الشارع المغاربي – ترجمة الحبيب القيزاني : خصّص موقع “سبوتنيك نيوز” باللغة الفرنسية ضمن ملفاته الاقتصادية تقريرا كشف فيه عن وجود موجة من الريبة والاحتياط بالعديد من الدول حول مصير احتياطياتها من الذهب المخزّن لدى أمريكا وأسباب هرولتها لاسترجاعه.
وكتب الموقع في هذا الصدد : “طيلة عقود خزّنت عدة بلدان ذهبها لدى أمريكا لكن هذا الوضع عرف مع ذلك تغيّرات مهمة خلال العام المنقضي بعدما أقدمت تركيا على استرجاع مدّخراتها الذهبية من الخزائن الأمريكية قبل أن تتبعها ألمانيا وهولندا لتعلن ايطاليا أنها ستنسج على نفس المنوال”.
وبعد أن تساءل الموقع : “هل يوجد حقا ذهب بالخزائن الأمريكية؟” أضاف : “ان سعي البنوك المركزية لتكديس أقصى ما يمكن من كميات الذهب أمر مشروع باعتبار أن الذهب من الاصول التي لا تخضع للمخاطر التي تتعرض لها العملات. وفي وقت باتت الجغراسياسة تسيطر على سياسات الدول واندلعت حروب اقتصادية وينتظر في ظلها رجال الاقتصاد انهيار اسواق البورصة بأمريكا ومستقبلا غامضا للدولار مع ركود اقتصادي شامل، عاد لسبائك الذهب كل وهجها وقيمتها”.
وتابع “سبوتنيك نيوز” : “منذ 10 سنوات كانت نحو 60 دولة تخزّن ذهبها في أمريكا حماية له من الحروب ولتنمية مدخراتها من السيولة وكانت بورصة نيويورك تنجز أكبر صفقات المعدن الثمين… لذلك تنطوي هرولة عدة دول الى استرجاع ذهبها من أمريكا على عدة معان خاصة مع تزايد الشكوك خلال السنوات الاخيرة حول ما اذا كان الامريكان يحتفظون فعلا بذهبها بشكل سليم بعيدا عن أية تلاعبات وربما مضاربات به تعود عليها بعديد الفوائد والغنائم المالية والاقتصادية. وتؤكد الخزينة الفيدرالية الامريكية أنها تحتفظ بملجإ Fort Knox الارضي المحصن (كان قبل ذلك مقرا لمركز القيادة النووية الامريكية( وبخزائن أخرى بـ 261 مليون أوقية من الذهب لكن هذا الكشف يعود الى سنة 1960 .ومنذ هذا التاريخ عطّل الكونغرس كل محاولات التثبت في كميات الذهب المخزنة بالبلاد”.
“ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الامريكان يوظفون ذهب الدول الاخرى لاغراض تخدم مصالحهم وانهم يكترونه للبنوك التي تستغله بأسواق المال لمراقبة قيمته. ومن هنا يطرح سؤال مشروع نفسه : هل أن واشنطن على استعداد لترجع في أي وقت ذهبا ليس ملكها؟ المتأكد أن تزايد عدد الدول التي تسترجع ذهبها يؤكد تصميمها على تفادي مخاطر أية مفاجآت غير سارة”.
ويضيف التقرير : “بدأت موجة استرجاع الذهب عام 2012 عندما اعلنت فنزويلا أنها قررت استرجاع الـ 160 طنا من ذهبها المخزن لدى أمريكا ما يمثل نحو 9 مليارات دولار بعدما قرر وقتها رئيسها هوغو شافيز استعادة ذهب بلاده لأنه “يمكن أن يصبح رهينة لدى الولايات المتحدة ويتحول الى وسيلة ضغط”. وفعلا هذا ما حدث بعد 6 سنوات اذ عمد بنك انقلترا بين شهري اكتوبر ونوفمبر 2018 الى تجميد اعادة كمية من ذهب فنزويلا بقيمة 1,2 مليار دولار وكشفت وكالة “بلومبورغ” أن واشنطن وراء هذه الخطوة. وفي عام 2014 استرجع البنك المركزي لهولندا 120 طنا من الذهب أي نحو 4 ملايين أوقية ولم يتبق بالخزينة الامريكية سوى % 30من ذهب هولندا مقابل % 50 قبل ذلك. وقد فسر البنك المركزي الهولندي اقدامه على هذه الخطوة بأنه “بات من غير المعقول ودون فائدة مواصلة تخزين نصف ذهب البلاد بمكان واحد” وأن ذلك “كان في محله أيام الحرب الباردة وليس اليوم” لكن المحللين الاقتصاديين يعتقدون أن امستردام ستواصل استرجاع مدخراتها من الذهب حتى لا تبقى البلاد تحت رحمة قرارات الرئيس الامريكي ترامب المفاجئة.
أما في ألمانيا فقد قرر البنك المركزي بدوره منذ 2012 استرجاع ذهب البلاد المخزن بأمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية واعادت برلين حتى اليوم 300 طن. وفي أفريل 2018 أتمت تركيا ترحيل مخزوها واشترت أنقرة العام الماضي 187 طنا من الذهب لتصبح ثاني البلدان المشترية للمعدن الثمين بعد روسيا. واجماليا تملك تركيا اليوم 591 طنا من الذهب حسب احصائية ديسمبر 2018 منها 27,8 طنا اعيدت من امريكا واودعت باحدى خزائن البلاد”.
وفي ختام تقريره قال الموقع : “ان هروب كميات الذهب من امريكا متواصل لاسباب واضحة اهمها ارتفاع نسب الفائدة بالخزينة الفيدرالية الامريكية والضغوطات المسلطة على الاورو وعملات اخرى وتزايد المخاطر الجغراسياسية والحروب التجارية التي اعلنتها واشنطن على كل دول العالم. وفي ظل هذا الواقع تسعى العديد من دول العالم لخفض تبعيتها للدولار. وفي هذا المضمار يمثل الذهب وسيلة حماية مأمونة ضد الأزمات والاضطرابات في اسواق المال العالمية خاصة أن لا شيء يضمن ألاّ تلجأ واشنطن مثلما فعلت ذلك من قبل مع عديد الدول الى تجميد ارصدة اية دولة تعتبرها مارقة”.