الشارع المغاربي – معز العاشوري (كاتب ومخرج مسرحي): وأنت تعدّ نفسك للخروج من البيت لا تنسى أن جنود الكورونا بالأمس اجتاحوا بؤر اللمس وانتشر الوباء في سكينة و همس.
وأنت تعدّ نفسك للخروج من البيت تذكّر أن عدوّك الخفيّ ينتظرك على الرصيف المعبّد بالإسمنت ليمتطي حذائك ويتعلّق بأزرار قميصك وليجعل منك وسيلة نقل لاجتياح الآخرين ويعزّز انتشاره في الأشياء والعربات والمساحات وأركان المدينة.
حذار.. قد تكون خائنا لوطنك أو مجرما دون ارتكاب جريمة ، حذار، قد تكون سببا في الهزيمة . ذلك ما يدعوك إلى التفكير بجدّية في تغيير سلوكك الاجتماعي والاستغناء عن أشيائك القديمة والتسلّح بأدوات جديدة كأن تشارك في مسرحية تراجيدية زمن الأسطورة وهو ما يفرض عليك إما الاستسلام أو تقمّص شخصية البطل التراجيدي héros tragique لتلعب دورا محوريّا (protagoniste) في مقاومة الموت، فأسطورة كورونا تجعلنا نستدعي الزمن الأوّل، الزمن الأصلي حينما يقف الإنسان بين خيارين إمّا الإستسلام للرعب أو تجاوز أقصى الألم ومقاومة الموت بشرف وشجاعة ، والتراجيديا في عمقها وجوهرها مقاومة الموت نفسه والحلول في الزمن الأبدي .
في مسرحية أسطورة كورونا سيُنهض الإنسان من هذيانه واستخفافه بحيوان كورونا الخفيّ في زمن تطوّر علم الطبّ وبعد أن يتذوّق “سياط الخوف” وهو يشاهد على شاشة التلفاز مذابح كورونا تقدّم قربانا للمحتفلين بالفوضى حتى تعمّ الانتهازية والعبث والمجون والعنف… يجعل كل “ما يمكن أن يراه الإنسان هو الرعب فقط أو عبث الوجود” حسب قول نيتشه .
ولعلّ أنطوان أرتو كان صادقا في وصفه للطاعون بأنه “نافع إذ يدفع البشر إلى أن يروا أنفسهم كما هم، وهكذا يسقط القناع وينكشف الكذب والنذالة والنفاق، إنه يكشف للجماعات عن سلطانها القاتم وقوّتها الخفيّة ويدعوها إلى أن تتخذّ أمام القدر موقفا بطوليا ساميا…”
ستنهض أيها الإنسان من هذيانك واستخفافك بعدوّك وقبل مقاومته تعقّمْ تكمّمْ تقنّعْ بفكر البطل المدرّع وعن الصفح والقرب تمنّع وعن الازدحام ترفّع وفي إنقاذ المصابين بداء كورونا تطوّع…
لم تعد مشاهدا للمسرحيات في علبها الإيطالية المغلقة تنتظر من يكسر أفق انتظاراتك وتتساءل عن ما يحدث بالكواليس، أنت الآن مشارك في أسطورة كورونا “فكل الأساطير العظيمة سوداء”، وستتحرّك في المشهد الأخير ثابتا منضبطا كممثلي مسرح “النو” تحمل نص معتقداتك بتفاصيله الميتافيزيقية عن اللامرئي في الكون أو تحمل نصوصا علمية للتوقّي من عدوّك الخفيّ، فلا مانع أن يتحّد ديونيزوس مع أبولون ولا مانع من التقيّد بتعاليم هيجيا (Hygieia ) إلاه الصحة الجيّدة والنظافة وأن يستدعي إسقيلبيوس Asclépios (إلاه الطب في الميثيولوجيا الإغريقي) أبناءه لإعلان الإنتصار على كورونا وجنوده ، تلك بداية تأسيس مسرح ما بعد الكورونا هذا المسرح المخبري الذي ظلّ يبحث لعقود عن دواء لفيروس غير مرئي في النفس البشرية، يلتقط اليوم إشارات خفيّة تأتيه من تاريخ الإنسان وعمق ماضيه السحيق، يلتقط كميّة الخوف التي تسكن أعماق الكائن الحيّ زمن الأسطورة وهو يصارع الرعب ويحاول ترويضه بواسطة إبداعاته العلمية والفنية.