الشارع المغاربي-كريمة السعداوي: عشية احتفال العالم باليوم الأممي للمرأة (8 مارس)، حذر تقرير صادر عن البنك الدولي من” تعمّق هوّة عدم المساواة بين الجنسين” عبر العالم، بعد بلوغها أدنى مستوى منذ 20 عاماً وفقاً لأحدث تقارير المؤسسة الاقتصادية الدولية المنشور مطلع مارس الجاري.
وفي تقريره الذي نشر تحت عنوان “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023″، درس البنك الدولي جميع القوانين والقواعد التي تم إقرارها أو وضعها في 190 دولة طيلة عام 2022، مع التركيز على ثمانية مجالات تؤثر على مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية محدداً إياها في التنقل والعمل والاجر والزواج والأمومة، وريادة الأعمال، والتملك، والتقاعد.
ويعتمد التقرير السنوي، الذي يُعنى بالوضع الاقتصادي والقانوني للنساء عبر العالم، على مؤشر يَقيس التقدم في الإصلاحات نحو مزيد من المساواة القانونية، حيث بينت المؤسسة الدولية ارتفاعه عالمياً بنسبة 0,5 نقطة فقط مقارنة بالعام السابق، ليبلغ 77,1 نقطة مما يعني حسب تقريرها “أن النساء لا يحظَيْن في المعدل سوى بـ 77 بالمائة فقط من الحقوق القانونية المعترف بها للرجال”.
وحسب مؤشر “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023″، فإن تونس حصلت على نتيجة قدَّرها خبراء البنك الدولي الذين ساهموا في إنجاز التقرير بـ 64.4 نقطة من أصل 100 كأعلى درجة يمكن اسنادها لتحتل بذلك المرتبة السادسة في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط والموقع 152 على الصعيد العالمي.
وفي محور حقوق الشغل ناهز رصيد تونس 75 نقطة في حين يناهز رصيد المرأة التونسية 0 من 100 في مجال المساواة في الاجر. واظهر التقرير ان تونس تبقى على الصعيد القانوني في مراتب متأخرة في مجال ريادة الاعمال (75 نقطة) والحضانة (40 نقطة) وحق الملكية والتوريث (40 نقطة) والحقوق المرتبطة بالزواج (60 نقطة).
وتعليقاً على نتائج التقرير، قال إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس لاقتصادات التنمية: “في وقتٍ يتباطأ فيه نمو الاقتصاد العالمي، فإن جميع البلدان بحاجة إلى تعبئة كامل قدراتها الإنتاجية لمواجهة الأزمات المتداخلة التي تواجهها. الحكومات لا تملك رفاهية تهميش ما يعادل نصف سكانها. ولا يُعد حرمان المرأة من المساواة في الحقوق في أنحاء كثيرة من العالم مجحفاً لها فحسب، وإنما يشكل عائقاً أمام قدرة البلدان على تعزيز التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع.”
يذكر انه كثيراً ما يتباهى التونسيون بأن للمرأة مكانتها اللائقة في المجتمع، بحكم حصولها على حقوق مهمة منذ الاستقلال لكن التمعن في التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة التونسية يثبت حقيقة مفادها أن هناك الكثير الذي ما زال يجب القيام به في سبيل تكريس منظومة حقوقية متكاملة تحفظ للمرأة التونسية كرامتها رغم أن ما تحقق يعتبر مكسباً ًفي حد ذاته ومطمحاً لعديد البلدان.
وتعتبر الحقوق الاقتصادية نقطة ضعف منظومة حقوق المرأة في تونس، إذ يعرف البلد فراغاً تشريعياً لافتاً لا يتلاءم مع ما تتعرض له النساء من استغلال وهضم للحقوق في قطاعات عديدة مشغلة لليد العاملة النسوية، على غرار الفلاحة، وصناعة النسيج، والملابس، وغيرها. لذلك تعرض البعض لانتقادات واسعة حين اختصر المساواة الاقتصادية في الحقوق والواجبات بين المواطنين، في المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، وذلك بعيداً حتى عن الجدل الذي يأخذ بين الحين والاخر الحيّز الأهم من النقاشات.
ومن بين القطاعات الهشة التي تتعرض فيها المرأة التونسية للاضطهاد وسوء المعاملة وهضم الحقوق، القطاع الفلاحي بشكل خاص حيث اهتمت وسائل الإعلام التونسية كثيراً خلال الأعوام الأخيرة بمعاناة العاملات فيه، سيما مع حوادث المرور المتكررة التي تعرضن إليها خلال نقلهن إلى أماكن العمل في الأراضي الفلاحية. لكن رغم هذا الاهتمام الإعلامي الذي فرضه الواقع المرير، تعتبر الجهود المبذولة من قبل الدولة لحماية هذه الشريحة النسوية المنسية محدودة وغير كافية ولا تلبي حاجاتهن في تحقيق الكرامة وتأمين لقمة العيش في أفضل الظروف.
كما ان قانون سنة 2017 الذي صدر بتونس والمتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، توسع في مفهوم العنف المسلط على المرأة ليشمل التمييز الاقتصادي لها على غرار منحها أجراً أدنى واستغلالها لساعات طويلة وحرمانها من التغطية الاجتماعية فإن هذا القانون. لكنه رغم اعتباره من طرف البعض ثورة حقيقية في مجال التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة، لم يغيّر الشيء الكثير على أرض الواقع. والحقيقة وفقا للعديد من المهتمين بالمساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يبدو غريبا أن تتواصل معاناة النساء في بلد مثل تونس رائد ظاهريا في محيطه في مجال حقوق المرأة، وبهذه الكيفية، أي بعد مرور عقود على الاستقلال والانطلاق في بناء الإنسان من قبل الآباء المؤسسين.