الشارع المغاربي: شكل إعلان تعليق اجتماعات وثيقة قرطاج 2 مفاجأة للمتابعين لهذا المسار الذي انطلق منذ ما يقارب 3 أشهر ، وفتح القرار الباب أمام تأويلات تختلف باختلاف مصدرها حول أسباب وصول الموقعين على وثيقة قرطاج الى طريق مسدود حتّم على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي اتخاذ قرار التعليق وابقاء الحال على حالها بمواصلة يوسف الشاهد مهامه على رأس الحكومة ، هنا تؤكد الدوائر المطلعة ان الشاهد سيبقى بقرار دولي ، استجاب له راشد الغنوشي رئيس حزب حركة النهضة.
ما إن أنزل الستار عن اجتماع اللجنة العليا للموقعين على وثيقة قرطاج يوم أمس الاثنين 28 ماي 2018 ، بإشراف الباجي قائد السبسي حتى بدأت اتصالات وتحركات أهم الفاعلين من منظمات وأحزاب للنظر في خفايا تسمك راشد الغنوشي بيوسف الشاهد ، التمسك الذي حال دون المصادقة على البند 64 من وثيقة قرطاج 2 والمتعلق بتغيير الشاهد.
المعطيات المتوفرة لـ” الشارع المغاربي” تؤكد أن ضغوطات دولية مورست بشكل “عال” خلال اليومين المنقضيين من قبل سفراء مجموعة الدول السبع الكبار ، الذين قد يكونوا راهنوا على الغنوشي للحيلولة دون اقرار تغيير على رأس الحكومة قد يفضي الى تعليق التزامات كان قد قطعها الشاهد أهمها التوقيع على الاتفاق الحر والشامل “اليكا“، الذي يوصف بالخطير والماس بالسيادة الوطنية.
وأصبح الحديث عن تدخل أجنبي في ملف مشاورات تشكيل الحكومة معطى من المعطيات الثابتة ، وألمح لها بشكل جلي رئيس المكتب السياسي لحزب حركة النهضة ، بقوله ان تمسك النهضة بالاستقرار الحكومي يمثل رسالة طمأنة لشركاء تونس الدوليين ، التصريح الذي رد عليه المدير التنفيذي لنداء تونس بتدوينة جاءت محملة بإشارات “التخوين“ للنهضة.
الاستقواء بالخارج
عُلقت اذن اجتماعات الموقعين على وثيقة قرطاج ، لعدم التوصل الى توافق حول النقطة 64 بسبب تمسك حركة النهضة وحزب المبادرة ببقاء الشاهد ، وان كان موقف المبادرة لا يعتد به بالنظر الى وزن الحزب ، فان موقف رئيس النهضة وإستماتته في الدفاع عما يسميه بالاستقرار الحكومي الذي يعني الابقاء على يوسف بالشاهد ، أثار استغراب ليس الحاضرين في جلسة يوم أمس فقط بل وحتى قيادات من هذا الحزب .
فخلال اجتماع مجلس الشورى المنعقد يوم الاحد المنقضي ، تم الاتفاق على تجاوز نقطة “التمسك بيوسف الشاهد” والقبول بتغييره وفقا لشروط حددها المجلس وفوض رئيس الحركة راشد الغنوشي لتقديمها وطرحها في اجتماع يوم أمس ، هذا ما لم يحدث بتاتا ، اذ شارك الغنوشي في الاجتماع بموقف مساند للشاهد ، امر أثار استياء أعضاء من الشورى بل واسترابوا منه ومن خلفياته.
وداخل النهضة ، أو جزء منها ، ينظر الى استماتة “الشيخ” في الدفاع عن رئيس الحكومة ، بمثابة نجاح الامين العام زياد العذاري في التأثير عليه ، واقناعه بان بقاء الشاهد أحسن السيناريوهات الممكنة لصالح النهضة ، وان غير ذلك يعني انقلابا ناعما وخروجا سلسا من الحكم ، وقدم العذاري خلال اجتماع شورى النهضة مداخلة “تقنية” تضمنت تحذيرا من خطورة الوضع ومن التداعيات السلبية لتشكيل حكومة جديدة بما يعني شللا يتجاوز 5 أشهر على الاقل.
لكن القول ان العذاري أثر على الغنوشي وعلى موقفه من الشاهد لا يبدو مقنعا ، اذ تفيد مصادر رفيعة المستوى ان تسمك الغنوشي بالشاهد تعزز بشكل كبير اثر لقاء جمعه منذ أيام بسفير فرنسا في تونس أوليفيي بوافر دارفور ، الذي قد يكون طرح على مضيفه رفض القوى الاجنبية تغيير يوسف الشاهد.
وبعيدا عن منطق المؤامرات والغرف المغلقة ، فإن مؤشرات عديدة تدعم هذه الرواية ، منها تصريح للسفير اثر جلسة عقدت يوم 11 ماي بالقصبة ، بين رئيس الحكومة وسفراء مجموعة الدول السبع الكبار المعتمدين بتونسي وسفير الاتحاد الاوروبي ، قال فيه “ثقتنا بالغة في هذه الحكومة لقيادة وإنجاح مجمل الإصلاحات التي وضعتها، بما يجعل من تونس نموذجا مثاليا يحتذى في المنطقة، وستبقى فرنسا داعما دائما لتونس”.
ووصف السفير المؤشرات المسجلة بالايجابية لا سيما على الصّعيد الاقتصادي، معتبرا إياها مُطمئنة، ومُحفّزة على عودة النمو والاستثمار.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد انتقد بشكل كبير تصريحات السفير الفرنسي ، الذي تجاوز في الحقيقة كل الأعراف الدبلوماسية وهو يقيّم الحكومة ويعلن ضمنيا عن بقائها ، في وقت تناقش فيه المنظمات والاحزاب بديلا للانقاذ الوطني .
الا ان موقف المنظمة الشغيلة ورغم وجهاته إزاء تصريحات سفير تناسى حدوده ، بقي استثناء في صمت كل الفاعلين ، على عقد رئيس حكومة تونس اجتماعا مع سفراء السبع الكبار ، في استقواء بالاجنبي ، كما تقول المركزية النقابية ، وفي سابقة يقول العارفون بالقصبة انها لم تحدث اطلاقا .
الاتحاد يشكك
تعددت التهم الموجهة في الكواليس للغنوشي بدعم الشاهد “بطلب من القوى الاجنبية” بما يضعه في ثوب المتحالف مع الغرب ،من ذلك ما يتداول في بطحاء محمد علي وما يتناقل على لسان الامين العام نور الدين الطبوبي الذي قال لعدد من ضيوفه ان تونس مقبلة على معركة حقيقة بين “الوطنيين” والقائمين على مصالح دول أجنبية .
ولا يخفى على أحد ان ما يتناقل على لسان الطبوبي يخص تحديدا الثنائي الشاهد والغنوشي اللذين أصبحا في تحالف حتمته “اجندات شركاء تونس” ، ويطرح هنا السؤال عن أسباب نزول سفراء الدول الكبرى بثقلهم لدعم الشاهد ، والاجابة تبدو واضحة فبخلاف عمله السابق كموظف في سفارة الولايات المتحدة الامريكية وما يقال عن حمله الجنسية الفرنسية ، سبق للشاهد ان تعهد بالتوقيع على اتفاقية التبادل الحر “اليكا“.
ورغم تنبيه خبراء من التداعيات السلبية لهذه الاتفاقية ، والدعوة الى توسيع المشاورات بشأنها ، فان رئيس الحكومة يوسف الشاهد فاجأ الجميع باعلان موعد التوقيع عليه ، في وقت وضعت الدول سنوات للتفاوض بشأنها مُعلية المصلحة الوطنية في تحديد بنودها.
الباجي قائد السبسي يراقب
لا يعلم أحد كيف سيتم تجاوز المأزق الحاصل في المشاورات الجارية ، اتحاد الشغل أعلن أنه أصبح غير ملزم بشيء في اشارة الى مغادرة بلا عودة لاجتماعات القصر ،فيما يهدد نداء تونس وتحديدا مديره التنفيذي بإسقاط الحكومة عبر دعوة وزرائه الى الاستقالة ما يعني سقوطها آليا ، وفق تقديرات قائد السبسي الابن.
هذه الضبابية ازدادت مع ما يُتداول من معطيات خطيرة حول قائمة جديدة للفاسدين يستعد رئيس الحكومة لايقافهم ، البعض يؤكد ان الوضع تأزم بشكل غير مسبوق وان الاشاعات ستزداد وتيرتها خلال الايام القادمة لمزيد تعفين الوضع ، وان رئيس الجمهورية قرر مراقبة ما يحدث وان التعفن سيفرض على رئيس الحكومة المغادرة .
وفي خضم ذلك ، يبدو ان علاقة توتر كبيرة أصبحت تجمع الغنوشي بقائد السبسي الإبن، توتر تحول الى قطيعة ورفض كل محاولات الوساطة لعقد لقاء بينهما. في هذا الصدد أكد مصدر موثوق به لـ“الشارع المغاربي” ان حافظ قائد السبسي تعمد اهانة الغنوشي في منزله ، وأنه وجه اليه عبارات نابية مست من شخصه وأثرت بشكل كبير على العلاقات حتى بين الحزبين.
ولا يستبعد ان يكون التجاوز الأخلاقي الذي قام به حافظ قائد السبسي تجاه الغنوشي من بين أسباب الأزمة، هذه الأزمة التي جعلت الغنوشي يتحالف مع يوسف الشاهد ضد نداء تونس والباجي قائد السبسي بدعم من حكومات الدول السبع الكبار، التي اختارت الغنوشي للدفاع عن الشاهد رجلها في تونس.