الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: في ظل العجز الشرائي ان جاز التعبير رغم ان العديد من الاقتصاديين يفضلون استخدام مصطلح تدهور القدرة الشرائية يلجأ نحو 90 % من التونسيين حسب المعهد الوطني للاستهلاك اليوم الى اسواق الملابس المستعملة (الفريب) والتي ازدهرت تجارتها سيما خلال السنوات الاخيرة في ظل قلة ذات يد شرائح واسعة من التونسيين وحاجتهم الى الملبس حتى وان كان من موضة السبعينات وهو ما حوّل جانبا هاما من شوارع تونس الى معرض حي لملابس من كافة اصقاع الدنيا لكل الاذواق والميولات.
ويعمل في تونس 54 معملا في توريد وتحويل وتوزيع الملابس المستعملة وتسترزق عشرات الالاف من العائلات التونسية من هذا النشاط، رغم ان جل العاملين فيه يشتكون من التهميش. كما يشير المجمع المهني للملابس المستعملة، الى ان القطاع يحقق رقم معاملات سنوي يناهز 300 مليون دينار مع صادرات بلغت قيمتها عام 2017 نحو 60 مليون دينار.
وتكتسح تجارة الملابس المستعملة (الفريب) كل الأسواق في تونس من شمالها إلى جنوبها و تمكنت من أن تفتك حيزا هاما من قطاع النسيج والملابس، ويوجد “الفريب” في تونس منذ سنة 1944 ويتم استيراده من الخارج وهو يتكون من الملابس والمفروشات والستائر والزرابي والأوني والحقائب والأحذية التي تدخل بطرق غير قانونية من إيطاليا إلى الأسواق الليبية ومن ثم إلى تونس، كما يجري توريد جل هذه المنتوجات المستعملة من البلدان الأوروبيّة ومن الولايات المتحدة الأمريكية. ويقع جلب هذه السلع من الخارج عن طريق جمعيّات تعمل في هذا المجال اذ يتّم تركيز حاويات كبيرة الحجم في الفضاءات العامة بعد الحصول على ترخيص في الغرض ويتّم تجميع الملابس المستعملة والسلع التي تزيد عن حاجة أصحابها وتقوم مقابل ذلك بدفع معلوم رمزي للبلديّات.
وفي جانب اخر، يشهد قطاع الملابس المستعملة سيما منذ 2016 عدة تغيرات خصوصا بعد ان رفض المهنيون قرارا يتعلق بمزيد تنظيمه عبر إحداث وكالات مهيكلة لتوريد الملابس بهدف مراقبة الواردات. كما تتولى هذه الوكالات توزيع حصص الملابس على تجار الجملة ومصانع فرز الملابس الى جانب رفضهم سحب رخص التوريد منهم.
وتشير البيانات الاحصائية لوزارة التجارة إلى أنّ السوق التونسية تُزوَد سنويًا بـ 10 آلاف طن من الملابس المستعملة، من بين 80 ألف طن تدخل إلى البلاد يذهب قسم منها إلى التصدير إلى دول إفريقية وأوروبية. كما تفيد الوزارة أنّ 90 % من التونسيين يقبلون على شراء الملابس المستعملة. ووفق بعض التصريحات، يمثل قطاع الملابس المستعملة مورد رزق لحوالي 100 ألف عائلة، لكن أغلب المهنيين في قطاع الملابس المستعملة لا يعتبرون تلك الإحصائيات دقيقة لأنّ القطاع غير مهيكل.
يذكر انه في اخر العام الماضي كانت الغرفتان النقابيتان الوطنيتان لتجار الجملة في قطاع الملابس المستعملة قد اعلنا ان وزارة التجارة وسعيا منها لمزيد النهوض بالقطاع ستقوم بإعادة العمل باللجنة الوطنية المشكلة لهيكلته بداية من الربع الاول من 2020 وذلك بغرض ارساء مجال للحوار بين المهنيين من جهة والوزارة والديوانة والهياكل المتدخلة من جهة اخرى.
كما ستتم اناطة اللجنة بمهام تحديد الحلول المناسبة لتعزيز تنمية القطاع وضمان استدامة نشاطه. وسيركز اعضاء هذه اللجنة على دراسة عدة محاور ابرزها شروط اسناد رخص تعاطي نشاط تجارة الملابس المستعملة بين الولايات ومراجعة كيفية منح البطاقات المهنية لتجار التفصيل لتمكينهم من الحصول على المعرف الجبائي وكذلك ضبط حصص تجارة منتوجات الجلود بصفة لا تكون لها تداعيات وتأثيرات على الانتاج الوطني مع توفير الرقابة الصحية.
ويطالب جل المهنيين على صعيد آخر، بإعادة تنظيم الاطار التشريعي والمؤسساتي للقطاع الموجود منذ نحو نصف قرن في البلاد علما أنّ القانون النافذ حاليا والذي نُقح اخر مرة بمقتضى مرسوم 2005 يمنع تجار الجملة من التجارة بين مختلف الولايات ويسمح بذلك بين ولايات تونس الكبرى فقط مما يقتضي، حسب تقييمهم، تحرير تبادل تلك السلع بين مختلف الولايات إذ غالبًا ما يتم إيقاف تجار الملابس المستعملة وحجز بضائعهم إذا ثبت اقتناؤها من ولاية أخرى. كما ان القانون لا يسمح الا بـ 9 أطنان لكل تاجر جملة وهي كمية بسيطة جدًا يستطيع كل تاجر إكمال فرزها في وقت وجيز. من جهة أخرى، يشير اهل القطاع الى أنّ الولاة هم من يمنحون رخص التوزيع التي لا تعطى غالبًا لأصحاب المهنة بل تباع لغير مستحقيها. وهي تعطى لمدّة 6 أشهر فقط وهناك من يحصل عليها في الشهر الثالث مما يعيق نشاطه، وفقا لتقديرهم. كما يبرز التجار أنّ أغلبهم يضطر لتهريب الملابس المستعملة من الجزائر كي يتمكنوا من العمل خلال بقية أشهر السنة لا سيما أنّ نصيب كل تاجر جملة يقيّد فقط بـ9 أطنان سنويًا من الملابس المستعملة .