الشارع المغاربي – منير السويسي: شارك نحو 400 إسرائيلي في مراسم «الحج» اليهودي السنوي إلى كنيس «الغريبة» في جزيرة جربة، يومي 2 و3 ماي الجاري، وفق ما أعلن «روني الطرابلسي» أحد منظّمي الحج.
وعلى غير عادتها، لم تصدر إسرائيل، هذا العام، تحذيرات لليهود بعدم زيارة كنيس الغريبة، مثلما كانت تفعل منذ 2011 بحجّة تدهور الأوضاع الأمنية في تونس بعد الثورة.
ويعتبر دخول إسرائيليين إلى تونس التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، أمرا شديد الحساسية من الناحية السياسية باعتبار تونس من أهم مناصري قضية الشعب الفلسطيني، وقد كانت مقرا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وغالبا ما يُقْرَأ سماح تونس لإسرائيليين بدخول أراضيها، على أنه شكل من أشكال «التطبيع».
رحلات جوية غير مباشرة
يصل الإسرائيليون إلى تونس في رحلات جوية قادمة من مطارات في مصر والأردن وتركيا ودول أوروبية، نظرا لعدم وجود رحلات مباشرة بين تونس وإسرائيل.
ويأمل كثير من الإسرائيليين المولودين في تونس، في إقامة خط جوي مباشر بين تونس وتل أبيب، وفق ما صرّح به بعضهم لوسائل إعلام دولية غطّت مشاركتهم في مراسم الحج إلى كنيس الغريبة.
وقال رئيس كنيس الغريبة، بيريز الطرابلسي، لوسائل إعلام أجنبية إنّ فتح خط جوي مباشر بين تونس وإسرائيل سيرفع عدد الحجاج إلى الكنيس إلى 20 ألفا على الأقل سنويا.
وبلغ عدد اليهود في تونس مائة ألف بداية القرن العشرين لكن جلّهم غادر البلاد باتجاه إسرائيل وفرنسا بعد قيام دولة إسرائيل سنة 1948 واندلاع حرب الأيام الستة سنة 1967.
وسنة 2005، نزلت في مطار جربة، طائرة إسرائيلية قادمة من تل أبيب، تقلّ الوفد الإسرائيلي المشارك في «القمة العالمية لمجتمع المعلومات» التي نظمتها الأمم المتحدة، خلال ذلك العام، في تونس.
وكانت تلك أول مرة، في تاريخ تونس وإسرائيل، تحط فيها طائرة إسرائيلية على أرض تونس، وأوّل مرّة تنظّم فيها رحلة مباشرة من تل أبيب إلى تونس.
وترأّس، وزير الخارجية الإسرائيلي (آنذاك) سيلفان شالوم (المولود في تونس) الوفدَ الإسرائيليّ المشارك في القمة.
وقالت السّلطات التونسية، وقتئذ، إنّها كانت ملزمة بتوجيه دعوة رسمية إلى إسرائيل للمشاركة في القمّة لأنّها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولأن قمة مجتمع المعلومات، قمة دولية تابعة للأمم المتحدة.
من ترك جوازات السفر في المطارات إلى «رخصة المرور»
كان الإسرائيليون الذين يدخلون تونس يتركون جوازات سفرهم لدى مصالح الجوازات في المطارات التونسية على أن تعاد إليهم قبل مغادرتهم البلاد.
وعقب زيارة أداها إلى تونس (يومي 8 و9 ديسمبر 2004) «جوزيف سيتريك» (كبير خامات فرنسا ما بين 1987 و2008، مولود في تونس) والتقى خلالها الرئيس السابق زين العابدين بن علي، استجاب بن علي لطلب الحاخام بإلغاء هذا الإجراء.
وتقول السلطات التونسية إنّه لم يسبق لها «التعامل» مع أية وثيقة رسمية إسرائيلية كجوازات السفر.
ولا يُعرَف حتى اليوم، إن كانت السلطات «تعاملت» أم لا مع جوازات سفر الوفد الإسرائيلي الرسمي المشارك في قمة مجتمع المعلومات سنة 2005.
وخلال جلسة عقدها «المجلس الوطني التأسيسي» (يوم 9 ماي 2014) لـ«مساءلة» كاتب الدولة المكلّف بالأمن (آنذاك) رضا صفر الذي اتّهمه نواب بالتطبيع مع إسرائيل وبتسهيل دخول سياح إسرائيليين إلى تونس، قال صفر «نحن لا نتعامل مع وثائق إسرائيلية ولا تعاملنا مع جواز إسرائيلي، بل تعاملنا مع أشخاص (..) يتمّ تمكينهم من رخصة مرور دخولا وخروجا».
وأضاف صفر «منذ الثورة (سنة 2011) لم يتمّ التعامل مع وثيقة رسمية (إسرائيلية) أو ختمها، وفي اعتقادي التطبيع يتعلق بالتعامل مع وثائق أو مؤسسات أو جهات رسمية أو غير رسمية».
وأشار إلى أن تمكين إسرائيليين من «رخص مرور» لدخول تونس هو إجراء معمول به منذ فترة حكم الرئيس بن علي.
وأوضح أن «رخص المرور» تُسنَد أساسا إلى الإسرائيليين الذين يشاركون في الزيارة السنوية إلى كنيس الغريبة في جربة وإلى «عرب 48 الذين يشاركون في المؤتمرات.. الدولية» في تونس أو للسياح الإسرائيليين الذين يزورون البلاد ضمن رحلات بحريّة إلى موانئ تونسية تنظمها سفن تابعة لشركات سياحية عالمية.
ولفت إلى أنه أصدر في 11 أفريل 2014 «ملحوظة» (مذكرة) مكتوبة طالب فيها مصالح الحدود التونسية بمنح «رخص مرور» لحاملي الجنسية الإسرائيلية في الحالات التي ذكرها.
وأوضح أنه أصدر هذه المذكرة إثر قيام المسؤول عن ميناء حلق الوادي (في مارس 2014) «بمنع بعض السياح (الإسرائيليين) من النزول (من سفينة سياحية) خلافا للإجراءات المعمول بها».
وتابع أن تونس تعرضت إثر هذه «الحادثة» لـ«حملة سياسية..وإعلامية» في الخارج ووقع اتهام البلاد بـ«التمييز» ضد اليهود.
العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين تونس وإسرائيل
وكانت تونس وتل أبيب قد تبادلتا سنة 1996 مكتبين لرعاية المصالح. وعيّنت الخارجية التونسية وقتئذ خميس الجهيناوي (وزير الخارجية الحالي) رئيسا للمكتب التونسي في تل أبيب فيما عينت إسرائيل شالوم كوهين رئيسا لمكتبها في تونس.
وأعلنت وزارة الخارجية التونسية في بيان أصدرته يوم 22 أكتوبر 2000 إغلاق المكتبين (تنفيذاً لقرارات القمة العربية المنعقدة بالقاهرة) إثر قمع إسرائيل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت خلال نفس العام.
وذكّرت الخارجية التونسية في هذا البيان بأن موقف تونس يتمثل «في ربط درجة التطبيع (مع إسرائيل) بتطور عملية السلام في الشرق الأوسط ايجابيا أم سلبيا».
وتقول وزارة الخارجية الإسرائيلية على موقعها في شبكة الانترنت إنه رغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدوليتين فإن «بعض الصلات التجارية كما السياحة تستمر، شأنها شأن الصلات القائمة في مجالات أخرى» دون أن توضح ماهية هذة المجالات.
* رئيس «منتدى تونس للصحافة والنفاذ إلى المعلومات».