الشارع المغاربي-جمال الدين العويديدي -جنات بن عبد الله -احمد بن مصطفى: شهد الأسبوع الفارط تحرّكا مُكثّفا لمُمثّلي خمسة بلدان تابعة لمجموعة السبع دول الغربية حيث تداول يوم الخميس 29 سبتمبر 2022 سفراء المملكة المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا على قصر الحكومة بالقصبة اختُتمت بزيارة سفير الاتحاد الأوروبي وتلته مباشرة زيارة أعضاء مجلس إدارة البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية (BERD) تتقدّمه سارة فاونتن سميث Sarah Fountain Smith كندية الجنسية بصفتها عضو مجلس الإدارة مكلفة بمتابعة ملفات كلا من كندا والمغرب والأردن وتونس وبحضور مديرة مكتب – تونس السيدة نوديرا مانسيروفا Nodira Mansurova. وقد ترأست رئيسة الحكومة اجتماعا مع ممثلي مجلس إدارة البنك بحضور عدة وزراء من الجانب التونسي تترأسهم وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط.
قمة “دوفيل”2011 وسّعت تدخل البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية من أوروبا الشرقية إلى جنوب وشرق المتوسط
قبل الخوض في صلب الموضوع من المهم جدا تقديم لمحة حول البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية. حيث “تم التوقيع على تأسيس هذا البنك بتاريخ 29 ماي سنة 1990 بمبادرة من فرنسا بهدف تعزيزانتقال دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى اقتصاد السوق من خلال تعزيز المبادرة الخاصة” بمعنى واضح السعي إلى خصخصة القطاع العمومي الموروث عن الحقبة السابقة وضم هذه البلدان تدريجيا داخل بلدان التحاد الأوروبي. وهو ما جرى بالفعل. وقد حدد الفصل الأول من القانون الأساسي للبنك جغرافيا منطقة تدخلاته داخل بلدان وسط وشرق أوروبا.
غير أنه في بداية سنة2011 وفي علاقة باندلاع الثورات داخل البلدان العربية جنوب البحر المتوسط وبمبادرة من فرنسا التي ترأست قمة الثمانية في “دوفيل” في شهر ماي 2011، تم اتخاذ قرار توسيع منطقة تدخل البنك مع تسريع التنفيذ ليشمل البلدان العربية باعتباره قرارا أساسيا لما سمي تجسيم “شراكة دوفيل”.
وقد تم تحديد خطوات تدخل البنك على مستوى ثلاث مراحل وهي:
⦁ التدخل الأول يتم من خلال اتفاقيات التعاون المُموّلة من الصناديق الثُنائيّة، تُركّز على المساعدة الفنية وتهدف إلى التمهيد إلى انتصاب البنك في البلد المعني. وهو ما تحقق في تونس سنة 2012
⦁ التدخل الاستباقي ولكنه جزئي من خلال “الصناديق الخاصة” والتي تكون إجراءات تنفيذها أسرع وأبسط.
⦁ وأخيرا التدخل الكامل والشامل للبنك مباشرة. هو ما جرى منذ سنة 2013 حيث انتصب في تونس.
من هي السيدة رينو باسو Renaud-Basso التي تترأس حاليا البنك الأوروبي لإعادة الأعمار والتنمية؟
حتى تكتمل الصورة يجب التذكير أن هذا البنك الأوروبي تترأسه اليوم ومنذ سنة 2020 السيدة رينو باسو Renaud-Basso. وهي بصفتها المديرة العامة للخزينة العمومية سابقا، أشرفت على تطوير السياسات الاقتصادية لفرنسا، ولا سيما فيما يتعلق بالشؤون المالية الأوروبية والدولية والتجارة والتنظيم المالي وإدارة الديون.
و بتلك الصفة شغلت أيضًا منصب نائب رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية الأوروبية للاتحاد الأوروبي، ونائبة مجموعة السبع ومجموعة العشرين، وكانت محافظًا أو محافظًا مناوبًا يمثل فرنسا في البنك الدولي، وفي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وفي بنك التنمية الأفريقي وهي أيضًا رئيسة نادي باريس… المرأة المناسبة في المكان المناسب؟
السفير الفرنسي صرح يوم 11 ماي 2022 أن “تونس وفرنسا ستطلقان قريباً عملية إنشاء “خزينة تونس” Tunisie Trésor ” وإنشاء “وكالة التصرف في المديونية” “َ Agence de Gestion de la Dette”
صرح السفير الفرنسي بتونس ” أندري باران André Parant ” يوم 11 ماي 2022 اثر انعقاد ندوة من طرف جمعية التونسيين خريجي المدارس العليا (الفرنسية) “ATUGE ” حول سبل تنمية العلاقات الاقتصادية التونسية الفرنسية” أن “عملية إنشاء وكالة التصرف في الدين والتصرف في الخزينة العمومية قد تنطلق خاصة بعد ما أعطت وزارة المالية موافقتها”.
للتذكير فإنه تم الإعلان على مشروع إنشاء الوكالتين في سنة 2021 أثناء حكومة هشام المشيشي التي صرحت وفقا لوثيقة لها أن “الوكالة سوف تُمكّن من التصرف الفاعل للخزينة وللدين العمومي للدولة التونسية، بما يخدم مصالح دافعي الضرائب وبشفافية كاملة”. مما يدل على أن هذه الحكومة هي سليلة ما سبقها وهي تُنفذ مبدأ استمرارية الدولة عندما يتعلق الأمر مع الأسف بتنفيذ مشروع الإجهاض على مُقدّرات البلاد. حيث نتذكر زيارة إيمانويل مولان Emanuel Moulin المدير الحالي للخزينة العمومية الفرنسية التي أثارت جدلا وتوجسا لدى الشعب التونسي بتاريخ 21 جانفي 2022 بدعوة من السلطات التونسية حول موضوع المساندة الفرنسية للإصلاحات التي تعتزم تونس القيام بها في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وهي في الحقيقة إصلاحات تمليها بلدان الاتحاد الأوروبي.
كما نلاحظ هناك تعتيم كامل يحوم حول موضوع إنشاء هذه الوكالة الذي إن دل على شيء أيضا فهو يدل على أن البلد غرق في ديون خارجية أصبحت غير قابلة للتسديد “dette insoutenable” خاصة وأن الاقتصاد الوطني أصبح في حالة ركود شبه تام منذ اثني عشر سنة حيث معدل نسبة النمو لم تتعدى % 1,7 بين سنة 2011 وسنة 2019 علاوة على الدخول في حالة انكماش ( % 9 – ) في سنة 2020 اثر اندلاع جائحة كوفيد-19.
التوريد المكثف والفوضوي أغرق البلاد إلى اليوم في مديونية كارثية وعطل تماما المسيرة التنموية في خلق الثروة والتشغيل
التوريد المكثف أغرق البلاد في مديونية غير مسبوقة نتيجة انخراط تونس في شراكة غير متكافئة مع الاتحاد الأوروبي ونتيجة ضغط هذا الأخير بعدم تفعيل آليات الحماية التي خولها كلا من صندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة والفصل 35 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في حالة وجود عجز في ميزان الدفوعات الذي يسهر على إعداده البنك المركزي تحت مراقبة صندوق النقد الدولي.
كما ضغط لوبي الاتحاد الأوروبي المُتكوّن من فرنسا وإيطاليا وألمانيا لمنع تطبيق النشرية السادسة لدليل ميزان الدفوعات في تونس والذي صادقت عليه تونس مثل سائر دول العالم منذ 2008 وتم تطبيقه رسميا منذ 2010. غير أنه إلى اليوم لم يطبق في تونس.
تطبيق النشرية السادسة التي طالبت بعدم احتساب المبادلات التجارية في إطار المناولة للشركات غير المقيمة والمصدرة كليا لأنها لا تسترجع مداخيل التصدير إلى بلد المناولة على أساس أن ملكيتها لم يتم تحويلها إلى مؤسسة مقيمة في تونس كان من شأنه أن يكشف عدم جدية بل أسطورة بل وأكذوبة حتى التصدير إلى أوروبا. غير أن دكتاتورية اللوبي الأوروبي التي ستتضرر من هذا الكشف ضغطت على كل الأطراف الحاكمة بما فيها الإدارة العميقة للتستر على الوضع. إلى درجة أن أصبح بعض المسؤولين السياسيين حتى على مستوى الوزراء وكذلك وسائل الإعلام المنحازة للوبيات الداخلية والأوروبية تسوق في أسطورة الفائض التجاري لصالح تونس مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا تنكيلا في البلاد وفي أمنه الاقتصادي القومي.
وقد لعب البنك المركزي التونسي دور التغطية على هذا الوضع بطريقة يعاقب عليها القانون لجسامة الضرر الذي يجري في البلاد سياسيا واقتصاديا وماليا وخاصة اجتماعيا والحال أن الهجرة السرية استفحلت من شدة اليأس والإحباط في الحصول على العمل في الوطن.
كما أن مسؤولية صندوق النقد الدولي جسيمة في هذا الموضوع حيث يعلم أن تونس لا تطبق النشرية السادسة ويتسر على هذا الخلل. وقد سبق ان طالبنا ممثلي الصندوق الذين وعدوا بطرح الموضوع على السلط التونسية بدون رد إلى اليوم؟
في هذا السياق نلاحظ أيضا الضغوط التي تمارسها وكالات الترقيم السيادي مثلما نشرته مؤخرا وكالة موديز في توقيت مدروس لتركيع الحكومة والشعب.
كما تم نشر خبر عن طريق ديوان العمال بالخارج مفاده أن بعض الدول الأوروبية تنوي منع تحويلات العمال بالخارج بالنظر إلى الازمة التي تعيشها هذه البلدان. غير أن توقيت تسريب هذا الخبر من طرف هيكل حكومي ملفت للاستغراب وهو في الحقيقة يؤشر إلى أن مصادر العملة الأجنبية ستنضب تماما إذا ما لم توافق الحكومة على التوقيع مع صندوق النقد الدولي.
بدو جليا أنها عمليات ترويع وتفزيع خاصة أن الطرف الأوروبي يعاني حاليا من ازمة داخلية هيكلية حادة لذلك أصبح يسارع للإجهاض على الفريسة التونسية ليقدمها بديلا خاصة على مستوى أزمة الطاقة والتغذية التي يواجها مع روسيا.
حسب الإحصائيات الرسمية للمعهد الوطني للإحصاء مجموع العجز التجاري في النظام العام المُعتمد عالميا بلغ 275 مليار دينار بين سنة 2011 وشهر جوان 2022 أي على مدى 12 سنة تقريبا مقابل مجموع عجز في نفس النظام وفي نفس المدة السابقة بين سنة 1999 وسنة 2010 في حدود 91 مليار دينار فقط. حيث تضاعف العجز ثلاث مرات وبفارق نسبة نمو الذي كان بمعدل %4,4 في المدة السابقة مقابل نسبة نمو سلبية حاليا.
إذا ما علمنا أنه ما لا يقل عن %10 من هذا المبلغ مُهرب للخارج أي ما يعادل تقريبا 30 مليار دينار بين سنة 2011 و2022 حسب المقاربة التي نشرها معهد الدراسات السياسية والاقتصادية (PERI) التابع لجامعة مسسوستش الامريكية حول ظاهرة الترفيع في فواتير التوريد والتقليص في فواتير التصدير خاصة في وضع عملة محلية سائرة نحو الانهيار ووضع سياسي مضطرب نتفهم عمق الأزمة التي تتخبط فيها البلاد اليوم.
وبناء على كل ما سبق نطالب الحكومة
⦁ بضرورة مصارحة الشعب والكشف عن حقيقة الازمة المالية والاقتصادية التي تعانيها البلاد
⦁ بعدم الإقدام على تكليف الطرف الفرنسي بوكالة التصرف في الخزينة وفي المديونية وتكليف لجنة وطنية بكفاءات وطنية
⦁ بضرورة الإقرار بأن المديونية الخارجية أصبحت غير قابلة للتسديد مما يستوجب فتح ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وضرورة ترشيد التوريد ورفع المعاليم الديوانية على كل البضائع المستوردة من كل البلدان حتى تتمكن الخزينة العمومية من استرجاع موارد هامة كانت تستعملها في بداية الاستقلال لبناء الاقتصاد الوطني.
⦁ بسحب قانون البنك المركزي لسنة 2016 وتكليف هذه المؤسسة بدورها في تمويل الاستثمار الداخلي في البلاد دفعا للتنمية الحقيقة في خلق الثروة الوطنية والتشغيل.
⦁ وتأكيدا على كل ما تم تقديمه من معلومات وأرقام في هذا النداء نطالب من كل طرف معني أن يرد على هذه المعلومات بالحجة والبيان.
افتتاحية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 اكتوبر 2022