الشارع المغاربي: فتح وزير الداخلية توفيق شرف الدين بمجرد انتهاء الندوة الصحفية التي عقدها يوم امس الاثنين بمقر الوزارة الباب واسعا امام التكهنات والفرضيات بخصوص حيثيات قرار احالة كل من نور الدين البحيري وفتحي البلدي على الاقامة الجبرية. ترك الوزير فراغات في روايته حول خلفيات هذا القرار في ندوة كانت سياسية بامتياز وارتكزت على القادم اكثر من سرد الوقائع والرد على سردية النهضة.
حرص الوزير توفيق شرف الدين يوم امس على تقديم قرار الاحالة على الاقامة الجبرية الذي شكل الحدث السياسي خلال الايام الاربعة الاخيرة، كقرار اتخذه شخصيا يتحمل فيه المسؤولية الكاملة وعلى أنه جاء استنادا الى عمل أمني وابحاث الضابطة العدلية. واكثر من نفي ان يكون القرار صادرا عن حكومة بودن ومن ورائها رئاسة الجمهورية ويؤشر مثلما ذهب الى ذلك العديدون الى انطلاق مسار المحاسبة، اتهم شرف الدين وزيرة العدل بالتخاذل مبرزا انه اعلمها والنيابة العمومية بالملف وانه بقي ينتظر لايام قال انها كانت طويلة وانه تبين له انه لم يكن هناك اي موجب أو داع قانوني لتعطل الاجراءات الادارية والقضائية مبرزا ان ذلك استوجب عليه من باب ما اسماه بالامانة تطبيق الفصل الخامس من الامر عدد 50 المتعلق بحالة الطوارئ.
ما جاء على لسان شرف الدين يوم امس بخصوص خفايا قرار الاحالة على الاقامة الجبرية من جهة واعتزام التوجه للقضاء العسكري من جهة اخرى وتقديم نفسه كصحاب المبادرة والقرار واتهام زميلته في الحكومة بالتخاذل بل وتعطيل الاجراءات كان مفاجئا لمتابعي الشأن الوطني الذين استهان البعض منهم بالتهم المنسوبة لنور الدين البحيري وفتحي البلدي، تهم شدد الوزير على انها تتضمن شبهات ارهاب جدية وعلى أنها تتعلق بمنح جنسيات وجوزات سفر لـ3 اشخاص دون أي احترام للإجراءات الجاري بها العمل والتي تعود لفترة تقلد البحيري منصب وزير العدل وكان خلالها البلدي في ادارة الحدود والاجانب بوزارة الداخلية.
من هما ؟
لمح وزير الداخلية يوم امس الى 3 شخصيات تم منحها جنسيات دون احترام اجراءات بتدخل مباشر من وزيري العدل وقتها نور الدين البحيري والقيادي الامني في وزارة الداخلية زمن حكومة علي العريض فتحي البلدي. القضية تعود على الارجح الى سنة 2013 وخرجت للاعلام وقتها وتتعلق بيوسف مصطفى ندا وعلي غالب محمود همت وهما من ابرز الاذرع المالية لتنظيم الاخوان الدولي وقد يكونان مُنحا الجنسية تباعا، الاول يوم 12 مارس 2013 والثاني يوم 11 جانفي 2013. ورغم التحفظ الكبير داخل الحركة بخصوص حقيقة علاقة المصاهرة التي تجمع ندا بنجل رئيس حركة النهضة معاذ الغنوشي، فانها تطرح بين الفينة والاخرى خاصة عندما يتعلق الامر بملف التمويل.
يقول قيادي سابق في حركة النهضة لـ«الشارع المغاربي» ان المؤكد ان «نجل الغنوشي متزوج بابنة أحد اهم ممولي تنظيم الاخوان» وان «علاقة المصاهرة التي تجمعه بهذه الشخصية النافذة معلومة ومعروفة وانها اشترطت عليه العمل في الخفاء وعدم تقلد أي منصب قيادي سواء في النهضة او في الدولة» مشددا على ان هوية هذه الشخصية قد تكون رجل الاعمال المصري الشهير يوسف ندا الذي «تدخل له الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وانقذه من حكم بالاعدام كان مهددا به في قضية محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر».
القيادي النهضوي السابق الملقب بالصندوق الاسود للحركة يضيف ساردا تفاصيل حول مصطفى يوسف ندا قائلا «هذا الرجل ناكر للمعروف تنكر للزعيم بورقيبة الذي انقذه من حبل مشنقة عبد الناصر ومن ملاحقة اجهزته واكرم وفادته في تونس وسمح له بالتنقل في اوروبا بجواز سفر تونسي كان طوق النجاة له وقتها قبل ان تسحب منه الجنسية بحكم قضائي بقرار من بن علي».
طبعا لا يعرف الكثيرون داخل النهضة بشكل دقيق او حتى عام خفايا ملف تمويل الحزب الذي كان مجرد التداول فيه بأي شكل من الاشكال من «الكبائر» قبل ان تسقط «التابوهات» ويتحول هذا الملف الى عنصر من عناصر الازمة داخل الحركة. فُتح بشكل حاد لأول مرة بعد الثورة بداية سنة 2020 مع ظهور ما سمي بمجموعة الـ100 وبداية التصدع داخل الحركة. خلال تلك الفترة انتفض على الغنوشي بعض المقربين منه العارفين بتفاصيل هذا الملف الشائك والمرتبط، وفق الروايات النهضوية، بعائلة الغنوشي وتحديدا بنجله معاذ ظل الأب والرئيس الفعلي لمكتبه ورجل الكواليس ايضا.
وان كان تم تداول اسم يوسف ندا منذ السنوات الاولى لما بعد الثورة كأحد ممولي الحركة فانه اصبح يذكر باستمرار خلال ازمتها الداخلية الاخيرة وقبلها خلال ازمات تعرض لها عدد من النهضويين في مسار تسوية وضعياتهم العائلية وامتعاض بعضهم من عدم «تحرك قيادات الحركة في السلطة لتسهيل الاجراءات» مثلما حصل مع الثنائي المصري والسوري مقابل «امتيازات مالية» مكنت الغنوشي من بسط نفوذه بالكامل على الحركة طيلة سنوات .
سُربت هذه المعطيات، تقول مصادر موثوق بها لـ«الشارع المغاربي» من هيئة الحقيقة والكرامة ابان ازمتها مع حركة النهضة ايضا وقُدم لرئيس الجمهورية ملف يتضمن «تجاوزات ارتكبتها قيادات نهضوية كانت في السلطة وتسببت في فتنة داخل الهيئة التي توجه اليها نهضويون من ضحايا الاستبداد طلبا لتسوية وضعياتهم العائلية». من تلك الوضعيات نذكر وضعية عائلتين الاولى هاجرت الى الجزائر بوثائق مدلسة خلال ما يسمى بفترة «المواجهة مع النظام» والثانية هاجرت الى سوريا بوثائق مدلسة ايضا هربا من السجن ومن احكام نافذة صدرت في حق بعض من افرادها. سُويت وضعيات وبقيت اخرى تواجه تعقيدات الادارة او عبر التوجه الى العدالة الانتقالية فيما تمتع اخرون بجرة قلم بامتياز التسوية وتناسى «التنظيم» ان ما حدث ماساة جماعية كانت تتطلب «عدالة في المعالجة».
استهانت قيادة النهضة او ما تبقى منها بحالة الغضب والاحتقان «والغبن» التي سادت مع ظهور طبقة بورجوازية داخل الحركة اصبحت لها بفضل «كرامات الشيخ» ارتباطات في الخارج مكنتها من دخول عالم الاثرياء والتمتع ببذخ ولذة الحياة الدنيا. كلمة السر كانت يوسف ندا الملياردير المصري الذي كان مصنفا في قائمات الارهاب بعد ان اتهمته الادارة الامريكية بتمويل هجمات 11 سبتمبر 2001 وصنف كأحد اهم ممولي تنظيم الاخوان.
عاد الملف ليطفو على السطح منذ ندوة وزير الداخلية يوم امس الذي اكتفى بالتلميح واكد ان الرأي العام سيفاجأ بالقرابة الاسرية في اشارة الى ما يتداول حول علاقة المصاهرة التي تجمع الغنوشي بيوسف ندا وهي علاقة تُنفى باستمرار مثلما ذكرنا. وندا هو رئيس مجلس ادارة بنك التقوى ويحمل بالإضافة الى الجنسية المصرية الجنسية الايطالية ويقدم كمكلف بالعلاقات الدولية في جماعة الاخوان المسلمين وكان قد اكد في احد حوارته مع قناة «الجزيرة» علاقته بالتنظيم التي كانت وراء ايقافه مع مجموعة من قياداته في قضية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر وافرج عنه بعد ان قضى سنتين في السجن واقام بعدها في فيينا ثم في ليبيا واصبح بعد ذلك في سنوات احد كبار رجال الاعمال.
اما الشخصية الثانية علي غالب همت، فلا يختلف مساره عن مسار صديقه وشريكه يوسف ندا وهي علاقة تواصلت مع الابناء الذين يباشرون «بزنس» الابوين المتعلق خاصة بالقطاع المصرفي والتي انطلقت بتأسيس بنك التقوى سنة 1988. وتداولت صحف عربية وخليجية خاصة ابان تصنيف الاخوان المسلمين كتنظيم ارهابي تفاصيل عما يسمى بالذراع المالي لهذا التنظيم ذكرت منها ان العمليات تتم خاصة عبر بنك التقوى وهو أول بنك إسلامي يعمل خارج الدول الإسلامية، واعتمدت عليه الجماعة في تمويل أنشطتها وان «ندا» دمج أمواله مع أموال صديقه «غالب همت» أحد أهم قيادات جماعة الإخوان في أوروبا.
وترأس همت الجمعية الاسلامية في المانيا وحكم عليه غيابيا بـ 10 سنوات سجنا خلال فترة الرئيس الراحل حسني مبارك ومكنه محمد مرسي سنة 2012 عند تقلده الحكم من عفو رئاسي خاص.
للمتابعة
تحفظ الوزير توفيق شرف الدين عن تقديم معطيات حول الشخصيات التي منحت جنسيات وجوزات سفر لكنه اكد في المقابل أن هوياتهم وعلاقاتهم الاسرية ستشكل المفاجأة حال الكشف عنها. وفي انتظار التأكيد الرسمي لما يتداول حول هذا الملف الذي سيكون، في صورة ثبوت ما يتداول حول هويات المعنيين بالحصول على جنسيات دون أي احترام للاجراءات، منطلق فتح ملف تمويل حركة النهضة.
وبالعودة الى ملف الجنسيات، من المرجح ان تشمل الابحاث حوله ما كشفت عنه هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي التي كانت قد اكدت على لسان الاستاذة ايمان قزارة في شهر فيفري 2021 ان «النهضة عمدت الى تجنيس طلبة تابعين لحركة حماس ودعمهم بالمنح» مشددة على أن «المسؤول عن العملية كان مستشارًا للقيادي في الحركة الراحل المنصف بن سالم خلال فترة توليه وزارة التعليم العالي في حكومة الترويكا الاولى».
وبخلاف هذا الملف يطرح ملف اخر يتعلق بشكاية كانت قد اثارتها السلطات السورية بخصوص شبهات تتعلق بجوزات سفر ممنوحة لارهابيين تونسيين تم كشفها ضمن شبكات التسفير لبؤر التوتر وقدمت تفاصيل حولها لوفود تونسية زارت دمشق والتقت بمسؤولين سوريين منهم الرئيس بشار الاسد.
ندوة شرف الدين اثارت الجدل بسبب عدم وضوح الرواية الرسمية حول خفايا احالة البحيري والبلدي على الاقامة الجبرية وخروج الوزير في ثوب قاض وان حاول انتقاء عباراته بعناية وخانته في المقابل ملامحه وحالة الارتباك التي بدا عليها. يبقى هذا الموضوع للمتابعة وقد يكون مفصليا بالنسبة لشرف الدين الذي حمل نفسه كل المسؤولية.
والملف على غاية من الخطورة ان تاكدت طبعا هويتي الحاصلين على الجنسية بالنظر الى الدور الموصوف بالمشبوه الذي يلعبانه في تمويل تنظيمات صنفها عدد من الدول بالإرهابية.
نشر بأسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 4 جانفي 2022