الشارع المغاربي-أنس الشابي: مقاومة الفساد هو المصطلح الذي دأب رئيس الجمهورية على استعماله منذ حملته في الانتخابات الرئاسية إلى حدّ الساعة، غير أنني لمّا اطلعت على قائمة المدعوّين إلى اللجنة الاستشارية المكلّفة بإعداد “دستور الجمهورية الجديدة” وجدت أنه ليس ضمن المقاييس التي اعتمدت لاختيار الأسماء مقاومة الفساد، ولا يخلو الحال من أمرين: إما أن الرئيس اختار بعض من لا يتوفّر فيهم شرطه إرضاء لهذه الجهة أو تلك أو أن له فهما خاصا للفساد وهو الأقرب إلى التصديق، فالفساد لدى رئيس الدولة ليس هو الفساد في معناه اللغوي الذي يشمل الرذائل الأخلاقية والسلوكية المجرّمة قانونا وعرفا وتأباها النفوس السليمة بل ينصرف معناه إلى معارضة خيارات الرئيس. فالفاسد هو المعارض والمخالف لِما يرى رئيس الدولة. أمّا الصالح فهو المساند لشخص الرئيس وليس لخياراته. ولعلّ أبرز مثال على ذلك المفسرون الذين يتبارون في شرح متن رئاسي لا وجود له وما زال في حكم المعدوم إلى اليوم ونحن على أبواب استفتاء. والمتأمل في أعضاء اللجنة المذكورة يلحظ أنهم جميعهم ساندوا الرئيس وانصرفوا عن الخيارات التي دافعوا عنها سابقا دون أن يتمّ ذلك وفق آلية النقد الذاتي وفي انسجام معرفي واتساق فكري، إذ لا حرج في أن يغيّر الإنسان موقفه بهدف تجويده أو تكوين تحالف. أما أن ينقلب من الموقف إلى نقيضه دون مقدّمات أو تفسير أو تحليل فذلك ما يؤشر على فساد سياسي هو الأشد خطورة من بين كل أنواع الفساد. ولعلي لا أجانب الصواب إن قلت إن وجود عماد الحمامي في اللجنة لكتابة ما سمي “دستور الجمهورية الجديدة” هو المثال الأسطع على ما ذُكر. فالحمامي:
1) عضو المكتب التنفيذي للفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين،أحيل على لجنة النظام في شهر سبتمبر 2021 أي بعد قرارات 25 جويلية المجهضة التي كانت بمثابة إعلان وفاة لفرع لم يدفن إلى حدّ الآن. أيامها شنّ عماد الحمامي حملة استهدفت شيخه الغنوشي محملا إياه مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الحركة. لِمَا ذُكر لا يُحمل موقف الحمامي الجديد على محمل الجدّ لأنه من النوع الذي يقفز من السفينة قبل غرقها ولأنه يعلم جيدا أنه لن يجد من سيرحّب به سوى الذي قدّم له الخدمات مجانا. لم يكن أمامه سوى سفينة قيس فقفز فيها وأكثر من مدحيّاته له بسبب وبلا سبب ممّا هو منشور ورائج بين الناس. وقد ذكرتني تصريحاته بكتابات بعض ثورجيي هذا الزمن البائس كصالح عطية الذي أفرط واختص في مدح زوجة الرئيس السابق وهي التي كتب عنها أحدهم كتابا سمّاه “من عليسة إلى ليلى بن علي”، هذا النوع من البشر هو الأخطر لأنه يفسد الحاكم ويحيي فيه نرجسية لا تعالج.
2) لم نقرأ لعماد أي نص مكتوب أو مساهمة فكرية من شأنها أن تكشف حقيقة الرجل. فباستثناء التصريحات الصحفية التي لا تكون مبنية على رؤية وتحليل لا نجد له أي جهد فكري يبرّر الثقة في ما يقول. من ذلك أنه صرّح في برنامج “وحش الشاشة” بأن التحالف بين عبير والغنوشي ممكن مستقبلا(1) وهو كلام لا يندرج إلا ضمن الإثارة وإغراب الناس بالمواقف المتناقضة أو هو ناتج عن سوء تقدير سياسي.
3) قضى عماد الحمامي في ثنايا السلطة التي حكمت خلال العشرية السوداء مدّة تفوق 6 سنوات بين النيابة في المجلس التأسيسي ووزارات التشغيل والصناعة والصحة الأمر الذي يجعله من عُمد الفشل فيها ومن ذوي القدم الراسخة في تدميرها ونشر البطالة فيها والاستهانة بأرواح مواطنيها. وقد وصل به الأمر عند مواجهته بفقدان الأدوية خصوصا منها الحياتية أن قال في لهجة تهكميّة “قالو لي ثمة دواء مفقود بعثت الشيفور جابهولي…”.
4) عماد الحمامي مختص في الكهرباء ولكنه بقدرة قادر أصبح مختصا في الإسلاميات. أيام كان وزير صحة وكان الكوفيد يحصد أرواح مواطنينا ناقش بحثا في الجامعة الزيتونية سنة 2017 في جلسة مغلقة مُنع الطلبة والعموم من حضورها ليحصل على ملاحظة حسن جدا، وقد أشرف على رسالته علي العشي عضو شورى حركة النهضة وناقشها علي الصّولي منخرط بحركة النهضة ومنير رويس مدير المعهد العالي لأصول الدين انذاك الذي رشحته النهضة لمنصب وزير الشؤون الدينية في الحكومة المشيشية. وقد مثلت هذه المناقشة سابقة في تاريخ المؤسّسات العلمية بتونس إذ نشرت الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي بيانا يوم 27 ديسمبر 2017 تحت عنوان “وزير حالي وخروقات خطيرة في إسناد شهادة جامعية بجامعة الزيتونة” ندّدت فيه بما حصل مبيّنة الخروقات القانونية والعلمية وهو ما يدعو إلى النظر في كل الشهائد التي أسندتها ما يسمى الجامعة الزيتونية خصوصا للمنتسبين لحركة النهضة.
5) لمّا عزل الشيخ عثمان بطيخ وزير الشؤون الدينية المدعو الجوادي من إمامة جامع سيدي اللخمي قام هذا الأخير بحشد المنتسبين للفرع المحلي للتنظيم الدولي للإخوان ومنع المصلين من أداء صلاة الجمعة لمدّة تفوق الشهر ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد تعيين إمام نهضوي. في تلك الفترة خرج علينا عماد الحمامي في التلفزة متّهما الشيخ بطيخ بأنه يعرّض الأمن الروحي للمواطنين إلى الخطر(2) وهو مصطلح جديد لم نسمع به سابقا ويفيد أن أي مساس بأئمة التطرف يهدّد الأمن الروحي وبأن الواجب أن يبقى الملف الديني كما صاغته حركته فضلا عن وصفه كل من الجوادي والخادمي إمام التسفير بالمعتدلين والأكثر علما من الشيخ بطيخ.
قد يكون وجود هذه النوعية من متعاطي العمل السياسي مريحا للحاكم لأنه يسمعه ما يرغب فيه ويُرضي نرجسيّته وغروره ولكنه مؤشر على نهاية أي حكم مهما طال به الزمن. ولمن أراد التثبت العودة إلى ماضينا القريب ونهاية حكم الرئيس الاسبق بن علي الذي انقلب عليه بعد سقوطه أقرب المقربين منه وارتموا في أحضان خصومه، وإنّ في التاريخ لعبرة.
السؤال الذي يطرح نفسه في الختام : من هو أكثر إجراما في حق هذه الدولة المسكينة ؟ من ساهم في تدميرها عنوة وعمدا (عماد الحمامي) أو من يجالسه وكأن شيئا لم يكن في نفس الهيئة ولأي غرض؟ كتابة دستور جديد لجمهورية جديدة بعد أن دكّ الحمامي وجماعته تونس دكّا.. يا لهول ما يحدث في بلادنا، والله شيء لا يصدق.
– ——————-
الهوامش
1) الجريدة الاكترونية كابيتاليس مقال “تحالف عبير موسي والغنوشي أو لزوم ما لا يلزم” لتوفيق الزعفوري بتاريخ 1 مارس 2021.
2) رابط الشريط:https://www.facebook.com/anas.chebbi.9/posts/2854551034600864