الشارع المغاربي: اعتبر فانسون جايسر Vincent Geisser عالم الاجتماع الفرنسي والخبير في العلوم السياسية والباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية والمختص في شؤون العالم العربي أن تونس ربما تكون مقبلة على منعرج وربّما قطيعة في تاريخها المعاصر مرجّحا ان يصبح الجيش لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية بالبلاد.
وقال جايسر الذي أشرف على تأليف كتاب “تونس: دمقرطة فوق كل الشبهات؟” الصادر عن المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية (دار نشر نيرفانا) ردّا على سؤال طرحته عليه مجلة Le Courrier de l’Atlas (بريد الأطلس) وجاء فيه : “يرى متابعون لتطور الأوضاع بتونس ان هناك لدى المحللين “زاوية ميتة” بخصوص الدور الأساسي للجهاز الأمني والعسكري بتونس في انقلاب 25 جويلية 2021 وفي تواصله… هل تعتقدون ان هذا الدور حاسم بشكل يفوق سيطرة قيس سعيد على مجرى الاحداث؟” : “رغم الشرعية الشعبية القوية التي يستمدها من التصويت المباشر لصالحه (هو افضل رؤساء الجمهورية الثانية انتخابا) وتوظيفه الماهر نسبيا للأزمة السياسية والاجتماعية والصحية فإنه من الواضح ان سلطة قيس سعيد تعتمد اليوم على تحالف مع قطاعي الجهاز الأمني الرئيسيين (وزارتا الدفاع والداخلية). وقد مكّنه دعم كبار المسؤولين الأمنيين بالبلاد في أقل من عام من إلغاء المؤسسات الديمقراطية المتمخضة عن ثورة 2011 وتحييد قدرة معارضيه على الاحتجاج ووضع المجتمع التونسي تحت الرقابة وفي النهاية من تغيير النظام عبر دسترة شكل من الديمقراطية الهجينة تجمع بين الاستفتاء والاستبداد والهوية. واذا كان صحيحا ان هذا المشروع السياسي والمجتمعي من تصور الرئيس سعيد وانه ليس نتيجة املاءات اجندة مفروضة من طرف القوى الأمنية فإن تجسيمه لا يمكن ان يتم الا بدعم من الشرطة والجيش اللذين يتحكمان في مناطق البلاد ويحكمان قبضهما على القطاعات الحيوية بالمجتمع (…).
ثم ان قيس سعيد يعتبر ان له مهمة سماوية Messianique للانجاز وأن لا شيء يمكن ان يوقفه عن تنفيذها. وفي هذا الصدد ختم بالشمع الأحمر على الشعبية التي حازها اثر انتخابات أكتوبر 2019 وانقلاب 25 جويلية 2021 والتي يرى انه بات من المستحيل الطعن فيها. ومن هذا المنظور هو يعتبر ان شعبيته لم تعد انتخابية فحسب وانما شبه ربانية مثلما شددت على ذلك أستاذة القانون سناء ابن عاشور”.
وأضاف جايسر : “مع ذلك، لو فتحنا الصندوق الأسود للسلطة في تونس لاتضح لنا أن الوضعية أعقد من ذلك. ذلك أنه على قيس سعيد تقديم ضمانات للمسؤولين عن الجهاز الأمني الذين يساندونه في سياسة “الإنقاذ الوطني” ولكن ليس مقابل أي ثمن. الأدهى من ذلك أن المسؤولين الأمنيين ينظرون الى هذه المهمة الرئاسية كتفويض محدود الأجل بينما يرى الرئيس ان لا سقف زمنيا لها بما يعني أنه تفويضا على مدى الحياة. ومن هذا المنطلق يمكن قراءة بنود هذا التفويض كالآتي : “تطهير” البلاد من كل العناصر التي ينظر اليهم كمشوشين وكعوامل فوضى. والى حدّ الآن يبدو ان سعيد نجح في إرضاء حلفائه الأمنيين ولكن الى متى؟ فإمكان فقدان بعض المواد الأساسية الذي تشهده البلاد منذ عدة أسابيع مثل السكر والقهوة والأرز والفرينة الى جانب ضعف أداء الإدارة التي لم تعد تتلقى توجيهات واضحة من طرف الحكومة والتدهور السريع المسجل على مستوى الوضع الاجتماعي والاقتصادي بعديد الجهات تغيير المعطيات. وحاليا يحاول قيس سعيد التغطية على هنّاته في ميدان السياسات العمومية بخطاب شعبوي مركز على ادانة يومية للفساد والغش مقدما كأكباش فداء “السياسيين المحترفين” (أي الأحزاب ونواب البرلمان المحلّ) وأصحاب مؤسسات يقول انهم يعملون بطرق ملتوية وحتى المصدرين والباعة بالجملة وصغار التجار الذين حسب كلامه يخزنون المواد الغذائية لممارسة الاحتكار وتجويع الشعب. وهذا خطاب كاريكاتوري وساذج يفسر الازمة الاجتماعية بتصرفات إجرامية لأقلية من رجال أعمال ربما يعملون ضد الشعب والدولة. والى حدّ الان يلقي هذا الخطاب الشعبوي صدى لدى شرائح واسعة من المواطنين الذين يصدقون رواية وجود أعداء داخليين يتآمرون على مصالح تونس. لكن هذا الخطاب الرئاسي المبني على الاتهامات لا يحل اية مشكلة وقد يؤدي الى تفاقم الوضع عبر خلق مناخ عدم طمأنينة واسعة النطاق لدى الفاعلين الاقتصاديين بالبلاد الذين تتزايد مخاوفهم من التعرض لانتقام شعبي (شتائم، اعتداءات جسدية، تحطيم تجهيزات الخ) والتتبعات القضائية (احتفاظ، ادانة واحكام جزائية)”.
وتساءل جايسر في ختام جوابه : “الى أيّ مدى يمكن لـ “الرعاة الأمنيين” لانقلاب 25 جويلية 2021 قبول الخلل الذي يضرب الجهاز الإداري وتعطيل السياسات العمومية بفعل تدخلات رئاسية غير ملائمة ولا مضبوطة؟” قبل أن يجيب : “لا يمكن استبعاد سيناريو عودة القبضة الأمنية خلال الأشهر القادمة لا سيّما ان مخابرات الجيش عززت بشكل غير مسبوق تموقعها في إدارة شؤون البلاد. وقد يمثل ذلك منعرجا حقيقيا بل وحتى قطيعة في تاريخ تونس الحديث قد يصبح معهما الجيش لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية”.
نشر باسبوعية “الشارع المغاربي” الصادرة بتاريخ الثلاثاء 18 اكتوبر 2022