الشارع المغاربي – اليوم انطلاق إصلاحات عميقة وربما ثورة في القضاء؟ / بقلم: كوثر زنطور

اليوم انطلاق إصلاحات عميقة وربما ثورة في القضاء؟ / بقلم: كوثر زنطور

قسم الأخبار

9 مارس، 2021

الشارع المغاربي: من المنتظر ان تصدر اليوم قرارات هامة من المجلس الاعلى للقضاء قد تشكل منعرجا في مسار الانتقال الديمقراطي من خلال الدفع  في اتجاه انطلاق اصلاحات عميقة او ثورة مثلما يسميها البعض ممن يتابعون التطورات الحاصلة  في السلطة القضائية بتفاؤل حذر وخاصة بتوجس من مآلات حرب ملفات خطيرة احتدت خلال الاسابيع الاخيرة وزادت معها مخاوف من وأد مسار تصحيحي تاريخي يتم عبر صفقة تبرم بين اجنحة قضاة محل تتبع ومن ورائهم اصحاب المصالح السياسية والمالية واللوبيات النافذة وايضا يعض كبار مسؤولي الدولة.

يعقد المجلس الاعلى للقضاء اليوم الثلاثاء 9 مارس 2021 اجتماعا يوصف داخل الاوساط القضائية بـ”المصيري” باعتبار انه سينظر في التقرير المحال من قبل التفقدية العامة بوزارة العدل حول الاتهامات الموجهة لرئيس محكمة التعقيب الطيب راشد ولوكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي بالاضافة الى ملفات اخرى تهم 14 قاضيا تتعلق بهم شبهات فساد مالي وشبهات جرائم تتعلق بقضايا ارهابية .

ضغوطات غير مسبوقة

اجتماع اليوم يعقد تحت ضغوطات عالية شملت حتى أعلى هرم في السلطة ،الاسمان الاكثر تداولا في الكواليس هما رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي اللذين وان اختلفت اجنداتهما في محاولة التاثير على” معركة القضاة” فان هذا التدخل يبقى مرفوضا وخطيرا ويهدد بافشال ما يرى فيه  كثيرون بداية ثورة ستحرر القضاء من ” قبضة” الساسة وتضعه على السكة الصحيحة والمنشودة .

وشكل تقرير التفقدية العامة لوزارة العدل بخصوص المآخذ والتهم المنسوبة للطيب راشد والبشير العكرمي منطلق هذه الضغوطات غير المسبوقة والتي مورست على اكثر من صعيد بسبب مضامين هذا التقرير الثقيل من حيث ادانات بالفساد على عدة مستويات سياسية وقضائية ومالية وارتباطها بأخطبوط يضم قضاة وشبكات نافذة سياسية ومالية واعلامية  . 

التقرير مؤشر عليه بـ” سري مطلق” ووصل الى المجلس الاعلى للقضاء منتصف شهر فيفري المنقضي مرفوقا بتعليمات بمنع نسخه لأي عضو من اعضاء المجلس . ويبدو ان احالته كانت وراء التعجيل بإقالة وزير العدل محمد بوستة الذي كان مكلفا من قبل رئاسة الجمهورية بمتابعة الملفات والشكايات الواردة على التفقدية العامة للوزارة واحالتها للبت فيها ” دون اي تأخير” .

وبخلاف الطيب راشد والبشير العكرمي ، تمت احالة ملفات تتعلق بـ14 قاضيا منهم مرشحين سابقين لوزارة الداخلية ، احدهما يواصل الى اليوم مهامه كمستشار لرئيس الحكومة هشام المشيشي ، والثاني ابتعد عن المشهدين القضائي والاعلامي بعد ان اصبح بشكل واضح محسوبا على طرف سياسي بعينه ، وضربت بذلك مصداقيته واستقلاليته كقاض وايضا كأحد الواجهات الرسمية المتحدثة باسم أهم الاجهزة القضائية على الاطلاق من حيث ثقل القضايا التي تنظر فيها.

ورغم خطورة الاتهامات ، فان الانقسام داخل المجلس الاعلى للقضاء وحالة الاصطفاف وخاصة تداخل الملفات قد تنتهي بالتوصل الى صفقة تنقذ المشتبه في تورطهم في فساد مالي واخلاقي وفي التلاعب بمسارات قضايا ارهابية والابتزاز والتنكيل وأيضا التستر على جرائم مالية ، مما دفع ببعض القضاة للدعوة لوضع هذا التقرير أمام الرأي العام حتى لا ينتهي بالقبر  .

ويبدو ان للمخاوف من “التوصل لصفقة” مبررات ، منها التأجيل المتواصل من قبل المجلس الاعلى للقضاء في البت في التقرير الوارد عليه منذ شهر والذي انطلقت اشغال التقصي بخصوصه منذ ما يقارب الاربعة اشهر ، ومنها ايضا حرب ملفات بين أجنحة القضاة استعملت فيها كل الاساليب القذرة وهي من الممارسات التي باتت معهودة للأسف وذكرت حتى في شكايات تم تسريبها مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي .

بين قيس والمشيشي

تحول ملف تقرير التفقدية الى حرب خفية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي. سعيد يُنظر اليه كدافع نحو استكمال المسار عبر تحمل المجلس مسؤولياته تجاه الإدانات الخطيرة التي تواجه ما يسمى بكبار القضاة ،والمشيشي يعتبر واجهة لحزامه البرلماني ومدافعا بالتالي عن مصالحه ، والمعلوم ان الحزام او الوسادة يضم اهم حزبين متهمين بتشكيل شبكة من القضاة مكلفين بخدمة أجنداتها السياسية والمالية قبل ان تتحول هذه الشبكات الى قوة تتجاوز سلطة الدولة .

الاول هو حزب حركة النهضة والذي نجح في تشكيل شبكة موالين في القضاء منذ فترة اشراف نور الدين البحيري على وزارة العدل ، ويتصدر هذه الشبكة ، حسب هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، وكيل الجمهورية السابق للمحكمة الابتدائية بتونس البشير العكرمي . اما الحزب الثاني فهو  حزب تحيا تونس الذي تقول الروايات انه تمكن خلال سنوات من حكم رئيسه يوسف الشاهد من ” التنظم” في القضاء عبر شبكة يقودها رئيس محكمة التعقيب الطيب راشد. .

رهانات هذه الحرب الخفية قد تكون محددة ومصيرية . فسقوط  هذه الشبكات النافذة لن يكون بداية اصلاح في القضاء فقط وانما قد يكون منطلقا لاعادة ترتيب المشهد السياسي ، لذلك تعددت الضغوطات ونزل مختلف المتدخلين من رجال اعمال واطارات عليا في الديوانة ونواب وسياسيين واعلاميين وحتى قيادات بعدد من المنظمات بثقلها في محاولة للتاثير في هذا الملف الذي تتشابك فيه المسارات وتتقاطع فيه المصالح .

فمن جهة ، يُتهم الطيب راشد بالسعي للافلات من اية تتبعات عبر تسخير نفوذه داخل التفقدية التي كان على راسها طيلة 15 سنة ، حسب مجموعة من القضاة اطلقت على نفسها مجموعة ” حراك القضاة”  التي اصدرت يوم امس بيانا تحت عنوان” إما فساد وإما حياة” وقع عليه 60 قاضيا طالبوا فيه “مجلس القضاء العدلي باتخاذ قرار في إزاحة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب من منصبه وإعلان شغور الخطة وذلك كحدّ أدنى من الإجراءات في شأنه بالنظر لما يُنسب له من اتهامات خطيرة” 

وحذروا في بيانهم من ” أي انحراف بالموضوع أو التفاف أو تلاعب أو تعويم أو مقايضة أو مماطلة أو تسويف في اتخاذ القرار بخصوص الطيب راشد في اجتماع اليوم ” منبهين من” مزيد تمطيط القضية أو تحويلها حصرا إلى المسار التأديبي بما يُعدّ تحصينا مضاعفا للرئيس الأول والتفافا على إجراءات محاسبته وتمكينا له لفترة إضافية تستغرق أشهرا أخرى على الأقل يحافظ فيها على سطوته الإدارية على القضاة المكلفين بالبحث في ملفه التأديبي”.

اما العكرمي ، فيحظى بدعم سياسي معلوم ، وايضا بمساندة من جمعية القضاة ، التي بينت بوضوح اصطفافها في المعركة بين العكرمي والطيب راشد  ، والجمعية تحاول بمعية  ” مجموعة الحراك” دعمه عبر التشكيك في تقرير التفقدية وضرب مصداقيتها ومصداقية المجلس الاعلى للقضاء خاصة ان التوازنات الحالية صلب هذا الهيكل تشير الى ضعف ثقل ونفوذ الجمعية ومن ورائها العكرمي للتاثير في قرارته ، ومن هنا يمكن فهم الحملة التي شنت على  المجلس ووصلت الى حد  نعته بالمجلس الاعلى للإفساد.

ودفاعا  عن العكرمي ، المتهم وفق شكايات الطيب راشد بالتلاعب بملف الاغتيالات السياسية وبتوظيف الاجهزة القضائية الراجعة له بالنظر عندما كان وكيلا للجمهورية، يتم التشكيك في نزاهة اعمال التقصي التي قامت بها التفقدية العامة في علاقة بملفه عبر اتهامها بانها أداة يتحكم فيها الطيب راشد .

من هذا المنطلق ، يتم التسويق الى ان “الادانات الخطيرة” الموجهة للعكرمي  تتطلب فتح تحقيق في ملابسات  اعداد تقرير التفقدية لما شابه ، حسب جماعة العكرمي ، من تعويم بهدف ايجاد منفذ لصفقة محتملة تنطلق  بوضع الرجلين على قدم المساواة من حيث خطورة التهم . 

اجتماع اليوم قد ينتهي باصدار قرارات جريئة وغير مسبوقة  تكون بمثابة اعادة الاعتبار لسلطة القضاء تيدأ بالتبرئ من الانحرافات التي لوثت صورته وجعلته يبتعد عن اداء دوره في تنقية المناخ السياسي ،وحولته بفعل  بعض “المارقين” الى اداة تُوظف من قبل أصحاب النفوذ السياسي والمالي .

 ما يحدث اليوم هو فرصة حقيقية للاصلاح شريطة  ابعاد هذه المعركة  الهامة عن  أي تدخل سواء من رئاسة الجمهورية  او من رئاسة الحكومة التي قد تجد نفسها مورطة ، لحسابات البقاء ، في تبييض جرائم  تدنيس المرفق القضائي وتثبيت سياسة الافلات من العقاب .

الكرة اليوم في ملعب القضاة للدفاع فعلا عن استقلاليتهم ولإيقاف اية محاولات للدخول على الخط من قبل أي طرف مهما كان وفضحها بشجاعة والخروج عن اصطفاف اضر بشكل كبير بالسلطة القضائية .

 منعرج حقيقي لانقاذ ما يمكن انقاذه دون حسابات سياسية او قطاعية يمر عبر اجهاض اية صفقة او سياسة كبش الفداء من خلال محاسبة على المقاس .

نُشر باسبوعية “الشارع المغاربي” في عددها الصادر بتاريخ الثلاثاء 9 مارس 2021


اقرأ أيضا

الشارع المغاربي


اشترك في نشرتنا الإخبارية



© 2020 الشارع المغاربي. كل الحقوق محفوظة. بدعم من B&B ADVERTISING