثق‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬سعيد،‭ ‬و‭ ‬أنّ‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬انتخابه‭ ‬هو‭ ‬ضمنيا‭ ‬و‭ ‬فعليا‭ ‬إقبال‭ ‬على‭ ‬انتخاب‭ ‬سعيد‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬النسخة‭ ‬طبق‭ ‬الأصل‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬آلَتها‭ ‬الناخبة‭ ‬سقوطا‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬الأصل‭. ‬فكيف‭ ‬ذلك؟‭.‬

إنّ‭ ‬شفتر‭ ‬هو‭ ‬شخصية‭ ‬عامة‭. ‬و‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬كذلك‭ ‬فهو‭ ‬وجوبا‭ ‬ذو‭ ‬وجاهة‭ ‬محلية‭. ‬و‭ ‬ترشحه‭ ‬عن‭ ‬جهة‭ ‬جرجيس‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬سليلها‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬فيها‭ ‬الإسنادَ‭ ‬الإنتخابيَّ‭ ‬المُنجِحَ‭ ‬لو‭ ‬مَثَّلَ‭ ‬فيها‭  ‬شخصَه‭ ‬و‭ ‬ترشّح‭ ‬به‭ ‬عنها‭.‬

لكنّ‭ ‬الناخبين‭ ‬هناك‭ ‬أدركوا‭ ‬بوعي‭ ‬شعبي‭ ‬صائب‭ ‬أنه‭ ‬مترشح‭ ‬عن‭ ‬سعيد‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬الجهة،‭ ‬و‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬شخصه‭ ‬و‭ ‬إنما‭ ‬يمثّل‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬تماهٍ‭ ‬معه‭ ‬كاملٍ‭ ‬و‭ ‬امِّحاءٍ‭ ‬له‭ ‬فيه‭. ‬و‭ ‬بِوَعيهم‭ ‬هذا،‭ ‬فهموا‭ ‬أن‭ ‬انتخاب‭ ‬شفتر‭ ‬هو‭ ‬انتخاب‭ ‬سعيد‭ ‬و‭ ‬الإعراض‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬إعراض‭ ‬عنه،‭ ‬فأسقطوا‭ ‬سعيد‭ ‬بإسقاط‭ ‬شفتر‭.‬

‭ ‬ويتأكد‭ ‬هذا‭ ‬التلازم‭ ‬بين‭ ‬شفتر‭ ‬سعيد‭ ‬أو‭ ‬سعيد‭ ‬شفر‭ ‬بمترشحين‭ ‬آخرين‭ ‬جنَى‭ ‬عليهم‭ ‬احتسابُهم‭ ‬على‭ ‬سعيد‭ ‬فأطاحَت‭ ‬بهم‭ ‬جهاتهم‭ ‬إطاحةً‭ ‬تختزل‭ ‬بصورة‭ ‬أنموذجية‭ ‬انحدارَ‭ ‬شعبية‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬البلاد‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬الأكيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدحضَها‭ ‬تبريراتُه‭ ‬أو‭ ‬بهلوانياتُ‭ ‬مُرِيدِيه‭ ‬أو‭ ‬شعوذاتُ‭ ‬الزرقوني‭” ‬الرقمية‭”.‬

*نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 7 فيفري 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING