الشارع المغاربي : أصبح وزير الداخلية هشام الفوراتي منذ يوم 2 أكتوبر 2018 ، تاريخ عقد هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اول ندواتها الصحفية المخصصة للكشف عن معطيات حول ما أسمته بالجهاز السري لحركة النهضة في قلب التجاذبات السياسية اذ انه بات متهما بالتستر على جريمة وبالكذب وتقديم المغالطات.. فوهة مدفع وضع الفوراتي الذي يشرف على دواليب الوزارة منذ أقل من 4 أشهر نفسه فيها، الرجل جنى عليه طابعه الاداري وطبعه المُسالم وقبوله بان يكون مجرد واجهة لحقيبة يديرها في الحقيقة رئيس الحكومة يوسف الشاهد وحليفته النهضة.
لم تشفع مداخلة هشام الفوراتي “الرزينة” والملبقة بسجل عن نجاحات الوزارة في الحرب على الإرهاب خلال الجلسة العامة المنعقدة يوم امس ،في اخماد لهيب الانتقادات والتهم الموجهة اليه من قبل نواب المعارضة وعلى رأسهم نواب الجبهة الشعبية، والتي تمحورت عموما حول التنديد بنفيه وجود “غرفة سوداء” صلب الوزارة تتضمن محجوزات المدعو مصطفى خذر المتهم بادارة “التنظيم السري لحركة النهضة”، والنفي سرعان ما تم التراجع عنه بعد تأكيد القضاء ليس فقط وجود الغرفة بل وتكفله بتأمينها ونقل المحجوز صلبها باشراف من قاضي التحقيق.
الثابت ان مصداقية الوزير الفوراتي ضربت في مقتل بسبب نفي لا يبدو أنه بريئا لاسيما انه يهم قضية مركزية تتعلق باغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بما يعني أن الأمر لا يتعلق بخطأ اتصالي مثلما ذهب إلى ذلك رئيس كتلة الائتلاف الوطني مصطفى بن احمد، بل بشبهة تدخّل سياسي في عمل الوزارة بهدف طمس الحقيقة خدمة لاجندا حزبية، وذلك يمس من استقلالية هذه الوزارة السياسية ويضعها ووزيرها في قلب التجاذبات السياسية.
أداة طيّعة
وصف رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم 24 جويلية 2018 وزير الداخلية هشام الفوراتي ساعات قبل الاعلان الرسمي عن تعيينه بـ”شخصية ذات كفاءة عالية، وملمة بالملف الامني وبعيدة عن التجاذبات السياسية، وقادرة على القيام بمهامها بالشكل الامثل، وملتزمة بمواصلة الحرب على الفساد باعتبارها من أولويات الحكومة”، فيما وصف نواب مقربون منه هذا التعيين ب”وضع اليد بالكامل على الوزارة” بعد ان كان الشاهد لا يتحكم الا في عدد من اداراتها العامة وأبرزها المصالح المختصة.
والقول ان الشاهد سيضع يديه بالكامل على وزارة الداخلية وانه سيكون الوزير الفعلي يؤكده سجلّ الوزير نفسه، فلا شيء يمكن ان يبرر التعيين باستثناء جاهزيته الوزارية بحكم تكوينه الاداري لان يكون اداة لتطبيق التعليمات ،فالفوراتي المتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة حافظ على منصبه كمدير لديوان وزير الداخلية منذ يوم 5 فيفري 2015، المنصب الذي عُين فيه بقرار من ناجم الغرسلي، واستمر فيه حتى تسميته على رأس المؤسسة الامنية، وخلال السنوات التي قضاها بالديوان تعاقب على ادارة دواليب الوزارة كل من الغرسلي ثم الهادي مجدوب فلطفي ابراهم وأخيرا غازي الجريبي.
ما لا يعرف الكثيرون ان للفوارتي علاقة قرابة دموية تجمعه برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي (والدة الفوراتي ابنة خالة الباجي قائد السبسي)، وان الرئيس قائد السبسي استغرب ابان اعلامه من قبل رئيس الحكومة بتعيين الفوراتي على رأس الداخلية، ولرفع اللبس أمام اية إمكانية للربط بين القرابة والتعيين نُقل لنواب كتلة نداء تونس خلال اجتماع عقد يوم الجلسة العامة المخصصة لمنح الثقة للفوارتي، ان الرئيس غير موافق على التعيين وان علاقة القرابة لا تعني تزكيته اياه وزيرا للداخلية، وموقف الرئيس قدمه وقتها القيادي بحركة نداء تونس القريب من العائلة رؤوف الخماسي.
وما لا يعرف الكثيرون أيضا ان الفوراتي عُين سنة 2011 واليا بالمنستير بقرار من وزير الداخلية وقتها الحبيب الصيد، وانه عُين مديرا لديوان ناجم الغرسلي باقتراح من الصيد أيضا. ويتداول وجود تنسيق في بعض الملفات بين الفوراتي والحبيب الصيد الذي يتقلد اليوم منصب وزير مستشار لدى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. ومرد التنسيق القائم بين رئاسة الجمهورية ممثلة في الصيد والوزير الفوراتي في ملفات مثلما اشرنا رغم القطيعة الحاصلة بين القصبة وقرطاج هو علاقة الصداقة التي تجمع بين الرجلين.
صداقة تجمع الفوراتي أيضا بحركة النهضة التي لم تبد اعتراضا عند تعيينه، بل ووصفته بالشخصية “غير المتطرفة”، فيما تشير مصادر قريبة من القصبة الى ان الإبقاء على الفوراتي مديرا للديوان كان شرطا من شروط النهضة للقبول بتعيين لطفي ابراهم على رأس الداخلية، والمعلوم ان ابراهم فشل في تنحية مدير الديوان هشام الفوراتي وبقي الاخير في منصبه سنة كاملة رغم انف ابراهم مدعوما من القصبة ومونبليزير. وكان نواب قريبون من القصبة قد تداولوا ابان اعلان نداء تونس رفض تعيين هشام الفوراتي على رأس الداخلية واتهامه بالقرب من النهضة، ان حمادي الجبالي اقاله من منصبه كوال للمنستير خلال حكومة الترويكا الاولى بسبب ترخيصه عقد اجتماع “نداء الوطن” الذي مثل شرارة تأسيس نداء تونس، والخبر رغم تداوله بقوة بصفحات التواصل الاجتماعي بفضل “السبونسورينغ” بقي غير مؤكد والارجح ان يكون خبرا كاذبا.
ورغم كم الترابط والارتباطات التي تجمع الفوراتي بأكثر من فاعل في المشهد، فإن ذلك لا يعكس انفتاحا من الرجل على مختلف الحساسيات، اذ ان ما عاشت على وقعه الوزارة خلال الـ3 أشهر الاخيرة يؤكد ان الوزير هو عيون الشاهد في الداخلية. هذا ليس تهمة بالطبع فوزير الداخلية محمول عليه العمل بتنسيق تام مع رئيس الحكومة الذي له صلاحيات في تعيين المناصب الامنية السامية، لكن ما قد يعاب على الفوراتي، في صورة ثبوت التهم المتناقلة تحت قبة البرلمان وعلى لسان سياسيين وناشطين، تحوّل التنسيق الى تطبيع مع ممارسات خُيّل للجميع انها من الماضي سيء الذكر. من الغرفة السوداء الى لزهر لونقو تساءلت النائبة عن نداء تونس فاطمة المسدي في الجلسة العامة المنعقدة يوم امس عن سر تعيين الامني لزهر لونقو على رأس الاستعلامات العامة صلب وزارة الداخلية رغم انه محل قضايا مفتوحة ضده لليوم منها قضية متهمة فيها زوجة الرئيس الهارب بن علي. سؤال المسدي هو سؤال انكاري لان طرحه في حضرة وزير الداخلية تأكيد ضمني على ان الوزير لم يكن هو وراء هذا التعيين.
فالتعيين الذي اثار جدلا في صفوف الامنيين والسياسيين وسبق ان رفضه رئيس الحكومة في وقت سابق بتعلة ان شبهات فساد تحوم حول السيد لونقو بخلاف القضايا المرفوعة عليه وملفاته المفتوحة بالتفقدية العامة للامن الوطني، وارتباط عودته على رأس ادارة الاستعلامات في جويلية 2015 بعاطف العمراني مدير عام المصالح المختصة وقتها واحدى القيادات الامنية المتداول اسمها في ما يعرف بالامن الموازي، يشير الى امكانية ان يكون للنهضة دور في هذا التعيين.
بخلاف لزهر لونقو، طرحت في الكواليس ممارسات مشينة تتهم دوائر في الداخلية بالوقوف ورائها ، وان يحول غياب الشجاعة لدى البعض عن البوح بها علانية فان تواصلها قد يفضي الى كشفها ، والممارسات تتمثل أساسا في تتبع الحياة الخاصة لعدد من الفاعلين وخاصة الفاعلات من النائبات والناشطات، وتحصل “الشارع المغاربي” على معطيات تؤكد تعرض بعضهن لمقايضة وحتى ابتزاز حتى يُغيّن ماوقفهن او التشهير بهّن عبر صفحات فايسبوكية مشبوهة.
وينفي العديدون عن الوزير الفوراتي هذا الانحطاط الأخلاقي ويؤكد كل من يعرفه رفعة اخلاقه وتشبعه بقيم العمل الاداري، وان هذه الممارسات التي تندرج في اطار معركة سياسية حولت جزءا من الداخلية الى اداة من ادواتها يدل على ان المقود ليس بيدي الوزير الحالي وانه لليوم يحتفظ بدور اداري بحت فيما فوضت التعيينات خاصة في المواقع المحورية للقصبة وحليفتها.
وبالعودة الى قضية الغرفة السوداء، فهي تُذّكر بحلقات من التصريحات الكاذبة الصادرة عن وزارة الداخلية خاصة خلال فترة حكم الترويكا، من ذلك مقتل لطفي نقّض بسكتة قلبية أو نفي وجود ارهابيين في الشعانبي وغيرها من تصريحات التضليل لغايات سياسية، اليوم خسر الوزير هشام الفوراتي ورقة هامة ومهمة في ادارة أهم وزارة وهي المصداقية والنأي بالمؤسسة الامنية عن أية معركة سياسية. التدارك يبقى ممكنا شريطة التمسك بعقيدة أمنية وطنية لا ولاء فيها الا للأمن القومي بعيدا عن أي توظيف وعن تقديم أية حماية لأي شخص مهما كانت سلطته.