الشارع المغاربي – لطفي النجار: تسبّبت شطحات اليعقوبي في إضعاف منسوب الثقة لدى الرأي العام التونسي ولدى الطبقة السياسية في المنظّمة الشغيلة التي حاولت أن ترمّم بعض ما لحقها من أضرار في اجتماع هيئتها الوطنية في الحمّامات، كما تسبّبت في الآن ذاته في الإضرار بشرعية مطالب الأساتذة، وفي تركهم في “العراء” لأشهر عديدة تحت القصف من “شارع” لم يستوعب تعقيدات الصراع بين المنظّمة والحكومة ولم يحتفظ إلّا بصورة “اليعقوبي” الجنرال الذي يخوض “حربا” طاحنة استعمل خلالها “سلاحا محرّما أخلاقيا“، أي التلاميذ كرهائن وكجزء من أوراق الضغط على “الخصم“.
لقد كانت “أمّ المعارك” كمثيلتها في تاريخنا المعاصر، واقعة خاسرة لم نخضها سوى في العبارة وفي الشعار…خليط من المشاعر الهوجاء والشعبوية المقيتة تضاف إليها الرعونة وسوء تقدير للعواقب والمآلات. سلسلة أخطاء وزلّات وتعنّت وسمت سلوك اليعقوبي مدّة صراعه “الدون كيشوتي” ضد وزارة التربية، شكل “نضالي” خاطىء وغبي بكلّ المعايير الأخلاقية والقانونية وحتى النقابية المتعارف عليها شرقا وغربا(حجب الأعداد). توقيت ” المعركة” لم يدرس اختياره بشكل ذكيّ يراعي التوازنات الراهنة وسياقاتها السياسية وتعقيدات المرحلة. تكتيك غائب غابت عنه المناورة وغلب عليه التصلّب ممّا ألحق ضررا كبيرا أو لنقل ارتباكا خطيرا على استراتيجيات الاتحاد العام التونسي للشغل في التعاطي مع شأن وطني دقيق وشديد الحساسية. ظهور إعلامي متشنّج لليعقوبي أفسد حقّ المربين، وفتح في الأثناء جبهات جديدة، واستعداء الجميع تقريبا تسبّب في خسران الرأي العام الذي تحوّل مع الوقت أغلبه إلى ضفّة الخصم ضدّ اليعقوبي والمربّين وطبعا ضدّ المنظّمة الشغيلة.
إنّ مطالب المربّين تحمل مشروعية ثابتة لاسيّما في ظلّ تنصّل كلّ الحكومات المتعاقبة من مسؤولية فتح ملف التربية والتعليم وما يحيله من ضرورات الإصلاح الجوهري بنية تحتية وبرامج وطبعا وجوب إعادة النّظر في تدهور الوضع الاجتماعي والرمزي للمربّي. هذه المشروعية التي حجبتها شطحات اليعقوبي أو “الجنرال” كما يلقّبه بعض من مقرّبيه، توارت منذ البدء خلف تصريحات “عنترية” ومنفلتة مزّقت كلّ إمكانية للتواصل الهادىء مع الرأي العام وسلطة الإشراف والشرح والتفسير لكلّ المتدخّلين في العملية التربوية . لم يكن خروج “الجنرال” اليعقوبي في كلّ مرّة من مسلسل “ليّ الذراع” بينه وبين الوزارة سوى إذكاء لمناخ التشنّج وتوغّلا غير مبرّر في فتح جبهات جديدة، تارة ضدّ الإعلام والإعلاميين وتارة أخرى ضدّ كلّ من عبّر عن رأي مخالف أو منتقد لأداء النقابة من المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعي أو من بعض الناشطين في السياسة وفي المجتمع المدني.
لقد أخطأ الجميع كما كتبنا سابقا، ولكنّ أخطاء اليعقوبي قد تراكمت وتعدّدت. فالأمور بخواتمها كما يقول العرب، والخواتم في سياقنا الحالي، إضرار عام بسمعة الاتحاد وإضرار قطاعي يتطلّب وقتا وجهدا وتضحية لرأب صدعه، وشرخ في الثقة الحاصلة بين الاتحاد والطبقة السياسية والنخب الوطنية الناتجة عن محطّات عديدة ومسارات كانت المنظّمة الشغيلة دائما هي الخيمة الوطنية الجامعة التي توجّه بوصلتها في كلّ الحالات والأحوال نحو المصلحة الوطنية.
ستكون لشطحات اليعقوبي و“تكتيكاته” العجيبة تداعيات أكيدة سواء داخل الاتحاد أو حتّى في مربّع القطاع، بسبب الإرباك والتوتّر الذي أحدثته داخل المنظّمة وبعد شعور الإحباط لدى المربّين الذين تمّ حشرهم في أزمة سرعان ما انزلقت إلى مأزق وصراع تحكمه نرجسية الرجل وحساباته السياسية، وستكون الأيام أو الأسابيع القادمة بالتأكيد مغايرة لما مضى، خاصّة بعد هذه “الغزوة النقابية” أو النكسة “للجنرال” الذي كاد أن يتحوّل إلى “نيرون” البطحاء لولا حكمة الرجال الوطنيين.