الشارع المغاربي : ما من شك أن قطاع المناجم والفسفاط ومشتقاته يعتبر من القطاعات الأساسية في الاقتصاد التونسي. وهو قطاع واعد ويمكن تحسين مردوده إذا تم التخطيط له وتوفير الموارد المالية والبشرية لتحقيق أهدافه مثل استخراج اليورانيوم الذي يحتوي عليها هذا المنجم الثمين. وهو بالمناسبة القطاع الوحيد ودون غيره حاليا الذي يوفر فائضا من العملة الأجنبية في مبادلاتنا مع الخارج منذ أكثر من ثلاثين سنة.
لذلك لابد من التأكيد على أن كل تعطيل لنشاط هذه المؤسسة الوطنية وغيرها من المؤسسات الأخرى العمومية والخاصة تعتبر بدون منازع خسارة للمجموعة الوطنية بكاملها لا يمكن السكوت عنها بأي شكل من الأشكال.
نقول هذا الكلام لأنه رغم هذه الأهمية يبدو أن هناك لغزا كبيرا في التعامل مع هذا القطاع خاصة منذ جانفي 2011. حيث لاحظنا أن الحكومات المتعاقبة وكذلك الأطراف الخارجية المعنية مباشرة بالشأن الداخلي التونسي كلما ارتأت أن تُقدّم نظرة تفاؤلية حول المؤشرات الاقتصادية للبلاد تتعلل بتحسين الإنتاج في قطاع الفسفاط (و في قطاع السياحة أيضا وهي مقاربة غير سليمة) وكلما تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلا وتعطل قطاع الفسفاط وأصبح يشار إليه وكأنه السبب الأساسي في هذه المعضلة الوطنية.
والسؤال المطروح حقيقة هو كيف تعجز دولة ذات سيادة وصلاحيات ثابتة وذات شرعية انتخابية عن تطهير هذا القطاع الهام بطرق قانونية عبر حوار بناء مع كل الأطراف المعنية؟
للجواب عن هذا السؤال ارتأينا أن نُذكّر بالأرقام الحقيقية لهذا القطاع في علاقة مع واقع الوضع الاقتصادي في البلاد. لأن الإحصائيات الخاصة بالتجارة الخارجية بين 2006 و2017 تبين أن قطاع الفسفاط ومشتقاته عرف تذبذبا في الأسعار العالمية حيث سجلنا تضاعف الأسعار بثلاثة مرات تقريبا بين سنتي 2008 و2010 حيث كان الفائض التجاري في حدود 0,586 مليار دينار (بالدينار الجاري) في سنة 2006 ثم ارتفع إلى 1,421 مليار دينار في سنة 2008 و1,133 مليار في سنة 2009 وإلى 1,457 في 2010.
لذلك من المفروض ألا تُعتمد سنة 2010 سنة مرجعية بالنظر إلى تداخل السعر العالمي وتدهور قيمة العملة الوطنية توريدا وتصديرا عندما نقارن تراجع القطاع منذ سنة 2011 الى حدود 0,624 مليار دينار وإلى 0,572 مليار دينار في سنة 2017 بعد أن عرف انتعاشة بـ 0,756 مليار دينار في سنة 2016.
خلاصة هذه الأرقام في علاقة مع تراجع مداخيل هذا القطاع من العملة الأجنبية مقارنة بسنة 2010 رغم أنها سنة استثنائية فيكون مجموع نقص المداخيل في هذا القطاع بين 2011 و2017 بما قيمته 5,7 مليارات دينار وإذا اعتمدنا مداخيل سنة 2009 وهي الأقرب للواقع يكون النقص في حدود 3,4 مليارات دينار فقط. وهي في كل الأحوال مبالغ مهمة تفتقدها الخزينة العمومية ولكنها تبقى نسبية جدا مقارنة بهول مجموع العجز التجاري الذي ارتفع في نفس المدة بين 2011 و2017 إلى 135 مليار دينار وهو رقم مفزع وخطير نتيجة التوريد المكثف والفوضوي في القطاع المنظم ناهيك عن القطاع الموازي والتهريب.
من هذا المنطلق يمكن أن نتساءل هل أن قطاع الفسفاط أصبح فزاعة أو أن هناك برنامج خوصصة يحاك لهذا القطاع الوطني؟.