الشارع المغاربي-عواطف البلدي: تقلّبت بين أصناف عدّة في الابداع، كتبت الرواية والمقال وألّفت في مجالات البحث الاكاديمي. حتى انها خاضت تجربة الاوبيرا والموسيقى عبر الكتابة طبعا. هي آمنة الرميلي صاحبة مؤلفات عديدة سطع نجمها في أفق الكتابة والنشاط في الفضاء العام… التقاها “الشارع المغاربي” في حوار حول سيرتها ككاتبة أولا وهي الصفة التي تحبّذها ثم حول قضايا الادب وقضايا اخرى تتعلّق بالشأن العام بصفتها أديبة وباحثة تعنى بمسائل وإشكالات تروج في مجال التداول الوطني.
بين السرد والبحث الأكاديمي الفكري كتبتِ كلمات أوبرا شهرزاد… هل هي المغامرة والتجريب؟
هي المغامرة تحديدا، التجريب حالة وعي بآليات إنتاج الخطاب المكتوب ونيّة مسبقة لكسر النّمط واختراق المألوف، بينما المغامرة اقتحام لأبواب جديدة، قفزة في الفراغ، ركض ضدّ الريح بجناحين ضخمين. ما بين السّرد والبحث الأكاديمي كنت أحاول الموازنة بين الثبات والانقلاب، بين المشية العسكرية والرّقص الحرّ، بين القانون والحلم، وقد نجحت في تحقيق التوازن أحيانا وفشلت في أخرى. ثم انفتح لي باب جديد هو الشعر باللهجة التونسية وقد بدأ ذلك في سياق من سياقات روايتي الثانية “الباقي..” حين جاء الكلام على لسان الشخصية شعرا باللهجة المحكيّة: “تقول نحبّك؟ اش معناها تقول نحبّك؟..”. وصلت الكلمات إلى صلاح مصباح فلحّنها وغنّاها، ومن هناك بدأت رحلتي مع “الأوبرا”، فكتبت للسّوبرانو التونسية يسرا زكري أكثر من نص غنائي منها “أوبرا حشّاد” من ألحان جلّول عيّاد، قدّمناها في تونس وخارج تونس. ثم كان اللقاء مع صوت جاهدة وهبة في أوبرا “شهرزاد” التي لحّنها د.سمير الفرجاني. وأقرّ بأنّ القصيدة الغنائية تهبني مساحات طازجة من التصوير والتعبيريّة والإيقاعيّة اللّذيذة.
لمَ لم تتجدد تجربة الأوبرا؟
أذكر أنّنا حين قُدّمت أوبرا “شهرزاد” على ركح قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة ولاقت نجاحا جماهيريا محترما، تلقّينا التهاني ليلتها بعد انتهاء العرض من وزير الثقافة محمد زين العابدين ومن معه من الضيوف بمن فيهم سفير فرنسا في تونس، وأذكر أنّ السيد الوزير قال لي: “برافو، إنّه “كرّاس جيّد” والكرّاس في لغة الموسيقيين هو النص الأوبرالي. ولكن!.. كان ذلك ثاني عرض وآخره لأوبرا شهرزاد (العرض الأوّل كان في سوسة). ورغم محاولات الملحّن والمنتج سمير الفرجاني أن تنال أوبرا شهرزاد بعض العروض في بعض المهرجانات ورغم الوعود التي تلقّاها من وزارة الثقافة فإنّ هذا العمل الفخم الضخم بصوت الفنّانة جاهدة وهبة لم ينل أيّ عرض لا في الصيف ولا في الشتاء ولا حتى خلال “الربيع العربي”! وذلك ما حصل ايضا مع “أوبرا حشّاد” بصوت “يسرا زكري”. وهي قطعة فنية عالية الجودة بشهادة كلّ الجمهور الذي حضر عرضها المرّة الأولى في المسرح البلدي (14 جانفي 2016) والجمهور الذي حضر عرضها بمدينة بودابست بدعوة من السفيرة التونسية “سامية إلهام بن عمّار” احتفاء بعيد الاستقلال. وقد تمّ العرض أمام سفراء الدول من العرب والأوروبيين، ولا أزال أذكر وقوف الجمهور وتصفيقه مطوّلا للعرض التونسي غناء وكلمات (باللهجة التونسية) وألحانا وكورالا. وكان ممّا قال لي السفير المغربي أو الجزائري (لا أذكر بدقة): لقد قدّمتم للأوروبيين وجها مشرقا عمّا كانوا يظنّون أنّه موجود في الموسيقى العربية. ورغم هذا فإنّ يسرا زكري لم تغنّ مرّة أخرى في تونس ولم تعرض “أوبرا حشّاد” مرة أخرى، ولم يتبنّ عرضها لا وزارة الثقافة ولا الاتحاد العام التونسي للشغل (وهذا أغرب ما في الأمر!) ولا أيّ مهرجان من المهرجانات. فهل يدفع هذا إلى تجديد التجربة والحلم؟!
وشاركت أيضا المخرجة سلمى بكار في كتابة فيلمها الجديد “النّافورة” .. كيف عشت التجربة وهل ستتواصل؟
لقائي بالمخرجة الكبيرة سلمى بكّار من أجمل القصص التي عشتها في هذه السنوات العجاف. التقينا منذ سنتين أو ثلاث في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة، وكنت أقدّم مداخلة عن روايتي “توجان” وكيف اختلقت الشخصيات وعشقت المكان قبل أن أراه. حين انتهت الجلسة كانت سلمى بكّار تقف إلى جانبي وتعبّر لي عن إعجابها بمداخلتي وبـ”هبْلتي” داخل عوالمي السردية كما قدّمتُها، وبدأت الحكاية. تحدّثنا عن الكتابة وعن السينما وعن علاقة الكتّاب بالمخرجين في تونس.. بعد يومين هاتفتني سلمي بكّار وسألتني سؤالا طريفا: “تحبّ تهْبل معايا؟” فأجبتها: “منذ زمن وأنا أحلم بأن أشاركك عملا سينمائيّا”. وانطلقنا، وتشاركنا عوالم الحكاية الدرامية بانسجام وتفاعل وتفاهم وكأنّ لنا سنوات من العمل المشترك. كان الانسجام فكريا ورمزيّا وسياسيا واضحا أيضا. فكرة الفيلم مثلما صاغتها سلمى بكار تستند إلى ما حصل في تونس صائفة 2013، أي اعتصام الرحيل ولياليه حول نافورة باردو. في هذا الفضاء ستتحرّك الشخصيات وتكون الأحداث. إنّه فيلم من أجل تونس ومن أجل الثورة ومن أجل المنجزات والخيبات أيضا التي عشناها في تلك الصائفة. الفيلم جاهز للتصوير، وسلمى بكار بذلت جهدا خرافيا لاعداد هذا العمل الضخم ولكن الدّعم خذلها. السينما فنّ باهظ الثمن مكلف جدّا، ومن دون دعم وزارة الثقافة أو تمويل الخواص فإنّه لا قدرة للمخرج التونسي ــ الذي لا ينتج فيلما إلاّ بعد عدّة سنوات ــ أن يتحمّل مصاريف منتوجه الذي يقدّر بمئات الآلاف من الدنانير.
التجربة ستتواصل فيما يبدو، ومن دخل عوالم سلمى بكّار واقترب من نيران أضوائها لا يفلت من عشق الكتابة السينمائية وسحرها.
هل ضاق بك الحيّز الأكاديمي لتخوضي غمار الموسيقى والسينما ؟
الحيّز الأكاديمي ضيّق بطبعه وضمن خصوصياته واختصاصاته، ضيّق من حيث صرامة البحث العلمي ودقّة آلياته وقوّة الرّقابة العلميّة المسلّطة على الباحث وهو ينجز أبحاثه. إنّه يسير في مسالك شديدة الوعورة فهو مسيّج بالمنهج وبالمدرسة وبإشكاليّة بحثه وبما سبقه من بحوث في مجاله وبما قال غيره حتى لا يسقط في التّكرار فيفقد عمله كلّ قيمة له. لا يعني هذا أنّه لا إبداع في البحث الأكاديمي ، بلى هو مجال إبداع وإضافة وتفكيك ودراسة ظواهر في الخطاب وفي اللغة، ولكن يتمّ ذلك وفق شروط البحث الأكاديمي في الجامعة التونسية وغيرها من جامعات العالم بما أنّ شروط البحث العلمي هي شروط عالميّة، متّفق عليها بين الأوساط الأكاديمية شرقا وغربا. عن نفسي حاولت توسعة الضّيق باختيار إشكاليات “مستحدثة” أو “غير مبحوث فيها” فكانت أطروحة الدكتورا عن “الحيلة في أدب الهامشيّين” وفي شهادة التأهيل الجامعي عن “كتابة القتل في الأدب العربي القديم”، موضوعان تحرّكتُ فيهما بكثير من الحرية ومتعة الكشف رغم صرامة المنهج المتّبع. وأمّا عن ذهابي إلى الموسيقى والسينما فالأغلب أنّ ذلك متعلّق بكوني كاتبة قصّة ورواية، أي كائن تخييليّ بالدّرجة الأولى وهو ما يجعلني أعلق بسهولة في الشعر والسينما.
تحتفين بالمكان في رواياتك مع مسحة من الفانطازيا وهذه خاصية لتجربتك السردية… هل يمكن أن نصنّف أدبك ضمن تيار الواقعية السحرية؟
المكان في النص السردي هو “بيت لغويّ”، هو فضاء مبنيّ بالكلمات حتى وإن كان له امتداد مرجعيّ أو حضور مسبق في الواقع. وبما أنّه فضاء لغويّ تخييليّ فهو بالضرورة قابل لأن يكون مؤثّثا بالفنطازيا، أي بتلك المسحة التي تجعله مفارقا للأمكنة الواقعيّة متعاليا عن محدوديتها وثبوتها ومادّيتها. حين كتبت روايتي “توجان” لم أكن أعرف شيئا عن قرية توجان الأمازيغية بالجنوب التونسي إلاّ صورة غائمة مختزلة في جبل صخري وامرأة تشكو من العطش وتذكر أنّ الناس يتقاتلون على الماء في توجان. رأيت هذه الصورة في شريط الأخبار صائفة 2012 فكانت قادح الرواية، كتبتها على امتداد أربع سنوات دون أن أرى توجان الحقيقية حتى لا أخسر ذاك الجنون التخييلي الذي كان يرميني في فضاء “توجان” الرواية وهي مختلفة في سحريتها وغرائبيتها وأسطرتها عن توجان الجغرافية المعروفة التي زرتها بعد نشر الرواية.
وفي روايتي الجديدة “شطّ الأرواح” اخترت أيضا أن يكون المكان متحرّكا بين الغرائبية والواقعيّة، فالفضاء الروائي مطبوع بالغريب والعجيب وهو في الآن ذاته يستدعي فضاء واقعيّا يتمثّل في وجود مقبرة على شاطئ جرجيس تُدفن فيها جثث “الحارقين” التي يقذف بها البحر هناك. ورغم ذلك أقول: أنا لا أختار مسبقا نمط الكتابة التي ستكون عليها هذه الرواية أو تلك، أنا أترك نفسي للسيل اللغوي أجاريه وأروّضه في آن ويأخذني إلى مواطن غير متوقعة غالبا.
لمَ كل هذا الشغف بالحكي؟
طالما أواجه نفسي بهذا السؤال: لم كلّ هذا الشغف بالحكي؟ ولمَ أعود إلى الكتابة بعد كلّ رواية أو مجموعة قصصية وكأنّني لم أكتب شيئا. أعود بالعطش ذاته واللهفة ذاتها والعشق ذاته إلى ذاك النبع اللغوي الكامن في داخلي ليبدأ حفل الشّرب بلا توقّف وبلا اكتفاء حتى ينتهي النص أو الحكاية، وهكذا عودا على بدء. يبدو أنّ الأمر مرتبط بجينة خفيّة لا يحملها إلاّ هؤلاء الذين يكتبون، أو يحملون وزْر الكتابة أو المصابين بداء الحكاية، لا أدري. الكتابة السردية ليست اختيارا واعيا عقليّا فقط وإنّما لا بدّ لها من تلك المساحة “المجنونة” في ذهن الكاتب أو الكاتبة، مساحة نطلّ منها على الفراغ والعدم ثم نبدأ في بعث الحياة داخلهما، فنبني أمكنة ونختلق أزمنة ونحيي أرواحا ونسطّر مصائر، أي نحكي حكاية. قد يكون هذا أحد وجوه الشغف بالحكي وله وجوه أخرى كثيرة تجعل الكاتب كائنا مختلفا إلى حدّ ما على الأقلّ في قدرته على خلق عالم لا يتجاوز خياله ومع ذلك قد يدخل إلى هذا العالم الوهمي ما لا يحصى من النّاس هم القرّاء، وذاك أجمل ما في هذه اللعبة، لعبة الكتابة!
يعيب عادة الكتّاب على شبه غياب النقد الأدبي … كيف تقيّمين واقع النقد الأدبي في تونس؟
في القرن الماضي كانت توجد “طبقة وسطى” من النقّاد تتوسّط النّقد الأكاديمي المختصّ وجمهور القرّاء، تتكوّن تلك الفئة من النقّاد من كبار الصحافيين وكبار الكتّاب والقرّاء المختصّين والمتابعين لشأن الكتاب عموما، وكانوا يتحمّلون مسؤولية الفرز بين الجيّد والرديء. اليوم تقلّص حضور هذا النوع من النقّاد للأسف وأصبحت وسائل الاتصال المتاحة للجميع هي المسؤولة بما فيها ومن فيها على نشر العناوين والترويج لها. وفي هذا الخضمّ تحصل مظالم، نقديّة وإعلاميّة خاصة. فقد يعلو شأن كتاب تافه ويملأ القنوات وصفحات فايسبوك وقد يُغمّ كتاب فلا يكاد يذكر حتى وإن اعترف له بالقيمة الفنية. ولكن هذا لا ينفي حضور مجموعة من الإعلاميين والكتّاب والقرّاء الجيّدين يعملون على نشر الكتاب التونسي من خلال قراءات نقدية جماهيرية، تنشر في الصحف والمواقع وتقوم واسطة جيّدة بين النص وقارئه تنبّه إلى مواطن الإبداع والإضافة وترفع عن النص بعض غموضه وتوجّه إلى نقاط قوّته، أذكر منهم: مفيدة خليل، ناجي الخشناوي، شكري الباصومي، كمال الرياحي، عمر دغرير…
إلى جانب هذا نعمل في كلية الآداب بسوسة منذ سنوات على أن يكون الأدب التونسي هو المدوّنة الرئيسية التي يتوجّه إليها طلبتنا الباحثون سواء في الماجستير أو الدكتورا، وقد أنجزت عشرات الرسائل في الرواية والقصة التونسيتين، ولكن مشكل النقد الأكاديمي المختص أنه يبقى داخل أسوار الجامعة وحكرا على مكتبات الكليات عموما.
ما هي مساحات التمرد في كتاباتك الإبداعية؟
هذا سؤال يجيب عنه القرّاء والنقّاد بالدّرجة الأولى. كثير ممّا في النصّ لا يحدّده المتلفّظ وإنّما المتلقّي لأنّ الفعل اللغوي هو فعل حواريّ بالضرورة وإلاّ فقد وظيفته. ما أعرفه أنّني أقمع قلمي أحيانا وأحرمه من قول ما يريد أو ما أريد، أقمعه بالمحو أو بالإبدال فأشطب أو أبدّل الكلمات أو أغيّر الصور وهذا مؤسف ومحبط خاصة أنّه رقابة تأتي من الداخل واضطهاد تمارسه الذّات على ذاتها. لا يعني هذا أنّ نصوصي شديدة الانضباط بل تخترقها معاجم المحظور والمقرف والممنوع إذا تطلّب السياق السردي ذلك. أنا ضدّ تلك الكتابة التي تعوّل على الإثارة والاستثارة باستدعاء مثل هذه المعاجم بمناسبة ومن غير مناسبة وكأنّ الأمر ملء فراغ أو تعويض عن ضعف القدرة السردية بالمبالغة في الغوص في معجم البذيء مثلا.
“شطّ الأرواح” رواية “الحَرْقة” والجثث والقبور والحكايات الموجعة .. هل هي انعكاس لتونسنا اليوم؟
وهل تنشأ الكتابة خارج سياقها؟! “شطّ الأرواح” هي نوع من الصّراخ الحبري في وادي العبث بإنسانية الإنسان، هي رحلة غرائبية (هكذا قالت الأستاذة الجامعية رفيقة البحوري) في عالم برزخيّ بين الموت والحياة يتأثث بشخصيات ــ جثث، أو جثث ــ شخصيات، أو هي شخصيات تنوس بين هذا العالم وذاك لا أدري. مدارها “الحرْقة” أو “الغرْقة” أو “الشّرْقة” بملح المتوسّط قبل أن تنتهي الرحلة بارتماءة نهائية على شطّ جرجيس. قادح الرواية هو مقبرة حقيقية على شط جرجيس يجمع فيها أحد المتطوّعين جثث الغرقى الذين يقذفهم البحر على الرمل فيواري سوأتهم ويدفنهم في تلك المقبرة، وهم أفارقة وعرب ومغاربة وتونسيون أحيانا تنتهي بهم رحلة الهروب من جحيم أوطانهم إلى هذه المقبرة. الرواية فيها من تونس وفيها من كل البلدان التي تشترك في محرقة الحرقة، رواية تحاول أن تكون “كونيّة” أو “إنسانيّة”.
لنعد الى راهننا اليومي ، هل مازلت تعتبرين أنّ “الثورة شطيح ونطيح”؟ من يشطح ومن الناطح ومن المنطوح؟
كم يصحّ ذاك العنوان الذي اخترته لكتابي المنشور سنة 2014: “الثور..ة شطيح ونطيح”. وهو كتاب يصعب تجنيسه أدبيّا، خليط من الأجناس ما بين قصّة وخاطرة ومقال ونصوص تنفلت من التصنيف. كتبت ما عشنا من انفعالات ومواقف ومنقلبات ومنعرجات في سنوات الثورة الأولى، لذلك أصررت على أن يكون الكتاب جامعا لمختلف التعبيرات التي كتبت بها آنذاك. وكم يصحّ ذلك العنوان “الثور..ة شطيح ونطيح” على ما نعيش اليوم، فنحن لا نزال في الدائرة نفسها، في الحلبة نفسها، حلبة فيها الشطح وفيها النطح، فيها الأحلام وفيها الكوابيس، حلبة تستبيحها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى أحزمة السياسيين ولكماتهم المتبادلة، وتتناطح رؤوسهم اليابسة إيديولوجيّا وحزبيّا فلا نسمع غير أصوات التناطح ولا ينوبنا منهم شيء غير قرقعة قرونهم في بعضها بعضا، وقد طالت بنا الفرجة وقرفنا من صراع الأكباش هذا!
لو كتبت رواية عن سياسيّي اليوم.. بمَ تُعنونينها؟
أنا فعلا لديّ مشروع في هذا الاتجاه، مشروع يبدو أنّه سيكون ساخرا في أسلوبه إذ كلّما رددتُه إلى الجدّ فسد! هذه المرحلة السياسية من تاريخ تونس تعجّ بالشخصيات الروائية، وهي شخصيات سرياليّة في غالبيتها. وإذا كنّا لم نربح سياسيّين يستحقّون أن يكونوا جزءا من تاريخ تونس فقد ربح المبدعون كمّا هائلا من الشخصيات السردية والمسرحية والسينمائية ستكون مادّة ثريّة للكتابة والرّكح والتصوير والرسم.. ولن نحتار عندها في العناوين، فحيثما قلّبنا النظر في وجوه سياسيّينا اليوم طفحت العناوين وتساقطت بين أيدينا بلا حساب: “الحرابيب”، “الأحناش”، “الأمعاء”، “بنات آوى”، “الشّواحج”، “السّطول”، “الأكباش”…
أخيرا أين وصل التحقيق في حادثة الاعتداء على منزلك وحرق مكتبتك؟
الأمر بين أيدي الأمن ونحن في انتظار النتائج. أسوأ ما حصل في حريق مكتبتي وإن كان كلّه سيّئا هو إتلاف مشروع بحث كنت قد تقدّمت فيه خطوات وأنا الآن بصدد إعادة بنائه من جديد نكاية في المجرم!
نُشر بعدد أسبوعية الشارع المغاربي الصادر بتاريخ 23 فيفري 2021