الشارع المغاربي – قسم الرياضة : تعيش البلاد على وقع حراك سياسي محتدم أملته التحرّكات الجانبية المرتبطة أساسا بالانتخابات الرئاسية المرتقبة والسابقة لأوانها والتي تعتبر هذه المرّة حدثا استثنائيا مغايرا لكلّ العناوين التي سبقت ليس فقط لتزامنها مع نسائم الحريّة والديمقراطية التي هبّت علينا في جمهورية الغد التي لازلنا بصدد البحث عن مداخلها ولكن أساسا لوفرة المترشّحين المصطفين في طوابير طويلة وعريضة على خطّ السباق في الطريق نحو الكرسي الهزّاز الساكن في قصر قرطاج وما يحمله كلّ اسم من المتسابقين من جدّ وهزل بين سطور سيرته الذاتية التي قد لا تكفي بعضهم لدخول حتى مسرح قرطاج…
المعركة الانتخابية تبدو على أشدّها خاصة أنّنا دخلنا مرحلة الجديات واستطلاعات سبر الآراء تقدّم لنا في كلّ مرّة اسما خارجا عن دائرة التوقّعات وبعيدا عن رقعة التكهنات التي تخضع في مجملها لمنطق الحظوظ الوافرة ولتكتيك التحالفات وخاصة لدعم اللوبيّات من الداخل والخارج…
حراك سياسي بدأ يستعر تدريجيا وبدأ يلقي بغيومه على كلّ مفاصل الدولة بكامل مؤسساتها والتي لن تسلم هي الأخرى من لعبة المدّ والجزر وحسابات الفرقاء والأصدقاء لأنّ رأس الحكومة بدوره معني بهذه الانتخابات وبهذه التجاذبات والكلّ يدرك جيّدا أن العائلة الرياضية في تونس ليست بمعزل هي الأخرى عن هذه التقلّبات والتطوّرات وهي في جوهرها وباطنها خارطة الطريق الحقيقية والوحيدة ربّما المؤدّية الى صناديق الاقتراع… هناك حيث الخزّان الانتخابي يمتلئ ويفيض ليس حسب أهواء الناخبين فقط ولكن وفق قانون الوفاء والانتماء لألوان الجمعية التي تعلو رايتها على راية المصلحة الوطنية.
بلا حدود ولا ألوان…
عندما كانت الخارطة السياسية في تونس حكرا فقط على بعض العناوين التي تحدّها من اليمين ضوابط السلم الاجتماعي وعن الشمال وحدة الصفّ الواحد كانت الخارطة الرياضية امتدادا هي الأخرى لهذا النهج التوحيدي حيث لا اختلاف سوى في الألوان وكانت كلّ الرقعة الجغرافية فضاء شاسعا مفتوحا على حزب واحد ورئيس واحد فكان الكلّ يسبح في فلك الملك مع قليل من المناخ الديمقراطي المعتدل والمفتعل… فكانت الأندية تختار زعيمها من بين مرشحي النظام حتى لا تهرب أصوات الجماهير من صناديق الناخبين… وكانت الصورة حينها أشبه بعرض مسرحي في منتهى الابداع والحرفية يختار فيه جمهور المدارج الثائر على النظام والقوانين البالية مرشّحهم من بين قائمات النظام المعروضة على المقاس…ويصعد من بين الزحام وبتوصية من النظام رئيس شرفي صوري ليعيد تقويم كلّ ذلك الحطام الذي خلّفه قمع نفس ذلك النظام… بعد ذلك وبزوال شمس تلك الحقبة الخالدة في النفوس والأذهان فرّ الجميع من قيود السجّان وقفزوا إلى قارب النسيان… طوينا صفحة صارت قديمة ودخلنا جميعا في لعبة جديدة بتوصيفات وتسميات مغايرة مع بروز أسماء غريبة احتلت الفضاءات الواسعة والشاسعة في ملاعبنا ومنابرنا جاءت لخدمة أجندات سياسية خالصة على حساب مصالح الجمعية… فأصبح فضاء كرة القدم مرتعا لكل من هبّ ودبّ واختلط الحابل بالنابل فصار رئيس الجمعية هو نفسه نائب الشعب تحت قبة البرلمان وصارت الجمعية الرياضية نفسها امتدادا لقواعد الحزب سواء كانوا من الفرقاء أو من الإخوان.
اليوم لم تعد للخارطة الرياضية في تونس أيّة حدود أو ألوان… وكلّ الفرق بصغيرها قبل كبيرها ألغت حدودها وكسّرت قيودها ودخلت في معمعة الانتخابات لذلك سنشاهد في الفترة القادمة توظيفا جديدا وتوجيها غير بريء لتحرّكات الجماهير التي ستجد نفسها بين سندان الوفاء للنادي ومنطق الانتماءات وبين مطرقة الأوامر وفلسفة التعليمات على غرار ما حصل ويحصل دائما في معارك الجهويات عندما يتعلّق الأمر بصراع الجنوب والساحل في بعض المباريات.
قوى الدفع إلى الأمام…
تأثير الخارطة الرياضية على مسار المعركة الانتخابية في تونس سيكون كبيرا جدا هذه المرّة والعارفون بخفايا الأمور يدركون جيّدا أن موازين القوى التي تتحكّم في ميزان اللعبة الانتخابية تغيّرت بشكل كبير هي الأخرى ولم تعد قوى الدفع التي تحكم قبضتها على مسار ومآل الانتخابات هي نفسها والحديث دائما من منطلق رياضي بحت بعيد كل البعد عن بقيّة العوامل والتأثيرات التي تستمد أنفاسها من نسائم العهد القديم حيث يسيطر لوبي العائلات الحاكمة والمالكة على مواقع القرار… قوى الدفع ليست الوحيدة التي تغيّرت ولكن الأساليب والدوافع كذلك تغيّرت وطوّرت من فلسفتها ومنطق التوجيهات والتحالفات يخضع اليوم لقانون واحد هو المصالح بما فيها تلك المتقاطعة والمتضاربة… موازين القوى اليوم على الساحة الرياضية مالت كفتها لفائدة الجنوب الصامت لسنوات وسنوات والفضل في ذلك يعود لرئيس الجامعة التونسية لكرة القدم الذي يتقن جيدا فنون القتال رياضيا وسياسيا مستفيدا من تعاظم الوجود “النهضوي” على الحدود والمواقع الجنوبية في بداية مشواره الرياضي ووصولا الى تحالفه غير المعلن مع حكومة الظلّ في “قصبة” يوسف الشاهد. إذن سيكون حجر الأساس الأوّل في هذه الانتخابات المرتقبة هو اسم وديع الجريء الذي يملك بين أًصابعه أزرارا عديدة وكثيرة قادرة على التغيير والتأُثير بشكل كبير في مسار الانتخابات… فالجريء هو عبارة عن رئيس حكومة البلاد الرياضية التونسية وله في كل ولاية تونسية رئيس جمعية بوزن وال… وكلّ رئيس جمعية يدين بالولاء للجريء ويأتمر بأمره لحسابات يعلمها القاصي والداني… والجريء كان في مناسبات عديدة مطمعا لعديد الأحزاب الكبيرة لكنه ظلّ يتمنّع لأنّه حريص على البقاء في الظلّ وهو من بين أولئك الذين يتلذذون بتشكيل التحالفات بعد نهاية الحروب والأزمات…والجريء ومن ورائه جامعة كرة القدم ليس الوحيد الذي يشكّل ثقلا في هذه الموازنة الرياضية الممزوجة حليبا طازجا وببهارات سياسية… فالأندية الكبيرة في تونس ونعني الرباعي التقليدي الترجي الرياضي والنادي الافريقي والنجم الساحلي والنادي الصفاقسي لها عادة القدرة على التأثير بشكل كبير في العملية الانتخابية بدليل ما حصل مع سليم الرياحي عند ترؤّسه فريق الشعب النادي الافريقي أو بدرجة أقّل رضا شرف الدين الذي اشتد عوده بعد مروره بالنجم… هذا الرباعي وحده قادر على ترجيح كفّة حزب أو اسم على حساب طرف آخر فقط لو امتثلت قواعده الى توجيهات القيادة العامة على غرار ما يحصل في التنظيمات الايديولوجية التي تبدو مفاهيمها وقوانينها قريبة من عالم الكرة ولكن هذا الأمر يبدو صعبا جدا لأنّ هذه الأندية الوازنة والتي تعتبر خزانا انتخابيا كبيرا جدا مخترقة الصفوف من الداخل والخارج ولها أكثر من رأس ولها في زقاق وفي كل حزب أب أو أكثر وألف عنوان…
الوتد الثالث الذي يشدّ عماد هذه المعركة الانتخابية هو حسب وجهة نظر كثيرين قد يكون أهمهم وأخطرهم وهو القائم على وتر الجهويات والتقسيم الجغرافي المقيت والذي للأسف له جمهوره ومؤيّدوه… هذا الوتد الصلب يعتمد أساسا على ثنائية الجنوب الساحل ويتغذّى من نظرية الظلم التي خلّفها جبناء الحرس القديم… هؤلاء يعتبرون أن الساحل هو المؤهّل الوحيد لقيادة البلاد والعباد ويقابلهم في هذا الطرح على الضفّة المقابلة ثوّار العهد الجديد الذين ينادون بعودة الجنوب الى واجهة الريادة لأنهم أصل الملاحم والبطولات والقيادة.
ومن هنا ينطلق البعض في تسويق وعودهم الانتخابية الزائفة والزائلة من خلال اللعب على شدّ هذا الحبل ومن ينتصر للساحل سيكون ورقتهم الأولى حتى لو كان “مكشّخ” الهوى ومن يمثّل خارطة الجنوب سيكون ساكن القلوب هناك حتى لو كان “بلدي مضروب”…
سليم الرياحي ورضا شرف الدين والمنجي لسود وعادل الدعداع والمهدي بن غربية وحسين جنيح وحامد المغربي ووليد الجلاد وخاصة وديع الجريء كلّها أسماء تضع قدما في الملعب وقدما أخرى في الميدان و جمعيهم يشتركون في غايات واحدة وأهداف ثابتة وزائفة…الحزب…الجمعية…ثمّ الوطن…