الشارع المغاربي-حاوره- محمد الجلالي:لطالما كان أنصار مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد ومفسرو البناء القاعدي كيانا غامضا اشبه باللغز. يرفضون التنظم ويمقتون التحزب ولا يتوانون عن نعت المنظومة التي حكمت خلال العشرية الأخيرة بمنظومة الشر.
أسبوعية «الشارع المغاربي» التقت يوسف عياد عضو الحملة التفسيرية واحد العناصر الفاعلة في مشروع البناء القاعدي فكان هذا الحوار:
في البداية كيف يمكن لك ان تحدد أبرز ملامح مجموعتكم المعروفة بمفسري مشروع البناء القاعدي؟
نحن أنصار مشروع قائم على البناء القاعدي. انطلق اشتغالنا على هذا الاساس منذ 2011 وحاولنا اقناع السياسيين باعتماده منذ انتخابات المجلس التأسيسي لكننا لم نجد سوى الصد والتهميش والتجاهل من مختلف الاحزاب الى ان كان اللقاء مع الاستاذ قيس سعيد الذي آمن بنا وعبّر عن استعداده لمساندتنا فبادلناه احتراما باحترام ودعما بدعم. وكان مشروع البناء القاعدي الذي يؤسس للانتخاب على الافراد هو الأرضية المشتركة التي وقفنا عليها والتقينا حولها مع الاستاذ الذي كان بدوره قد استمال قلوب الناس وعقولهم وشد الانظار اليه بفضل نظافة يده على عكس منظومة حزبية دمّرت البلاد وفقّرت العباد على مدى عشر سنوات.
ما الفرق بين فكرة اللجان الشعبية التي كانت تنظم العمل السياسي في ليبيا قبل 2011 ومشروع البناء القاعدي الذي جمعكم بقيس سعيد؟
ما يهمنا ان البناء القاعدي يختلف كليا عن الانتخاب على القائمات الذي تسبب طيلة عشر سنوات في صعود افراد وسياسيين غير معروفين الى دفة السلطة فكانت النتيجة فشلا ذريعا في ادارة المرحلة واستشراء كبيرا للفساد وتدهورا لا مثيل له للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
مشروع البناء القاعدي يتركز اساسا على ترشح افراد من مختلف العمادات قبل الصعود الى مستوى اخر سواء كان جهويا او مركزيا اي ان يتم انتخاب قرابة 2071 شخصا على عدد العمادات ثم يتم تكوين مجالس محلية بالمعتمديات تنبثق عنها مجالس جهوية على مستوى الولايات ومجالس مركزية. وعبر هذا النموذج السياسي سنقطع مع خيانة أصوات الناخبين والانقلاب على الوعود لأن الترشح سيكون حكرا على أشخاص اصيلي الدوائر الانتخابية وبذلك سيتاح للناخبين اختيار أشخاص يعرفونهم جيدا وتربطهم بهم علاقات قرابة أو جوار ويحظون بثقة متبادلة. ثم ان عملية جمع التزكيات لن تشهد شراء للإمضاءات مثلما كان يتم خلال عشرية الدمار بل سيكون من اليسير على المترشحين الظفر بتزكيات محيطهم الاجتماعي المتكون من العائلة والأقارب والأصدقاء والجيران وغيرهم. من جهة اخرى سينهض اعضاء المجالس المنتخبة بدور حقيقي لايصال مشاكل وهواجس ومطالب جهاتهم على عكس ما كان يحدث مع النسخ السابقة لمجلس النواب التي اكتفى اعضاؤها بتبجيل مصلحة أحزابهم أو أعرافهم أو حتى من يدفع أكثر.
وبهذا البناء القاعدي ستكون المجالس المحلية والجهوية سيدة نفسها وستتخذ قراراتها التنموية والإدارية وغيرها دون انتظار مصادقة سلطة المركز.
وإجابة عن سؤالك عن هويتنا نحن لن نكون امتدادا لما يعرف باللجان الشعبية ولسنا عصابات قيس سعيد كما يريد البعض توصيفنا زورا وبهتانا.
خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 هل اشتغلتم كمناصرين للمرشح قيس سعيد على تفسير مضمون البناء القاعدي للناخبين؟
بالطبع. عملنا خلال اللقاءات الشعبية على التعريف بمشروع الانتخاب على الافراد لكن اهتمام الشعب لم يكن منصبا على استيعاب افكارنا بل كان ديدنه الوحيد ازاحة منظومة الشر التي خرّبت الدولة.
وهل فسرتم للناخبين انه بانتخاب قيس سعيد سيتم اعتماد نظام سياسي قائم على البناء القاعدي؟
خلال الحملة الانتخابية طغت شخصية الأستاذ قيس سعيد والسمعة الطيبة التي يحظى بها على محتوى مشروع البناء القاعدي فكان بالنسبة لأغلب الشعب المنقذ الوحيد من منظومة الشر التي نكّلت به لسنوات طويلة، فآمن بشخصه ولم يؤمن بمشروعه وغاب عنه أن الأشخاص غير مضمونين بل زائلين على عكس الأفكار التي تدوم وتعمّر طويلا.
وهل يعقل الا يتطرق قيس سعيد خلال حملته الانتخابية الى مشروع البناء القاعدي بينما باشرتم كأنصار حملات تفسيرية لاقناع الناس بجدوى هذا البناء؟
مثلما سبق لي ان بينت، كان تركيز الناس على كيفية التخلص من طبقة سياسية فاسدة ولم تكن لديهم رغبة في الاطلاع على أي برنامج انتخابي بعد ان ملوا الوعود الزائفة والبرامج الفضفاضة فوجدوا ضالتهم في قيس سعيد الشخص لا المشروع.
هل صحيح انكم غير راضين عن بروز وجوه جديدة لإجراء حملات تفسيرية لمشروع الانتخاب على الأفراد؟
ليس بالجديد والغريب ان يتحيّن البعض الفرصة للظهور الإعلامي، بصراحة هناك من لم يساهموا في صعود قيس سعيد ونراهم اليوم ينتقلون من منبر إعلامي إلى آخر ولم يسبق لهم أن انخرطوا في مشروع البناء القاعدي. هؤلاء عملوا على تفسير المشروع بطريقة علوية واستعملوا لغة خشبية وتوجهوا الى النزل الفخمة لتقديم تفاسيرهم عوض النزول الى الاحياء الشعبية والقرى الفقيرة. كما لاحظنا ان عديد الاسماء قفزت الى مركب الرئيس طمعا في منصب معتمد او وال او وزير وسرعان ما انقلب اصحابها على الرئيس وانضموا الى قائمة مشوهيه ومعارضيه. على كل ما يهمنا هو الغاية التي تحرّك من انخرطوا مؤخرا في مشروع الرئيس. ومن كان همه تحقيق مآرب شخصية على حساب مصلحة الوطن ستنكشف نواياه عاجلا أم آجلا. ومن كان يرمي إلى تغيير واقع البلاد نحو الأحسن فهو مرحب به ولو كان ممن انتموا إلى حركة النهضة التي تعتبر أفسد حزب نكل بالشعب. وحتى أكون موضوعيا لا يخلو أي تنظيم من وجود عناصر متعصبة على غرار مجموعتنا التي تضم عناصر ترفض محاورة كل من سبق لهم الانتماء إلى أحزاب أخرى بدعوة أنهم فسدة ولا يمكن التعامل معهم وتسعى الى الاساءة الى صورة الرئيس قيس سعيد عبر شن حملات على موقع فايسبوك لسب وشتم كل من يخالفه الرأي.
كيف تفسّر صراع الاجنحة داخل منظومة البناء القاعدي المدافعة عن قيس سعيد والذي بلغ حد تنفيذ اعتصام امام قصر قرطاج؟
في بداية تشكل مجموعة أنصار الاستاذ قيس سعيد كنا كتلة متكاملة ومتضامنة في ما بيننا بمختلف الولايات الى ان انضمت الينا وجوه جديدة محسوبة على منظومة الحكم السابق فتسبب ذلك في انفراط عقد اللحمة الذي كان يربطنا.
هل تعني انه تم اختراق صفوفكم من احزاب سياسية بعينها؟
هذا الاختراق الحزبي متواصل الى يوم الناس هذا، إذ يواصلون استغلال فئة من اصحاب العقول الضعيفة والنفوس المريضة لبث الفرقة في صفوفنا. ورغم ذلك لا تزال مجموعتنا قوية ومتماسكة في كل العمادات والمعتمديات والولايات، همها الأول تغليب مصلحة الوطن على مصالحنا الشخصية.
ولكن هناك من يتحدث عن استبعادكم كمناصرين لقيس سعيد منذ اليوم الأول لانتخابه رئيسا للجمهورية؟
في البداية لسنا أنصار اي أحد بل مساندين للرئيس لا غير ولم نتعرض الى عمليات اقصاء واستبعاد بل لاحظنا وجود تعيينات محسوبة على هذا الشق او ذاك والأخطر من كل ذلك هو تعيين أشخاص سبق لهم ان نشروا شعار «رابعة» او شعارات إرهابية على صفحاتهم بموقع فايسبوك. هذه التعيينات لم تراع ما تكبّد شعبنا من شهداء وجرحى لعمليات إرهابية خاصة في المؤسستين الأمنية والعسكرية.
من تقصد بهذا الكلام؟
لقد عينوا معتمدين يحملون فكرا تكفيريا على غرار ما تم مؤخرا في ولاية قابس. هل يعقل ان يصل الاستهتار بالمسؤولية الوطنية الى حد تعيين أصحاب فكر إرهابي؟ كيف تمت الموافقة عليه؟ الا يعتبر تعيينه مسا من قواتنا الأمنية والعسكرية؟
ما هي الإجراءات والقرارات التي ترونها ضرورية وعاجلة ولم يتخذها قيس سعيد ابان 25 جويلية 2021؟
وددنا ما داموا يصرّون على تسمية إجراءات 25 جويلية انقلابا لو تحلى بأكثر جرأة وامسك الدولة بقبضة من حديد ولم ينتظر تطبيق القانون من قبل قضاء منشطر الى قضاء للفقراء وآخر للأغنياء. كان على رئيس الجمهورية ان يتدخل في القضاء لإصلاحه وتصحيح مساره. ومثلما تم تدجين القضاء منذ 2011 وتم عزل قرابة 80 قاضيا وأصبحنا نتحدث عن قضاء البحيري فلا مانع لدينا ان يكون هناك قضاء قيس سعيد لمحاسبة الفاسدين والمنكلين بالشعب والمتلاعبين بقوته. فهل يعقل ان يسارع قضاؤنا الى إيقاف مدون في وقت قياسي ويتراخى عن التصدي للحيتان الكبرى من النافذين سواء كانوا سياسيين او رجال اعمال وتكتفي النيابة العمومية بتوجيه استدعاء لاحد الإرهابيين؟ كما انتظرنا ان يبادر رئيس الجمهورية بإقالة كل الولاة والمديرين الجهويين الفاسدين وتعويضهم بكفاءات شابة.
ألمس في خطابكم خيبة أمل من أداء رئيس الجمهورية؟
هذه ليست خيبة أمل ولكننا لاحظنا انه أصبح في شبه قطيعة معنا ومع الشعب ولكنه يبقى الوحيد الذي انصت للشباب وقاسمه همومه وافكاره واماله. ما نريده من الرئيس هو ان يذهب الى ابعد حد في تجاوز منظومة الشر ولو باستعمال القوة عوض انتظار حكم قضائي قد يأتي وقد لا يأتي ابدا. ما نريده هوالنظر بكل جدية في مشاكل تونس الأساسية على غرار ملف الأراضي الدولية المُهملة في ظل شح في الحبوب ومخاوف من ازمة غذائية على المستوى الدولي. وليكن متيقنا اننا كشباب سنكون الى جانبه في السراء والضراء وسنستغل هذه الأراضي ونزرعها ونتعهدها حتى نحقق اكتفاءنا الذاتي من الحبوب.
أي دور لكم كمساندين لمشروع قيس سعيد في انجاز الاستشارة الوطنية الأخيرة؟
دعني أوضح مسألة على غاية من الأهمية. للأسف لم يحسم الرئيس قيس سعيد في شأن منظومة الشر بتركها في الحكم رغم كل الإجراءات التي اتخذها. هذه المنظومة عملت جاهدة على افشال الاستشارة الوطنية. ورغم كل العراقيل والمطبات التي وضعوها شارك في الاستشارة أكثر من 500 الف تونسي بما يعتبر في حد ذاته نجاحا. ثم ان توقيت إنجازها لم يكن بالمناسب في ظل ظروف اقتصادية صعبة وفي ظل فقدان اغلب المواد الغذائية الأساسية التي كانت الشغل الشاغل للتونسيين. صحيح انه لم تتم استشارتنا قبل الشروع في هذا الاستفتاء الشعبي ولكننا وددنا لم تم اختصارها في اربعة أسئلة عوضا عن ثلاثين سؤالا. أما مشاركتنا فقد تعلقت بحملات تفسيرية في الشارع وفي بعض الإدارات والغريب اننا لاقينا صدا من مديرين عامين بلغ حد طردنا من مؤسساتهم عند توجهنا إليهم. كما تعرضنا للعنف وتم تكسير بعض سياراتنا من قبل عناصر ما كان يعرف برابطات حماية الثورة الذين عادوا مرة أخرى الى التحرك. من جانب آخر لاحظنا ان بعض مؤسسات الدولة ادارت ظهرها للاستشارة الوطنية وانها قدمت كل الدعم لحركة «مواطنون ضد الانقلاب «أو للحزب الدستوري الحر على غرار بعض البلديات التي باتت تقف في صف جبهة المعارضة للرئيس. ولعل ما يحدث في مدينتي قابس منذ أشهر من شلل بلدي ابرز مثال على تعطيل مصالح المواطنين والتنكيل بهم.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 5 أفريل 2022