الشارع المغاربي -كريمة السعداوي: ابرز المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، الراجع بالنظر لمؤسسة رئاسة الجمهورية، مساء يوم أمس الأربعاء 26 ماي 2021، في مذكرة إستراتيجية بعنوان “العالم نحو نقلة كبرى: أي نموذج اقتصادي واجتماعي جديد لتونس؟ “. أن نموذج التنمية الاقتصادية التونسي الحالي بلغ أقصى درجات انعدام الفعالية وذلك حتى قبل 2011، وأنه أصبح من النماذج التي عفا عليها الزمن وغير مناسب إطلاقا لمواكبة القضايا المحلية ومناهج الاقتصاد الجديد في العالم لاسيما في ظل التحول الكبير الذي أحدثته صدمة الجائحة الصحية والتي اعتبر المعهد ان الخلاص منها ومن تبعاتها يتطلب أعواما طويلة.
ويقتضي الامر، وفق المعهد، على هذا الأساس من السلطات التونسية أن تعمل لإدراك عمق التحولات على ملامح هذا الاقتصاد العالمي الجديد، في سياق مرحلة انتقال شامل قطاعي وبشري وتكنولوجي، وتوقع آثاره على التوازنات العالمية والإقليمية والاتجاهات الرئيسية التي ستميزه.
وأكدت المذكرة، في هذا الصدد، حاجة تونس الملحة لدفع مسار التوقع والتفكير في ظل النقلة التي يشهدها العالم مع الوباء وذلك باعتماد القطع مع نماذج التنمية المتكلسة وكسر الحواجز الفكرية كأمر أساسي: معتبرا انه على السلط التونسية تقدير وتقييم موقعها في العالم الجديد بالتوازي مع فهم الديناميكية البشرية والاقتصادية والتقنية المستجدة وتحدد بذلك استراتيجية على المديين، لافتا الى ان ذلك يسمح لها بالتكيف والاستفادة منها إلى أقصى حد، أو انها ستٌعاني من وطأة التمزق وخطر السقوط “خارج التاريخ”.
كما قدّر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في مذكرته ان تأثر القطاعات الاقتصادية التقليدية بالجائحة كان شديدا وبصفة دائمة و”كارثية” مشددا على وضعية النقل الجوي مستشهدا بالوضع الحالي للخطوط الجوية التونسية، من جهة وبما تبرز دراسات وتقارير عديدة تشير الى ان استئناف نشاط النقل الجوي بشكل شبه عادي في العالم لن يكون قبل عام 2025 وفقًا لأكثر التوقعات تفاؤلاً، من جهة اخرى.
وأشار المعهد أيضا الى مشاكل قطاعات السيارات (في ظل توجه العالم نحو السيارة الكهربائية)، وصناعة الكابلات، والفلاحة وخاصة السياحة.
وتم التأكيد على ان المرحلة القادمة ستشهد تغيرا جذريا للسلوكات، مع تفضيل اعمال وانشطة القرب، على خلفية صعود التقنيات الرقمية. كما ابرزت المذكرة بصفة قاطعة ان الاعتقاد بأن عودة الاقتصاد التونسي الى مساره السابق وتدارك انهيار مؤشراته في الصيغة التي ينشط في سياقها قبل الجائحة هو مجرد وهم. فبالإضافة إلى التأثير المدمر لكورونا على عدد كبير من القطاعات، فان المتخصصين يؤكدون ان الوباء سوف لن يكون دوريًا، فحسب، بل انه من الوارد الى حد بعيد ان يكون هيكليًا.
وشدد المعهد على ان الوباء سوف لن يكون كابوسًا ينتهي قريبا، مبرزا ان العالم سيشهد ديناميكية جديدة في العمل ستستمر في التطور مع الأوبئة المتعددة المنتظرة، بالتوازي مع سباق اللقاحات من أجل التعامل مع ظهور “المتحورات” المختلفة، وحتى بروز فيروسات أخرى. وتم التأكيد في نهاية المذكرة، انه في صورة استمرار تونس في إنكارها، للمتغيرات العالمية الكبرى المنتظرة ومواصلة العيش في سياق التوحد فضلا عن عدم اجراء التشخيص الصحيح، للاستعداد للانصهار في المنظومة الاقتصادية العالمية الكبرى الجديدة فانه من المتوقع، وفقًا للمعهد، على المدى القصير ان تعرف تونس صدمة اقتصادية جد عنيفة (كارثة اقتصادية) تؤدي إلى تداعيات اجتماعية خطيرة مما يعرض البلاد الى السقوط “خارج التاريخ”.