الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: عرّفت منظمة الشفافية المالية العالمية التدفقات المالية غير المشروعة بانها حركة رؤوس الأموال المكتسبة والمنقولة بطريقة غير مشروعة عبر الحدود. واشارت الى انها تنقسم إلى ثلاثة أنواع استنادا إلى مصدر التدفق وهي الفساد والأنشطة التجارية الممنوعة والأنشطة الإجرامية الاقتصادية الخطيرة.
أما مجموعة البنك الدولي فقد عرفتها بأنها تشمل تدفقات الأصول والأموال غير المشروعة العابرة للحدود والتي لها علاقة بالفساد والاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية والتهريب والتهرب الضريبي وغسل الأموال والتزوير في مجال التجارة الدولية.
وتعاني تونس منذ سنوات طوال من هذه الظواهر الاجرامية التي تفاقمت بعد 2011 خصوصا على مستوى تهريب الأموال بشكل مباشر أو غير مباشر. وتشمل هذه الآفات التي تنخر الاقتصاد الوطني أكثر من طرف أو أكثر من دولة، وهي تتمحور بالأساس حول الاشكال النقدية والتهريب السلعي، أو الرشاوى والعمولات على الصفقات العمومية، أو من خلال عمليات تزييف فواتير الواردات حيث تمثل هذه الظاهرة 16.2 بالمائة من اجمالي قيمة المبادلات التجارية للبلاد حسب المرصد التونسي للاقتصاد استنادا الى دراسة انجزتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، “الاسكوا”، حول التدفقات المالية غير المشروعة في العالم العربي.
وتحتل تونس حسب بيانات الدراسة المرتبة الأولى في شمال افريقيا والشرق الأوسط على هذا المستوى الاجرامي المالي وهو ما يؤكده الى حد بعيد تضخم حجم الواردات الاستهلاكية القياسية (60 مليار دينار سنويا) بما لا يتناسب مع حاجات المستهلكين ومختلف الأطراف الاقتصادية.
وتعاني تونس كذلك من تدفقات مالية ممنوعة أخرى على مستوى بعض الشركات متعددة الجنسيات في ما يعرف بتسعير التحويلات أو نقل الأرباح. وتعتبر طريقة رأس المال المحدود أبرز الطرق التي تستخدمها تلك الشركات. وفي هذا الإطار، نشر معهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي يوم 27 اوت الفارط دراسة حول “التدفقات المالية غير المشروعة واسترداد الأصول في تونس”.
وحسب التقرير الدولي، بلغ إجمالي التدفقات المالية غير المشروعة الخارجية عام 2013 قرابة ملياري دولار (5.6 مليار دينار بالأسعار القارة)، أي ما يعادل نحو 181 دولارًا (507 دينارًا) للفرد. في ذات السياق ووفقًا لمعهد الأمم المتحدة الإقليمي لبحوث الجريمة والعدالة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، تحتل تونس حاليًا المرتبة الثامنة بين أكثر الدول فسادًا في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ويعاني الاقتصاد التونسي بشكل كبير من افة التدفقات المالية غير المشروعة استنادا الى معطيات دراسة أجرتها منظمة النزاهة المالية العالمية، تُظهر أن تونس تتكبد خسارة تزيد عن 1.2 مليار دولار (3.4 مليارات دينار) سنويًا بسبب هذه التدفقات المالية وانه تنجر عن ذلك خسائر لها تأثير كبير على الاقتصاد التونسي والأوضاع المعيشية للتونسيين وهو ما تؤكده دراسة معهد الأمم المتحدة لبحوث الجريمة والعدالة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي.
وأكدت الدراسة، من ناحية أخرى، أن الأنشطة الإجرامية في تونس تتخذ أشكالا مختلفة وانها تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بطرق مختلفة. وحسب مجموعة العمل المالي، فإن الإرهاب وتمويله يمثلان النشاط الإجرامي الأكثر انتشارًا، يليه الفساد والتجاوزات في الصفقات العمومية ومخالفة التراتيب المنظمة للتصرف في المال العام.
كما أن الاتجار بالمخدرات (خاصة القنب الهندي) والموارد غير المتجددة مثل البترول يساهم بشكل مهم في هذا النشاط غير القانوني الذي يضر بالاقتصاد التونسي بأكمله. وتم التأكيد على ان تقليص قيمة التدفقات المالية غير المشروعة في تونس بنسبة 10 بالمائة فقط يسمح للسلطات بتقديم دعم كامل لتكاليف الحد الأدنى اللازم للأجور لتشغيل 40000 شاب عاطل عن العمل لمدة عام، أو دعم 50 بالمائة من تكاليف الحد الأدنى للأجور لـ 80000 شاب.
وتوصي الدراسة بأن تنظر السلطات التونسية في تعزيز آليات العقوبات غير الجزائية مع تطوير طرق مصادرة الأصول من عقارات ومنقولات واموال وسندات وغيرها ذات المنشأ غير المشروع في سياق الجرائم المتعلقة بالتدفقات المالية الممنوعة.
ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي النظر في اعتماد وتنفيذ آليات تنسيق بين مختلف الأطراف المتدخلة في تعقب ورصد الجرائم والجنح والمخالفات ذات الطابع الاقتصادي والمالي كمراكز المعلوماتية التابعة للدولة ومصالح الجباية وإدارة الملكية العقارية والسجل الوطني للشركات، ومصالح وزارات العدل والداخلية المسؤولة عن مراقبة السجلات الجنائية، والوكالة المكلفة بالتسجيل المنجمي للعربات وغيرها.