الشارع المغاربي – قبضة‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬لخلافة‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ / !‬بقلم: صالح مصباح

قبضة‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬لخلافة‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ / !‬بقلم: صالح مصباح

قسم الأخبار

23 مارس، 2023

الشارع المغاربي: لوزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭ ‬المستقلة‭ ‬محلّ‭ ‬مخصوص‭. ‬فهي‭ ‬رأس‭ ‬الوزارات،‭ ‬ومكمن‭ ‬السلطة‭ ‬الأول،‭ ‬ومحطّ‭ ‬الأنظار‭ ‬الطموحة‭. ‬وإنّها‭ ‬سقف‭ ‬المناصب‭ ‬الوزارية‭. ‬فمن‭ ‬مسكها‭ ‬ارتسم‭ ‬له‭ ‬بعدها‭ ‬نهجان،‭ ‬إمّا‭ ‬الوزارة‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬وإمّا‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬بغير‭ ‬إرادة،‭ ‬اذ‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬استقال‭ ‬منها‭ ‬وزيرها‭ ‬بقرار‭ ‬شخصي‭.‬

وإن‭ ‬استقالة‭ ‬توفيق‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوزارة‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬لها‭. ‬وإنّها‭ ‬‮”‬مفاجئة‮”‬‭ ‬وملغزة‭. ‬هي‭ ‬مفاجئة‭ ‬لأنّ‭ ‬سياقها‭ ‬لا‭ ‬يبعث‭ ‬ظاهره‭ ‬على‭ ‬توقّعها‭.‬‭ ‬وهي‭ ‬ملغزة‭ ‬لأنّ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الوزير‭ ‬المستقيل‭ ‬والرئيس‭ ‬مودّة‭ ‬وثقى‭ ‬وشراكة‭ ‬في‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬ضروس‮»‬‭ ‬لا‭ ‬توحي‭ ‬بتخلّي‭ ‬أحدهما‭ ‬عن‭ ‬ميدانها،‭ ‬إذا‭ ‬سلّمنا‭ ‬بها‭ ‬حربا‭ ‬نقيّة‭.‬

‭ ‬–1‭ ‬قالها‭ ‬ثلاثا

قبل‭ ‬الاستقالة‭ ‬بأيام‭ ‬معدودات،‭ ‬قال‭ ‬شرف‭ ‬الدين:‭ “‬إنّها‭ ‬حرب‭ ‬ضروس”‬‭ ‬على‭ ‬الفاسدين،‭ ‬وهم‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬والاعلام‭ ‬والأعمال‭ ‬الخ‭… ‬قالها‭ ‬ثلاثا‭ ‬ثم‭ ‬كاد‭ ‬يجهش‭ ‬بالبكاء‭ ‬تأثّرا‭ ‬بوجاهة‭ ‬الحرب،‭ ‬وبوجوب‭ ‬‮”‬الالتفاف‭ ‬حول‭ ‬الرئيس”،‭ ‬وعزما‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭. ‬وقد‭ ‬نزّل‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬ولاء‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬لقائده‭ ‬الأعلى‭.‬

لم‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أدنى‭ ‬علامة‭ ‬لاستقالة‭ ‬–‭ ‬أو‭ ‬إقالة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬القريب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬البعيد‭. ‬فلدى‭ ‬العموم‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬اليقين‭ ‬بأن‭ ‬مآل‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الداخلية‭ ‬موصول‭ ‬بمآل‭ ‬سعيّد‭ ‬في‭ ‬قرطاج،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يُثار‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الفتور‭ ‬الذي‭ ‬شاب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجلين،‭ ‬والذي‭ ‬بقي‭ ‬حبيس‭ ‬الاشاعة‭ ‬أو‭ ‬التخمين‭ ‬أو‭ ‬التقدير‭ ‬أو‭ ‬الاستنتاج‭.‬

‭ ‬–2‭ ‬شكل‭ ‬الاستقالة‭ ‬

قال‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬إنّ‭ ‬‮”‬الرئيس‭ ‬خلع‭ ‬عليّ‭ ‬الأمانة‮”،‭ ‬وقال‭ ‬إنّي‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬‮”‬أخلعها‭ ‬عن‭ ‬نفسي‮ ” ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬شكر‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬استأذنه‭ ‬في‭ ‬الاستقالة‭ ‬فأذن‭ ‬له‭ ‬بها‭. ‬وإلى‭ ‬هذا‭ ‬الحدّ‭ ‬تبدو‭ ‬الاستقالة‭ ‬حصيلة‭ ‬اتفاق‭ ‬ودّي‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬ومن‭ ‬أمارات‭ ‬ذلك،‭ ‬فوق‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬شرف‭ ‬الدين،‭ ‬أنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬مكّن‭ ‬المستقيل‭ ‬من‭ ‬مزيّة‭ ‬أن‭ ‬يعلنها‭ ‬بنفسه،‭ ‬وأن‭ ‬ينسبها‭ ‬إلى‭ ‬قراره‭ ‬الشخصي‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الرئيس‭.‬

لكنّ‭ ‬الرئيس‭ ‬تحرّك‭ ‬كعادته‭ ‬ليلا‭ ‬وألغى‭ ‬شكل‭ ‬الاستقالة‭ ‬الذي‭ ‬أبان‭ ‬عنه‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭. ‬فقد‭ ‬أصدر‭ ‬سعيّد‭ ‬بلاغا‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬إعفاء‭ ‬الرجل،‭ ‬إعلانا‭ ‬ألحقه‭ ‬بتعيين‭ ‬خلفه‭. ‬وها‭ ‬هنا،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬قول‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬قول‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يفعمه‭ ‬بالمودة‭ ‬ورطيب‭ ‬المشاعر،‭ ‬لكن‭ ‬الرئيس‭ ‬ردّ‭ ‬التحية‭ ‬بالتي‭ ‬هي‭ ‬أجفّ‭. ‬أو‭ ‬لعلّ‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬الرجلين‭ ‬لم‭ ‬يتضمن‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬‮”الاستقالة‮”‬‭ ‬إعلانا‭ ‬سابقا‭ ‬للبلاغ‭ ‬الرئاسي‭.‬

ومهما‭ ‬كانت‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬فإنّ‭ ‬الأسئلة‭ ‬تحفّ‭ ‬خاصة‭ ‬بالسبب‭ ‬المعلن‭ ‬أو‭ ‬بالأسباب‭ ‬المسكوت‭ ‬عنها‭.‬

‭ ‬–3‭ ‬أسباب‭ ‬الاستقالة‭ ‬

أقام‭ ‬السيد‭ ‬توفيق‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬‮”‬استقالته‮”‬‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬رئيس‭ ‬وحيد‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬العائلي‭. ‬وقد‭ ‬انتقى‭ ‬قياسا‭ ‬بيانه‭ ‬أنّ‭ ‬معوّضيه‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬كثّر،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعوّض‭ ‬أبوّته‭. ‬وتصريف‭ ‬القول‭ ‬هو‭ ‬اقتضاء‭ ‬أن‭ ‬يتفرّغ‭ ‬لابنيه‭ ‬بعد‭ ‬فقدان‭ ‬المرحومة‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬أليم‭. ‬وحرص‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يخلع‭ ‬على‭ ‬كلامه‭ ‬مشاعر‭ ‬إنسانية‭ ‬جيّاشة،‭ ‬ليَنْفُقَ‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬المتقبّلين‭.‬

لكن‭ ‬تماسك‭ ‬هذا‭ ‬السبب‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أكيدا‭. ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تتيقظ‭ ‬فجأة‭. ‬فقد‭ ‬مرّ‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬المرحومة‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬السنة‭. ‬ولا‭ ‬يصحّ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬تذكر‭ ‬فجأة‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬رعايته‭ ‬قصّرا‭ ‬اشتدّت‭ ‬حاجتهم‭ ‬الى‭ ‬ابوّة‭ ‬متفرغة‭ ‬بعد‭ ‬فقدانهم‭ ‬الأمومة‭ ‬اشتدادا‭ ‬مفاجئا‭. ‬فالمرجّح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السبب‭ ‬العائلي،‭ ‬على‭ ‬نبله،‭ ‬هو‭ ‬رافد‭ ‬وليس‭ ‬أصلا‭.‬

إنّ‭ ‬في‭ ‬الحاح‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الداعي‭ ‬إلى‭ ‬‮”‬خلع‭ ‬أمانة‭ ‬الوزارة‭ ‬عن‭ ‬نفسه‮”‬‭ ‬انزياحا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الرّسائل‭ ‬‮”‬المشفّرة‮”‬‭ ‬التي‭ ‬غفل‭ ‬عنها‭ ‬المتابعون‭. ‬قال‭ : ‬‮”‬أمننا‭ ‬أمانة،‭ ‬تونس‭ ‬أمانة،‭ ‬وطننا‭ ‬أمانة،‭ ‬أحلام‭ ‬الشباب‭ ‬الغارق‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬أمانة،‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬قسمه‭ ‬أمانة،‭ ‬الفلاح‭ ‬في‭ ‬أرضه‭ ‬أمانة‭ ‬الخ‭…‬‮”‬‭ ‬فهذا‭ ‬الترديد‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬ما‭ ‬ردّد‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬بمناسبة‭ ‬أداء‭ ‬اليمين‭. ‬فشرف‭ ‬الدين‭ ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬أعاد‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬وقتئذ‭ ‬حرفيا‭ ‬بجملة‭ ‬‮”‬ابتسامة‭ ‬الوليد‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬أمانة‮”‬‭. ‬وقد‭ ‬تلفّظ‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬بهذه‭ ‬الجملة‭ ‬المستعادة‭ ‬حرفيا‭ ‬تلفّظ‭ ‬مخصوصا‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮”‬التنبير‮”‬‭ (‬L’accent/the stress‭) ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬جليا‭ ‬بالالحاح‭ ‬الصوتي‭ ‬وإنما‭ ‬بحركة‭ ‬الرأس‭ ‬وقسمات‭ ‬الوجه‭. ‬هل‭ ‬يذكّر‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬الرئيس‭ ‬بتلك‭ ‬الأمانات‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬‮”‬القاضي‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬أمانة”؟‭ ‬هل‭ ‬يلمّح‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬مهامه‭ ‬أسباب‭ ‬الوفاء‭ ‬بتلك‭ ‬الأمانات‭ ‬تحت‭ ‬إمرة‭ ‬سعيد؟

لعلّ‭ ‬المعلن‭ ‬رسميا‭ ‬وبصفة‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬يفسّر‭ ‬أسباب‭ ‬الاستقالة‭. ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬الوزير‭ ‬‮”‬المستقيل‮”‬‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬صدّا‭ ‬لدى‭ ‬الجهات‭ ‬الأمنية‭ ‬والقضائية‭ ‬حين‭ ‬همّ‭ ‬بمداهمة‭ ‬منزل‭ ‬أحد‭ ‬‮”‬أباطرة‭ ‬التهريب‮”‬‭ ‬ممّا‭ ‬اقتضى‭ ‬أن‭ ‬يتمسّك‭ ‬باستصدار‭ ‬الاذن‭ ‬وبتكليف‭ ‬الأمن‭ ‬مجددا‭ ‬بالمداهمة‭ ‬فجرا‭. ‬ومن‭ ‬المعطيات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬أن‭ ‬شرف‭ ‬الدين،‭ ‬وهو‭ ‬المحامي‭ ‬والحقوقي،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬راضيا‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الايقافات،‭ ‬والتي‭ ‬فسّر‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬برودا‭ ‬مفترضا‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الرئيس‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حقيقية،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬صمت‭ ‬عنها،‭ ‬فإنّ‭ ‬شبه‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬التحرّكات‭ ‬الأمنية،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬المظاهرات‭ ‬غير‭ ‬المرخّص‭ ‬فيها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دوما‭ ‬خيطا‭ ‬منظوم‭ ‬التراتب‭ ‬والتوافق‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬‮”‬والوزير‮”ووالي‭ ‬تونس‭. ‬فبخلاف‭ ‬الرئيس‭ ‬والوالي،‭ ‬يلحّ‭ ‬شرف‭ ‬الدين،‭ ‬ولو‭ ‬بالقول،‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الحقوقي‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬وجوب‭ ‬أن‭ ‬يلازم‭ ‬أداء‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬نستبعد‭ ‬أن‭ ‬بيان‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬الحاد‭ ‬تجاه‭ ‬تونس،‭ ‬والذي‭ ‬وجّه‭ ‬سهمه‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الحصر‭ ‬الى‭ ‬الرئيس‭ ‬والى‭ ‬وزارتي‭ ‬الداخلية‭ ‬والعدل،‭ ‬قد‭ ‬اقتضى‭ ‬‮”‬كبش‭ ‬فداء‮”‬‭.‬

بيد‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬هو‭ ‬تخمين‭ ‬بعيد،‭ ‬اذا‭ ‬وضعنا‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬أن‭ ‬قبضة‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬الأمنية‭ ‬تغلّفت‭ ‬أحيانا‭ ‬تغلّفا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬محلّ‭ ‬استحسان‭ ‬الرئيس،‭ ‬بدليل‭ ‬أنّ‭ ‬خلف‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬أظهر،‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬والي‭ ‬تونس،‭ ‬أنّه‭ ‬نذير‭ ‬قبضة‭ ‬أمنية‭ ‬خشنة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭.‬

‭ ‬–‭4 ‬الوزير‭ ‬الخلف‭ ‬

كمال‭ ‬الفقي‭ ‬ذو‭ ‬سجلّ‭ ‬نقابي،‭ ‬وماض‭ ‬يساري‭. ‬هو‭ ‬من‭ ‬تيار‭ ‬تقدّمي‭. ‬انضمّ‭ ‬الى‭ ‬حملة‭ ‬الرئيس‭ ‬الانتخابية‭ ‬بمعيّة‭ ‬قرينته،‭ ‬فنال‭ ‬المكافأة،‭ ‬وهي‭ ‬ولاية‭ ‬تونس‭. ‬وحالما‭ ‬تسلّم‭ ‬مهامه‭ ‬أظهر‭ ‬ولاء‭ ‬مستزادا‭ ‬للرئيس،‭ ‬وقَلَب‭ ‬لنفسه‭ ‬ظهر‭ ‬المجنّ،‭ ‬وعدل‭ ‬عن‭ ‬سابق‭ ‬تقدّميته،‭ ‬وانخرط‭ ‬في‭ ‬نظيمة‭ ‬الرئيس‭ ‬السّلفية‭ ‬المحافظة‭. ‬وفي‭ ‬اختصاصه‭ ‬الأمني‭ ‬أظهر‭ ‬شدة‭ ‬وغلظة‭ ‬وخشونة‭ ‬وتشدّدا‭ ‬تجاه‭ ‬المظاهرات‭ ‬والمسيرات‭. ‬وسواء‭ ‬كانت‭ ‬القرارات‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬الرئيس،‭ ‬فإنّه‭ ‬مارس‭ ‬مهامّه‭ ‬أو‭ ‬نفّذها‭ ‬بقبضة‭ ‬خشنة‭. ‬ولعلّ‭ ‬التأليف‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬المتفرّعة‭ ‬في‭ ‬أقوال‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭ ‬توحي‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬ماسكا‭ ‬بكوابح‭ ‬الوالي‭. ‬فقد‭ ‬ينذر‭ ‬هذا‭ ‬التكليف‭ ‬بمرحلة‭ ‬من‭ ‬تصعيد‭ ‬التشديد‭ ‬والتضييق‭ ‬والتفويق،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬المزاج‭ ‬المهني‭ ‬الذي‭ ‬أظهره‭ ‬واليا،‭ ‬سيتصاعد،‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الوزارة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬مزاج‭ ‬قد‭ ‬استحسنه‭ ‬الرئيس‭ ‬فاصطفاه‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬ليمسك‭ ‬رأس‭ ‬الوزارات‭.‬

من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬سبب‭ ‬واحد‭ ‬حاسم‭ ‬وراء‭ ‬انهاء‭ ‬مهام‭ ‬شرف‭ ‬الدين‭. ‬فقرار‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬بلورته‭ ‬أسباب‭ ‬شتى‭. ‬ومقابل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬ألاّ‭ ‬تجتمع‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬تعيين‭ ‬خلفه‭ ‬كمال‭ ‬الفقي‭ ‬في‭ ‬سبب‭ ‬واحد‭ ‬رئيس‭. ‬وهذا‭ ‬السبب‭ ‬المرجح‭ ‬هو‭ ‬ولعه‭ ‬بالعمل‭ ‬بلا‭ “‬خزمة‭” ‬ناظمة‭ ‬للمنع‭ ‬والتضييق‭. ‬فلعله‭ ‬شبيه‭ ‬سعيّد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعير‭ ‬اهتماما‭ ‬بالإجراءات‭ ‬والأمارات‭ ‬والقواعد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬استنطاق‭ ‬النصوص‭ ‬الدستورية‭ ‬وفي‭ ‬تحويل‭ ‬نصوصها‭ ‬النهائية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المنهج‭ ‬المتوخى‭ ‬في‭ ‬الايقافات‭. ‬فلعلّ‭ ‬الرئيس‭ ‬المحافظ‭ ‬جدا،‭ ‬الولوع‭ ‬بالسيطرة‭ ‬الفردية‭ ‬قد‭ ‬رأى‭ ‬في‭ ‬الفقي‭ ‬المسكون‭ ‬بيسارية‭ ‬متحفية‭ ‬رجلا‭ ‬يؤمن‭ ‬بـ‭ “‬المركزية‭ ‬الديمقراطية‭” ‬وساعدا‭ ‬خشنا‭ ‬ملائما‭ ‬للمرحلة‭. ‬فكلّ‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬الأقاصي‭ ‬على‭ ‬طريقته‭. ‬لقد‭ ‬اجتمعت‭ ‬بهذا‭ ‬التكليف‭ ‬السلفية‭ ‬الدينية‭ ‬والسلفية‭ ‬اليسارية‭.‬

*نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 21 مارس 2023


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING