الشارع المغاربي : لقد أصبح بديهيا أن مفهوم ومحتوى الموازنة المالية العامة السنوية للدولة ليس مجرد تشريع لإضفاء الشرعية على النفقات والإيرادات بقدر ما هي “خطة سنوية تعكس الخطط أو الإستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى” تعمل لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في إطار مخطط تنموي مستدام الذي يبقى الهدف الأساسي لكل بلد يحمل طموح لشعبه ولمستقبل أجياله.
انطلاقا من هذا المفهوم يجب أن تعتمد طريقة تحديد الموازنة السنوية قواعد وفرضيات دقيقة ومدروسة بموضوعية وبدون حسابات سياسية يمكن أن تجرد الميزانية من مصداقيتها. من بين هذه الفرضيات نذكر خاصة سعر المواد الأولية في السوق العالمية وخاصة سعر الطاقة وكذلك تطور سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي والأورو.
اعتمادا بالأورو كعملة مستقرة : ميزانية سنة 2018 تعادل تقريبا ميزانية سنة 2010 ؟
لتوحيد المؤشرات المتعلقة بالإحصائيات العالمية لجميع البلدان يعتمد البنك الدولي استعمال عملة موحدة وهو الدولار الامريكي إما الجاري أو القار باعتماد سنة معيارية. هذه الطريقة تُمكن من رؤيا أكثر وضوح للوضع الاقتصادي لكل بلد.
تطبيقا لهذا المنوال واعتمادا على المقارنة بالأورو الأكثر تداولا في تونس نلاحظ بكل وضوح أنه نظرا لانهيار سعر الدينار فإن ميزانية سنة 2018 التي تعد 10,7 مليار يورو تعادل تقريبا ميزانية سنة 2010 التي تعد 10,05 مليار أورو . وبما أن الاقتصاد التونسي يعتمد بالأساس على التوريد في جميع القطاعات بما فيها الاستهلاك المباشر فإن ميزانيات الدولة الحالية تبدو هزيلة وغير قادرة على الدفع نحو الاستثمار والإنتاج وخلق مواطن الشغل.
من جهة أخرى وبما أن الحكومة تعمل تحت ضغوطات صندوق النقد الدولي الذي يدفع نحو التقشف وضرورة الحذر من منسوب الإحباط والغضب الشعبي فهي تلتجئ إلى بعض المغالطات لكي تتمكن من الخروج من هذا الوضع. من ذلك في السنة الفارطة اعتمدت الحكومة سعر برميل النفط في حدود 54 دولارا والحال أن كل المؤشرات الموضوعية والموثوق بها شدّدت على أن سعر برميل النفط سوف يتعدى 70 دولارا في سنة 2018 وهو ما حصل بالفعل.
لقد تعهدت الحكومة بتقديم الموازنة على هذه الشاكلة بالتنسيق مع صندوق الدولي شرط أن تنفذ كل الزيادات التي التزمت بها معه قبل موفى السنة وهي ما تقوم به حاليا.
في هذا السياق جاءت الزيادات الثلاثية في سعر المحروقات على مدى السنة والزيادات المفرطة في سعر الطاقة (الكهرباء والغاز) التي طالت المستهلك مؤخرا بنسبة 13 بالمائة والمؤسسات عل دفعتين في ماي وسبتمبر 2018 بنسبة 33 بالمائة تقريبا علاوة على زيادة تفوق 50 بالمائة في التعريفة القارة للمادتين. وهي زيادات سوف تكون تداعياتها كارثية على مستوى التضخم لسنة 2018 و 2019 وعلى مستوى القدرة التنافسية للقطاعات الصناعية خاصة في صناعة المواد الغذائية وصناعة مواد البناء.
مشروع ميزانية 2019
أما بالنسبة لمشروع الميزانية لسنة 2019 وعلى مستوى النسخة المتوفرة حاليا فنلاحظ أن الميزانية لم تحدد قيمة الدينار مقابل الأورو أو الدولار التي ستعتمدها في تحديد الميزانية. هذا التغافل لا يعطي لهذا الجانب الأهمية التي يكتسيها خاصة إذا ما علمنا أن تونس تعيش بالاستهلاك عن طريق التوريد بالعملة الأجنبية كما أن لديها التزامات خارجية تتعلق بخدمة الدين التي تقدر حاليا في حدود 9,8 مليار دينار في سنة 2019 . في حالة انهيار قيمة الدينار وهو افتراض قائم الذات بشدة نظرا لأن كل الأسباب ما زالت موجودة للدفع نحو تعويم وتخفيض عملتنا الوطنية فإن قيمة خدمة الدين لسنة 2019 سوف ترتفع حتميا وسيشكل ذلك عجزا في الميزانية. كذلك التزام الحكومة بتخفيض نسبة المديونية في غياب تحديد لقيمة الدينار ليس له أي معنى جدي.
صدر بأسبوعية الشارع المغاربي في عددها الصادر يوم 23 أكتوبر 2018.